“الشفّاف”- بيروت
بداية، مبروك لحلمي موسى خروجه من معتقل المخابرات السورية، وهذه المبروك تأتي من القلب، فالرجل هو مولود جديد، فالداخل إلى سجون ومراكز أمن الشقيقة سوريا هو مفقود والخارج منها مولود. مع ان هذه الولادة متوقفة إلى يوم السبت بانتظار وصوله إلى بيروت.
القصة، بوقائعها الغريبة، لاختفاء الصحافي المقاوم الفلسطيني اللبناني المصري حلمي موسى، الرجل الذي أمضى سنوات شبابه الطويلة في المعتقلات الإسرائيلية حيث كان متهماً بالانتماء إلى وطنه الأول فلسطين. ذهب حلمي إلى دمشق للمشاركة في ندوة في العاصمة السورية. كان يوم أحد وحرارة دمشق المرتفعة لا تتوقف عن قطع الأنفاس بلهيبها. جلس حلمي إلى ندوته وهو المتعود على زيارة دمشق، فلا حدود بالنسبة إليه بين بلدان العالم العربي، تكلم أو لم يتكلم، أنهى محاضرته أو لم يبدأ بها ولكن ما عرف بعد ساعات ان مجموعة من الأمن السوري تقدمت إلى القاعة أخرجت حلمي موسى من هناك، واختفى.
الرواية اختلفت في مكان آخر، فالبعض يقول ان حلمي ولدى خروجه من الندوة ذهب بسيارته في أحياء دمشق، لاحقته سيارة، وأوقفته بالقوة، واختفى الرجل من دون مقدمات أو أسباب. هكذا يختفي رجل واحد، من دون تبرير أو إظهار أمر توقيف صادر عن محكمة ما. يؤخذ بعيداً إلى أمكنة تخلق لدى الناس تصوراً واضحاً عما يحدث فيها. فآلاف اعتقلوا في هذه السجون. البعض منهم خرج من هناك، ومن خرجوا أخبروا ورووا عن الاعتقال وظروفه وعن أيام التوقيف الأولى وصعوبات لا يمكن وصفها بالكلام.
الأحد مساءً، وصل الخبر من دمشق ان حلمي موسى صار معتقلاً أو مختطفاً. الاتصالات الليلية لم تفض إلى نتائج، “الصباح رباح” على قول العامة. ولذلك توقفت الاتصالات بانتظار يوم جديد، تظهر فيه بوادر جيدة في القضية.
الاثنين صباحاً، كل العلاقات السياسية والأمنية تمّ الاستعانة بها، من أجل إعطاء معلومات عن حلمي، لا جديد تحت الشمس. مساءً، تصل معلومات تقول انه غير معروف مكان الاعتقال أو الجهة القائمة به أو حتى سبب الاعتقال. الكل يعرف ان لا خطف في سوريا إلا خطف النظام، ولذلك دهش جميع المهتمين بالأمر، وخصوصاً ان نافذين كبار جداً حاولوا التدخل مع رأس النظام، ولكن الرد كان واحداً: لا معلومات عن حلمي موسى في سوريا.
الثلاثاء صباحاً، يصل عزمي بشارة من سفره، النائب في الكنيست الاسرائيلي، والمطارد من الاسرائيليين، يصل إلى دمشق، ويبدأ اتصالاته مع كل من يستطيع تأمين ولو معلومة صغيرة عن أسباب توقيف حلمي موسى. من القيادة السورية إلي قيادة “حماس” وقيادة “الجهاد الاسلامي”. يدور الوقت الطويل، والخبر ينتشر في بيروت كانتشار النار في الهشيم، لا معلومات عن الرجل. والأصدقاء في بيروت يضيقون ذرعاً من هذا التوقيف، فيما التحليلات تتكاثر وتنبت كما الفطر إلى جانب الاشجار.
التأويلات كثيرة، ولكن لا معلومات عن حلمي. البعض يقول ان الأمر مجرد استجواب عادي تقوم به المخابرات السورية لمن كان معتقلاً في السجون الاسرائيلية. وفي حالة حلمي موسى، فقد وصل ملفه إلى الجهاز المعني متأخراً حوالى 15 عاماً. آخرون جربوا رمي التهم، ولكن رجل بقي في السجون والمعتقلات الإسرائيلية 16 عاماً، لا يمكن اتهامه بشيء. آخرون لفتوا إلى علاقات حلمي المفتوحة مع الكثير من الاعلاميين العرب ومنهم اعلاميين من مصر، خصوصاً اثناء زياراته للوصول إلى غزة.
ليل الثلاثاء ينتظر صباح الأربعاء، حيث كانت بيروت تضج بالخبر. الاتصالات لم تتوقف إلى جريدة “السفير”، من ناحية، وأصدقاء حلمي بدأ القلق والسيناريوهات السوداء تطغى على تفكيرهم. الكل ينتظر معلومة، والحديث بين الجميع لا يتوقف بانتظار خبر ما يتسرب من القائمين بالاتصالات، وخصوصاً ان كثيرين ذهبوا إلى دمشق ليكونوا قريبين مما يحدث.
ليل الاربعاء، تصل معلومة غير مؤكدة ان السبت هو موعد انتهاء التحقيق. اي ان أي جديد سيطرأ سيكون يوم السبت. الاحباط يصيب الكثيرين في بيروت. لماذا السبت وليس الخميس. فالعطلة الرسمية في سوريا هي من الخميس ظهراً إلى صباح السبت، اي ان التحقيق سيتوقف في هذه المرحلة، وحلمي سينام أياماً زائدة في الزنزانة من دون معرفة سبب توقيفه.
الخميس صباحاً مؤسسة “سكايز” تصدر بياناً، تدعو فيه لاطلاق سراح حلمي موسى، ينتشر الخبر عبر الاعلام، بعدما كان انتشر عبر الناس. الكل ينتظر أخباراً متفرقة من هنا وهناك. مساءً يطلق حلمي من السجن ولا يعود إلى بيروت. هل دخل حلمي الأبواب الدوارة لأجهزة المخابرات؟ أم انه يستريح يومين لدى بعض الأصدقاد ليعود إلى بيروت حيث الجميع بانتظاره؟
الوقائع الغريبة في اختفاء حلمي موسى، كانت درساً جديداً للعديد من اللبنانيين، فالكثيرون يحبون زيارة دمشق، وكذلك يحبون ناسها وزيارة شوارعها القديمة. ولكن ما حصل مع حلمي موسى، جعل الكثيرين يعيدون النظر في زيارتها. فرجل مثل حلمي وما يملكه من علاقات في دمشق وبين أصدقاء النظام السوري، وما يملكه من علاقات صداقة مع “حزب الله”، اعتقل واختفى ليعود ويظهر بعد أيام طويلة جداً في عرف السجون وروادها أو زوارها الطارئين. دخل الرجل المدينة لينتدي الناس، فصار حديث أصدقائه ورفاقه بسبب سجنه.
يقول البعض في بيروت ودمشق ان الحظ الجميل كان إلى جانب حلمي موسى، وان والدته رفعت الكثير من الأدعية في السابق، ولكن ليلة القدر فتحت هذه المرة وخرج الرجل ليعود ويعيش بين الناس، يكتب ويترجم من العبرية ويحلل سياسات الاسرائيليين، ويكتب رأيه الخاص أحياناً دفاعاً عن المقاومين.
oharkous@gmail.com
بلا دمشق الفيحاء و بلا بطيخ مبسمر و فروا نقودكم !! ” حتى تاني مرة ما يعيدها ” ما يراه السائح أعربي كان أم أعجمي في تلك القرية الكبيرة المسماة دمشق ليست دمشق الحقيقية فدمشق الحقيقية قضي عليها بتاريخ 8 أذار 1963 فطوفان جحافل عساكر جبهة الصمود والتصدي ضد الشعب الدمشقي بالذات قضت على غوطتها الغناء بمساكن عشوائية للعساكر وكل من هاجر من قريته ظانآ بلم الذهب من على أرصفتها أصبح يلزم الغريب سراج و فتيلة للبحث عن الدمشقيين الأقحاح لكون أكثرهم ترك البلاد و من بقي إنتقل إلى ريف دمشق للسكن نظرآ لغلاء البيوت فيها فلقد إرتفعت أسعاره عن… قراءة المزيد ..