ساهمت قمة مجلس التعاون المنعقدة في الاسبوع الماضي في الكويت في بناء حالة جديدة بين دول مجلس التعاون، وقد يصح القول بأنها قمة استعادة الثقة بمجلس التعاون ودوره وربما افاقه القادمة. فعلى مر السنوات تعامل الكثير منا مع مجلس التعاون بدرجة عالية من التشكك والتساؤل. فهو مجلس بطيئ في حركته، بينما تبقى قراراته بلا تطبيق وتنفيذ. لقد شعرت هذه المرة وشعر جمهور كبير متابع للقمة بوجود طاقة جديدة بين اعضاء المجلس وقادته مما ساهم في تعديل الانطباع السائد. هذه المرة ربما شعر كل من قادة دول مجلس التعاون بخطر في اليمن، بخطر الحرب بين اسرائيل وايران، بخطر الارهاب الداخلي وفي العراق، بخطر التهميش العربي، بتعمق مأزق الحل السياسي في فلسطين، وبوطأة الازمة المالية. ربما لاول مرة شعر كل منهم انه يجب ان يقدم بعض التنازلات من اجل الربط الكهربائي و من اجل العملة الموحدة لصالح قوة اكبر مع العمل على اعطاء المجلس وزنا اكبر من خلال الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا. ربما شعر اعضاء مجلس التعاون ان الدول الصغرى التي تنعزل خلف اسوارها في ظل عالم يقوم على كتل كبرى تتحول للغمة سائغة للدول الكبرى وللطموحات العالمية والاقليمية.
ان القرارات التي اخذت في هذه القمة قد تؤسس لعالم جديد في منطقة الخليج. لكن هذا العالم لن ينبثق بسهولة وفي فترة زمنية قريبة، لكن قرارات القمة الاخيرة وتوجهاتها بدأت تشير لاتجاه ممكن التحقيق بعد عقود من العمل. ان بناء السوق المشتركة التي اصبحت هدفا لدول مجلس التعاون تعني فتح لكل الاسواق، ومقدرة على التجول والتحرك بين جميع الدول بلا حدود، وهي تعني حرية البضائع بالتحرك من الكويت الى عمان والعكس. لنتخيل شاب او شابة يعيش في الكويت ويعمل في البحرين فينتقل كل صباح الى البحرين بواسطة القطار المريح والسريع. السوق المشتركة تعني الكثير لو تحققت وتحولت لواقع لانها ستساعد دول مجلس التعاون على تطوير قدراتها في جميع المجالات.
لكن من اليوم وحتى بناء السوق المشتركة هناك معوقات عديدة. فالمشاركة الشعبية غير موجودة في دول مجلس التعاون باستثناء الكويت. كما ان المجلس الاستشاري التابع لمجلس التعاون هو الاخر ليس فعالا، ولا يمتلك الصلاحيات لتقرير اي شأن من الشؤون او للبحث بأمر من الامور. وفي مجلس التعاون هناك خلافات يمكنها في اي لحظة ان تتحول لمعوقات للتعاون. في مجلس التعاون تشعر الدول الاصغر حجما بالحاجة لاثبات استقلالها عن الدول الاكبر خاصة المملكة العربية السعودية، وتشعر السعودية بنفس الوقت بأنها الجزء الاكبر والاهم في مجلس التعاون من حيث الحجم والاقتصاد والكثافة السكانية. وبين كل دولة والاخرى هناك بعض القضايا الحدودية العالقة، وهناك رؤي مختلفة للمسألة الاقليمية تجاه ايران وتجاه اليمن والحوثيين والعراق.
ان التحدي الاكبر امام دول مجلس التعاون يتلخص في مقدرتها تخفيف سلبيات السياسة وتأثيرها السلبي على المشروع الوطني الاكبر في توحيد منطقة الخليج اقتصاديا. على دول الخليج ان تسير قدما في تنفيذ ما اتفق عليه وفي تفعيل القرارات السابقة، وقد احسنت في تركيزها على الاقتصاد والربط الاقتصادي لان في ذلك مدخل على قدر كبير من الاهمية يتجاوز الكثير من الحساسيات القائمة بين دول مجلس التعاون. في المستقبل سيكون ضروريا ان تقر دول مجلس التعاون برلمانا خليجيا موحدا يكون سندا شعبيا لخطوات التداخل والسوق. ان الطريق طويل، لكن خطوة الالف ميل لابد لها من ان تبدأ بخطوة واحدة. في اللقاء الاخير لدول مجلس التعاون وقعت قفزة، الان يجب متابعتها في مجال التنفيذ وتحقيق نتائج فعلية على الارض.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت