نشرت جريدة “الشرق الأوسط” أمس الجمعة مقالاً بتوقيع “منال لطفي” كان عنوانه: “كروبي لخامنئي: إبنكم مسؤول عن “الإنقلاب العسكري“.
وصادف أن نشرت “الفيغارو” الفرنسية أمس الجمعة كذلك المقال التالي لمراسلتها في طهران “دلفين مينوي” بعنوان “خامنئي جونيور: السلطة الحقيقية في ظل المرشد الإيراني”.
جدير بالذكر أن أول صورة منشورة لمجتبى خامنئي قد ظهرت في “الشفّاف”، في 22 مايو (قبل 20 يوماً من الإنتخابات الرئاسية) مع مقال لـ”حسن فحص” بعنوان “مرشحو الرئاسة الايرانية وكسر “تابوهات” النظام”. وفي ذلك المقال كتب “حسن فحص”:
قبل اربع سنوات، وحتى الساعات الاولى من فجر يوم السبت 18/6/2005 كان مرشح الرئاسة الايرانية الشيخ مهدي كروبي مستيقظا يتابع مع فريقه نتائج فرز نتائج الانتخابات الرئاسية ويرصد موقعه على جدول الاسماء المرشحة الذي كان يشير إلى احتلاله للمركز الثاني بعد قطب النظام والثورة الشيخ هاشمي رفسنجاني، في حين احتل رئيس بلدية طهران محمود احمدي نجاد المركز الثالث متقدما على مصطفى معين ومهر علي زاده (اصلاحيين) ومحمد باقر قاليباف وعلي لاريجاني (محافظين).
اعترت كروبي – كما اخبرني صباح ذلك اليوم – ملامح الاطمئنان فقرر اخذ قسط من الراحة لساعات بعد ان ساد اعتقاد بحسم النتيجة وانتقاله مع رفسنجاني الى الدورة الثانية للانتخابات، لكنه، وبعد ساعتين، أوقظ على خبر نزل عليه كالصاعقة “لقد تغيرت النتائج وتراجع موقعه الى المركز الثالث لحساب احمدي نجاد”.
لا يمكن وصف حالة الغضب والشعور بالخيانة الذي سيطر على ملامح كروبي في لحظتها، واكتفى بتعليق يحمل الكثير من الدلالات “يبدو انني نمت نوم اهل الكهف”. ثم اردف قائلا: “سأوجه رسالة الى المرشد الاعلى استفسر فيها عن تواجد نجله السيد مجتبى في المركز الانتخابي لمحمد باقر قاليباف، ومن ثم، وقبل ثلاثة ايام إنتقاله الى المركز الانتخابي لمحمود احمدي نجاد على الرغم من تأكيد المرشد على عدم تدخله في الانتخابات وعدم تأييده لاي مرشح على حساب اخر”.
الرسالة كتبها كروبي وارسلها للمرشد، فاثارت يومها عاصفة من التعليقات والردود بدأت من مكتب المرشد ووصلت الى الصحافة التي تلقت تهديدات بالاقفال في حال نشرت هذه الرسالة، وهذا ما حصل.”
بيار عقل
*
خامنئي “جونيور”: السلطة الحقيقية في ظل “المرشد” الإيراني
مراسلة “الفيغارو” دلفين مينوي” في بيروت
تفيد معلومات أن الإين الثاني لخامنئي قد فرض نفسه، في الخفاء، ضمن المراتب العليا للنظام الإيراني. وأنه، بصورة خاصة، هو الذي قام بتسهيل عمليات تزوير الإنتخابات، وهو الذي أدار عمليات القمع ضد المتظاهرين.
نادراً ما يظهر علناً. ولا يعرف الجمهور الإيراني صورته. ومع ذلك، فهنالك معلومات بأن “مجتبى خامنئي”، الذي يتحرك بصورة خفية في ظلّ والده، هو في الواقع أحد كبار موجّهي عمليات القمع في طهران حالياً. وتبعاً لمراقبين عديدين، فإن “مجتبى” هو الذي “فتح القفص للأُسود” حينما خوّل “الباسداران” السيطرة على طهران وحينما أفلت “الباسيج” في شوارع العاصمة الإيرانية ليقوموا بترويض المتظاهرين الذين اعترضوا على فوز أحمدي نجاد بالإنتخابات الرئاسية في 12 يونيو. إن حالة الأحكام العرفية التي تخضع لها طهران حالياً تذكّر بأولى السنوات التي أعقبت إنتصار الثورة وتأسيس جمهورية إيران الإسلامية في العام 1979.
ويقول “محسن سازيغارا” (Mohsen Sazigaro)، وهو عضو سابق في “الباسداران” يعيش حالياً في المنفى بواشنطن: “لا نعرف الكثير عنه. ولكن جميع الأـدلة تشير إلى أنه لعب دوراً رئيسياً في “الإنقلاب” وفي القمع الذي أعقب الإنتخابات. الإنطباع السائد عن المرشد هو أنه رجل لا يملك شجاعة اتخاذ هذا النوع من القرارات. ونحن نعرف أنه في حالة إكتئاب. وبناء عليه، فمن المحتمل جداً أن يكون نفوذ إبنه هو الذي رجّح الكفّة”.
إن “مجتبى” وهو الشقيق الأصغر بين ستة أولاد، يبلغ الآن بالكاد 40 سنة، وهو متزوج من إبنة “غلام علي حداد عادل”، الرئيس الأسبق المحافظ لـ”المجلس” (البرلمان). وبعد أن درس الفقه في حوزة “قم”، فقد أحرز رتبة “حجّة الإسلام” (وهي رتبة وسيطة في التراتبية الشيعية). ويضيف “محسن سازيغارا”: “حسب مصادري في إيران فإنه أحد الذين ساندوا أحمدي نجاد منذ ترشيحه لأول مرة في العام 2005، وأحد الذين يحرصون على بقائه في السلطة. ويمثّل بقاء نجاد في السلطة ضبطاً جذرياً للوضع الإيراني يسمح لمجتبى، في المدى الطويل، بتسلّم مركز المرشد الديني الذي يشغله والده حالياً”.
*
حينما تولّى آية الله علي خامنئي المركز الأول في النظام بعد موت الإمام الخميني، في العام 1989، فإنه لم يكن يتمتع لا بجاذبية ولا بسعة أفق سلفه. وبعد اختياره في إجتماع مغلق لكبار رجال الدين- شارك فيه أحد منافسيه الرئيسيين حالياً، علي أكبر هاشمي رفسنجاني- فقد نجح في فرض نفسه كـ”حَكَم” ضمن مراكز السلطة الإيرانية. وفي العام 1997، فاز المرشّح الإصلاحي ذو الأفكار الليبرالية، محمد خاتمي، في إنتخابات الرئاسة. ولكن بوادر التسامح الإجتماعي والإنفتاح على الغرب لم تكن بوادر مشجّعة في نظر خامنئي، الذي شعر أنه بدأ يفقد سلطته بصورة تدريجية.
وهكذا بدأت مرحلة صراع لا هوادة فيه بين دعاة التحوّل الديمقراطي للبلاد والمتمسّكين بإيديولوجية متشددة. وفي العام 1999، تعرّضت أول أعمال شغب قام بها الطلاب في الجمهورية الإسلامية لقمع عنيف. وكانت تلك أول مناسبة تجرّأ فيها المتظاهرون على كسر “محرّم” قدسية “المرشد”، فهتفوا “الموت لخامنئي”. وبذلك تم تخطي “خط أحمر” أساسي للنظام الإيراني.
لقد تأثّر خامنئي بتلك الهتافات إلى أبعد الحدود. وإدراكاً منه لاستياء الناس منه- وخصوصاً الشبّان- فقد سعى لإحاطة نفسه بأشخاص من أهل الثقة. وكان هدفه من ذلك: إحكام قبضته على الوضع قبل أن تفلت السيطرة منه بصورة نهائية.
أتاحت تلك السنوات للشاب “مجتبى” أن يشتدّ عوده. وعلى نقيض قسم من الجيل الجديد لرجال الدين الشيعة- الذي يميلون لدراسة الفلسفة الغربية واللغات الأجنبية، علاوة على الفقه الشيعي- فالمعروف عن خامنئي الشاب أنه لا يخرج كثيراً من بيته. وهو يميل للإكتفاء بكتب الفقه. ويقول الذين عاشروه أنه قريب جداً في تفكيره من رجل الدين المتشدد للغاية “آية الله مصاح يزدي”، الذي تتلمذ مجتبى عليه.
ويقول أحد أصدقائه القدامى، “أمير فرشاد إبراهيمي”، وهو عضو سابق في “الباسيج” يعيش حالياً في المنفى بألمانيا بعد أن أمضى فترة من السجن لأنه ترك “الباسيج”، أن مجتبى “كان طالباً مواظباً جداً، وقرأ الكثير من كتب الفقه”. وكان الرجلان قد التقيا لأول مرة في العام 1987، قبل انتهاء حرب إيران-العراق (1980-1988). وفي ذلك اليوم، كان الجنود الشبّان المتجهون إلى “خرمال” القريبة من “حلبجة” (بشمال العراق) يشعرون بالتعب. وبعد 48 ساعة من المعارك ضد جيش صدام حسين، كان الجنود بانتظار استبدالهم على الجبهة. وكان “أمير فرشاد”، وهو حينها مجرّد مراهق لا يزيد عن 14 سنة، يشعر بالعطش. وقدّم له أحد رفاقه قربة الماء التي يحملها في بادرة أخوية. وبعد أن أعرب له عن شكره لبادرته، فقد سأله “أمير” عن إسمه، فكان جواب الجندي الآخر الذي كان عمره 18 سنة في ذلك الحين: “مجتبى”. ثم تباعد مسار الرجلين. “وبعد ثلاث سنوات من إنتهاء الحرب، وقعت عليه بالصدفة في صلاة الجمعة الكبرى بطهران. وتبادلنا التحيات. ثم اقترب منى صديق وقال لي: “هل تعرف أن هذا الشاب هو إبن خامنئي؟”، والواقع أنني لم أكن أعرف ذلك على الإطلاق”. وقد تقارب الرجلان، وأصبحا صديقين. وقاما معاً بعدة رحلات إلى “مشهد” في شرق إيران، وإلى منطقة بحر قزوين في الشمال. وفي الصورة المنشورة مع هذا المقال، فإن”أمير فرشاد” هو الشاب المبتسم بالقميص الأصفر الذي يضع ذراعه على كتف صديقه “مجتبى خامنئي” (الثاني من اليسار). ويعلق “أمير فرشاد” على الصورة قائلاً: “في ذلك الحين، كان مجتبى طالباً في قم”.
إن “مجتبى” الذي كان مفعماً بروح أخوية تجاه رفاقه السابقين في الجبهة، لم يكن يتحفّظ كثيراً في آرائه السياسية: “كان مدافعاً شرساً عن الخط المتصلّب للنظام”. وفي متصف سنوات التسعينات، كان أحد الذين اتخذوا قرار سحق آية الله الإصلاحي “علي منتظري” بعد أن انشق عن النظام عبر تشكيكه بمبدأ “ولاية الفقيه”. ويضيف أمير فرشاد: “كان يقول عنه أنه عميل للغرب، وكان يدعو إلى نزع رتبته الدينية عقاباً له”. وبين العام 1997 والعام 2003، أُخضِعَ منتظري للإقامة الجبرية. ويقول أمير فرشاد أن “مجتبى”، المقرّب من والده، غالباً ما يلعب دور الوسيط: “كان سفيراً لعلي خامنئي. وحينما كنا نرغب في إيصال رسالة له، أو حينما كان هو يرغب في أن يبلّغنا شيئاً، فإن ذلك كان يمرّ بمجتبى”.
ويضيف أن “مجتبى” كان مقرّباً، كذلك، من الباسداران، الذين باتوا اليوم يملكون نفوذاً كبيراً جداً ضمن حاشية المرشد: “كان يعرف شخصياً كل قادة الباسداران”. ويُعتقد أنه عزّز علاقاته بأولئك الضباط القياديين خلال السنوات الأخيرة.
ولكن “مهدي خلجي”، الذي درس الفقه في إيران ويعمل حالياً كباحث في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، يقول أنه سيكون من الخطأ إعتبار “مجتبى” المسؤول الوحيد عن القمع الحالي: “من المؤكد أنه يملك نفوذاً كبيراً، ولكن ذلك لا يعني أنه الشخصية الأكثر أهمية في حاشية المرشد وعلينا أن نتذكر أن خامنئي محاط بحوالي 20 مستشاراً، وأن أكثر من 700 شخص يعملون معه مباشرة”. وبالنسبة لإمكانية ترشيحه للمنصب الذي يشغله والده حالياً- في حال وفاة خامنئي أو عزله- فإن ذلك سيخصع لموافقة “جمعية الخبراء” التي يرأسها آية الله هاشمي رفسنجاني، وهو أحد منافسي خامنئي.
ويخلص “مهدي خلجي” إلى أن “مسألة الخلافة ليست مضمونة على الإطلاق، خصوصاً أن مجتبى لم يبلغ رتبة “آية الله” التي تسمح لصاحبها بالتطلّع إلى مثل هذا المنصب”.
كتبت التحقيق “دلفين مينوي”، مراسلة “الفيغارو” في طهران.