يعيش العراق بالإضافة إلى ما ابتلى به من حقد الجماعات التكفيرية والإرهابية وحلفائها من مخلفات النظام المقبور وكذلك الفساد الإداري، ما بدأت في الأفق مأساة جديدة تهدده ومستقبله وبيئته حيث تسببت شحت المياه في نهريه الخالدين إلى تقليص مساحات زراعية كبيرة، نتيجة نقص كميات المياه الواردة من دول الجوار أو قطع مصبات العديد من الأنهر وتحويل مجراها.
فانخفاض مناسيب المياه في نهر الفرات أجبرت ألكثير من المزارعين على ترك الزراعة واللجوء إلى أعمال أخرى لكسب العيش، حيث ضعفت الزراعة في بعض المناطق بنسبة حول 60 بالمائة. ونتيجة تدهور الزراعة دفع تجار الفواكه والخضار إلى استيراد أغلب المحاصيل الزراعية من الخارج.
إن سياسات المياه التي تتبعها إيران،تركيا وسوريا تنذر بخطر مدقع ينتظر وادي الرافدين. فنهر الفرات، أصبح أصغر بكثير عما كان عليه قبل عدة سنوات، واستمرار النضوب سيصبح منسوبه نصفه الحالي.
أشار تقرير صدر عن وضع المياه في العراق إلى أن انخفاض منسوب الفرات قضى على المزارع على ضفتيه، وترك الصيادين معدمين، بل ودفعهم إلى هجر المدن المطلة على النهر والاتجاه إلى المدن الداخلية سعياً وراء الرزق. أن الفقراء هم أشد من يعانون من ذلك. وجاء فيه:” لقد تحولت حقول القمح والأرز إلى أراض قاحلة، وجفت المجاري المائية الفرعية، ووقفت قوارب الصيد على الأرض الجافة”. ويوضح التقرير عن انخفاض نسبة حقول القمح والشعير وجفاف النخيل وحقول الموالح في المنطقة الشرقية بالإضافة إلى انخفاض منسوب مياه الأمطار خلال العامين الماضيين عن معدلاته. هذا الوضع يمثل أزمة للهوية العراقية، ليس فقط لوصفها بأرض ما بين النهرين، وإنما لأنها كانت أكبر مصدر للتمور في العالم ويفتخر العراق بأنه منتج لأفضل أنواع الرز” العنبر”، وكان العراق يصدر الشعير لصناعة البيرة الألمانية”. ان ظمأ نهر الفرات وتوأمه دجلة سببه الأنظمة في إيران وتركيا وفي سوريا والأخيرتان تقيمان نحو سبعة سدود على مجاري دجلة والفرات في أراضيهما.
أما نظام ملالي طهران فغير مجرى 42 نهرا كانت تجري عبر الأراضي العراقية ومن ضمنها مجرى نهر القارون الذي يصب في شط العرب. إن النظام العراقي الجديد لم يستفد من علاقاته المتميزة مع الولايات المتحدة لعقد اتفاقية مع تركيا من اجل توزيع المياه بين البلدين حسب المواثيق الدولية. وقد تخلفت الأحزاب الحاكمة والمرتبطة بالنظام الإيراني من المطالبة بإيقاف سياستها المتعمدة لجفاف العراق وتحويل شط العرب إلى مستنقع بعد تغيير مجرى نهر القارون الذي يصب فيه ويزوده بـ60 في المائة من المياه. إن المتضررين الأساس جراء سياسة النظام الإيراني في مجال المياه أيضا، هم من أعطوا أصواتهم وانتخبوا الأحزاب الإسلامية الشيعية المدعومة إيرانيا ولم يشفع لهم انتمائهم الطائفي الذي يتبجح حكم ملالي طهران من أنه المدافع عنه.
لقد أكد خبراء في الموارد المائية في البصرة إن مشكلة الجفاف في دجلة والفرات في الجنوب العراقي وجفاف شط العرب ستستمر، حتى بعد زيادة تركيا نسبة الماء في النهرين (اثر زيارة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي لأنقرة حيث أعلنت وزارة الموارد المائية أعلنت أن تركيا زادت كميات المياه المتدفقة عبر نهر الفرات لتصل إلى 570 متراً مكعباً في الثانية أي بزيادة 50 في المائة عن السابق وكذلك الوعد الذي قدمته لنائب رئيس الوزراء العيساوي أثناء زيارته الحالية لها).
قال رئيس هيئة الجيولوجيين في البصرة لوسائل الإعلام: “إن شط العرب كان يعتمد على نهر القارون بحوالي 60 في المائة من مياهه أي ما يعادل 11 بليون متر مكعب من الماء سنوياً. وأصبحت المياه الواصلة إليه الآن أقل من بليون متر مكعب في السنة بعدما تم تغيير مجراه قبل الدخول إلى الأراضي العراقية وقد يتحول شط العرب مع تفاقم هذه السياسات إلى ساقية في بضع سنوات بطوله البالغ نحو 190 كيلومتراً، فيما كان عرضه يصل في بعض مناطقه، حتى تسعينات القرن الماضي، إلى كيلومترين، وتقلص ليصبح في بعض أجزائه اقل من 500 متر”. ولفت الأنظار إلى أن الإنفاق الأخير بين الهاشمي وتركيا لن يزيد الكثافة المائية في الشط إلا بما يقارب الربع وهذا غير كافٍ. وزاد:” إن إصرار تركيا وإيران على سياساتهما الخاصة بأنهار دجلة والفرات والقارون سيجعل العراق يفقد عام 2040 مصادره الطبيعية من المياه”.
وقال رئيس منظمة شؤون الأهوار: “إن نهر القارون كان الرافد الأهم لشط العرب لكن بعد بناء السدود في إيران بدأ منسوب الشط ينخفض ما أدى إلى تحول بعض المساحات المائية فيه إلى مساحات تشغلها مبانٍ للفلاحين العاملين قرب الحدود العراقية – الإيرانية”. ويعتبر نهر قارون من الأنهار التي لم يعقد في شأنها اتفاق بين العراق وإيران سوى ما نصت عليه اتفاقية الجزائر بين النظام السابق وإيران فيما لم تتحرك الحكومة الحالية بكل ما تضمه من مسئولين مرتبطين بطهران لإقرار اتفاق تقاسم مياهه، على الرغم من تحذير خبراء ومختصون في مجال الزراعة والري من تداعيات أزمة المياه على الوضع البيئي بالعراق ومطالبتهم الحكومة باتخاذ إجراءات عملية لحل الأزمة وإبرام الاتفاقيات مع دول الجوار وإلزامها الإيفاء بالتزاماتها بتزويد العراق بحصته المائية المقررة٬ محذرين من أن عدم وجود معاهدات تنظم حصص وكميات المياه الداخلة للعراق مع تركيا وسوريا وإيران سيعمق الأزمة.
وزير النقل العراقي صرح لوسائل الإعلام بأن قناة شط العرب التي تسلكها السفن التجارية التي تقصد مينائي أبو فلوس والمعقل مهددة حالياً بالإغلاق بسبب عدم إمكانية قيام كوادر الوزارة بصيانة مدخل القناة على اثر معارضة السلطات الإيرانية مما تؤدي إلى تعطيل مينائي المعقل وأبو فلوس بشكل كامل. وأضاف قائلا :”درجة الاستفادة من القناة الملاحية في شط العرب ضعيفة جداً على الرغم من أهميتها والسبب يكمن في مشاكل مع الجانب الإيراني لان عمق مدخل القناة وصل مؤخراً إلى مترين ونصف وهذا شيء خطير جداً والقناة مهددة بالإغلاق في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإيراني لحفر مدخل القناة وإجراء أعمال الصيانة”. وأشار الوزير إلى أن إعادة إحياء ميناء المعقل وتنشيط ميناء أبو فلوس يبقى مرهونا بحفر مدخل قناة شط العرب لأن أعماقه بلغت مؤخراً مستويات متدنية لا تسمح بمرور السفن التجارية الكبيرة.
ومن جراء ظمأ الرافدين الحالي بدأت تلوح بوادر حرب جديدة ٬هذه المرة بين العراقيين على المياه. فقد هددت محافظة المثنى، وعشائرها بقطع جميع الإمدادات التي تمر عبر أراضيها إلى المحافظات المجاورة مما قد يفجر قتالا عشائريا لا تحمد عقباه. وتفاديا لهذا السيناريو، قال محافظ المثنى إنه سيطلب تدخل الحكومة المركزية لأن المادة 14 في الدستور العراقي تنص على توزيع المياه بين مناطق العراق بالتساوي وعدم التجاوز عليها، وقد خصصت وزارة الموارد المائية 10% من أطلاقات سدة الهندية إلى المحافظة، لكن ما يصلنا هو مقدار ضئيل من الحصة بسبب التجاوزات من قبل محافظة الديوانية” القادسية” التي تمر فيها الحصة.
ان تخلف الحكومة العراقية عن تنظيم اتفاقيات تحت رعاية الأمم المتحدة وضمانتها ودعم الوللايات المتحدة فان الدول الثلاث تركيا وسوريا وإيران سوف تحول العراق إلى ارض قاحلة وتحرم شعبه من العمل لإعادة بنائه.
فسوريا رافعة علم القومية العربية لم تأبه لما تعانيه مناطق غرب العراق ولم يشارك دعاة القومية من التأثير على دمشق في هذا المجال. نظام ملالي طهران رافع راية التشيع لم يكترث لعطش العراقيين الشيعة الذين يتذكرون كل عاشوراء مأساة الأمام الحسين وعطشه.
لسوء الحظ لم تتحرك الأحزاب السياسية المرتبطة بطهران ولا قادتها الذين يرتعون في مرابعها، من الضغط على قادتها لتغير سياسة تعطيش العراقيين وإعادة جريان الأنهر إلى الأراضي العراقية التي حولت مجاريها ومنها تقاسم نهر القارون، كما فعل الهاشمي والعيساوي مع انقره.
لقد صدق احدهم من أن النظام الصدامي لم يكن “ناطور خضرة” في هذا المجال.
ralamir@hotmail.com
• كاتب عراقي