طهران 1979 تشبه قليلاً طهران 2009، ثلاثون عاماً من الثورة بالتمام والكمال، انقلبت فيها صورة المخلّص من الضلال، إلى صورة من انتفض عليه الناس قبل ثلاثة عقود، انها نقطة البداية ولكن لا آمال كثيرة تعقد على تحرك عمره أربعة أيام أو خمسة. بيروت 2005 يوم استشهاد رفيق الحريري تتشابه وطهران في هذه الأيام، أو لنقل ان طهران صورة مكبرة عن تحركات يوم الرابع عشر من شباط / فبراير 2005 في بيروت.
طهران تحترق هو عنوان صور وصلت عبر «الفايسبوك»، حيث تظهر سحب فوق المدينة وصور المتظاهرين فيما بعضهم قتلى أو مصابين، وكذلك حشود مليونية في ساحات المدينة تخترق الممنوعات وتتحول إلى نهر يهدر بالناس.
ماذا يحدث في ايران؟ لا شيء محدد غير ثورة صغيرة على التزوير، هذا ما يقوله أكثر المتفائلين. فالانتخابات الرئاسية التي كانت أرقامها تعلن نجاح مير موسوي، انقلبت عند منتصف ليل الجمعة وصارت تعطي فروقات ضخمة للرئيس أحمدي نجاد.
لنعود قليلاً إلى العام 1979، فبعد انتصار الثورة الخمينية، تحولت ايران إلى بلد إسلامي بمعنى الديانة، ولكنها أخذت تنحى باتجاه دولة ديموقراطية تسير على أسس دستور وضعي صنعه رجال قانون استطعموا معنى الديموقراطية وحرية الرأي والنقاش وحق الاختلاف في بلاد الغرب. نجحت الدولة بالحفاظ على صورة الجمهورية المسلمة ولكنها في الوقت نفسه أخذت تتقدم في اتجاه بناء الدولة، مع خصوصية وجود المرشد أو الولي الفقيه، وهو ان أمكن القول يحمل سلطات عليا أكبر من سلطة رئيس الجمهورية، فصارت ايران تتشابه مع المملكة الصفوية، باسم جمهورية.
في العام 1979 ولد جيل جديد، حملوا صور الامام الخميني في المدارس، واستشهد آبائهم في الحرب الايرانية العراقية، وكذلك عاشوا تجربة الصراعات الداخلية وديموقراطية ينبت فيها مؤسسات اعلامية أكثر مما تستطيع الرقابة ايقافه ومنعه. هؤلاء عاشوا أيضاً صور الثورة قبل هروب الشاه، والتحاق رجال الجيش والأمن بالمسيرات التي اخترقت قلب العالم حين اخترقت شوارع المدن الايرانية.
هذا الجيل الذي يعرف معنى ايران وعاش في صورتها الجديدة، استطاع ان يكوّن منذ العام 1999 يوم انتفاضة طلا الجامعات وحتى اليوم صورة مختلفة عما رسم له، فهو يتقدم بهدوء ويطالب بحريات أكثر، ومن ثم يمسك بيد أبناء الثورة ويشارك معهم في التغيير، فالدوارن الهاديء في فلك الرئيس السابق محمد خاتمي أو في الحراك الجامعي وكذلك الحزبي، والانتصار لمير أحمد موسوي في الانتخابات وهو ابن الثورة ورئيس وزرائها في أسوأ الأوقات أي في الحرب الايرانية العراقية، هذا التقدم هو ما أوصل ايران اليوم في محاولة منع التزوير والوقوف في وسط الشارع بمواجهة الخوف من العسكرة والديكتاتورية والقتل.
نزل الايرانيون إلى الشارع هذه المرة، فتغيرت المعادلات الايرانية، فمن تظاهرات الآلاف يوم السبت إلى التظاهرة المليونية يوم الاثنين، فتح الباب للقمقم فخرج مارداً جباراً حقيقياً وليس كمشة دخان. هذا التحول والخروج كبير جداً وأكبر من ان يقمع بسهولة، مما يفتح الباب على القول ان ايران قبل الانتخابات هي غيرها بعد التظاهرات، فالحلول المطروحة حالياً هي ليست سريعة وكافية لمنع الناس من الخروج على الظلم الذي لحق بمن رأوا أصواتهم توضع في صناديق أحمدي نجاد زوراً، ونداءات الاصلاحيين ان لم تستطع التسريع بعمل مصلحة تشخيص النظام، وهو الجهاز المفترض به قبول الطعون والغاء الانتخابات، فإن المتظاهرين سيتحولون إلى مرحلة جديدة أخطر بكثير من المرحلة الحالية، وتُخلق قيادة جديدة من رحم الشارع، تنهي حتى دور الاصلاحيين وتحولهم إلى صور ترفع في بعض الأماكن.
ماذا يمكن أن تفعل ايران قبل ان تتغير الصورة وتتحول الجمهورية الاسلامية إلى نمط جديد مختلف عما نعرفه؟، من الممكن أن يعلن آية الله علي خامنئي إلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها خلال فترة تمتد من أسبوع إلى شهر على الأكثر، مع تسليم إدارة البلاد لحكومة حيادية لمنع التزوير لاحقاً. أو عدم اتخاذ أي قرار وترك الأمور على أمل أن يهدأ الشعب الايراني وينفس ثورته الجديدة، وهو أمر لا يقوم به المرشد. أو غض الطرف عن بعض غلاة «الحرس» والسماح لهم بارتكاب مجزرة كبيرة في محاولة لانهاء التحركات، ولكن هذا الموضوع قد ينهي حتى أي دور للمرشد ويفتح المجال لثورة أعنف من ثورة العام 1979، فتضيع ايران والثورة وكل ما تم بناؤه. أو أن يقوم أحمدي نجاد بالاستقالة من منصبه فيصير مير أحمد موسوي رئيساً للجمهورية.
أما الحل الأخير وهو السيناريو الأسوأ والأصعب، فهو إشعال حرب بين ايران وإسرائيل أو في أفغانستان أو ضد الأكراد أو ضد الأميركيين في العراق. وهنا كمن يهر إلى الأمام، فيقع بما هرب منه بعد قليل.
كل الحلول المطروحة هي اعلان لافلاس التشدد الايراني، مع ان هذا التشدد منقسم، كما ان الحرس الثوري حسب انباء من طهران منقسم أيضاً «انقسام سياسي» وليس انقساماً عضوياً، وكذلك رجال الدين في مدينة قم منقسمون حول تأيد التزوير أو رفضه.
باب الثورة انفتح في طهران، كما انفتح قبل نيف وأربعة أعوام في بيروت، فيوم استشهد رفيق الحريري قيل ان العزاء هو لثلاثة أيام وتنتهي كل التحركات أو هكذا أرادوها. كبرت التحركات وصارت ثورة، فالشبان الذي تربوا وهم يتنقلون بين حواجز الجيش السوري شاركوا في انتفاضة الاستقلال، لم يهابوا المخابرات ولا الحديث عن السجون، ساروا في تظاهراتهم التي لم يتوقعوا يوماً أن تكون بهذه الأرقام المليونية، ولكنهم نجحوا في النهاية في فرض شروطهم وانسحاب الجيش السوري.
في طهران قد يبني أبناء الثورة الجديدة مخيمات اعتصام في وسط الساحات، ويغنون للحرية، ويظلون رافضين الانجرار إلى الدمار أو الذهاب إلى منازلهم، حتى اللحظة التي يستطيعون فيها حماية ديموقراطيتهم.
ما يحدث في طهران يشبه نفسه، ولا مجال للعودة إلى الوراء، فالجمهورية وحياة الناس أهم بكثير من نجاح متشدد أو فشله، فالاصلاحيون هم أبناء الثورة كذلك. وهم من سار إلى جانب الامام الخميني في ثورته وفي بناد الدولة، ولديهم الحق أن يمنعوا التزوير كمثل كل المواطنين، وهم من سيمنع انهيار الجمهورية، إلا إذا… أصرّ المتشددون على الدخول في المناطق المظلمة.
oharkous@gmail.com
* كاتب لبناني- بيروت
طهران تحترق بالاحتمالات المشتعلة أو ايران قبل الانتخابات هي غيرها بعد التظاهرات
يا زلمي…ضحكتني وانا عاوزة اعيط
طهران تحترق بالاحتمالات المشتعلة أو ايران قبل الانتخابات هي غيرها بعد التظاهرات كنت ولازلت اود ان يفوز الاصلاحيون على امل ان نرى دولة اسلامية مدنية ديمقراطية تسعى لإزدهارها و ازدهار الاقليم الذي تقع فيه ويتعلم منها الآخرون معنى الحرية الساعية للتقدم و التطور و الديمقراطية و حكم الشعب ، لاكن للأسف الأنظمة الدينية المتطرفة حين تحكم قبضتها لايمكن الا ان تنتج التزوير و العنف لمد الحكم الشمولي بأوكسجين الحياة ليظل ينتج الازمات تلو الاخرى لوطنه و من حوله الاقليم الذي يقع فيه بغية التزعم و تحقيق احلام تاريخية يفترض انها انتهت منذ امد بعيد غير ان المتعصبين و المتطرفين في… قراءة المزيد ..