تزداد الاوضاع خطورة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في ظل الجمود الراهن. ففي الصراع العربي الاسرائيلي هناك قانون اساسي يتحكم بالصراع. فكلما وقع جمود في افاق انقاذ الارض من الاستيطان والتوسع الاسرائيليين تتلبد الغيوم ممهدة لانفجار موسع. ان التناقض التاريخي بين سعي الصهيونية لتهويد الارض وطرد العرب ووضع يدها على مفاتيحها وبين سعي سكان البلاد الاصليين التمسك بالارض والبقاء عليها قد حدد حدد شكل الصراع وانفجاراته المتنوعة في كل مرحلة.
وان استذكار بعد الحوادث التاريخية يؤكد على هذا القانون العام في الصراع العربي الاسرائيلي.. فعندما انسدت الافاق قبل حرب ٦٧ بدأت بعض اعمال العمل الفدائي الذي مهدت لحرب ١٩٦٧، و بعد حرب ٦٧ برزت المقاومة الفلسطينية وحرب الاستنزاف المصرية الاسرائيلية. وعندما اغلقت الطرق السلمية لحل المسألة الفلسطينية حلا عادلا اندلعت حرب ١٩٧٣، وعندما استمر التمدد الاسرائيلي على الارض المحتلة في الثمانينات اندلعت الانتفاضة الاولى عام ١٩٨٧، ثم الثانية عام ٢٠٠٠ بعد مسيرة سلمية لم تصل الى نتيجة. وعندما تلبدت الاجواء واغلقت السبل امام حزب الله وقعت حرب ٢٠٠٦. وعندما حوصرت حماس من جميع الجهات وقعت حرب حماس مع اسرائيل في غزة ٢٠٠٩ . الواضح ان الانفجار يقع باستمرار بعد فقدان التفاؤل بين السكان الاصليين من العرب الفلسطينيين.
وفي احتلالها للاراضي الفلسطينية تتحكم اسرائيل بملايين الفلسطينيين ممن يعانون الاضطهاد الوطني والاعتقال والسجن والملاحقة. هناك عنف يومي اسرائيلي ضد الفلسطينيين ولهذا من الطبيعي ان يكون هناك مقاومة مضادة بوسائل عديدة وطرق مختلفة. وبينما تبقى هذه التحولات خارج الحدث الاعلامي وذلك لانها نمط من العنف اليومي الهادئ الذي لا يثير شهية الاعلام، الا ان هذه المواجهات الصغرى قد تتحول لحدث كبير بين يوم وليلة. فهذه المقاومة تتكبد خسائر وتهدأ في فترات بينما تقع محاولات من قبل السلطة الفلسطينية لتحقيق تسوية وسلام ودولة فلسطينية وانسحاب اسرائيلي.
و الواضح الان بعد رفض اسرائيل قبول بعض ضغوط الرئيس الامريكي اوباما وبعد اعلان ابومازن عدم الترشح ثانية للانتخابات وبعد استمرار الحصار على كل من عزة والقدس والضفة الغربية المحتلة ان الطريق السلمي بدأ يصل لوضع مسدود. لهذا فمع انغلاق السبل تتحول العودة الفلسطينية للكفاح والمواجهة الى الطريق الوحيد المتوفر امام الفلسطينيين. والواضح ان القيادة في الشارع الفلسطيني في المرحلة المقبلة سوف تتجه نحو من هم اقدر على ترسيخ نهج المواجهة.
ان العنصرية الصهيونية متناقضة مع سعي العالم لحقوق افضل للانسان واوضاع سلمية تسمح للتعايش. حتى اللحظة تسعى الصهيونية الى تحقيق حلمها في تجميع اليهود في فلسطين دون النظر من قريب او بعيد لوجود شعب اخر يعيش على الارض ويمتلكها. الحلم الصهيوني يتطلب طرد مزيد من العرب واقتلاعهم واخذ اراضيهم بالقوة والعنف والاستمرار بالحرب عليهم . فأسرائيل حتى الان في صهيونيتها لا تستطيع ان تتقبل وجود الفلسطينيين العرب والاعتراف بهم كاساس للوصول الى| تسوية سلمية وعادلة للنزاع. فجميع محاولات اسرائيل السلمية سعت لايهام الفلسطينيين بوجود افق للسلام بهدف الالتفاف عليهم وتقطيع اوصالهم وضرب وحدتهم وانهاء مقاومتهم. لازال هدف اسرائيل ابتلاع الارض والتوسع واستغلال الفرص لفرض الامر الواقع في ظل القناعة الاسرائيلية الشاملة بأن العرب سيقبلوا في نهاية الطريق ما يفرض عليهم.
والواضح الان ان وضعا جديدا ومختلفا على الصعيد الفلسطيني في ظل بيئة دولية جديدة قد يبرز. فأن وقع هذا الجديد وخذ بعدا هجوميا ضد الفلسطينيين لن تجد اسرائيل ذلك الالتفاف العالمي الذي طالما وجدته في السابق، كما ان البيت الابيض لن يؤيدها في عنفها ضد الفلسطينيين كما حصل في زمن الرئيس بوش. ان وقعت ثورة جديدة في الساحة الفلسطينية قد تنقلب معادلات كثيرة بما فيها افاق تحرك موسع بين عرب ١٩٤٨ الذين يمثلون كتلة سكانية كبيرة هي ٢٠٪ من سكان أسرائيل الرسمية.
اننا في بداية وضع قد يكون اكثر اشتعالا. فتيارات المنطقة ستتفاعل مع الحدث، ودول المنطقة ستعيش ضغوطا كبيرة بين ايران وحزب الله من جهة وتركيا من جهة اخرى والثورة الجديدة. ما نشاهده هو بداية تكثف للغيوم المنذرة بوضع جديد.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت