في الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان في 7 حزيران/يونيو، فاز تحالف «14 آذار/مارس» المؤيد للغرب، وبذلك فاجأ العالم بعد أن هزم تحالف «8 آذار/مارس» بقيادة «حزب الله». وبالرغم من أن تحالف «14 آذار/مارس» يحتل الآن أغلب المقاعد البرلمانية، كان يُنظر إليه باعتباره هو الذي سيكون الخاسر [المحتمل] في الانتخابات الأخيرة، مقارنة بمعارضيه المدعومين من قبل إيران وسوريا. ولن يؤدي الانتصار إلى عودة تحالف «14 آذار/مارس» إلى السلطة فحسب، بل يؤكد للمرة الثانية خلال أربع سنوات التوجه القائم في بيروت المعادي للتطرف.
تُعد نتائج الانتخابات اللبنانية أنباء طيبة بالنسبة لواشنطن وبيروت. ولو فاز فيها «حزب الله»، لكانت إدارة أوباما قد أعادت تقييم دعمها المالي والسياسي للبنان. وبدلاً من ذلك، قد تحد – بصورة مؤقتة على الأقل – هزيمة التنظيم من قبل حليف للولايات المتحدة، من زخم جدول أعمال طهران الإقليمي [المتمثل] بـ “المقاومة”.
بيد، لم يخرج تحالف «14 آذار/مارس» من المأزق. فعلى الرغم من فوزه بالأغلبية، لا يوجد في السياسة اللبنانية تفويضات [لمنح صلاحيات كاملة في أعقاب انتصار انتخابي]. وإذا كان التاريخ الحديث دلالة على أي نتيجة، ستكون الأشهر المقبلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للأغلبية، وخاصة إذا حاول تحالف «14 آذار/مارس» اتخاذ مبادرات جريئة.
فعلى سبيل المثال، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية في عام 2005، تجرأ تحالف «14 آذار/مارس» على إثارة الموضوع الحساس المتمثل بسلاح «حزب الله». وفي أعقاب ذلك، أدت حملة الاغتيالات ضد السياسيين المعارضين لـ «حزب الله» — يُعتقد بأنها أُرتكبت من قبل سوريا وحلفائها اللبنانيين — التي استمرت ثلاث سنوات، إلى القضاء على الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها التحالف الموالي للغرب، والتي أدت تقريباً إلى عكس نتائج الانتخابات.
وفي الآونة الأخيرة، عندما اتخذت الحكومة في أيار/مايو 2008، قرارات لتعزيز سيادة الدولة، وهي خطوة معادية لمصالح «حزب الله»، قامت ميليشيا التنظيم بغزو بيروت. وقد عادت الميليشيا إلى ثكناتها فقط عندما تم عكس القرارات [التي اتُخذت]، وموافقة تحالف «14 آذار/مارس» على تزويد التنظيم بالقدرة على منع كل المبادرات الحكومية في المستقبل، وهو شرط أساسي يعرف [بمطلب] “الثلث المعطل” في الحكومة اللبنانية.
وفي حين اعترف «حزب الله» بهزيمته في الانتخابات وقال أنه سـ “يقبل إرادة الشعب”، أوضح التنظيم أنه لن تكون هناك غنائم من نصيب المنتصر. وبعد يوم من الانتخابات، قال رئيس كتلة نواب «حزب الله» في البرلمان اللبناني محمد رعد، أن “الأزمة” في لبنان ستستمر في حال استمرار الأغلبية في إثارة تساؤلات حول ترسانة «حزب الله» العسكرية. وأشار أيضاً بأنه بغض النظر عن نتائج الانتخابات، يجب منح «حزب الله» مرة أخرى [مطلب] “الثلث المعطل” في الحكومة. وقد أعرب تحالف «14 آذار/مارس» رسمياً عن معارضته منح هذا الامتياز.
ولم يشر النائب محمد رعد إلى ما يمكن أن يحدث فيما إذا رفض تحالف «14 آذار/مارس» منح حق النقض (الفيتو) لخصومه، ولكن صحيفة “الأخبار” اليومية الرائدة الموالية لـ «حزب الله» التي تصدر في بيروت وفرت دليلاً عما سيحدث. إما أن يحتفظ «حزب الله» [بمطلب] “الثلث المعطل” الذي يتمتع به، أو “ستعود لبنان إلى [الأوضاع التي كانت سائدة] قبل 7 أيار/مايو – [عندما اجتاح «حزب الله» بيروت]- وستتجه [في مسار يؤدي إلى حدوث] تصادم، ولا أحد يعرف إلى أين سيؤدي ذلك”. وأساساً، إذا ما اعترض تحالف «14 آذار/مارس» على ذلك، فإن «حزب الله» يهدد بالعودة إلى الحرب الأهلية.
وأما حلفاء «حزب الله» في دمشق فلم يكونوا أقل وضوحاً حول توقعاتهم. ففي سوريا، تقوم الصحافة التي تسيطر عليها الحكومة بنشر مقالات من قبل “باحثين” يوصون فيها بإقامة “حكومة وحدة وطنية” في لبنان مع منح «حزب الله» حق النقض (الفيتو). وقد ردد هذا الرأي مسؤول سوري في أول إعلان صدر [من قبل دمشق] في أعقاب الانتخابات، داعياً إلى أن تسود “روح التوافق”. وقد اتصل الرئيس السوري بشار الأسد هاتفياً مع نظيره اللبناني ميشال سليمان، وهنأه على نجاح الإجماع اللبناني في الانتخابات، “روح … حيوية لمواجهة التطورات المرتقبة ومعالجتها”.
وفي حين تبدو هذه الرسائل حميدة بصورة كافية، إلا أنه نظراً لتاريخ سوريا [الحافل] في التدخل في شؤون لبنان، ينظر تحالف «14 آذار/مارس» بصورة متفهمة إلى مثل هذه الاقتراحات غير المرغوب فيها، كونها كل شئ عدا مشورات ودية. كما أن رد الفعل الأولي لإدارة أوباما لهذه الانتخابات ولّد أيضاً قلقاً بين صفوف الأغلبية. فقد أحدث التعبير الذي جاء في بيان البيت الأبيض – والذي دعا تحالف «14 آذار/مارس» إلى “الحفاظ على سلطتك من خلال الإقناع والرضى” – قلقاً خاصاً؛ وقد تم النظر إلى هذه الرسالة بأنها تأييد من قبل الولايات المتحدة لمنح «حزب الله» حق النقض في البرلمان.
وفي الخطاب الذي وجهه إلى العالم الإسلامي في 4 حزيران/يونيو، قال الرئيس أوباما أن “الولايات المتحدة تحترم حق جميع الأصوات السلمية والمحترمة للقانون أن تُسمع في جميع أنحاء العالم، حتى لو اختلفنا معها”. وما من شك في أن واشنطن لا تزال “تختلف” مع «حزب الله»، ولكن من الصحيح أيضاً أن هذه المنظمة هي ليست تنظيماً سلمياً ولا تقوم باحترام القانون.
ستكون الأسابيع القليلة القادمة متوترة في بيروت، في الوقت الذي يحاول فيه التحالف الفائز تشكيل حكومة وإعداد بيانه الوزاري، الذي يعبر عن توجهات السياسة العامة التي ستتبعها بيروت. فإذا أراد تحالف «14 آذار/مارس» اتباع المسار الذي يريده، على عكس ما كان في عام 2005، سوف لن يعطي هذا البيان شرعية لسلاح «حزب الله»، التي تصفه حكومة الولايات المتحدة بأنه “تهديد للبنان”. فبالإضافة إلى معارضته لمنح «حزب الله» [مطلب] “الثلث المعطل” في الحكومة اللبنانية، يبدو أن تحالف «14 آذار/مارس» يفضل تعيين سعد الحريري — زعيم الكتلة — في منصب رئيس الوزراء. وقد عبرت سوريا بالفعل عن تفضيلها مرشح آخر يُعتقد بأنه أكثر ميلاً تجاه دمشق.
ونظراً لرجحان [كفة ميزان] استعمال القوة من قبل «حزب الله» [على احترام القانون]، قد لا ينجح تحالف «14 آذار/مارس» في نهاية المطاف في جهوده لمنع [مطلب] “الثلث المعطل” أو صياغة بيان وزاري يعزز من سيادة الدولة في مواجهة الميليشيات الشيعية. ولكن لا ينبغي على إدارة أوباما أن تقوض من المحاولات الطموحة [التي يقوم بها] تحالف «14 آذار/مارس» لإحداث تغيير حقيقي في لبنان. وفي حين كانت الانتخابات بداية جيدة، سيكون استمرار دعم واشنطن لتحالف «14 آذار/مارس» في هذه الفترة الصعبة [نقطة] حاسمة إذا كان هناك أي أمل في توطيد المكاسب الانتخابية.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى.