يستعد تنظيم “الإخوان المسلمين”، الذي تأسّس في العام 1928، والذي يشكّل المعارضة الأقوى والأفضل تنظيماً لنظام مبارك، لانتخاب “مرشد أعلى” جديد في الأسبوع المقبل. وقد انتخب “الإخوان”، الذين باتوا أكثر من أي وقت مضى منقسمين بين “محافظين” و”إصلاحيين”، 16 عضواً لـ”مكتب الإرشاد” في يوم 21 ديسمبر. وأعطت هذه الإنتخابات الغلبة لفريق “المحافظين” الذين يدعون إلى انكفاء التنظيم إلى الأصول التي قام عليها نهوضه الأصلي: الأعمال الإجتماعية، والخيرية، والتعليمية، علاوة على العودة إلى الدين. ومن المؤكّد أن المرشد الأعلى الجديد الذي سيحلّ محل “البراغماتي” محمد مهدي عاكف، الذي بلغ عمره 81 سنة، سيكون من “المحافظين”.
بالإجمال، يمكن القول بأن “الإصلاحيين”، وهم الأصغر سنّاً والأكثر نشاطاً على “المدوّنات”، وينشطون من أجل الإنفتاح على المعارضين السياسيين الآخرين ومن أجل زيادة إنخراط التنظيم في اللعبة السياسية الداخلية، قد خسروا ممثّلهم الوحيد في “المكتب السياسي”، وهو “عبد المنعم أبو الفتوح” الذي لم يتم التجديد له، مثله مثل الطبيب “البراغماتي” محمد سيّد حبيب.
بالمقابل، تمّ انتخاب الإصلاحي “عصام العريان (55 سنة) الذي يتمتع بشعبية واسعة والذي كان يسعى لدخول المكتب السياسي منذ سنوات. إن هذا الطبيب المعتدل سياسياً، الذي يعمل في صفوف “الإخوان” منذ 35 سنة، يجاهر بأنه- على نقيض المسلّمات المعتمدة في التنظيم- يقبل بوصول إمرأة أو مسيحي إلى رئاسة الدولة، كما يدعو إلى”تعاون أكبر” مع الغرب. وهو يعتقد أنه “حان الوقت للقبول بوجود إسرائيل في إطار حلّ على أساس دولتين” من أجل حلّ القضية الفلسطينية.
ويقول “المدوّن” الحداثي النشط “عبد المنعم محمود” أن الرئيس مبارك الذي يفضّل أن يواجه تنظيماً محافظاً ومنكفئاً على نفسه وليس تنظيماً إصلاحياً ودينامياً، “قد حصل، بفضل القمع على ما كان يرغب به بالضبط”. ويضيف: “حينما تسود الحرّية، تغلب الأفكار الإصلاحية. أما في ظل الإستبداد، فإن المحافظين هم الذين يفوزون”.
ويتّفق مع وجهة النظر تلك الباحث الأميركي في جامعة “كنت” (“أوهايو”) “جوشوا ستاكر” الذي يعتقد أن “الدولة المصرية قد فرضت تركيبة حركة الإخوان المسلمين التي نراها اليوم”. ويضيف أن الإخوان المسلمين المحافظين يستفيدون من طرح فكرة أن “المشاركة في الإنتخابات في مصر لن تسفر سوى عن مزيد من الإعتقالات”.
عدم إستفزاز السلطة
إن حركة الإخوان المسلمين، التي أعلنت رسمياً تخليها عن العنف قبل 30 سنة، والتي تملك بعض النفوذ في الأردن وفلسطين وغيرها من بلدان العالم العربي، لم تحصل على الحق في تأليف حزب سياسي شرعي في مصر. وما زال بعض أعضائها، الذين استقالوا تحديداً من أجل تشكيل حزب مستقل، ينتظرون منذ 15 سنة الترخيص الرسمي الذي لا يبدو أنه على الأبواب.
وقد أتاحت الإنتخابات التشريعية في العام 2005، بفضل ضغوط أميركية قوية، مشاركة عدد من المرشّحين “المستقلين”، باعتبار أن “الإخوان” الذين تغض الدولة النظر عن نشاطهم ما يزالون ممنوعين من الترشيح بإسمهم. وحقّق هؤلاء “إختراقاً تاريخياً”، حينما نجحوا في انتزاع جميع الـ88 مقعداً (من أصل 455) التي ترشّحوا عنها. وقال الرجل الثاني في الإخوان، “محمد حبيب”، لجريدة “لوموند” مؤخراً: “لقد اكتفينا بهذا العدد بغية عدم إستفزاز السلطة”. ولكن هذا الإعتدال لم يُعطِ النتائج المتوخاة.
فقد استمرت أعمال القمع، بل وتصاعدت (يوجد في السجون المصرية حالياً 224 عضواً في “الإخوان”، بينهم بضع عشرات من مسؤولي المحافظات)، في حين تقوم السلطات بكل ما بوسعها من أجل عرقلة النشاطات الخيرية للحركة. وفي مطلع شهر ديسمبر، تذرّعت السلطات بذرائع إدارية لهدم مستشفى كان “الإخوان المسلمون” قد شرعوا ببنائه لصالح فقراء القاهرة. وحيث أن الضغوط الأميركية لصالح توسيع الديمقراطية في مصر قد توقّفت عملياً منذ 3 سنوات، فإن الكثير من المصريين يشكّون في أن تتمكن حركة “الإخوان المسلمين” من المشاركة بحرّية في إنتخابات 2010 التشريعية. وبالأحرى في إنتخابات 2011 الرئاسية. وهذا كله يحمل خطر دفع مزيد من الشبان “المتحمّسين”، الذين يشعرون بخيبة الأمل من اللعبة “الديمقراطية” المزعومة، نحو مزيد من العنف، كما حدث مراراً في الماضي.
الكاتب: باتريس كلود، مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية