بدأت المحكمة الدستورية التركية في الساعة التاسعة والنصف من صبيحة أمس الثلاثاء 8 نوفمبر، بالنظر والتداول في أساس دعوى الحظر المُقامة من المدعي العام للجمهورية على حزب المجتمع الديمقراطي، ممثل المكوِّن الكوردي في البرلمان التركي، بعد استلام رئيس المحكمة ” هاشم كليج ” تقريرَ المُحكمين المكلفين بتدقيق الإدعاء، وبذلك يكونُ قد بدأ العدُّ التنازلي لحظر الحزب الكوردي، بعد سنتين من إقامة الدعوى عليه.
ولن يطالَ قرارُ الحظر إذا ما صدرَ عن المحكمة حزب المجتمع الديمقراطي كشخصيةٍ اعتبارية فقط، بل سيطالُ 219 عضواً فيه، بينهم برلمانيون ورؤساء بلديات وقياديون محليون، الذين سيُحرمونَ من ممارسة الأنشطة السياسية لمدةِ خمسِ سنوات.
من بين التهم الموجهة للحزب الكوردي، التي بُنيَ عليها الإدعاءُ المُحالُ إلى المحكمة الدستورية بتاريخ 16 نوفمبر 2007 من قبل المدعي العام للجمهورية عبد الرحمن يالجينكايا “تحولُ الحزبِ إلى بؤرةٍ للأنشطة المناهضة لوحدة الشعب والوطن في تركيا”، وتعارضُ تلكَ الأنشطة مع المادة /68/ – الفقرة 4 من الدستور التركي، ومع المواد /78، 80، 82، 90/ من قانون الأحزاب السياسية التركي رقم 2820، وقد طلبَ المُدعي العام للجمهورية حظرَ الحزب نهائياً تأسيساً على فحوى المادة /69/ – الفقرة السادسة من الدستور التركي، والمادتين /101 و103/ من قانون الأحزاب التركي الصادر بموجب القانون رقم /2820/.
ويستندُ إدعاء يالجينكايا المؤلف من 121 صفحة ضدَّ حزب المجتمع الديمقراطي إلى العديد من الوقائع، منها على سبيل المثال: أنَّ الحزب تأسسَ بناءً على تعليمات “عبد الله أوجلان” زعيم حزب العمال الكوردستاني المُعتقل، وأن “أوجلان ” وراء تسمية الحزب أيضاً، ومصدرُ مدعي عام الجمهورية “يالجينكايا” في ذلك مُقتطفٌ من محادثة “أوجلان ” معمحاميه في سجن “إيمرالي” بتاريخ 5 مايو 2004 يقترحُ فيها ضرورةَ تأسيس حزبٍ سياسي جديد تحتَ مُسمى ” حزب المجتمع الديمقراطي”، ويرى المدعي العام في نصِّ إدعاءه المقدَّم إلى المحكمة الدستورية التركية أنَّ حل حز الشعب الديمقراطي DEHAP وانتقال أعضاءه إلى حزب المجتمع الديمقراطي كان وفاقاً لتعليمات “أوجلان” في سجنه، كما ويرى أن حزب المجتمع الديمقراطي وقبله حزب الشعب الديمقراطي وقيادات حزب العمال الكوردستاني إنما يُدارون من قبل ” أوجلان ” وهو في سجنه.
ويستندُ المدعي العام “يالجينكايا” في ربطه بين حزب المجتمع الديمقراطي وحزب العمال الكوردستاني، إلى حدث اغتيال السياسي الكوردي ” حكمت فيدان “، والذي كان يشغلُ أثناء نشاط حزب الشعب الديمقراطي DEHAP منصب نائب رئيس الحزب، وحين تأسس حزب المجتمع الديمقراطي طُلِبَ منه أن ينشطَ في الحزب الجديد, ولكن اختلاف “حكمت فيدان” مع أطروحات “أوجلان”، وإقامته علاقات وثيقة مع حزب الوطنيين الديمقراطيين الكوردستاني المُنشق عن العمال الكوردستاني، وتَزَعَمَه مع تأسيسه “أوصمان أوجلان” شقيقُ “عبد الله أوجلان”، أدى إلى مقتل “فيدان” على يد كادرٍ من حزب العمال الكوردستاني في أحد أزقة “ديار بكر”، بحسب المدعي العام ” يالجينكايا “.
وقد ضَمَّنَ المدعي العام ” يالجينكايا ” في كتاب الإدعاء المقدم في 16 نوفمبر 2007 إلى المحكمة الدستورية التركية جملةَ إجراءات، مُطالباً باتخاذها اعتباراً من تاريخ نشر نصّ الادعاء في الجريدة الرسمية وحتى / 5 / سنوات من تاريخ النشر, وتتمثلُ هذه الإجراءات بالتالي:
1- منع أعضاء حزب المجتمع الديمقراطي من تأسيس وإدارة وعضوية أي حزب سياسي آخر.
2- منع مشاركة الحزب في الانتخابات قبل صدور قرار المحكمة.
3- اعتباراً من تاريخ إقامة الدعوى، وحتى صدور حكم فيها، يمنع على أي عضو أو قيادي في الحزب أو رئيس بلدية تابع للحزب أو برلماني، المشاركة كمستقل أو عبر قائمة حزب آخر في الانتخابات.
4- حرمان الحزب المدعى عليه من مساعدات خزينة الدولة وتجميد حسابه المصرفي.
5- إيقاف عمليات التنسيب إلى الحزب خلال فترة النظر بالدعوى.
ولكن المحكمة الدستورية التركية استجابت للنقطة الرابعة في الإدعاء فقط، فحرمت الحزب من مساعدات الدولة التي تمنح للأحزاب السياسية المرخصة في البلاد وجمَّدتْ حسابه المصرفي.
ردَّاً على الإدعاء المقدم ضده، ونزولاً عند إجراءات التقاضي أمام المحكمة الدستورية، قدَّم حزب المجتمع الديمقراطي في فبراير 2008 دفاعه الأولي، مشيراً فيه إلى أن دعوى الحظر المقامة ضده سياسية، وفي دفاعه الثاني المقدم للمحكمة في يونيو 2008 أشار الحزب إلى أن 129 نشاطاً وتصريحاً من أصل 141 يتضمنها كتاب الإدعاء إنما نظمت بمقتضى حرية التعبير والتنظيم المكفولة دستورياً في تركيا.
وقد بدأ أعضاء المحكمة الدستورية جلستهم أمس الثلاثاء 8 نوفمبر بقراءة التقرير المؤلف من 500 صفحة، المُعدِّ من قبل المقررين أو المحكمين الذين كلفتهم المحكمة الدستورية بتدقيق الإدعاء، ويشيرُ التقريرُ إلى أن حزب المجتمع الديمقراطي المرخص قانوناً في تركيا ينظمُ الأنشطة والفعاليات امتثالاً لنداءات حزب العمال الكوردستاني المحظور في تركيا، متحولاً بذلك إلى بؤرة للأنشطة المناهضة لوحدة البلاد، ويوصي في ختامه بحظر الحزب، ولكن تقرير المحكمين غيرُ ملزمٍ للمحكمة.
مداولاتُ اليوم الأول في قضية حظر حزب المجتمع الديمقراطي والتي استغرقت اثنتي عشرة ساعة لمْ يرشحْ عنها صدورُ قرار، وقدْ أشارَ رئيسُ المحكمة ” هاشم كليج ” أثناء مغادرته مبنى المحكمة، أنه لا يتوقعُ صدورَ قرارٍ في الدعوى قبلَ يوم الجمعة 11 نوفمبر، والحالةُ هذه، ستنعقدُ جلساتُ المحكمة يومياً ريثما يتم البتُّ في الدعوى، وخلالها يُمكنُ للمحكمة طلبُ وثائق أو معلومات من طرفي الدعوى: الإدعاء العام للجمهورية، وحزب المجتمع الديمقراطي.
ستتوَّجُ مداولاتُ أعضاء المحكمة الدستورية التركية بإصدار أحد القرارين : حظر الحزب، أو حرمانه من مساعدات الدولة المقدمة للأحزاب السياسية المرخصة قانوناً، ويُشترطُ في إقرار حظر الحزب تصويتُ 7 من أصل 11 من أعضاء المحكمة لصالح الحظر.
تأسس حزب المجتمع الديمقراطي DTP الذي يواجه الحظر القانوني أمام المحكمة الدستورية التركية في 2005، وينظر إليه بمثابته الجناح السياسي لحزب العمال الكوردستاني، والممثل الوحيد للقومية الكوردية في تركيا، ويقوده أحمد كايا وأمينة آينا (رئاسة مشتركة)، ويمثل في البرلمان التركي بـ 21 نائباً دخلوه كمستقلين إثر انتخابات 2007 البرلمانية، لعدم تمكن الحزب من اجتياز حاجز 10 % الدستوري كشرط أساسي لدخول أي حزب إلى البرلمان، وقد نال في الانتخابات المحلية التركية الأخيرة التي جرى تنظيمها في 29 مارس 2009 رئاسة 98 بلدية في ولايات ومناطق ونواحي كوردستان تركيا (جنوب شرق الأناضول)، ما جعله الحزب الرابع في تركيا من حيث الشعبية.
وكانَ الكوردُ الموالونَ لحزب العمال الكوردستاني، قد بدأوا منذ 1990 بتأسيسِ أحزابٍ سياسية مُرخصة قانوناً في تركيا، وحزب المجتمع الديمقراطي هو الخامسُ في سلسلة الأحزاب الموالية للعمال الكوردستاني الذي يواجه الحظر، فقد ابتدأ النشاط السياسي المرخص قانوناً وفاقاً لقانون الأحزاب التركي في 7 يونيو1990، حين انشق 7 برلمانيين كورد عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي ليؤسسوا حزب العمل HEP، ولكنه تعرض للإغلاق في 17 مايو 1993 ليعقبه الحزب الديمقراطي DEP في 14 سبتمبر 1993، ويتعرض بدوره لظروف مشابهة للحزب الذي سبقه، وبدأت الأزمة حينها بتأدية البرلمانية الكوردية عن الحزب “ليلى زانا” اليمين في البرلمان باللغة الكوردية، الأمر الذي أدى إلى اعتقالها إضافة إلى رفاقها “خطيب دجلة” و “أورهان دوغان” و “سليم صاداك” بمجرد خروجهم من البرلمان بعد جلسة القسم, ثم صدر بحقهم حكم قضائي بالسجن لمدة عشر سنوات، وأغلق حزبهم بقرار من المحكمة الدستورية في 16 يونيو 1994، وشهد ذلك العام أيضاً حل حزب الحرية والديمقراطية OZDEP الذي كان مزامناً لحزب ” ليلى زانا “، بعد المحنة التي تعرض لها الحزب الديمقراطي DEP وبرلمانيوه تأسس حزب الديمقراطية للشعب HADEP، ولكن سرعان ما تعرض في 13 مارس 2003 إلى الحل بغالبية أصوات قضاة المحكمة الدستورية، وفرض على رئيسه ” مراد بوزلاك ” وقياديه حظر ممارسة النشاط السياسي، ليخلفه حزب الشعب الديمقراطي DEHAP وفي فترة مقاضاته في المحكمة الدستورية حل الحزب نفسه تلقائياً، لينتقل أعضاءه إلى حزب المجتمع الديمقراطي الذي تأسس عام 2005 على يد النواب السابقين ” ليلى زانا ” ورفاقها المفرج عنهم.
الجديرُ بالذكر، أنَّ الحل القضائي للأحزاب استهدف إلى الآن 26 حزباً سياسياً في تركيا، منذ البدء بالتعددية الحزبية السياسية عام 1950، وكان للمحكمة الدستورية التركية حصة الأسد في إصدار قرارات ملزمة بحل الأحزاب منذ تأسيسها عام 1963، فيما حُلَّ حزبان فقط من قبل محاكم أخرى في الفترة بين 1950 – 1963، فحزب الملّة (الشعب ) حُلَّ عام 1954 من قبل محكمة صلح الجزاء في أنقرة, والحزب الديمقراطي حل عام / 1960 / في المحكمة الحقوقية الأساسية, وإذا ما صدرَ قرارٌ بحلِّ حزب المجتمع الديمقراطي فسيكون الحزب الـ / 27 / الذي يُحلُّ في تركيا.
mbismail2@hotmail.com
* سوريا