اشاع خطاب اوباما في القاهرة في الرابع من يونيو الامال وانعكس بطرق مختلفة على كل من الانتخابات اللبنانية وكذلك الايرانية. ففي لبنان انتصر فريق الرابع عشر من اذار دون ان يعني هذا هزيمة شاملة لفريق الثامن من اذار، وفي ايران انتصرت روح الاصلاح الشبابية لانها حركت المياه الراكدة دون ان ينعكس هذا على نتائج الانتخابات. العالم الاسلامي وكذلك العربي يهيأ نفسه لاجواء جديدة، في هذا يتضح فارق كبير بين العالم الاسلامي الذي تأثر بسياسات الرئيس الامريكي السابق بوش فاستعد للدفاع وللحروب وبين عالم اليوم حيث بدأت تنقشع الغيوم السوداء بصعوبة وبطئ.
ان الصراع العربي الاسرائيلي هو أصعب ما ستواجهه الادارة الامريكية. فالانحياز الامريكي عبر التاريخ شحن العالم العربي والاسلامي. وبلا حل عادل في فلسطين ثم بنفس الوقت بين سوريا ولبنان من جهة واسرائيل من جهة اخرى سيبقى الصراع العربي الاسرائيلي اهم حاجز في تسوية الخلافات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي والعربي. والواضح حتى الان ان الادارة الامريكية على دراية بمركزية حل الصراع العربي الاسرائيلي.
ان العقدة الاساسية التي تواجه الادارة الامريكية تتلخص بوجود حكومة اسرائيلية يمينية برئاسة نتنياهو لا تؤمن بالدولة الفلسطينية وبالانسحاب الشامل الى حدود عام ١٩٦٧. سيحاول نتنياهو التملص وتحويل الضغوط باتجاه الادارة الامريكية. و لدى نتنياهو تصور للتملص والتفجير يبدأ بضرب ايران، واحراج سوريا وإستغلال التناقض الفلسطيني بين فتح وحماس. وهذا قد يعيق جديا توجهات اوباما كما انه يحبط التوجهات السلمية العربية ويفرض التراجع على حركات الاصلاح الناشئة في ايران والبلدان العربية. من هنا ستبقى العقدة الاسرائيلية هي الاهم والاخطر.
ان جوهر الحل الممكن بعد تاريخ طويل وشاق من النضال والصراع بالنسبة للشعب الفلسطيني هو في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة. وهذا يتطلب بلا مواربة ان تكون القدس الشرقية عاصمة لها. ان قيام الدولة الفلسطينية يتطلب ازالة المستوطنات، وانهاء الجدار و ازاحته من كافة الاراضي الفلسطينية التابعه للدولة الفلسطينية . اما بالنسبة لحق العودة فيجب اقراره في اطار اتفاق عام على عودة عدد من الفلسطينيين الى اسرائيل الرسمية. اما التعويض لمن فقدوا املاكهم واراضيهم في فلسطين ١٩٤٨ فيجب اقراره. ويجب ان يتضمن السلام حلا لمشكلة الفلسطينيين من حملة الوثائق بحيث يتحولوا لمواطنين في الدولة الفلسطينية مع تأمين اقامات دائمة لهم في البلدان المحيطة بفلسطين. وهذا يشمل على الاخص الفلسطينيين من حملة الوثائق في كل من لبنان و سوريا.
وتبقى عقدة اتفاق حماس وفتح احد المعوقات في الجانب الفلسطيني. ان الاتفاق بين فتح وحماس سوف يتأخر بانتظار ضوء اخضر من الاطراف الاقليمية المؤثرة على حماس( سوريا وايران). لهذا سيكون لزاما على السلطة الفلسطينية التحرك في المفاوضات والوصول لنتائج حتى لو تأخر الاتفاق مع حماس. يجب استغلال فرصة وجود رئيس امريكي ملتزم بالسلام وبتوازن المسارات وحل القضية الفلسطينية من اجل تحريك الاجواء لصالح الحقوق الفلسطينية. لهذا يجب ان لا تعطى اسرائيل ذريعة التملص القائلة بعدم وجود شريك فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية والحكومة القائمة في الضفة الغربية تحظى بصفة تمثيلية وشرعية دولية دون ان ينتقص هذا من دور حماس وشرعية دورها.
لكن هذا لا يعفي السلطة الفلسطينية من الوضوح والشفافية وعرض نتائج التفاوض على حماس وعلى الشعب الفلسطيني من خلال استفتاء شعبي شامل. ان المخرج الرئيسي للوضع الفلسطيني الداخلي هو الصدق والاستفتاء الشعبي و الانتخابات العامة واحترام النتائج اكانت هذه النتائج لصالح فتح او حماس او تيار ثالث.
أن محاولة حل المسألة الفلسطينية من قبل الادارة الامريكية وربما بضغوط اسرائيلية بمعزل عن سوريا والى حد ما ايران هو الاخر امر غير ممكن كما اكدت الاحداث في السنوات الخمس عشرة الماضية. من هنا اهمية ان تكون جميع المسارات الاساسية( كما تفكر الادارة الان) متوازنة في اطار مبادرة سلام تمتلك مرجعية امريكية ودولية.
ومن جهة اخرى ان محاولة جر سوريا لوحدها الى سلام منفصل هو الاخر غير عملي لانه قد يتحول لمدخل لتوقف اسرائيل عن السعي نحو سلام عادل شامل مع الفلسطينيين، وهذا ان وقع سيعيد الصراع الى مربعه الاول. ان المسار السوري يجب ان يتلازم ويتزامن مع المسارات الاخرى ويجب ان يتضمن موافقة سوريا على قبول حلفاءها في الساحة اللبنانية والفلسطينية بمبادئ التفاوض وعدم السعي للوقوف بوجه التسوية في اطار شروط المبادرة العربية.
ويمثل لبنان جانباً رئيسياً من اية مفاوضات قادمة لحل سلمي شامل. فمفاوضاته مع اسرائيل يجب ان تؤدي هي الاخرى لسلام في اطار تلازم المسارات. وهذا يجب ان يتضمن اتفاقات تطرح على كل لبنان ويكون حزب الله جزءا منها وموافقا على اهم ابعادها. ان مسألة السلاح وافاق ان يتحول حزب الله بشقه العسكري الى جزء طبيعي من الجيش اللبناني الرسمي هي احد الخيارات العملية الممكنة في ظلا سلام شامل.
وسيكون التطبيع العربي الاسرائيلي والاسلامي الاسرائيلي جزء من الخطة الجديدة التي تطرحها الادارة الامريكية والموجودة في مبادرة السلام العربية. لكن التطبيع ورقة اساسية بإمكان المفاوض الفلسطيني واللبناني والسوري ان يستخدمها لتحقيق عودة الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧ وقيام الدولة الفلسطينية. لكن التطبيع بكل انواعه يجب ان لا يقع او يتحقق او يمارس قبل وصول جميع الفرقاء العرب الى حل سياسي وسلام دائم وعادل وفق رؤية الحد الادنى التي طرحتها المبادرة العربية.
من جهة اخرى لا يمكن عزل إيران. لقد بدأت تبرز امامنا سياسة امريكية تحمل نكهة مختلفة و تهدف الى تحييد ايران مقابل عدم العمل على ازحة نظامها. ان السياسة الامريكية الجديدة ستسعى لتقديم اغراءات اقتصادية وامنية لايران وذلك للمساعدة على نموها الاقتصادي وتحولها نحو الاعتدال.
إن التحول من حالة الصدام الى السلام بين الولايات المتحدة وايران سوف يتطلب مفاوضات امريكية ودولية وايرانية تتعامل مع الملف النووي الايراني في اطار اقرار الولايات المتحدة واوباما في خطابه في القاهرة بحق ايران امتلاك التكنولوجيا النووية للاهداف النووية. ان هذا الموقف والتوجه سيفتح الباب واسعا في العلاقة الامريكية الايرانية.
لقد اثارت الانتخابات الايرانية التي فاز فيها الرئيس احمدي نجاد الكثير من الاشكالات. على ايران ان تلتقط الاشارات الواضحة في الداخل ومدى رغبة الايرانيين في التغير، وعلى ايران ان تلتقط ايضا الاشارات الخارجية التي تسعى لإيقاف التوتر الاقليمي. في حالة عدم مقدرة النظام الايراني القيام بالانفتاح الداخلي والخارجي ستقع ايران في ازمة سياسية عاصفة داخليا وخارجيا.
على العالم العربي ان يبلور تصوراته لتنجح في اقتناص الفرصة التاريخية بوجود رئيس امريكي اكثر جدية واكثر استعدادا للتعامل مع احتياجات السلام والشراكة في منطقتنا. ما أحوج العالم العربي لبداية جديدة. هناك حتما مسؤولية كبيرة على العرب في اقتناص الفرصة والا جاء طوفان لا نقدر ابعاده ومخاطره.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت