تعيش كل الدول المتحدثة بالعربية مخاوف وهواجس الأمن الداخلي، لهذا ارتبطت نظمها بعضها البعض بروابط متينة توجتها باجتماعات دورية منتظمة تضبط علي مواقيتها الساعات السويسرية الدقيقة الصنع. اهم الاجتماعات هي كوكتيل من وزراء الداخلية والاعلام!!! تتخذ فيه اهم القرارات واكثرها جدية وحسما وتنفيذا. اما افشلها واضعفها ولا مردود منها، عامدين متعمدين، فتتم في جامعة الدول العربية حيث تجتمع النظم السياسية!!!
كل تلك الدول تعاني ازمات اقتصادية هيكلية وبنيوية اما صلب العلاقات الداخلية فهو مناقض لاي مفهوم اقتصادي قامت عليه الدولة الحديثة. وكما يقول وول ديورانت في موسوعته مؤكدا قول ماركس الشهير “History is economy in action”، فان هذه الدول وبناء علي هذا التعريف اصبحت خارج التاريخ مرة اخري. فالازمات المستمرة لهم جميعا تستلزم هذا التحالف القوي المتين المشبوه بين الامن والاعلام. حيث يقوم الاخير بتشويه حقيقة ما يجري من صراعات داخلية مع القاء اللوم بشكل مستمر علي المؤامرة الخارجية حتي اصبحت كل دولة تقول انها مستهدفه وان القوي المتربصة بهم لا تتورع من عمل كل ما يضر الامن. هنا يلتقط الطرف الاول في الكوكتيل ليبدا في حماية كل ما هو مترهل وفاسد في الداخل حمايه للامة المستهدفة من مؤامرات الخارج.
لكن كيف يمكن لاعلام يمتلك 24 ساعة بث فضائي في مئات القنوات الفضائية والارضية ومعها صحف ومجلات وادوات اخري كالسينما والمسرح وقدرات هائلة لطباعة الكتب ان يملئها بما يمنع الدول هذه من العوده الي التاريخ. فالخريطة التليفزيونية ومعها الكتب في المعارض كلها تحولت الي ما يشبه الهوس الديني والدروشة الايمانية، تشعر معها وكأن لحظة أن يوم القيامة قد سرب الله موعدها لهم وباتت اتية لا ريب فيها بعد كل اعلان سمج بين الفقرات الفقيرة.
هكذا حددت السطة الاعلامية الامنية في الدول المطروده من التاريخ مشكلات المجتمع بانه فاقد الاهلية لضعف ايمانه وعقيدته وحاجته اليومية لمن يجدد له دينه متناسيين ان المجتمع به كل انواع العقائد والملل والنحل وان ما يجمعهم ليس الايمان انما الوجود الفاعل كمواطن له حقوق وواجبات في اتجاهين، المجتمع و السلطة. هذا التشويه المتعمد لا نجد له من تداعيات الا بان تحدث فتن طائفية ومعارك لا معني ولا مسبب حقيقي لاحداثها سوي هذا الاعلام الذي يستفيد منه الامن ورجاله ويخسر فيه الوطن والمواطن بتفكيك اواصر الوحده الوطنية. فنتائج تحالف كوكتيل الامن والاعلام هو لذه للسلطة وسم زعاف للمواطن جعل الوطن كله مسموما بل ويصدر سمومه مع كل مهاجر او هارب املا في حياه افضل.
شغلت المعارضة نفسها بتشخيص الداء وتشخيص العلة ، لكن الزمن وتوقيت البحث لم يعطهم ايه فرصة لان يجد احدا من عون ايديولوجي في السوق العالمي كالذي اتيح في زمن الحرب البارده وقبلها، لهذا راجت المقولة السائده علي لسان الجميع بان الحاجة للمجتمع المدني ضرورة بل واصبح الجميع يرون ان غياب هذا المجتمع هو سبب نمو الاصوليات الدينية. لكنهم لم يسالوا انفسهم وهل الاصوليات لها كل هذه السيطرة علي الاعلام الي حد ان اكثر من 65 % من البث الفضائي هو ديني؟ ولنطرح السؤال بصيغة إخبارية، إن تواجد الاصولية في الاعلام عبر السلطة بهذا الحضور الطاغي ومعها كل هذه الفتن الطائفية والدينية يصبح في حاجة الي رجال امن يفوق تعدادهم نصف تعداد الشعب !!!! وفي ذات الوقت ينشر الاعلام كل هذه المواد الدينية ومعه الامن لضمان الحفاظ علي نتائج حقنه في شرايين المواطن. فهل هو تحالف ام وجهين لعملة واحده؟
الشعار الذي يغلف المنطقة من المحيط الي الخليج هو انها امة واحده يربطها الدين واللغة ووحده المصير. فالاخير هذا قد تحدد بالفعل طردا من التاريخ، اما الرابطين السابقين فهما السبب الحقيقي للطرد. ولان الدول الفاشلة تعتبر ان الدين هو سقف أعلي لا يجوز تجاوزه فقد ملئت به فضاء الاعلام ليستنشقه كل من افلح بالافلات بعقله من الغش الثقافي السائد. متناسية ان العامل الديني في حياة الناس غير قادر على معالجة الأزمات، بل صانع لها، والتي تعصف الآن بكل دول المنطقة. لكن دعنا نعود الي قول وول ديورانت لان به مفاتيح كثير من الالغاز المحيرة في فضائنا الحالي. اسست الدول الفاشلة المطروده من التاريخ نظاما اقتصاديا لا علاقة له باي نظام في الدول التي في قلب التاريخ. وعندما يطالب الذين احكموا الكمامة علي انوفهم منعا لاستنشاق الافيون الذي تبثه الدولة الفاشلة، ويطالبوا باقتصاد حر ومجتمع ديموقراطي قائم علي اسس سليمة يخرج مثقفي السلطة ومعهم مشايخ بكل انواع المباخر لحرق اردأ انوع البخور والمخدرات قائلين ان العولمة باقتصادها لا تعترف بهوية ثقافية وخصوصية حضارية، هي تدعو للاباحية والشذوذ وانحلال المرأة. حدث هذا في برنامج شهير علي فضائية مصرية تبعها برنامج فتاوي ووعظ ديني قال فيه احد كبار الدعاه ان الاسلام يجيز تعدد الزوجات وان جواز المتعة حلال لكنه مكروه اما التسري بالجواري فهو مشروع وان زواج المسيار هدفة التخفيف علي المسافر وان من لا يقدر علي الزواج فعليه بالصوم والصلاة. أما الفقر والغني فهو ابتلاء من الله للغني والفقير معا اما البنوك فهي كلها شر. وعندما سالوه عن العولمة قال انها لا تفرق بين الصديق والعدو لانها تقيم علاقات اقتصادية معيارها المصلحة.
لم يكن الانف هو فقط ما ينبغي حمايته من استنشاق الابخرة السامة في اعلام الدولة الفاشلة انما ايضا السمع هو ما ينبغي حمايته. فالحاضرين في الاعلام هم دائما من العميان الذي لو نظروا الي العالم لوجدوا ان كثيرا منهم دخل العولمة ولم يفقد اي خصوصية بل ان اوروبا الموحده حافظت علي كل لغة وكل لهجة وكل فولكلور وكل طراز معماري وكل صفة لها خصوصية ومع ذلك اسمها الاتحاد الاوروبي. فالراسخ في عقول المشايخ الذين اطلقتهم الدول الفاشلة ان المحو والازالة هي ما رسب فيهم من تاريخهم فاصبحوا عربا ومسلمين اي متوحدين عبر اسباب الطرد من التاريخ، وبالتالي فان اسقاطهم لامراضهم التاريخية هو كل ما يملكوه دفاعا عن بقائهم خارج اي منظومة حضارية لها مستقبل مع العالم المتحضر. وجد كثير من مثقفي اليسار واليمين والاصولية الدينية مشتركا لهم في الوقوف ضد العولمة احدهما نكاية في رأس المال والثاني دفاعا عن العروبة بكل جهلها وعنصريتها والثالث حفاظا علي الافيون الذي اكتشفه ماركس ونبت اول ما نبت في منطقتنا التي لها خصوصية تعادي العالم والتاريخ.
سال الاميركيون انفسهم يوما في بيان بعنوان “لماذا يكرهوننا” لم نجد احدا ليجيب بامانة علي السؤال ناقدا نفسه بان غياب الديموقراطية في ادني حدودها هو سبب بقاء العالم داخل التاريخ وهو ذاته السبب لان يخرج آخرين مطرودين خارجه. بينما ظلت الكراهية محافظة في مستواها في الداخل ، وجنينا نحن كراهية الاخر لنا من الخارج. الخروج من التاريخ هي شهادة سوابق جعلت سويسرا مؤخرا تصدر قرارا (بناء علي استفتاء وليس بمرسوم سلطوي) بعدم بناء مآذن, فهل يعقل ان يصبح السويسريون عنصريون وهم الذين لم نسمع عنهم ولو دبيب النمل. ام انه احتراز من اصحاب السوابق؟ سويسرا بلد مسالم الي حد السلبية السياسية والعسكرية فلم تنضم لاي حلف وبقيت علي الحياد السلبي بعكس نظمنا ذات الحناجر الرنانة والزعامات الكاريزمية الذين تبنوا الحياد الايجابي وتمرغوا في فراش كل الكتل الايديولوجية دون خجل. الايجابيين عندنا انتقلوا بايجابيتهم ليكونوا عدوانيين علي شعوبهم في الداخل وفي الخارج فهل كانت السلبية نزيهة الي هذا الحد؟ الايجابيين الان ضد شعوبهم يقمعوهم ويذلوهم ويهينون كرامتهم ولا يحركون ساكنا ضد المعتدي بل ويمالؤونه ويحابونه سرا وعلنا، فهل نستعظم ونستكثر علي من لم يشارك في مثل هذه المهازل ان يكون مدافعا عن ذاته عندما يخترقها الاسلاميون الذي هم من صناعة الايجابيين.
فلنعقد مقارنة صادقة وامينة كيف ايقظنا من كانو سلبيين. الاجابة لمن سأل يوما “لماذا يكرهوننا” تطرح سؤال وهل يكره أصحاب الحياد السلبي اصحاب اصحاب الحياد الايجابي. بعد منع المآذن ولوهلة سريعة بات التسامح السويسري في خبر كان، والانفتاح الاوروبي اصبح دخانا مما دفع اصحاب الكراهية المحليين في منطقتنا للمطالبة باتخاذ اجراءات عقابية ضد سويسرا لان حيادها اكذوبه، وانفتاحها على كل الاجناس والعقائد هو من قبيل التضليل والخداع وخرج احدهم قائلا الجهاد ضدها فرض عين!!
ولم يسال احد ما قيمة المئذنة وهي ليست من الاسلام في شئ حتي تحتقن الدماء من اجلها؟ فالمئذنة بدعة ولن نتطرق لحديث البدع لكننا نراها في ضوء فكرة كوكتيل الاعلام والامن الذي تحرص عليه دول الحياد الايجابي الخارجة من التاريخ عندنا. فهي رمز اعلامي دعائي لا ينقصه سوي تحالف امني لتمرير كل القيم الاصولية التي تضر بالحياد السلبي السويسري. المئذنة، كما رآها اكثر المجتمعات حيادا وسلبية في اوروبا، هي قاعدة دعائية اعلامية انطلقت منها اللحي والنقاب وتضر باي حياد ديني فهي منحازة لثقافة لم تعد محصورة فقط في المسجد كما فعل المجتمع المدني بباقي الاديان. فعدم حياد المئذنة الايجابي الذي يضر بالتماسك السويسري يكمن في صورة الإسلام الحالي المناقضة لقول اصحابه انه دين تسامح وسلام؟ اصحاب الحياد السلبي ليسوا نياما فلديهم الاجابة عن تساؤلنا نحن عما جلبته لنا مآذننا وصلواتنا وصيامنا وحجنا قياما وقعودا وعلي جنوبنا؟ نحن لا نملك اجابة واحده عن جدوي طقوسنا وشعائرنا ومآذننا التي هي وسيلة الاعلام الاولي كبدعة اسلامية. لا نملك إجابة لو سالونا عن جدوي ديننا الحنيف؟ لا نملك ردا، لماذا تكرهوننا في ديانتكم وتسبوننا في خطبكم بعد تجميعكم للمصليين من فوق المآذن؟ سيسألونا لديكم مساجد ومآذن باهظة التكاليف وبكل انواع الزخارف والمنمنمات لكن العدوانية والكراهية ضد من لا يؤمن يالاسلام هي المرادف لكل هذه التكلفة. ولا يوجد تعليم جيد في مدارسكم وجامعاتكم رغم ايجابيتكم في الحياد مقارنة بسلبيتنا. انتم انحزتم لاكبر الكتل المنتجة للسلاح ولديكم اكبر الجيوش والعتاد من كل حدب وصوب ولم تنتصروا لقضاياكم بل كنتم اكبر الخاسرين. سيقول السويسريون، نحن سلبيين لا جيوش لنا بل والدولة الوحيده تقريبا التي لا تملك اساطيل ومع ذلك ننتتج لكم ادق الساعات لضبط توقيت الصلاة لحرصكم وحرصنا ايضا بالا تفوتكم فما حاجتكم إذن للمئذنة اللهم الا التعبئة والتجييش اعلاميا ودعائيا وهو ما سيحتاج الي قوي امن لضبط الخارجين منكم علي القانون، أنتم اكثر تكلفة وخسائركم باهظة. سيقول السويسريون نحن فقراء بعكس ما انتم عليه، اموالكم كلها عندنا تستأمنونا عليها، لثقتكم فينا فنحن خزنة لكم، رغم اننا من الضالين في اعرافكم، فكيف تلقون السلام علي بعضكم البعض ولا ثقة لكم في بعضكم البعض؟ حدودنا الارضية كلها مؤمنة عبر اتفاقات نحترمها ويحترمها جيراننا وانتم لا زلتم تتصارعون علي شبر ارض قاحلة هنا او متر ماء مالح هناك. نحن نحترم ما في عقول كل فرد منا باختلافاتها وانتم عبر المئذنه تريدون اقتحام كل العقول لاصلاحها حسب مقاييس الايمان عندكم. نحن لا فتن دينية او عنصرية عندنا رغم تعدد لغتنا وادياننا بينما كل الفتن والصراعات لديكم رغم قولكم بانكم امة يوحدها الدين واللغة!! ينهاكم الدين الحنيف، كما تقولون، عن القتال والعدوان فهل سلبيتنا اكثر اسلاما من ايجابيتكم في اتجاه بعضكم البعض داخليا؟ تقولون “خذوا العلم ولو في الصين” لكننا رغم قربنا لكم باكثر مما هي الصين فلم تاخذوا شيئا لا من الصين ولا من سويسرا اللهم الا الساعات رغم احتقاركم للوقت؟
نحن لا جامعة اوروبية لدينا يجتمع فيها قادتنا وينفضوا بلا ادني انجاز وليس لدينا تجمع اعلامي مطعم بادارات امنية يجتمع دوريا للتآمر علي عقل مواطنينا. فنحن لسنا اصحاب فكرة المؤامرة لهذا نعيد عليكم السؤال “لماذا تكرهوننا”؟
elbadry1944@gmail.com