بيروت- خاص بـ”الشفّاف”
من الصعب أن تجد “محاولة حوارية ” في مكان ما ولا تجد فارس سعيد في عداد المؤسسين لها او المشاركين فيها. ومن الصعب أن تجد”حدثا” لقوى 14 آذار ولا تجد فارس سعيد فاعلا فيه. بعد الرابع عشر من آذار 2008، بات هناك أمانة عامة … مقر… شعار… وجود ملموس لـ” إنتفاضة الإستقلال” أو “ثورة الأرز”… لقوى 14 آذار، وإذا به المنسق العام للأمانة.
اليوم يخوض فارس سعيد الطبيب الخمسيني معركة بإسم تحالف 14 آذار في بلاد جبيل “ناصعة البياض” ليس للون الرمادي فيها مكانا. معركة سياسية بإمتياز في مواجهة مشروع “حزب الله”، الذي تغلغل سياسيا وحتى أمنيا الى تلك المنطقة التي تضم تنوعا طائفيا.
ليست عائلة سعيد في الاساس عائلة سياسية…
فالجد فارس كان طبيبا تخرج من الجامعة اليسوعية سنة 1906. شارك في الحرب العالمية الاولى من باب مهنته، فإنخرط في الجيش التركي حيث خدم في فلسطين. عاد الى لبنان سنة 1917، وعيّن في ظل الانتداب الفرنسي “طبيب قضاء” في جبيل، فسكن قرطبا ومارس مهنته.
وعلى طريق الاب فارس، سار الابن انطون. فدرس الطب وتخرج عام 1951 ثم تخصص في الجراحة العامة، وأنشأ مستشفى “سانت أنطوان”بالقرب من المتحف ببيروت في نهاية 1956 ولا تزال الى اليوم. إشتهر الطبيب انطون سعيد في احداث 1958 حيث عالج الكثير من جرحى الاحداث في الشوف وبيروت. وفتح مجيء فؤاد شهاب الى سدة الرئاسة عام 1958 المجال لإنخراط انطون الشباب في الحياة العامة في ظل المناخ السياسي الذي ارساه شهاب آنذاك المرتكز على تجديد النخب السياسية في البلاد. إنضم سعيد الى “نادي 22 تشرين” الذي كان ناديا ثقافايا وسياسيا تأسس بتوجيه من رئيس الجمهورية. خاض انطون سعيد الشهابي الانتماء الانتخابات النيابية عام 1960 في قضاء جبيل منفردا لا في عداد “اللائحة الدستورية” التي ضمت شهيد الخوري والد النائب السابق ناظم الخوري وادوار نون واحمد الحسيني وتنافست مع “لائحة الكتلة الوطنية” بزعامة ريمون اده اليه غبريال جرمانوس واحمد اسبر محققة الفوز على الدستوريين.
في انتخابات العام 1964، وصل الى البرلمان على “اللائحة الدستورية” التي ضمته وشهيد الخوري وعلي الحسيني. في تلك انتخابات سقط ريمون اده ومرشحا لائحته اميل روحانا صقر واحمد اسبر. سقط ريمون اده بفارق 213 صوتا عن انطوان سعيد. حصل اده على 9490 صوتا وسعيد على 9703 الذي حل ثانيا في اللائحة بعد شهيد الخوري . قيل يومها ان المكتب الثاني كان فاعلا على الارض وإتهمت السلطة بالتدخل المباشر في الانتخابات واسقاط اده.
لم تمضِ سنة حتى توفي أنطوان سعيد في 15 أيار 1965. كانت زوجته نهاد جرمانوس سعيد في الثانية والثلاثين من عمرها فخاضت الإنتخابات الفرعية في وجه ريمون اده. شهدت الانتخابات الفرعية معركة قاسية. وكانت نهاد سعيد عمليا اول امرأة تخوض معركة انتخابية فعلية، اذ ان ميرنا البستاني شغلت بالتزكية مقعد والدها النائب إميل البستاني في العام 1963. خسرت نهاد سعيد امام ريمون اده، حصد اده 10476 صوتا فيما نالت سعيد 9544 صوتا.
صحيح ان نهاد سعيد اخفقت في الوصول الى الندوة النيابية، لكنها انخرطت بقوة في المعترك السياسي متبينة الخط الشهابي وخاضت الكثير من النعارك السياسية. في انتخابات 1968 يوم كانت البلاد منقسمة بين تيارين: “النهج” المحسوب على فؤاد شهاب و”الحلف” الذي ضم تحالف ريمون إده على رأس “الكتلة الوطنية” والاحزاب المسيحية ذات الاجواء الراديكالية المسيحية (حزب الاحرار وحزب الكتائب اللبنانية). يومها كانت المعركة ذات طابع سياسي، اذ ان المناخ السياسي آنذاك الذي طغى اثر نكسة 1967 وهزيمة عبد الناصر لعب دورا في إعادة فرز الطبقة السياسية اللبنانية ولا سيما ان العهد الشهابي كان حليفا لعبد الناصر والخط العروبي والتناغم مع المحيط العربي، يومها سقطت نهاد سعيد واستطاع نجيب الخوري (شقيق شهيد الخوري) الذي كان حل مكان شهيد اثر وفاته في العام 1966، استطاع وحده من خرق لائحة اده، وخاضت نهاد سعيد انتخابات 1972 مع نجيب الخوري وعلي الحسيني الاّ ان احدا لم ينجح في مواجهة لائحة اده.
لم يعرف والده الإ من روايات الناس
ليس في ذاكرة فارس سعيد الكثير عن والده أذ كان في السادسة من العمر يوم توفي الأب عام 1965. وكان انطوان كثير الانشغالات بين السياسة ومهنة الطب، يتذكر فارس كيف انه كان يستيقظ صباحا وحين يخرج من غرفته للذهاب الى المدرسة، يجد اناس من ضيعيته يفترشون الارض في الصالون وغرفة الطعام اذ كانوا يأتون من قرطبا الى بيروت لرؤية مرضى لهم في المستشفى او لقضاء حاجياتهم، فينامون في منزل سعيد. يتذكر فارس الطفل يوم وفاة والده ومراسم التشييع، وكيف كان ملتصقا بجده الذي كان يسكن معهم في المنزل، كان الجد هو الذي يرعى الاولاد ويعوّض غياب الاب و يسد فراغ ابنه المتواجد دائما خارج البيت في إنشغالاته الطبية والسياسية. لم يشعر فارس الأبن في لحظة وفاة والده بذاك الالم الكبير اذ ان الجد كان حاضرا في الشتاء في بيروت، ويصطحب احفاده في الصيف الى “قرطبا”، شعر بالالم الحقيقي وفقدان الدور الابوي الذي شكله الجد يوم وفاة الاخير في العام 1967عن عمر 85 سنة. كان ذلك النهار مؤثرا في حياة فارس نظرا الى العلاقة اليومية التي كانت تربطه به. لا شك أنه شعر مع الوقت بغياب مرجعية ابوية، ففارس هو الثالث في العائلة المكونة من 6 اولاد ( 4 بنات وصبيان) وهو يكبر شقيقه. هو تعرف على والده من خلال روايات الناس الذين عرفوه واحبوه وكان يداويهم في المنطقة، وإستطاع من خلال هؤلاء وخبريات والدته ئان يكوّن صورة عنه في ذاكرته.
درس فارس سعيد في الـ”الليسه الفرنسية”” LYCEE FRANÇAIS- BEYROUTH. أنهى المرحلة الثانونية عام 1975 مع بداية الحرب الأهلية، فسافر الى باريس لدراسة الطب، إلتزاما بالمسار المهني للعائلة. احب الطب واكتشف اهمية هذه المهنة وشعر بالارتياح والفرح لهذا الاختيار. صحيح ان فارس سعيد وعى وترعرع في أجواء سياسية وفي ظل والدة إنخرطت بكليتها في السياسة، لكنه لم يذهب الى إختصاصات قريبة من السياسة، كان الاتجاه الذي حكم نشأته ان هناك ما هو ثابت وما هو عابر. السياسة هي العابرة او كأنها عابرة والثابت هو تعلّم المهنة. فذهب في إتجاه الثابت وجاءت السياسة تكملة. درس الطب في “جامعة رينه ديكارت- باريس الرابعة” UNIVERSITE RENE DES CARTES – PARIS IV منهيا عام 1985 تخصصه في جراحة القلب والشرايين. حيث مارس مهنته مباشرة في باريس.
بعد “حرب التحرير ” التي أعلنها الجنرال ميشال عون ضد سوريا عام 1988 وما آلت اليه من ضحايا، سعت فرنسا برئاسة فرنسوا ميتران الى دعم الوضع في لبنان انسانيا، فكان في عداد الوفد الطبي الذي جاء الى لبنان على متن الباخرة “فوش” من اجل المساعدة الانسانية التي تقدمها فرنسا. كانت البلاد يومها مقسومة في ظل وجود حكومتين. وبعد محادثات مع الجنرال عون والرئيس سليم الحص، دخلت “فوش” مرفأ بيروت حيث أجلت جرحى “المنطقة الشرقية” ومن ثم توجهت الى صيدا للإجلاء جرحى المنطقة الغربية. في ما بعد، طلب منه رئيس منظمة ” أطباء العالم” آنذاك المجيء ثانية في مهمة انسانية. فعين مسؤولا عن بعثة “منظمة أطباء العالم” التي عملت على تجهيز كل من مستشفى ضهر الباشق الحكومي ومستشفى صيدا الحكومي بتمويل من المجموعة الاوروبية ودعمهما بأطباء لبنانيين وفرنسيين من المنظمة.
ثقافة الحوار … وهوية الانتماء
في نهاية عام 1989، قرر فارس سعيد الاستقرار نهائيا في لبنان. كان يعتبر ان “إتفاق الطائف” هو نهاية الحرب في لبنان.
في تكوينه السياسي، انطلق فارس سعيد من بيت ذي توجه شهابي ونشأة قائمة على فكرة التنوع والعيش المشترك وفكرة المعالجة مع المحيط العربي وليس الارتداد على المحيط العربي عبر مشاريع استقواء الغرب على العرب. ولكنه في مرحلة من المراحل، في فترة شبابه الاولى شكك بهذه التجربة، ذهب مثله مثل الشباب لاكتشاف اذا كان هناك افكار او انظمة اخرى قادرة على المحافظة على سيادة واستقلالية هذا البلد. في ظل هذا البحث والاستكشاف لامس احزابا يسارية تذهب بأفكارها بمشاريع اكبر من البلد وتحمل بعداً أمميا. كما لامس في فترة الحرب وإنكفاء اللبنانيين في بقع جغرافية وسط احادية الافكار، لامس احزابا يمينية ذهبت بأفكارها الى مشاريع اصغر من البلد وحملت بعدا فيديراليا. بدأت مع منتصف الثمانينات تتبلور له الرؤى السياسية، وبدأ يتبلور لديه النضوج السياسي، ولاسيما بحكم تجربته الاوروبية بأن التنوع قادر على ان يكون مصدر غنى وان العيش المشترك ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين بل ضمن الطائفة نفسها… وبأن المبدأ الاساسي لقيام لبنان والمحافظة على الحرية هو المحافظة على العيش المشترك.
في رأيه أن أمين معلوف في كتابته تطرق الى هذه المسألة بشكل واضح حين تحدث عن الانتماء الى الهوية. يقول المعلوف ان الانسان في لبنان ينتمي الى عدة انتماءات: ينتمي الى إنتماء عائلي وطائفي ومناطقي ووطني وعربي، ولكنه لا ينتقل من دائرة الانتماء الاصغر الى دائرة الانتماء الاكبر اذا لم يحافظ الاكبر على الاصغر. ولا يستطيع اللبناني ان يكون عربيا اذا كان مفهوم العروبة يلغي لبنان، اما اذا كان مفهوم العروبة يحافظ على لبنان، ينتقل اللبناني من انتمائه اللبناني الى انتمائه العربي، ولا يستطيع الماروني ان يكون لبنانيا اذا الغى لبنان خصوصية الموارنة، ولا يستطيع ابن عائلة معينة ان ينتمي الى طائفة اذا كانت هذه الطائفة تلغي خصوصية عائلة. الانسان في لبنان هو خلاصة لكل هذه الانتماءات وهذا ما يجعل الشخصية اللبنانية مميزة عن سائر الشخصيات في الوطن العربي وحتى في العالم، والنموذج اللبناني قد يكون عامل غنى ونموذجا لوقف العنف في المجتمعات الغربية التي ضربها من جراء تصادم الحضارات بحكم التنوع الذي طرأ على المجتمع الغربي نتيجة الهجرة اليها. كان دائما على اقتناع بأن هذا البلد قد يصلح لأن يكون نموذجا للوطن العربي والبلاد الغربية كما قال البابا يوحنا بولس الثاني بأن “لبنان اكثر من بلد، إنه رسالة للعيش المشترك”. جهد ولا يزال بغية تعزيز هذا المفهوم وتكريسه وتطويره كقناعة سياسية ثقافية.
هو من الناس الذين تأثروا في شبابه بقراءات عن ماركس (دوليا) وبشخصية عبد الناصر (عربيا) وكمال جنبلاط (محليا). كثيرا ما يعود الى ارشيف واوراق “الندوة اللبنانية” ويقرأ المداخلات والنقاشات التي كانت تحصل، وكثيرا ما يجدها انها لا تزال حديثة بطروحاتها، واذا ازال التاريخ يظن المرء انها كتبت اليوم.
بعد مجيئه الى لبنان عام 1989 انخرط فارس سعيد في الشأن العام عبر محاولات خلف مناخات حوارية جدية. هو من الاعضاء المؤسسين “لمؤتمر الحوار الدائم” مع سمير فرنجية والسيد هاني فحص، وسعود المولى ومحمد حسين شمس الدين، شوقي داغر وميشال خوري.. مجموعة مثقفين من مشارب سياسية مختلفة، منهم من أتى من اقصى اليسار ومنهم من أتى من اقصى اليمين، إجتمعوا سويا بعد صيف 1992 واخذوا موقفا موحدا من مقاطعة الإنتخابات النيابية، وعملوا على تطوير هذا الموقف وبلورة رؤية سياسية مشتركة آلت الى تأسيس مؤتمر الحوار الاسلامي-المسيحي الدائم التي حضّرت للقمة الروحية الاسلامية-المسيحية الاولى بعد العدوان الاسرائيلي في تموز 1993، تلك القمة التي إلتزمت فيها الكنيسة المارونية مع المرجعيات الاسلامية بتضامن وطني ضد العدوان الاسرائيلي.
كان من الذين شاركوا في “خلوة الحكمة” حول المرجعيّات الروحية في لبنان سنة 1994التي عملت على إحياء دور المرجعيات الروحية كعامل تكويني اساسي في البلد. وكان تحركه يهدف الى خلق حركة إعتراضية ومناخات حوارية يمكن ان تسهم في خلاص البلاد. شارك في العديد من المؤتمرات الحوارية التي تعمل على المحافظة على الاختلاف بالرأي وقبول الاخر كما هو. شارك في “خلوة الحوار الإسلامي – المسيحي” في عنايا سنة 1995، وفي “خلوة الحوار الدرزي- المسيحي” في بعقلين في السنة نفسها، وفي “الهيئة الوطنية للحوار الإسلامي- المسيحي” في بكركي التي عقدت خلال العدوان الاسرائيلي سنة 1996. كان فارس سعيد عضوا مشاركا في وضع “وثيقة من أجل تجديد تيار الشرعية المسيحية” سنة 1996 و”وثيقة تجديد معتى لبنان” في أيار سنة 1999.
النيابة عادت الى بيت سعيد
عام 2000، ترشح فارس سعيد الى الإنتخابات النيابية. في أول إنتخابات نيابية عام 1992بعد إنتهاء الحرب الأهلية. كان فارس ووالدته نهاد مع المقاطعة إلتزاما بقرار الكنيسة كموقف احتجاجي على قانون الانتخاب. ونجحت جبيل يومذاك في تثبيت المقاطعة ولم يبق في أذهان الناس سوى الاصوات الهزيلة التي حصدها مرشحو جبيل الذين فازوا في الانتخابات. لكن إنتخابات عام 1996 شهدت مشاركة جزئية في بلاد جبيل، بعدما شعر الناس بالحاجة الى الاتيان بأشخاص وفعاليات سياسية محلية قادرة على تحفيز الدولة لخدمة المنطقة. لم تكن المعركة تحمل اي طابع سياسي. ترشحت نهاد سعيد، فدخلت الندوة البرلمانية للمرة الاولى.
كانت نهاد سعيد تفكر بخوض الانتخابات عام 2000 . لكن طبيعة المعركة يومها كانت مختلفة عن العام 1996 جراء جملة تطورات داخلية وإقليمية، منها الإنسحاب الاسرائيلي، مجيء بشار الاسد الى سدة الحكم في سوريا، خطاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الانفتاحي تجاه المسيحيين، عودة رئيس الجمهورية السابق امين الجميل من المنفى) كلها عوامل دفعت الناس الى المطالبة بالتغيير على مستوى القاعدة في جبيل وكسروان. كان هناك شعور ان التغيير يمكن ان يحدث من خلال فارس سعيد اكثر مما يمكن ان يحدث من خلال نهاد سعيد. كان المهم لدى نهاد سعيد ان تبقى النيابة في البيت. إستطاعت ان تقرأ التغييرات، فترشح فارس سعيد في تحالف مع ناظم الخوري عن جبيل وجورج فرام عن كسروان وكانت الذائرة تضم قضائي جبيل وكسروان. نجح فارس سعيد في الوصول الى البرلمان عن احد المقعدين المارونيين في جبيل، وكذلك نجح حليفاه الخوري وفرام.
وفي قراءة تحليلية للأرقام التي نالها ، خرج سعيد بإستنتاج مفاده ان ثلاث قوى في هذه الدائرة اعطته اصواتها. قوى تقليدية لها علاقة قديمة ببيت سعيد، وروابط خدماتية. قوى غير تقليدية ليس على إحتكاك معها، وهي قوى من اليمين واليسار على حد سواء.
أعطته قوى اليمين اصواتها، لشعورها أنه مواكب لطبيعة المرحلة وهواجس الناس في تلك المنطقة، ومن منطلق انه كان صديق قائد” القوات اللبنانية” سمير جعجع ولا سيما بين العام 1989 مع عودته الى لبنان وحتى العام 1994 تاريخ توقيف حعجع على خلفية إتهامه بالتورّط في إنفجار كنيسة سيدة النجاة. لم يكن فارس سعيد يوما كتائبيا او قواتيا. تعرف على جعجع من خلال عمله، فنشأت بين الرجلين صداقة شخصية.كان فارس من اولئك الذين شعروا بعد الحرب ان هناك غالبا ومغلوبا، صيفأ وشتاءً تحت سقف واحد، وتفكيكأ للمؤسسات السياسية من جانب واحد. فرموز الحرب المسيحيون توزعوا بين السجن والمنفى، بينما رموز الحرب المسلمين دخلوا السلطة، والاهم في رأيه أن السلطة التي تسلمت زمام الحكم بعد “إتفاق الطائف” عملت على ضرب مسألة العيش المشترك،. فكان في عداد الاشخاص الذين سعوا الى العمل سياسيا على إعادة التوازن الى البلد، وهذا امّن له أرضية انتخابية لدى قوى مسيحية يمينية.
وإنتخبته قوى اليسار على خلفية التجربة السياسية لبيته وتجربته الخاصة. اذ لم ينخرط سعيد فعليا في حركات اصولية في الجانب المسيحي وكان من الشباب الذين آمنوا بالاعتدال وسعوا الى المحافظة على” ميثاق العيش المشترك” في أصعب المراحل خلال الحرب الأهلية. فهو كما رأى بعد الحرب أن غبنا لحق بفئة معينة (مسيحية) ودافع عتها، كان قبل فترة الحرب يرى أن غبناً يلحق بفئة أخرى من اللبنانيين (المسلمين) وكان يدافع عنها، وهو ما عرضه أنذاك الى الإستهداف من قبل الراديكالية المسيحية واتهم بإنتمائه الى اليسار انطلاقا من ذاك الدفاع. ولذلك حظي بأصوات من اليساريين.
السياسة على حساب المهنة
لم تأسره النيابة، لا بل فتحت امامه كوة في الجدار السياسي، ولاسيما أن طبيعة المرحلة السياسية على المستوى الإقليمي كانت قد تغيرت. كان المجلس النيابي كما غالبية السياسيين قد انخرطوا كليا في “الواقعية السياسية”. ولم يلامسوا الملفات السياسية الساخنة والقضايا الكبرى التي تهم اللبنانيين على غرار الوجود السوري. في مجلس الـ2000 ، بدأ النواب منذ اول جلسة بملامسة هذه الملفات بحضور سياسي نيابي مختلف، وكان هو من اؤلئك الذين لامسوا هذه الملفات وتمايزوا في طرحه.
شكل لقاء “قرنة شهوان” المظلة السياسية لفارس سعيد وطروحاته. كان سعيد أحد الأعضاء المؤسسين والفاعلين للقاء لقربه وصديقه سمير فرنجية من البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. في الثلاثين من نيسان عام 2001، صدرت الوثيقة الاولى من بكركي فشكلت اللبنة الأولى في مسيرة “إنتفاضة الإستقلال” التي مرت بمراحل تصاعدية من “الزيارة التاريخية للبطريرك صفير الى الجبل في 4 آب 2001 مرسّخا المصالحة بين المسيحيين والدروز الى “مؤتمر البريستول” في 13 كانون الاول عام 2004 الذي شكل التلاقي الاول بين الأطياف اللبنانية المعارضة من مختلف الطوائف بعدما كانت المعارضة السياسية بسقفها العالي تقتصر الى حد كبير على المسيحيين جراء الضغوط السورية التي كان تمارس أكثر على المسلمين. كان فارس سعيد يدرك أن التلاقي الإسلامي – المسيحي من شأنه ان يرسم الطريق امام مستقبل واحد.
وجاء إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في الثالث من شباط 2005 ليشكل مسار توحّد اللبنانيين معا في المعركة الاستقلالية التي شهد الرابع عشر من آذار عام 2005 أروع صورة من صور تدفق اللبنانيين الى ساحة الشهداء في تظاهرة هي الأكبر في تاريخ لبنان رفعت لواء إنسحاب سوريا من لبنان الذي تحقق في السادس والعشرين من نيسان مع خروج اخر جندي سوري من الاراضي اللبنانية بعد نحو ثلاثين عاما من الوصاية.
وعلى الرغم من أن قوى الاكثرية حققت الفوز في إنتخابات العام 2005، إلا ان فارس سعيد والقوى المسيحية في تحالف الرابع عشر من آذار منيت بخسارة قاسية في دائرى كسوان وجبيل، نظرا الى أخطاء حصلت في الادارة السياسية للمعركة وساهمت فيها أنذاك بكركي حينما تمّ اتهام لقاء “قرنة شهوان” بالمساومة على قانون الإنتخابات.
لكن سعيد نهض في اليوم التالي من خسارته المعركة الانتخابية ليكمل معركته السياسية في إطار قوى الرابع عشر من آذار. وهو اليوم يخوض الانتخابات النيابية ببرنامج سياسي واضح.
لا يملك جنسية فرنسية لم يفكر بضرورة ان يكون لديه جنسية اخرى، ولكن اولاده لديهم جنسية يونانية مكتسبة من والدتهم التي اكتسبت بدورها الجنسية من والدتها. يهوى ركوب الخيل ويمارسها كل يوم في نادي الفروسية في عينطورة لمدة ساعة. تزوج عام 1991 من زينة كراه غلوة ، عراقية الاصل من “ماردين”. لديه 3 اولاد: عليا (17 سنوات) انطوان (15 سنوات) جواد ( 13 سنوات).
قام سعيد على المستوى المهني في العام 1994 بترميم مستشفى والده على المتحف وإعادة تجهيزه وتشغيله. شعر بعد انتخابه نائبا عام 2000 ان صورته كطبيب قد تهمشت، واخذ المريض ينظر اليه بنظرة مختلفة وكأنه لن يعود قادرا على تلبية حاجاته والقيام بدوره كطبيب. إنزعج فارس من هذه النظرة، مما حدا به الى مضاعفة عمله كي يبرهن انه لا يزال موجودا ووقته لهم بشكل اساسي. لكنه بعد إنغماسه في “إنتفاضةالإستقلال”، قرر أن يعطي مهنته كطبيب إجازة حتى إشعار أخر …
rmowaffak@yahoo.com