في مستهل الأسبوع الماضي، وبعد قرابة 7 أشهر من تولِّي إدارة أوباما مقاليد السلطة وبداية تعاملها الحذر والدقيق مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، سرت شائعات في واشنطن والشرق الأوسط بأن البيت الأبيض كان يستعد لفتح صفحة جديدة مع دمشق. وأن أول اختبار لهذه العلاقة الجديدة سيكون القضية التي تسببت بانهيار العلاقات الأمريكية السورية منذ أكثر من ستة أعوام: تدفق المقاتلين الجهاديين من سوريا إلى العراق.
لقد كان نهج إدارة أوباما للتواصل مع سوريا واضحاً وصريحاً. فقد شمل ست زيارات رفيعة المستوى قام بها مسؤولون أمريكيون إلى سوريا، وإعلان واشنطن بأنها ستعيد سفيرها إلى دمشق، وما أُفيد عن بعث رسالة من الرئيس أوباما إلى الرئيس الأسد، وتسهيل الحصول على رخص تصدير لقطع غيار لطائرات كان قد تم وقف العمل بها في ضوء العقوبات الأمريكية ضد سوريا. ومنذ أسبوعين، قام وفد من “القيادة المركزية الأمريكية”، بزيارة إلى دمشق تمخضت عن اتفاق مبدئي مع سوريا بشأن التقييم الفني لمراكز الحدود العراقية السورية. وبسبب انزعاجه من عدم مشاركته في تلك المحادثات الواعدة، قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بزيارة إلى دمشق في الأسبوع الماضي لإبرام الاتفاق الثلاثي. وقد أدت سلسلة الانفجارات التي “استقبلته” لدى عودته في 19 آب/أغسطس – وهي الأكثر دموية خلال فترة تزيد على 18 شهراً، وتزعم «القاعدة» حالياً بأنها كانت مسؤولة عنها – إلى قيام بغداد بمطالبة سوريا بطرد البعثيين العراقيين والمقاتلين الجهاديين من أراضيها واستدعاء سفيرها. وردت دمشق على ذلك بالمثل، مما أدّى إلى الإطاحة عملياً بمبادرة واشنطن قبل انطلاقها.
وحتى الأسبوع الماضي، بدت المحادثات حول القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي العراقي وكأنها بصيص من الأمل وسط الحالة القاتمة للعلاقات الأمريكية السورية. فعلى مدى الأشهر السبعة الماضية، طلبت واشنطن من دمشق بهدوء، أن تستخدم نفوذها لدفع عملية المصالحة بين «فتح» و«حماس». وفي أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى دمشق المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشيل، قامت سوريا، جنباً إلى جنب مع تركيا ومصر، بالضغط على «حماس» للسماح لأعضاء «فتح» في قطاع غزة بحضور مؤتمر حزبهم في وقت سابق من هذا الشهر – وهي خطوة أولى مهمة نحو تشكيل موقف فلسطيني موحَّد. لكن ذلك لم يحدث.
وعوضاً عن ذلك، ادعت دمشق لنفسها الفضل في تحقيق “انفراج” بديل – إعلان حركة «حماس» الأخير بأنها سوف تقبل وتحترم حدود عام 1967 بين إسرائيل والفلسطينيين، مقابل الاعتراف الإسرائيلي بحق عودة الفلسطينيين والسماح بإنشاء عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. وللأسف، لم يَرقَ هذا الموقف إلى مستوى الشروط التي وضعتها “اللجنة الرباعية [الدولية]” (التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة): إعتراف الأطراف المشاركة في عملية السلام بإسرائيل بدون شروط مسبقة، والإلتزام بالاتفاقيات السابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ونبذ العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف. وفيما يتعلق بمحادثات السلام مع إسرائيل، لا تزال دمشق تطالب بالتزام إسرائيل بالانسحاب من مرتفعات الجولان إلى حدود 4 حزيران/يونيو 1967، واستئناف المحادثات غير المباشرة التي [قامت] تركيا برعايتها من النقطة التي توقفت عندها في كانون الأول/ديسمبر الماضي. لكن إسرائيل، التي تفضّل إجراء مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة وتحت رعاية الولايات المتحدة، رفضت ذلك.
أدّى نجاح الجهود الفرنسية في العام الماضي لإقناع دمشق بفتح سفارة لها في بيروت وتعيين سفير لها هناك، إلى تكهّنات بأن دمشق على استعداد لفتح صفحة جديدة مع جارها الغربي، لبنان. لكن السفير السوري لدى بيروت يقضي معظم وقته في دمشق، في حين تصدر التصريحات الخاصة بلبنان عن سياسيين مثل “وئام وهّاب” الذي اكتسب، بحكم دوره في خدمة سيطرة دمشق على الشؤون اللبنانية قبل العام 2005، سمعةَ الوكيل الذي ينفّذ التعليمات السورية بدون جدال أو تردّد. وفي أعقاب هزيمة حلفاء سوريا في انتخابات 7 حزيران/يونيو في لبنان (على الرغم من الجهود السورية المكثّفة لترجيح الانتخابات لصالح الكفة السورية)، أصبحت دمشق وحلفاؤها يعرقلون تشكيل حكومة من قبل كتلة “14 آذار” المؤيدة للإستقلال. وفي الوقت نفسه، أوضحت مقابلة أجرتها صحيفة “النهار” اللبنانية في 25 آب/أغسطس مع مسؤول أمريكي رفيع المستوى، مقدار خيبة الأمل التي تشعر بها واشنطن تجاه سوريا، وعلى الأخص قيامها بتهريب الأسلحة «المتطورة بشكل متزايد»، إلى حزب الله عبر الحدود اللبنانية السورية، التي لا تزال دمشق ترفض ترسيمها على الرغم من وعودها للقيام بذلك.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، صرَّح الأسد خلال زيارته الرسمية الخامسة إلى طهران في 19 آب/أغسطس (أي في نفس اليوم الذي حدثت فيه الهجمات العراقية)، بأن إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في انتخابات حزيران/يونيو – والجدل الدائر حولها الذي عزا سببه إلى “التدخل الأجنبي” –تعني بأن “على إيران وسوريا الاستمرار في سياساتها الإقليمية كما كان في الماضي”. إن هذه الزيارة، بالإقتران مع التقارير الأخيرة عن تحطّم صاروخ قصير المدى في شمال سوريا تم تطويره من قبل سوريا وإيران وكوريا الشمالية، فضلاً عن رفض نظام الأسد المتواصل الإجابة على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن جسيمات اليورانيوم التي تم العثور عليها ليس في موقع نووي سوري واحد بل في موقعين، تُظهر إصرار دمشق على البقاء في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران. وفيما يتعلق بحقوق الإنسان والإصلاحات الداخلية، لا يقوم النظام فقط باعتقال المنشقين كما جرت العادة، بل أصبح يتعقب محاميهم ورئيس “المنظمة السوريّة لحقوق الإنسان” أيضاً. ومن الواضح أن دمشق تشعر [حالياً] بأنه قد تمّ رفع الحصار عنها.
لقد كان في نية واشنطن أن تكون بعثة “القيادة المركزية الأمريكية”، خطوة أولى على الطريق الطويل لتحقيق المصالحة مع دمشق، مع احتمال أن يلعب مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى دوراً فيها لاحقاً. لكن مزيج المفاوضات والتفجيرات التي حدثت في الأسبوع الماضي، إلى جانب انعدام الثقة الدبلوماسي الذي توّلد عنها، يُظهر مقدار خطورة إشراك دمشق في عملية تأمين الحدود العراقية. وتتمثل الطريقة الوحيدة لوضع “حل” لهذه القضية بصورة فعلية، في قيام دمشق بالتنصل علناً ممن يدعمون تنظيم «القاعدة» في داخل البلاد، وبطرد البعثيين العراقيين الذين يدعمونهم من أراضيها. بيد، أن التفجيرات المميتة التي حدثت في العراق الأسبوع الماضي تُظهر بوضوح بأن دمشق ليست مستعدة للقيام بمثل هذه الخطوة.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن المشكلة الفعلية في دخول المقاتلين إلى العراق لها علاقة أقل بالترتيبات الأمنية على طول الحدود، وعلاقة أكبر بـ”الصفقة الشيطانية” التي أبرمها النظام السوري التي تسيطر عليه الأقلية العلوية، مع مقاتلي تنظيم «القاعدة» من السنّة الذين يعتبرون مضيفيهم “مرتدّين”. يُذكر أن هذا الاتفاق، الذي تمت صياغته خلال ذروة الحرب الباردة بين الأسد وإدارة جورج دبليو بوش، هو بمثابة ستار لداعمي تنظيم «القاعدة» ولـ “خطوط الفئران” – [أي طرق التسلل] – والتي يديرها المقاتلون الجهاديون داخل العراق وخارجه. إن سوريا غير مستعدة لعزلهم بسب مخاوف من حدوث هجمات داخل سوريا نفسها. وباختصار، تريد دمشق انخراط الولايات المتحدة على مستوى عال، بدون تقديم تضحيات صعبة.
خلال فترتي السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، عندما قامت الولايات المتحدة بتجربة عدد من السياسات التي تمثلت بـ “مشاركة بنَّاءة” مع دمشق، [والتي أثبتت] في النهاية بأنها لم تكن ناجحة، كانت واشنطن تسمح لسوريا بالتهرّب من القضية المطروحة، وتتعامل معها بهدوء من “وراء الكواليس”. بيد، أن التفجيرات التي حدثت في الأسبوع الماضي، إلى جانب الهجمات الأخرى التي قام بها الجهاديون من سوريا هذا العام، تُظهر بأن غض النظر عن هذا الأمر الذي تقوم به دمشق يسمح لنظام الأسد أن “يُبقي يده على صنبور” المقاتلين الأجانب. إن هذا يترك زمام المبادرة الإستراتيجية في أيدي دمشق لتستخدمها كوسيلة للضغط، في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بالإنسحاب من العراق. هذا يعني أن دعم الولايات المتحدة لحلفائها العراقيين [في محاولتهم] دحر المقاتلين يبقى الرهان الأكثر أماناً بالنسبة لواشنطن.
ومع توقف المفاوضات السورية الإسرائيلية، تمثل قضايا لبنان، حيث تواصل الولايات المتحدة جهودها لتعزيز سيادة البلاد واستقلالها، أسهل القضايا التي يمكن عِبرها قياس مدى تجاوب دمشق، والتحقّق منه على أرض الواقع. إن تشكيل حكومة، وترسيم الحدود السورية اللبنانية، وإقفال قواعد “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” التي تسيطر عليها سوريا، تمثّل ثلاث قضايا ملحّة تتطلب التعاون بين الولايات المتحدة وسوريا. إن هذه القضايا الثلاث تمثّل مقاييس أكثر فائدة أكبر لقياس النوايا السورية، من علاقات نظام الأسد الغامضة مع تنظيم «القاعدة» والأعضاء السابقين لحزب البعث العراقي، وذلك لأنه يسهل قياسها والتحقق منها. والأهم، من زاوية واشنطن ودمشق، فإن حدوث تقدم في هذه القضايا الثلاث سيسفر عن تحسن ملموس في العلاقات الأمريكية السورية في العام القادم.
أندرو جيه. تابلر هو زميل سوريف في برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
الأسد لأوباما “كلا شكراً”!
جمهوريات انتكست إلى مليشيات. اما توريث او مبايعة. أما الإنتخابات فكفر خالص
نعلم أن الحكم الملكي والأميري يورث من إبن عن أب عن جد مثل ما هو الحال في الخليج والأردن والمغرب. لكن يبد أن هده العادة الحميدة بدأت تتسرب حتى للجمهوريات فورث الأسد ومن المترقب(لا قدرالله)ان يتم التوريث في مصر وليبياوفلسطين. وطال التوريث حتى الأحزاب والحركات فالحريري يرث الحريري والحكيم يرث الحكيم والأحمق يرث الأحمق. و مثل جل قادة الحركات الإسلامية لمدى الحياة. يا ناس هل لم يأتيكم حديث الديمقراطيةوالإنتخابات الحرة لإختيار القادة؟ أم هل سنمكث بين التوريث والمبايعة الى يوم يبعثون؟