1-
توقفتُ عن مشاهدة فضائية الجزيرة القطرية، منذ مطلع العام الحالي، بدافع القرف. وقد نلتُ جائزة معنوية عندما التقيت بعد هذا التاريخ بأحد المهمين في المحطة ورأيت علامات الدهشة في عينيه عندما أخبرته بأنني لا أشاهد محطته لأسباب من بينها القرف من المحطة نفسها، وسردت على مسامعه ما يجب أن يسمعه من كلام.
ما سمعه من كلام سبق لي وعبّرت عنه في مقالات ومناسبات مختلفة، ومفاده أن المحطة مجرد مخلب قط لدى دولة بحجم بعوضة لكنها تتصرف كطائرة هليوكوبتر، بفضل حماية الأميركيين والإسرائيليين، وما تقدمه من خدمات إعلامية معلومة، وأخرى غير معلومة، للأصوليين الإسلاميين في العالمين العربي والإسلامي، مقابل الحصول على دور في السياسة الإقليمية والدولية.
وسواء كان البحث عن دور كهذا تعبيرا عن ذات تضخمت فتوّهمت أن في إمكانها استباحة القيم، أو كان مجرد ممارسة لدور مقاول الباطن في إستراتيجية الفوضى الخلاّقة في زمن الإدارة الأميركية السابقة، فإن النتيجة في الحالتين تنطوي على كل عناصر الكوميديا السوداء من ناحية، وعلى ما وصله العالم العربي من انحدار يمكّن حتى مَنْ إذا حضر لا يُعد وإذا غاب لا يُفتقد من اللعب على حبل القضايا الكبرى من ناحية ثانية.
2-
ومن حسن الحظ أن قرائن جديدة تصدر عن جهات مختلفة تؤكد الكلام السابق، وتُبرهن على جانب منه على الأقل. في الشهر الماضي، مثلا، نشر يسري فودة، أحد الوجوه المألوفة على شاشة الجزيرة، وصاحب برنامج “سري للغاية”، وأحد المؤسسين كما يقول، مقالتين في جريدة “اليوم السابع” المصرية، أعلن فيهما استقالته من المحطة وقدّم فيهما بعض مسوّغات هذا القرار.
هذه المسوّغات تندرج في باب “وشهد شاهد من أهلها” وتتجلى فيها حقيقة أن العاملين في المحطة أصبحوا مكشوفين أمام ضمائرهم: إما الاستمرار في خدمة أهداف لا تنسجم مع معايير المهنية والنـزاهة الأخلاقية والاحتراف، مع كل ما يسم أمراً كهذا من ازدواجية وانفصام، أو مغادرة الركب والمركب بعدما غاصت الركب في الوحل.
في البداية يتمنى فودة النجاح لزملائه في المحطة “الصادقين، فقط، الذين يحترمون أنفسهم”. وهذا يعني أن هناك غير الصادقين ومن لا يحترمون أنفسهم. وعلى القارئ، بالتأكيد، البحث عن والتفكير في هوية هؤلاء.
ويقول إن تحفظات إدارية ومهنية وسياسية دفعته للاستقالة في العام 2003، لكن الاستقالة رُفضت بتدخل مباشر من أمير قطر. ولا أجد ضرورة للتعليق على تدخل حاكم دولة في مسألة إدارية تخص موظفا في محطة للتلفزيون.
كما يسرد فودة قصة شراء القطريين للكادر والمحطة التي كانت مشروعا بريطانيا ـ سعوديا مشتركا تعثّر بسبب خلافات بين الجانبين. ويشير في هذا الصدد إلى خوف كادر المحطة من البطالة قبل تدخل القطريين: “م يصدق هؤلاء الصحفيون، وبعضهم من الطراز الأوّل، أنهم سقطوا فجأة ليوم أو بعض يوم في سوق البطالة”.
لم يذهب كادر المحطة إلى الدوحة ولديه فكرة واضحة عمّا ينتظره هناك. وهذا ما يقوله فودة بصريح العبارة: “إن الغالبية العظمى لهؤلاء الذين شكلوا نواة القناة غادروا لندن حين غادروها في طريقهم إلى الدوحة مضطرين، وأن أحدا منهم لم تكن لديه فكرة عن كنه المشروع القطري”.
وعندما وصلوا إلى الدوحة وجدوا ما يصفه فودة على النحو التالي: “وجدنا نظاما فريدا من نوعه، لا مثيل له في مؤسسة إعلامية أخرى، يجمع بين مجموعة من القيم والمصادر المتنوّعة والمتناقضة أحيانا، تتراوح بين القبلي والحضري، وبين العربي والغربي، وبين اليميني واليساري، وبين الديمقراطي والدكتاتوري، وبين الديني والعلماني”.
ومع ذلك تمكّن الفريق صاحب الخبرات البريطانية من فرض طريقته في العمل. وهذا ما يعلّق عليه فودة بالقول: “في غضون عام واحد صارت الجزيرة بأيد مهنية غير قطرية، أكبر من قطر ومن أمير قطر”. ولا تعليق، أيضا، على مَنْ أكبر مِنْ مَنْ.
ومن الواضح، طبعا، أن هذا النجاح أقنع المسؤولين القطريين “بأن لديهم الآن جيشا قوي البنية لاستخدامه في بعض الغزوات”. وهذه على أية حال كلمات يسري فودة أيضا. ما لم يقله فودة وأود قوله الآن: إن المسألة الفلسطينية، والإسلام السياسي في فلسطين، إضافة إلى القاعدة، وطالبان، كانت وما تزال من بين أبرز الغزوات. وقد لحقت بالعالم العربي نتيجة تلك الغزوات أضرار يصعب حصرها.
وهذا يعيدني إلى تفسير فودة ـ الذي ينقل بدوره عن أمير طاهري ـ لظاهرة انتشار الجزيرة، التي نجحت “في استغلال حالة ما يوصف بالشارع العربي، واستدرار تعاطفه عن طريق افتراض أن الأصولية الإسلامية في تصاعد في كل الدول العربية”.
وللتذكير، فقط، وهذا ضروري لتنشيط الذاكرة بدأت الجزيرة القطرية في العام 1996 مشروعها بالترويج لفكرة القبيلة باعتبارها البنية الأساسية والأصلية للمجتمع العربي، الذي لن تصح أحواله إلا بعودته إلى الأصل. هذا، طبعا، قبل اكتشاف وتبني الأصولية الإسلامية باعتبارها الموجة الصاعدة، وتحويلها إلى أداة للاستثمار الإعلامي والسياسي.
وفي هذا الصدد يقول إن المحطة لم تزعج الحكّام العرب بقدر ما نجحت في استغلال الشارع العربي. ويضيف أن المحطة التي كانت تبدو مثل عضلة عملاقة في العام 2003 كانت في الواقع شديدة الهشاشة، وكان من الممكن على ضوء خيارات قطر الإستراتيجية (أي اختبائها وراء ظهر الأميركيين) “إغلاقها بمكالمة هاتفية”. وأعتقد أن الأمر ما يزال كذلك.
كما يشير فودة إلى أن المحطة اختطفت قبيل غزو العراق “لخدمة أهداف بعضها فوري، وبعضها الآخر استراتيجي”، ويشير بطريقة غير مباشرة إلى انخراطها في التهيئة الإعلامية لغزو العراق، وإلى لحظة طرد محمد جاسم العلي (المدير السابق للمحطة) باعتبارها اللحظة التي اكتمل فيها فعل الاختطاف.
مَنْ اختطف المحطة؟ لم يجب فودة على سؤال كهذا، وربما نسمع منه في قادم الأيام.
3-
مسك الختام أولا ما جاء في تقرير “الراصد الإعلامي العربي” (لندن) في العاشر من حزيران الماضي حول أداء الجزيرة الناطقة بالإنكليزية. الخلاصة أن محطتي “بي بي سي” و”الجزيرة” الإنكليزية “قدمتا بشكل طاغ مذهل العنف الإسرائيلي كنتيجة لاحقة لعنف فلسطيني”، هذا ما يقوله التقرير بالحرف الواحد. إذاً، “الجزيرة” العربية تضحك على الذقون، و”الجزيرة” الإنكليزية تبيع الغربيين وجهة النظر الإسرائيلية. كلتاهما وجهان لعملة واحدة.
ومسك الختام ثانيا، ما ذكرته جريدة الديلي ميل البريطانية في الثلاثين من آيار 2007 حول محاولة مسؤولين في الرياضة القطرية تجنيد عشرة آلاف طالب فيتنامي، مقابل المال، لتشجيع الفريق القطري في مباراة لكرة القدم تقرر أن يلعبها فريقهم في تلك البلاد. تعليقي: في نهاية الأمر لن تقترب الكاميرا من الوجوه، وكل ما سنراه الأعلام القطرية في مدرجات الملعب الفيتنامي.
ثمة ألف صلة وصلة بين شراء فضائية بطاقمها، وشراء مشجعين، وقضايا، وميليشيات، و”مفكرين” ومعلّقين، أغلبهم للأسف من الفلسطينيين. فالدنيا مزيج من السينما و”إذا الشعب يوما أراد الحياة”. وفي هذا وذاك متعة للعين وبهجة للنظر في أخبار قطر.
Khaderhas1@hotmail.com
• كاتب فلسطيني- برلين
متعة العين وبهجة النظر في أخبار قطر..!! ربما لا تدرك ان في العالم العربي قنوات بعدد النجوم شيء منها بلف وتلميع وتمجيد، والبقية تتمايل مع الالحان وبعبارة سهلة ليس منهم واحدة في مستوى الجزيرة. من اول يوم أنطلقت الجزيرة أدركت كما أدرك غيري أنها اعلام مختلف تماما مما هو موجود على الساحة.هذا لا يعني أنهافي مستوى DV الانجليزية أو أحبار فرنسا او الاروبية الانجليزية ولا ال bbc بل تطمح في ظل ضغوط اقليمية هائلة بل ودوليةان تصل الى مستويات الاعلام الحديث وأن تقدم للمواطن العربي اعلاما تنويريا قادر ان يخلق عقلية فاحصة وناقدة وناجحة بعيدا عن عبارات صرح ونوه وثمن… قراءة المزيد ..
متعة العين وبهجة النظر في أخبار قطر..!! اعتقد ان الجزيرة مثلما الوعي العام, تمر بمراحل تغيير تفرضها التحولات الثقافية والسياسية من حولنا, ونتعرض لها من مصادر عدة. وما قاله يسري فودة يعبر عن ذلك_ كأحد الامثلة، فهو ايضا ممن تبنوا خطا قوميا-اسلامويا-شعبويا، اقرب الى الاوهام في مرحلة من المراحل.. وربما شفي منه الان. لننظر للأمر من زاوية اننا كلنا عشنا الجهل والتسطيح على يد اعلاماتنا الرسمية لعقود..وحين ولدت الجزيرة تغيرنا بسرعة وعلى نحو كرس البدائل الثورية لحين، ثم ادى زلزال سبتمبر ثم سقوط بغداد الى صدمات عاطفية حادة، ليتبين لنا لاحقا ان بغداد لم تسقط بل سقطت الدكتاتورية والعبث السياسي،… قراءة المزيد ..
متعة العين وبهجة النظر في أخبار قطر..!! تنبه فتى الى ان الصورة التي عرضتها الجزيرة مؤخرا على انها عملية عسكرية للطالبان ما هي الا اعادة لصورة للجزيرة نفسها عمرها اكثر من اربع سنوات وحاول جاهدا ان يلفت نظر متابعي هذه المادة على موقع الجزيرة على الانترنت دون جدوى , هذا الفتى كباقي ضحايا الجزيرة سجل اعتراضا فنيا لا اكثر لم يزعزع ادراكه بما فيه الكفاية للبحث .. مع حرب الكويت دخل الاعلام الامريكي بكامل قوته وتقنيته والاهم من ذلك كشريك في المشروع الامريكي الطموح لادارة الموارد البشرية والطبيعية لاورواسيا (من حدود المانيا الى المحيط الهادىء) بما يتلائم مع المصالح والرغبات… قراءة المزيد ..