هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتعارض مع ادعاء العصمة الذي يقول بأن النبي الأكرم مصون من الخطأ في جميع المسائل والأمور في الحياة سواء ارتبطت بالوحي أو لم ترتبط.
لنتمعن في الآيات التالية:
الآيتان 15 و16 – في سورة القصص تقول “ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له، إنه هو الغفور الرحيم”. وفي سورة الشعراء – الآيات 18 و19 و20 يقول فرعون للنبي موسى “قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت من عمرك سنين. وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين. قال فعلتها إذا وأنا من الضالين”.
وتخاطب الآيتان 25 و26 – من سورة ص النبي داوود بالتالي “فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب. يا داوود إنا جعلناك خليفة على الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب”.
وتقول الآيتان 6 و7 – في سورة الضحي عن النبي الأكرم محمد التالي “ألم يجدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى”. وفي سورة يوسف تقول الآية 3 التالي “نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين”. وفي سورة يوسف تقول الآيتان 1 و2 التالي “إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما”. وتقول الآيتان 105 و106 من سورة النساء”إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما. واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما”. وفي سورة غافر تقول الآية 55 “فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار”.
كما نشير إلى كلام العلامة الشيعي المجلسي في “بحار الأنوار” للتأكيد على أن الصفات التي يضعها كبار رجال الدين الشيعة للمعصوم لايمكن أن تعتبر من صفات الإنسان الطبيعي، إنما تتعلق بأمر فوق بشري. يقول المجلسي “اعتقادنا في الاَنبياء والرسل والاَئمة، والملائكة عليهم السلام أنهم معصومون، مطهّرون من كلِّ دنس، وانهم لايذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، واعتقادنا فيهم انّهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم الى أواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا جهل”.
فالمجلسي يضع المعصوم، كالنبي والإمام، في مصاف الملائكة. كما إنه يصفهم بالكمال والتمام وعدم النقص، وهو وصف لايمكن إلا أن يطلق على الباري. والآيات التالية لا تتفق مع ما جاء به المجلسي: “ولَقَد عهِدنا إِلَى آدم من قَبل فنسي” سورة طه – الآية 115. “يا أَيها النبِي لم تحرم ما أَحل الله لَك تبتغي مرضاة أَزواجك والله غفور رَحِيم” سورة التحريم – الآية 1. “عفا الله عنك لم أَذنت لهم حتى يتبين لَك الذين صدقوا وتعلَم الكاذبِين” سورة التوبة – الآية 43. “إنا فَتحنا لَكَ فَتحا مبِينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذَنبِك وما تأَخر” سورة الفتح – الآية 1، و2.
وفي “بحار الأنوار” (ج25 – ص350) قيل للإمام علي بن موسى الرضا الإمام الثامن لدى الشيعة “إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا – لعنهم الله – إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو”. وفي “من لايحضره الفقيه” (ج1 ص234) يقول ابن بابويه “إن الغلاة والمفوضة – لعنهم الله – ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة… وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق، فلا يتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم”.
ويقول معروف الرصافي في “كتاب الشخصية المحمدية” (منشورات الجمل – 2002) إن النبي محمد شعر بأن المسلمين من بعده سيغلون فيه غلوهم، وسيخرجون به إلى ما فوق البشرية، وهو لا يريد ذلك، فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدالله ورسوله (صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، رقم: 3189)، ولم يكتف بذلك بل صرح بأنه بشر في موضعين في القرآن، في سورة الكهف، وفي سورة السجدة، إلا أن المسلمين أبوا إلا أن يخرجوا به عن ذلك، فمن غلوهم فيه أنه ليس لشخصه ظل، قال الحلبي في سيرته: أن ظل شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ بالأقدام، وإنه كان لا يقع عليه الذباب (السيرة الحلبية، 3/302).
ويضيف الرصافي “ومن غلوهم فيه أن عورته إذا انكشفت لا ترى. قال الحلبي في سيرته وفي الخصائص الصغرى: إنه لم تر عورته قط، ولو رآها أحد طمست عيناه، قال: لأنه لا يلزم من كشف عورته رؤيتها (السيرة الحلبية 3/ 302). إن النبي محمد لا يفوق إلا المحيط الذي نشأ فيه والعنصر الذي هو منه، فـ”عقليته لا تتجاوز في تفوقها إلا العقلية العربية في زمانه وبيئته. ولئن جاز أن يعلو عليه عال في العقل والذكاء فلا يجوز ولن يجوز أن يفوقه أحد فيما أوتي من صبر وحزم، وهو مع ذلك بشر يتعاوره من أحوال البشر ما يتعاور كل إنسان. وإذا دحضنا ما جاء به الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول ومن آيات القرآن لم نرَ في حياته ما يخرق العادة ويخالف سنة الله، التي لا تقبل التبديل ولا التحويل، أعني بسنة الله نواميس الطبيعة، بل نرى حياته كلها لم تكن إلا طبق ما تقتضيه سنة الله في خلقه”.
إن عظمة شخصية النبي الأكرم محمد لا تكمن في عصمته وارتفاعه عن أفق البشر، كما يقول المفكر المصري نصر حامد أبو زيد في بحث له بعنوان “الاستخدام النفعي للدين والحاجة للتجديد”. حيث يتساءل: ما العظمة في العصمة إذا كان الأمر محض اختيار وترتيب إلهيين لا تعليل لهما. ويقول إن عظمة النبي الأكرم “تكمن في ارتفاعه هو بجهده واختياره إلى آفاق المسئولية الكونية دون أن يفارق بشريته”.
وهناك رأي وجيه في “مدونات مكتوب” على شبكة الإنترنت كتبه باحث مغربي باسم “المهدي الحر”، يشير فيه إلى ضرورة وجود صفات وسلوكيات بشرية عند النبي وإلا لما كان أطلق عليه لفظ بشر وهو ما جعله غير معصوم في جميع المسائل والأمور في الحياة. يقول “فإذا سُئلنا، أيُخطئ الأنبياء أم لا، قلتُ خطأ الأنبياء ليس خطئنا نحن، لأنّ صغائر ذنوبنا كبائر ذنوبهم، وقد يُذنبون بأشياء لا تعتبر في حقّنا ذنوبا، فنحن قد تحدّثنا أنفسنا بأشياء لا تُحسب علينا ذنوبا وتُحسب عليهم لمنزلتهم من الله سبحانه وتعالى وقربهم منه. فالنبيّ أو الرّسول من البشر، له غرائز، له رغبات، له حاجات وشهوات، يأكل ويشرب ويصوم، يتعرض لمصائب ويمرض بما يؤثر في عقله وفي مداركه، ينفعل بالغضب والسرور والحزن والفرح، يعلّمه الله تعالى عن طريق الوحي أو عن طريق التجارب في الحياة ومن خلال التفاعل مع الناس، وكل هذه تكون مقترنة بأحوال مختلفة مصحوبة بمؤثّرات مختلفة، فيُجهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كرجل مكلّف بتطبيق الشرع وإيصاله إلى النّاس على أن يؤدّي الأمانة فيما يتعلّق بالوحي، وقد عصمه الله في هذا بأن يسّر له استيعاب القرآن وطمأنه على صيانته، وباشر حفظ ذلك قبل الوحي أو أثناءه أو بعده، ويُجهد نفسه فيما عدا ذلك على أن تكون حياته مطابقة لتعاليم الله سبحانه وتعالى فإن أخطأ في اجتهاده هداه الله تعالى إلى طريق الصّواب، وفي ذلك عصمة لها وجهين: حماية الرّسول من الضلال وإتاحة الفرصة له للاستغفار والتوبة”.
إذن الرسل عليهم السّلام يُخطئون ولكن يرعاهم الله دائما بالهداية بتنبيههم وحثّهم على التوبة والاستغفار، كما يقول المهدي الحر، مضيفا “فالذي لا يمكنه أن يُخطئ هو آلة معصومة تـتبع قوانين صارمة اتّباعا صارما. أين الانفعالات؟ أين العواطف؟ أين الرّغبات والغرائز؟ كلّ هذه المسائل الإنسانية تفقد معناها في هذا التصوّر الآلي للعصمة، وكأنّما ليس للرّسول شخصيّة مستقلّة ومسؤولة عن فعل يُردّ إليها فتُسأل عنه شرعيّا.
ssultann@hotmail.com
• كاتب كويتي