في 14 كانون الأول/ديسمبر الحالي، من المقرر أن يجتمع الرئيس اللبناني ميشال سليمان مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الابيض. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يطلب الرئيس سليمان خلال زيارته هذه، الحصول على دعم الإدارة الأمريكية لزيادة المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن. ورغم المخاوف من أن العتاد الذي ستقدمه الولايات المتحدة سيتسرب إلى حزب الله، من المرجح أن توافق واشنطن على زيادة حجم هذا التمويل، نظراً للسجل الأمني الممتاز الذي تتمتع به القوات المسلحة اللبنانية فيما يتعلق بالمعدات الأمريكية المنشأ. إن موضوع التمويل العسكري الأمريكي للبنان يسلط الضوء على التطورات الأخيرة في السياسة اللبنانية والتي تشير إلى العودة المجددة لحزب الله — وداعميه السوري والإيراني — في بيروت. وعلى الرغم من أن «تحالف 14 آذار» الموالي للغرب كان قد حقق انتصاراً كبيراً في انتخابات حزيران/يونيو المنصرم، إلا أن الحكومة التي انبثقت بعد ستة أشهر من تلك الإنتخابات تشكل نكسة لواشنطن وحلفائها اللبنانيين. وقد لخص السفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى مؤخراً مدى هذه النكسة – التي تشكلها هذه الحكومة اللبنانية على «تحالف 14 آذار» والولايات المتحدة على حد سواء — حيث قال: “نحن معجبون بها!… هي بالضبط نوع الحكومة التي نعتقد ينبغي أن تحكم لبنان”.
حكومة جديدة
عقب فوزه في انتخابات حزيران/يونيو، بدأ رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بالمفاوضات الشاقة لتشكيل حكومة لبنانية جديدة مع المعارضة التي يقودهاحزب الله وتدعمها سوريا وإيران. ولم يقتصر الأمر على تمسك المعارضة بـ”الثلث المعطل” الذي يمنحها حق النقض (الفيتو) في مجلس الوزراء، فقد طالب “التيار الوطني الحر” — الحليف المسيحي لحزب الله برئاسة ميشال عون — ، بإعادة تعيين صهر عون (ورد، خطأ في الأصل “إبن شقيق عون) ووريثه السياسي المرجّج جبران باسيل — الذي خسر مقعده في البرلمان — إلى منصبه السابق كوزير للإتصالات. لقد كانت تلك المطالب غير مستساغة إلى درجة أن الحريري تنحّى عن تشكيل الحكومة في إحدى المراحل.
وعلى الرغم من إعادة تعيين الحريري، وبسبب الضغوط التي تعرّض لها من داعميه السعوديين، والخوف من قيام حزب الله بجولة جديدة من العنف – على غرار إجتياح الميليشيا الشيعية لبيروت في أيار/مايو 2008، — فقد وافق الحريري في النهاية على جميع مطالب المعارضة تقريباً. وتم توزيع تقسيم مقاعد الحكومة بمنح خمسة عشر منصباً وزارياً لـ «تحالف 14 آذار» الذي يترأسه الحريري، ومنح المعارضة عشرة وزراء، والرئيس ميشال سليمان “المحايد” كما يُدعى، خمسة مقاعد وزارية. وفي حين لم يمنح هذا التخصيص – حسب الإتفاق المكتوب — أحد عشر منصباً وزارياً التي طلبها حزب الله لكي يحصل على صيغة الثلث المعطل، إلا أنه يُفترض على نطاق واسع بأن بإمكان الميليشيات الشيعية التعويل على ما لا يقل عن وزير واحد من الوزراء الخمسة المعينين من قبل الرئيس سليمان لتأمين حق النقض (الفيتو). وفي حين لم يحصل جبران باسيل في النهاية على منصب وزير الإتصالات، إلا أنه عُين وزيراً للطاقة والمياه.
لقد أُجبر الحريري على تقديم هذه التنازلات، جزئياً على الأقل، بسبب ضعف الائتلاف الذي ينتمي إليه. فبعد وقت قصير من إجراء الإنتخابات، ابتعد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن«تحالف 14 آذار» بعد أن كان أحد أركانه — ربما لشعوره بتغيّر الأوضاع السياسية — ونأى بنفسه عنه. ويبدو أيضاً أن الرياض، التي تأمل برأب الصدع في علاقاتها مع دمشق في نطاق محاولتها لإبعاد سوريا عن إيران، هي التي دفعت الحريري إلى إبرام الإتفاق. وفي نطاق هذه التسوية السعودية، سيسافر الحريري قريباً إلى سوريا للقاء الرئيس بشار الأسد، الرجل الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه هو الذي أمر بقتل والد سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
البيان الوزاري
في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، سافر العاهل السعودي الملك عبد الله إلى دمشق، وبعد أقل من شهر، تم الإعلان عن تشكيل حكومة في بيروت. وخلال الشهر الماضي، كان «تحالف 14 آذار» والمعارضة يتشاحنان حول مضمون البيان الوزاري. وعندما نُشرت تفاصيل البيان في 2 كانون الأول/ديسمبر، كانت معظمها غير مثيرة للجدل حسب المعايير اللبنانية. وكانت نقطة الخلاف الوحيدة هي المادة 6، التي يشار إليها باسم “بند المقاومة”، والتي تؤكد على “حق الشعب اللبناني، وجيشه، ومقاومته [أي حزب الله] في “الدفاع عن لبنان في مواجهة أي عدوان [أجنبي] ” و”تحرير مزارع شبعا وكفر شوبا والجزء اللبناني من الغجر”.
فبالإضافة إلى كون تلك المادة انتهاكاً واضحاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي ينص على “نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان”، يعتبر العديد من المسيحيين من أعضاء البرلمان ضمن «تحالف 14 آذار» بأنها تشكل أيضاً انتهاكاً للدستور.
نهوض حزب الله
تمثل الحكومة الجديدة في لبنان تطوّراً معاكساً بالنسبة للميليشيا الشيعية. فمنذ قمة ذروتها في عام 2006، فقدت “المقاومة” الكثير من بريقها. وفي أيلول/سبتمبر 2009، أُلقي القبض على الممول المحلي الرئيسي لحزب الله الذي كلف الحزب 680 مليون دولار حسبما ورد في الإعلام؛ وقبل بضعة أشهر من ذلك، اتهم تقرير نُشر في مجلة “دير شبيجل” الألمانية، حزب الله بالتورط في اغتيال الحريري؛ وفي أيار/مايو 2008، وجهت هذه المنظمة الشيعية أسلحتها ضد شعب لبنان عندما غزت بيروت، وقوضت بذلك سمعة الحزب حول تركيزه على “المقاومة”. وبالإضافة إلى هذه الصعوبات والهزيمة التي لحقت بحزب الله في انتخابات حزيران/يونيو، تم إلقاء القبض على خلايا حزب الله في أذربيجان (2008) ومصر (2007)، كما قيل بأن مقاتلين [من حزب الله] قد قتلوا في ساحة المعركة عنما كانوا يدعمون المتمردين الحوثيين في اليمن (2009).
وعلى الرغم من هذه الانتكاسات، فقد سمحت فتوى صادرة عن القائد الأعلى في إيران بإعادة انتخاب السيد حسن نصر الله لمنصب الأمين العام لحزب الله، في تشرين الثاني/نوفمبر 2009. وهذه سادس فترة لمدة ثلاث سنوات على الرغم من أن النظام الداخلي للحزب يحصر شاغل منصب الأمين العام بمدّتين متعاقبتين. المحددة. وفي الوقت نفسه، اعتمد التنظيم بياناُ سياسياُ “جديداُ” يشكل تحديثاً لبرنامج العام 1985. وفي حين تعكس أغلب فقرات الوثيقة الجديدة مواقف حزب الله فهناك بضع نقاط تستحق الذكر:
• الولايات المتحدة – لا تزال عدواً. ذكرت وثيقة عام 1985 بأن حزب الله كان “يسير في اتجاه محاربة جذور المُنكَر وأمريكا هي الجذر الأول للمُنكَر”. ولا تزال لغة “المواجهة” مع الولايات المتحدة قائمة في البيان الجديد، حيث تُشير، “لم يترك الإستكبار الأميركي لأمتنا … من خيار إلا المقاومة”.
• إسرائيل – لا يزال يتعين تدميرها. كما هو الحال مع وثيقة عام 1985 – وعلى العكس مما جاء في بيان الحكومة الوزاري — ترفض الوثيقة الجديدة خيار التسوية القائم على التفاوض مع “الكيان الصهيوني”. ويلاحظ بشكل خاص، بأنه في حين لم يرد ذكر القدس والمسجد الأقصى في وثيقة عام 1985، وُصف تحريرهما في البيان الجديد بأنه “واجب ديني ومسؤولية إنسانية وأخلاقية”.
• التركيز – على “الديموقراطية التوافقية”. يدعو حزب الله إلى إنهاء النظام السياسي الطائفي في بيروت، ولكن ما دام هذا النظام في محله، فوفقاً للبيان، ” تبقى الديمقراطية التوافقية أساس الحكم في لبنان”. وتعادل هذه الصياغة مطالبة الميليشيا بحق النقض الدائمي في مجلس الوزراء.
الخاتمة
في الأشهر الستة التي مضت منذ فوز «تحالف 14 آذار» في الإنتخابات البرلمانية، تحول الزخم في الحياة السياسية اللبنانية مرة أخرى لصالح حزب الله وحلفائه؛ ويبدو أن هذا الإتجاه سيتعزّز سيتأرجح أكثر في أعقاب الزيارات [التي سيقوم بها] الحريري وجنبلاط إلى دمشق. وفي حين يعزز حزب الله من مكاسبه السياسية، يقال بأنه يحسن أيضاً من قدراته العسكرية. وعلى الرغم من قيام إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، باعتراض السفينة “فرانكوب” — التي حاولت نقل نحو 500 طن من الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا، — هناك اعتقاد واسع النطاق بأن الميليشيات الشيعية قد حصلت على منظومات صواريخ روسية متقدمة مضادة للطائرات من نوع ” أس إي 24 إيغلا أس”. وتعتبر إسرائيل هذه نظم الدفاع الجوي التي تُطلَق من الكتف بمثابة “تطوّر يغيّر قواعد اللعبة”.
بعد أربع سنوات من قيام “ثورة الأرز”، من الواضح بشكل متزايد أن سوريا وحلفاءها قد استعادوا اليد الطولى في لبنان. ويبدو أن إدارة أوباما لم تفعل شيئاً يُذكر حتى الآن لوقف المد، ولكن بالنظر إلى المخاطر، يجب على واشنطن التحرك بسرعة لعكس هذا الاتجاه.
أولاً، يجب على واشنطن والمملكة العربية السعودية أن تنسّقا مواقفهما: إن تحسين العلاقات مع دمشق — على حساب بيروت — لن يحمي الرياض من التهديد الإيراني وسيأتي بنتائج عكسية. ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تحاول أيضاً أن تنشّط نقاشات الأمم المتحدة لقرار مجلس الأمن رقم 1701، للفت الإنتباه إلى عدم الاستقرار الناجم عن إستمرار تزويد الميليشيات الشيعية بالسلاح. وفي الوقت نفسه، ينبغي على واشنطن أن تسلط الضوء بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين — وخاصة بريطانيا العظمى – على الاتهام الذي وّجّه في شهر نوفمبر 2009، ضد عضو اللجنة السياسية لحزب الله حسن حدرج المتهم بشراء أسلحة نيابةً عن حزب الله. إن ألقاء القبض على حدرج ينبغي أن يؤدي وبصورة دائمة إلى وضع حد للرواية القائلة بأن حزب الله مقسم إلى “أجنحة” سياسية وعسكرية.
وأخيراً، وربما الأهم من كل ذلك، ينبغي على واشنطن أن توضح لدمشق بأن استمرار التدخل السوري في لبنان — ودعم سوريا المستمر لحزب الله، — بالإضافة إلى تقويض الإستقرار في العراق، سيمنع التقارب بين الولايات المتحدة وسوريا. إن سوريا تدعو اليوم بصراحة إلى قيام “شرق أوسط مقاوم” في حين يعلن المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل بأنه “إذا كانت سوريا تريد حقاً علاقة أفضل مع الولايات المتحدة… يجب أن تضع حداً لدعمها للجماعات الإرهابية”. وفي آب/أغسطس الماضي، قال “مسؤول أمريكي رفيع المستوى” — يعتقد كثيرون أنه نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان — لصحيفة “النهار” اللبنانية: “إن السوريين مخطئون إذا اعتقدوا بأن علاقاتهم معنا لن تتأثر نتيجة ما يفعلونه في لبنان”. ونظراً للتطورات الأخيرة في لبنان، فقد حان الوقت لكي تقوم واشنطن بفرض ثمن على تصرفات سوريا.
• ديفيد شينكر هو زميل “أوفزين” ومدير “برنامج السياسة العربية” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.