أن تكون سوريا فهذه ليست وجهة نظر. باتت “السورية” دريئة لكل رامٍ علا شأنه أم صغر. و”السوري”، هكذا باطلاق، يتساوى عند من فاه بها عامل بائس في مطعم رخيص ومقامُ الرئاسة في الجمهورية العربية السورية. حتى “ال” التعريف التي تسبق سوري تفيد الانكار أكثر من التعريف مما توافق عليه النحاة وصرافو لغتنا الجميلة.
مما لاشك فيه أن “السورية” كمعطى أولي وكواقع خام، لا ذنب لها في (البهدلة) التي لحقت بها، الذنب فيما آلت اليه من تبشّع صورتها وانخفاض أسهمها يعود الى رداءة المستثمرين فيها. وكمثال فيه من التكثيف والرمز معان لا تفوت فطن، يحكى أن التاجر الدمشقي أو الحلبي من خمسينيات القرن المنصرم، عندما تطأ قدماه أرض بيروت فان أسعار الأسهم في البورصة اللبنانية تختض وتنشلع أنفاسها وخطها البياني يهبط ويصعد على وقع زفرات وتنهدات حلبية وشامية.
بغض النظر عن مدى حرفية هذا المثال، الا أنه يختزن ويكثف واقع “سورية” ولّى.
ماذا يجري الآن؟
السوري، مهما علا أو صغر مقامه، ما أن تطأ قدماه الحدود اللبنانية حتى يختض موظف الهجرة والجوازات وترتسم على وجهه كيدية تفصح عن مرامها عبر تعقيدات شتى، عليك تقديم بيانات لا طعم لها: أين تذهب؟ عنوان اقامتك؟ أين تعمل واسم (كفيلك)…. الخ الخ.
بالطبع لا يُحمّل اللبنانيون “بهدلة” “السورية” ولكن أيضا “لا تزر وازرة وزر أخرى” ومن (يعلك) بالنتيجة عامدا متعمدا مغفلا السبب فقد الرؤى والرؤية.
اذن، في رحلة البحث عن “السبب”، لماذا “النتيجة” هكذا. لا أجترح أنا أو غيري معجزات أو خوارق في رحلة البحث تلك. نظرة جد بسيطة وأولية في قائمة المستثمرين في “السورية” تلك التي كثرت سكاكينها، سيعرف السوري البسيط قبل شقيقه اللبناني، لماذا تبهدلت السورية والسوري.
ان “سياسات” العروبة والقومية والأخوة و”المسار المشترك” و”سوا ربينا” و”شعب واحد في دولتين” الى أخر تلك الاسطوانة المشروخة، تلك السياسات التي حاول حزب البعث الحاكم في سوريا منذ امتطائه السلطة عام 1963 تطبيقها، وبغض النظر عن عقمها – واقع الحال يثبت ذلك العقم – انتدب لها من أمثال غازي كنعان ورستم غزالة وعبد الحليم خدام وفاروق الشرع وحكمت الشهابي وأمثالهم كثير. هؤلاء المستثمرون يعرف “المواطن” السوري جيدا أنهم استثمروا “السورية” في سوريا طوال عقود القحط الماضية والنتيجة لنا كسوريين معروفة تماما: طوابير ضخمة أمام السفارات الخليجية والأمريكية والاوربية بحثا عما يُسدّ به الرمق، أما من تخلف عن اللحاق بتلك الطوابير، فقد كان يخوض معارك شرسة ضمن طوابير اكتظت بها شوارع وأزقة المدن السورية.
في اعادة الاعتبار للسوري و”السورية” وايقاف نزف رصيد المقام والهيبة، المطلوب، مستثمرون جدد، وسياسات سورية جديدة.
الموجود هل يفي بالغرض؟
الزراعة في التربة الفاسدة لا ينتج عنها أي غلال.
يجب قلب التربة كاملة وتعريضها للشمس.
ahmadtayar90@hotmail.com
• كاتب سوري- بيروت