كيفما قيمنا الوضع في ايران سنصل الى نتيجة مفادها ان قطاع كبير من الشعب الايراني تواق لحكومة اقل تدخلا في الحياة الخاصة لمواطنيها واكثر تركيزا على تنمية البلاد الاقتصادية والانسانية و احتراما لرأي الناس والاقليات والافراد وانفتاحا على العالم الخارجي. فحتى الامس القريب لم يكن الايرانيون يعون بأن مشكلتهم مع المستقبل والحاضر هي في تحول النظام الاسلامي الذي اتوا به عام ١٩٧٩ هو الاخر محبا للتسلط والقمع ويتدخل في حريات الناس وخياراتها الشخصية من ملبس وتعليم وسفر وتعبير ورأي ومسرح وشعر وحقوق وحياة. ان حركة مير حسين موسوي والسيد محمد خاتمي والشيخ رفسنجاني، وهم من اعمدة نظام الثورة الاسلامية في ايران منذ تأسيسه، تمثل محاولة جادة لاصلاح النظام تدور الان حول تزوير الانتخابات واختطاف السلطة. ويتلخص جوهر الاصلاح في اقامة انتخابات جديدة ينتج عنها بنفس الوقت تحجيم لصلاحيات المرشد الاعلى ومعه المخابرات والحرس الثوري وميليشيا الباسيج وقوى القمع. وينتج عن هذا الاصلاح بنفس الوقت زيادة في صلاحيات رئيس الجمهورية واستقلاله عن المرشد الاعلى. ان فشل هذه المحاولة سوف يفجر ايران في المرحلة القادمة. لن تعود الامور في ايران الى ما كانت عليه في السابق حتى لو تخلل الاوضاع بعض من الهدوء. لقد تغير كل شيئ وذهب حاجز الخوف بين جيل يبحت عن التغير والحرية.
ان ما يقع في ايران هو صراع كبير. فأحمدي نجاد من خلفية الحرس الثوري، ومعظم المواقع الاساسية في الدولة والحكومة ورؤساء الجامعات والمحافظات لشخصيات من جذور في الحرس الثوري، وقد دفعت هذه السيطرة للحرس الثوري والمخابرات والتي سمح بنموها المرشد خامئني، بشخصيات النظام الرئيسية الى التهميش ورؤية ايران تتحول الى مزيد من الانقسام والاحباط والغضب. لقد انعكس هذا الوضع على ملايين الايرانيين في ظل ازمة اقتصادية وتضخم لم تشهد البلاد مثيل له منذ عقود. ورغم ان السلطة في ايران ووفق ما ينص عليه الدستور الايراني تقع في مكتب المرشد الذي يدير عبر الوف الموظفين السياسة الداخلية والخارجية لإيران، و الإذاعة والتلفزيون و القوات المسلحة و أجهزة الأمن والميليشيا الا ان هذه الصلاحيات قد تجاوزت الحدود وتحولت للقمع واصبحت تهدد مستقبل ايران. ان ايران لن تخرج من مأزقها بلا تصحيح لهذا الخلل الهيكلي.
ولكن التحرر من هذا الخلل الكبير في النظام الايراني، وهو يتشابه مع خلل شبيه في معظم الانظمة العربية، يحتاج للتعامل مع إشكالية الحرية والتعبير والحقوق في بلد يحكم بأسم الشريعة الاسلامية. فهناك في صفوف المعارضة رجال دين واركان في النظام الايراني مثل خاتمي ورفسنجاني هالهم هذه السلطة المطلقة التي ازدادت تمركزا في يد المرشد وهالهم بنفس الوقت قيام المرشد بتسليم جزء كبير من هذه السلطة الى اجهزة المخابرات والحرس الثوري والميليشيا والمكونة اساسا من اعضاء ريفيين يشعرون بالكثير من الضيق والاشمئزاز تجاه الاغلبية من الايرانيين من سكان المدن والطبقات الوسطى والمتعلمة والطلاب والنساء. هذه المعادلة تصيب الان ايران بمقتل.
وكما هو الحال في كل مجتمع حيوي تتحول الروح الشبابية لمحرك التغير. فهذا الجيل هاله ما حل بالجيل السابق، وبجيل الثورة وهاله خيانة الثوره لقيمها. بمعنى اخر ان ما يقع في ايران فيه من التواصل مع مبادئ الثورة الاولى بأكثر من رفضها. بل ما يقع اليوم ليس رفضا لقيم الثورة الاولى الرافضة للديكتاتورية وسلطة الشاه بل تأكيد لها. فالثورة الايرانية الاولى لم تقع من اجل انشاء نظام قمعي جديد بعد ان خلعت النظام القمعي القديم، وهي لم تقم لتستبدل قمعا دنيويا باخر دينيا او حاكم باخر يقوم بنفس المهام والطغيان كما حصل في الكثير من الدول في العالم.
ما يقع في ايران يؤكد مدى الحراك الذي يتمتع به الشعب الايراني. فمن ايران انطلقت اول ثورة اسلامية في التاريخ الحديث ونتج عنها بروز عهد الاسلام السياسي، ومع حركة الاصلاح الراهنة في ايران تنطلق اول حركة اصلاح جماهيرية لصالح الديمقراطية والحريات. ايران مهد الثورة الاسلاميه قد تكون اول بلد اسلامي ديمقراطي يتمتع بالحريات والحقوق رغم اسلامية النظام. التحدي الكبير امام ايران في سعيها لاصلاح واقعها: ايجاد المعادلة التي تسمح بالتعايش بين الحريات والحقوق والديمقراطية من جهة وبين الاسلام من جهة اخرى. ما يقع في ايران سيترك اثرا كبيرا على العالم الاسلامي.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
shafgha@hotmail.com