تمثل الانتخابات التي وقعت في الشرق العربي والاسلامي في الاسبوع الماضي بداية نشر لاجواء اكثر تفاؤلا ولكن تشوبها حالة من الحذر والترقب. اذ تعكس الاجواء سعي المجتمعات للتقدم، وتأكيد عن مدى صعوبة انجاح موضوعة التقدم بنفس الوقت. بين ايران ولبنان ومرورا في الكويت هناك حراك كبير يمثل شحنات من التفاؤل بواقع اصلاحي جديد ولكن هذه الشحنات تعيش حالة من الحذر، فما سيقع في الشهور والسنوات القليلة القادمة سيقرر مصير مسيرة الاصلاح في البلاد العربية والاسلامية.
والانتخابات الايرانية كما شاهدنا عبر الحملة الانتخابية عكست تبني الايرانيين شعبا ومجتمعا ومدنا لحالة جديدة اساسها التغير. ان النتيجة في ايران والتي ادت لفوز احمدي نجاد في رئاسة ثانية قد تشعر تيار الاصلاح ان فرص الاصلاح غير ممكنه، وان الاوضاع الاقتصادية في البلاد سوف تستمر في التراجع وان الحريات ستبقى مضطهدة في ايران.
لكن ايران التي جاءت لشرقنا بالثورة الاسلامية والاسلام السياسي من اوسع ابوابه، بدأت تتساءل عن الطريق التي تجد انها قد سارت عليه في السنوات القليلة الماضية. ففي ايران جيل شاب يبحث عن الحرية، ويبحث عن حقوق الانسان، ويتطلع للتنمية والمشاركة والانفتاح الاقتصادي وتقليل تدخل الدولة في الحد من الحريات الشخصية، ربما شكلت هذه الانتخابات بروفة للتيار الاصلاحي، فهذا التيار في صعود، وعليه ان يدرس هذه الحملة الانتخابية ويصل لاستنتاجات حول تكتيكه القادم واساليب عمله. لقد اثبت الجيل الايراني الذي نزل الي الشارع مدى تعلقه بالحريات، وقد تحدى موانع عديدة لم يكن من السهل تحديها في ظل سيطرة الباسيج والمخابرات وموقع المرشد على الحياة السياسية والاقتصادية. لقد نتج عن حملة مير موسوى تحريك الجيل الصاعد الايراني وتحريك كل ايراني انزوى بعيدا عن النظام السياسي وممارساته. لن يكون من الممكن اعادة هذا الجيل الى الوراء، اذ سيزداد سعيا للتأكيد على حقوقه.
لهذا فالسؤال الكبير في ايران مرتبط بافاق خروجها من الاوضاع الاقتصادية المغلقة، والسعي نحو الانفتاح لاشراك القوى التي تمثل رأي عام اساسي في المجتمع. ستواجه ايران بعد الانتخابات اسئلة كثيرة. فهل ينجح احمدي نجاد في اشاعة الثقة بالنظام السياسي وافاق تطوره وتنظيمه وارتقاءه واستمرار شرعيته السياسية ام ان النظام السياسي سوف يفقد المزيد من شرعيته.
ان المرحلة الجديدة ستتطلب مقدرة ايران على اعادة تعريف نفسها، فعوضا عن القتال والمواجهه تحتاج ايران لثورة البناء والتنمية التي يجب ان تترجم لتعني حريات، ودور كبير للقطاع الخاص، واعادة النظر ببرامج التعليم وضرورة السعي لتحقيق المساواة بين الناس، وتقليص لدور الميليشيا والباسيج والمخابرات. ولكن لو وقع هذا تكون ايران قد عززت التيار الوسطي والاصلاحي الذي من الطبيعي ان ينمو في ظل اجواء الانفتاح. فالفكر الشمولي والمنغلق لا يمكن ان ينمو الا في اجواء الانغلاق كما يؤكد النموذج الكوري في الانغلاق. ولكن عدم مقدرة ايران السعي نحو الاصلاح سوف يؤدي الى تآكل في الشرعية وضعف داخلي.
ان اعادة تعريف ايران يتطلب الانتقال من السياسي والايديولوجي الى الاقتصادي والتنموي. وهذا اساسي لنجاح ايران في تحقيق مكاسب داخلية وخارجية. فهل يستطيع احمدي نجاد القيام ببعض من هذا؟ وهل ينجح في قراءة حجم المعارضة في المجتمع لسياساته ومدى تعطش الايرانيين لتغير يصيب اقتصادهم وينعكس على حقوقهم وحرياتهم؟ ام انه على القوى الاجتماعية والاصلاحية الايرانية ان تبدأ هي الاخرى بأعادة ترتيب اوراقها باحثة عن طرق جديدة لاصلاح ايران؟
ويعزز فرص الاصلاح في ايران سقوط ورقة الصراع والصدام الابدي مع الشيطان الاكبر من يد التيار المحافظ في ايران. كما سقطت ورقة الصراع مع الولايات المتحدة حول السلاح النووي خاصة مع قبول اوباما في خطابه في القاهرة بمبدأ التخصيب للاغراض السلمية في ايران. ان التغير في السياسة الامريكية بخلاف ما كان قائما في المرحلة السابقة غير من الاجواء.
لقد بدأت تتغير معادلات عديدة في ايران منها ان حرب جديدة بين حزب الله واسرائيل لن تقع، وان اسرائيل لن تقوم بضرب ايران ولو فعلت ذلك ستقع في مأزق كبير يعود عليها بضرر يفوق حجم ضربتها بمرات ومرات. كما ان بداية تبلور صراع امريكي اسرائيلي سيؤدي على الاغلب الى تراجع نتنياهو وربما في لحظة ما سقوط حكومته. بمعنى اخر تغيرت الاجواء.
ومن جهة اخرى جددت الانتخابات اللبنانية الثقة بمجموعة ١٤ اذار لتشكل الاغلبية، فهذا تصويت لصالح من يطرحون في هذه المرحلة اعادة بناء لبنان ويتبنون مواقف تنموية في الداخل وسلمية في الخارج. هذا لا يعنى ان صوت المعارضة في لبنان فقد اهميته، فهو صوت اساسي في النسيج اللبناني اثبت نفسه في مراحل تاريخية مختلفة يجب العمل على عدم تحوله للشعور بالعزلة. لكن التصويت اللبناني يؤكد بأن اللبنانيين يشعرون ان مهمة المقاومة تراجعت في هذه المرحلة وبدأت الان مهمة الحفاط على استقلال لبنان وبناءه. بل لو جاء خطاب اوباما تصعيديا وعدائيا لربما صوت اللبنانيين لحزب الله و المعارضة بصورة مختلفة.
و لا يوجد ما يحسم ان اوباما سينجح في وعوده واطروحاته، وانه سيجعل اسرائيل تتراجع عن الاستيطان وعدم الاعتداء على محيطها في ايران او لبنان او غزة والضفة. لهذا سيبقى السلاح في لبنان مشروعا مطروحا في لبنان وفي اوساط المقاومة حتى حلول السلام الشامل. هذا يعني ان سلاح حزب الله لن يكون مطروحا بصورة جدية الا في اطار حل شامل للصراع العربي الاسرائيلي تشارك فيه كل الاطراف. فعلى الاغلب ستكون اوضاع العالم العربي والصراع العربي الاسرائيلي في وضع مختلف ان وقع هذا التطور.
من بيروت الى ايران مرورا بالانتخابات الكويتية التي غيرت بدخول المرأة البرلمان من التركيبة الاجتماعية لمجلس الامة الكويتي يدخل العالم الاسلامي في مرحلة جديدة. فهناك اجواء متفائلة نسبيا، ولكنها اجواء انتقالية وحذرة تتطلب الكثير من الجهود، فما وقع في بيروت وايضا في الكويت وما وقع في ايران يعكس مدى التذبذب في هذه المرحلة. في الانتخابات لم يهزم احد ولم ينتصر احد بالمطلق، جميع الخاسرين بامكانهم ان يعودوا وجميع الفائزين بامكانهم ان يخسروا بين يوم وليلة، هذه فترة حساسة مليئة بالترقب والاستعداد لما قد يقع من تسويات واجواء جديدة.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت