إن الحق الواضح فيما قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور سيف الدين عبد الفتاح هو تركيزه على أن الدولة القومية في بلاد الغرب كانت جامعة موحدة، بينما هي في العالم الإسلامي نتيجة تفكك الوحدة الجامعة (الخلافة) إلى كيانات أصغرمما خلق ميراثاً من المشاكل.
لكن الدكتور وهويسوق هذا الحق يلبسه علينا أكثر من تلبيس، لأنه لم يقل لقارئه المسلم الطيب المستسلم له أن الدولة القومية في أوروبا نتجت حديثا بتجمع لدويلات وإمارات صغيرة متجاورة، بينما الدولة القومية الوطنية المستقلة في بلادنا كانت أسبق في الوجود من كل الدول ومن كل الإمبراطوريات، وأنه مع الفتح الإسلامى تم جمع هذه الدول القومية المستقلة قسرا تحت دولة الخلافة، ونتيجة هذا القسر بدأت تفككها ونبيها الذي جمعها على سرير المرض الأخير، بظهور المتنبئين والمرتدين.
لم يقل د. سيف أن دولنا القومية الوطنية عادت إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال العربي ، لأنها كانت أسبق في الوجود من هذا الاحتلال بألوف السنين وكانت أعلى تحضراً وأعمق قيمه، وأن جمعها تحت ظل الخلافة كان مأساة تاريخية لشعوب متحضرة عظيمة، كان كارثة إنسانية انتكست بالحضارة في البلاد المفتوحة إلى البداوة، كارثة صحبها تطهير عرقي وديني وجرائم في حق الإنسانية ، ستظل لطخة عار في الجبين الإنساني حتى يعترف عرب الجزيرة ويعتذروا اعتذارا تاريخيا يسمعه العالم كله، بعد أن آلت معهم مصرنا وكل أمصار حضارات حوض المتوسط الشرقي إلى ما هي عليه الآن، وبين تلك الحضارات القديمة وبين وضعها الآن… شتان!!
هذا بينما الدكتور سيف لا يرى سوى دولة الخلافة حلاً سحرياً لواقعنا المتردي، ولو سألناه عن السبب فإنه يجيب قائلاً: “جاءت الدولة العثمانية لتشكل نموذجاً في تحقيق جامعية الأمة حتى لو أتاحت التعدد داخلها، ولكن ذلك لم يكن على نمط إقرار التعدد المتغلب وإمارات الإستيلاء والإرتباط الاسمي الرمزي بالكيان المركزي للخلافة العباسية ولكنه يعني نظم هذه الكيانات من خلال حروب جمعت تلك الكيانات في منظومة الخلافة العثمانية، فاتجهت بالأساس لتكوين جامعة إسلامية، ثم انطلقت بعد ذلك فاتحة أجزاء من أوروبا”.
لأن الدكتور سيف باعاً وذراعاً مع الخلافة، ولأن الدولة القومية (مصر) ليست في قاموسه بالمرة، فإنه لا يلتفت إلى أن الدولة العثمانية لم تكن تفتح دولاً نصرانية ولا يهودية ولا وثنية، بل دولاً إسلامية حتى النخاع؟ فلماذا إذن الفتح مرة أخرى؟ ولماذا يسمونه فتحاً؟ كنا أمماً مسلمة مؤمنة مسبحة بالغداوة والعشي، كنا بالضبط مثل أهل الكويت يوم دخل عليهم صدام حسين بلادهم. فالدولة العثمانية لم تأت بشعار الفاتحين الأوائل: “الإسلام أو الجزية أو الحرب”، لكنها جاءت بشعار جديد هو أنه ليس فقط من سيدفع الجزية هم النصارى واليهود، إنما المسلمين أيضاً، لقد جاءت الخلافة العثمانية جابية ولم تأت ناشرة للإسلام، لأننا كنا أسبق منهم إسلاماً. لقد كانت إمبراطورية قاسية استغلت الشعوب أسوأ استغلال وحجبتها عن التطور والتقدم وعمدت عمداً إلى تخلفها قروناً، وهو ما أدى إلى إصابتها جميعاً بفيروس التخلف، فعجزت عن مواكبة عصر النهضة والدخول في منافسة علمية مع أوروبا، فقط اكتفت بجمع الجزية والعبيد والنساء والإنكشارية والمماليك تحت شعار الخلافة المقدس دون مبرر واضح في القرآن أو السنة. فإن كانت الخلافة العثمانية قد شكلت جامعية الأمة كما يقول الدكتور، فهي قد كونت كياناً مريضاً متخلفاً لازالت آثار تخلفه تزلزل العالم حتى اليوم في فتوحات كارثية وغزوات مباركة كغزوتي نيويورك وواشنطن المباركتين.
عاشت الخلافة الخرافات والأساطير وطردت العلم والتحضر حتى قضى عليها تخلفها مقسمة بين أيدي الاستعمار الغربي.
ومن ثم يتابع الدكتور سيف متحسراً على سقوط الخلافة قائلاً: “.. فإن الحقبة العثمانية قد انتهت، وبرزت الحقبة الاستعمارية التي استولت على ميراث الدولة العثمانية، وألغيت الخلافة”.
كعادة الرجل يقول عبارت صادقة لأنها تصف حركة التاريخ بالضبط، لكن على ذات القياس يجب أن نصف حركة التاريخ كله بذات العبارت الصادقة، فنقول: “.. فإن الحقبة الرومانية قد انتهت وبرزت الحقبة العربية التي استولت على ميراث الدولة الرومانية.. وألغيت القيصرية “.
وبذات المعيار الصادق يمكن القول : “فإن الحقبة الفارسية قد انتهت وبرزت الحقبة العربية التي استولت على ميراث الدولة الفارسية .. وألغيت الكسروية”.
وهكذا إلى نهاية الحقب الاستعمارية بقيام الأمم المتحدة لتحرير العالم من أى شئ اسمه استعمار وإدارة العالم بطريقة ديموقراطية لازالت تحتاج إلى المزيد من النضوج. لقد كانت عصور الظلام والاستعمار تعتمد على إقامة الإمبراطوريات لإدراة العالم بالقوة، وبذهاب تلك العصور إلى غير عودة، أفسحت المجال للديموقراطية، فاليوم يتولى الشأن العالمي فكر متحضر وهيئة أمم متحدة وقانون دولي يراعي إنسانية الإنسان ولا يعامله باعتباره مولى أو عبد أو ذمي فقد حريته وشرفه وذاته نتيجة هزيمته في معركة عسكرية. بات للمهزوم اليوم حقوقاً نظمتها مواثيق واتفاقات جنيف الدولية، فله حقوق كاملة ويعامل كإنسان لا يباع ولا يشترى ولا تسبى بناته وتنكح نساءة ولا تصادر أمواله لصالح المنتصر كما كان يحدث في العصور البربرية.
إن العالم اليوم يسير أول خطواته نحوالإنسانية الكاملة لتحقيق الحرية والمساواة والعدل التي كانت أحلاماً عند فلاسفة العصور السوالف ولم يجدوا في زمنهم آليات تحقيق أحلامهم.
لقد اهتدى الإنسان المعاصر إلى هذه الآلية وهديها وهداها، فأصبح ضمير العالم يهب لنجدة أخيه الإنسان أياً كان مكانه أو دينه أو لونه أو عرقه بالمعونات والتطبيب والإغاثة في الكوارث.
وتتدخل الأمم المتحدة لحل مشكلات العالم حلاً عادلاً وإنسانياً تتوافق عليه الدنيا لكن الإسلاميين لهم في تلك المنظمة رأياً أخر، فميثاق حماس مثلاً يعلن أن هيئة الأمم أنشأها وأقامها اليهود والنصارى بقصد تدمير العالم والاستيلاء عليه بعد تدمير القيم والمبادئ الأخلاقية، ومنظمة القاعدة تدعوها المنظمة الكفرية العالمية، حتى الدكتور سيف الدين عبد الفتاح يرى أن النظام الدولي هو نتيجة وإفرازللحقبة الإستعمارية من أنماط سلوك وسياسات وتفاعل علاقات وأنظمة سميت فيما بعد بالنظام الدولي.
إنهم يهاجمون النظام الدولي لأنه البديل المعاصر الذي أثبت وجوده بعد زوال الإمبراطوريات واحتلال البلاد بالقوة إلى غير رجعة، وهوما يعني تخليهم عن مشروعهم لاحتلال العالم بالخلافة، أو حتى إحتلال بعضهم بعضاً لذات الهدف، فهوما لن يسمح به النظام الدولي. ويعيب الدكتور سيف على مرحلة النظام الدولي استمرار علاقات الدول المستقلة عن الاستعمار بالدول الغربية التي استعمرتها ، وتفجر العلاقات البينية بين الدول المستقلة وبعضها البعض.
وغني عن البيان إن الإنسانية لا زالت بحاجة إلى تطوير أداء الأمم المتحدة، وإصلاح سلبياتها، لكن مثل ذلك النقد لا يصح أن يأتي من أنصار الخلافة والإمبراطوريات المنتصرة لإكتساح العالم، إنما هو النقد الذي يوجهه أنصار الحقوق الإنسانية والحريات في العالم. الدكتور سيف يكرس العيوب في النظام العالمي الدولي الذي تمكن من أن يعيد للكويت ترابها حراً، ولوتم هذا الغزوالصدامي إبان الخلافة العثمانية لتمكن صدام من الإستيلاء على كل الحجاز والجزيرة، كما سبقه إلى ذلك محمد علي برضى من الخلافة وبطلب منها، لأن الخلافة لم تكن ترى أى بأس في العدوان بين شعوبها طالما الجزية ترد إليها كاملة غير منقوصة. وهوالأمر الذي يرفضه الضمير الدولي والنظام العالمي اليوم.
ثم يقول أنه في ظل هذا النظام العالمي استمرت العلاقة بين المستعمرات السابقة ومستعمريها، في حين أن هذه العلاقة هي التي مكنت مصر من حفر قناة السويس ثم تأميمها ثم حماية هذا التأميم يمجلس الأمن الذي رد العدوان الثلاثي وضمنه الاستعمار الإنجليزي الذي كان يحتل مصر قبل استقلالها، وبترول الخليج تم استخراجه واستثماره بناء على علاقة الدول المستقلة بمستعمرها السابق، فبدون عون هؤلاء السادة القدامي ما أمكن للخليج العربي الوصول إلى مستواه الحالي من الرفاهية، ولوركز الخليج على العلاقات البينية العربية ماعرف أن تحت أرضة سوى الأرضين السبع بما قيها من الجن والعفاريت ووادي الأفاعي.
أما حديثه عن تفجر العلاقات البينية بين الدول الإسلامية التي استقلت فهي متفجرات من صنع محلي وذات أصول عريقة في بلادنا، فما يحدث في السودان هو ناتج أصيل عريق في ثقافتنا يريد إنشاء دولة إسلامية تطبق الشريعة في بلاد تحوي مختلف الملل والأعراف، وذات الشأن ما يحدث في الجزائر بسبب السعي لتطبيق الشريعة بالحديد والنار، وهوما يحدث اليوم في العراق كثمرة لثقافة محلية مريضة ومتخلفة، وتفجيرات عمان ومصر والرياض وغيرها لم ينتجها الغرب ولا النظام العالمي. إذن هم يحفظون لنا حدودنا كما حدث بالكويت، ويساعدونا في إنشاء منظماتنا الخاصة كالجامعة العربية بينما أنصار الخلافة يبكون على الخلافة ويريدون إرجاعناعبيداً للإنكشارية والمماليك وباقى سقط متاع الأرض لمجرد أنهم مسلمون. قتصبح المشكلة هى : لمن يجب أن نكون عبيداً؟!!
ومن ثم يتابع الدكتور سيف معقباً على الحقبة الإستعمارية التي تلت سقوط الخلافة بقوله : “وخلقت تلك الحقبة الإستعمارية وضمن علاقات المُستعمِر والمستعمَر والسيد التابع، وتقسيم علاقات النفوذ، إلى أن تكون المنطقة التي يشار إليها بالعالم الإسلامي (حتى في أمتداداته الآسيوية والإفريقية) موضوعاً لا طرفاً، مفعولاً لا فاعلاً. في انماط علاقات تابعة للدول المستعمرة”.
لا زال الدكتور سيف يبكي خلافته النافقة من خلال تأكيد العلاقات السلبية التي حلت بالمنطقة بين الأشقاء وبعضهم نتيجة سقوطها فريسة للاستعمار، ويريد أن يوهمنا أننا في ظل الاحتلال التركي كنا سادة أنفسنا نتمتع بالحرية والعدل والمساواة والسعادة والقوة والعلم والمعرفة والتقدم. وأننا في ظل الخلافة لم نخضع لعلاقة السيد والتابع، ولم نكن موضوعاً بل طرفاً، ولم يكن مفعولاً بنا بل فاعلون. ورغم ما كان عليه المسلمين من استعباد وجور وظلم وجهل ومرض مفعولا بهم على الخوازيق فى الأسواق، لقد كان المسلمون في ظل الخلافة العثمانية في أسوأ أو ضاع مرت بهم عبر تاريخهم. لقد تم الاستيلاء على البلاد والأرض مع فرض الجزية على الجميع، مع ترك البلاد فريسة لعصابات الإنكشارية بمباركة عثمانية. لهذا قامت الثورات الاستقلالية في تلك البلاد، فلوكان حكم الخلافة خيراً من حكم الاستعمار الأوروبي، ما قام تحالف وهابي إسلامى انجليزي ليناهضه، ولما طاردت الجيوش العربية الأتراك في جزيرة العرب. إنه يعيب على عرب الجزيرة تحالفهم مع الإنجليز ضد الخلافة لنيل الحرية.
لا يرى ولا يطل على الثورات ضد الخلافة، لكنه يراها واضحة عندما حدثت ضد الإستعمار الغربي، يقول: “أن هذه الشعوب لم تكن في حالة الإقرار لهذا الوضع أو تلك الحالة الإستعمارية من غير مقاومة، وبرز العامل الإسلامي العقدي ضمن عوامل أخرى في عناصر المقاومة للإستعمار الإستيطاني والمطالبة بالإستقلال والتحرر”.
فى فلتات لسانية لا يقصدونها ولو لوجه الحق، يعترف في خطأ لساني بأننا كنا شعوباً لا شعباً واحداً، وأن منطقياً كانت مجموعة من الشعوب التي كانت تأبى الإستعمار أياً كانت، فكانت تثور ضده ولا تقره طلباً لاستقلالها وحريتها. وهذا شئ طبيعي لممارسة حق طبيعي لكل الشعوب على مدار التاريخ قديمه وحديثه.
فالعالم لم يعرف شعباً قبل الخضوع لشعب آخر إلا عنوة وقسراً، فالحجاز والدرعية لم تخضع لمحمد علي إلا عنوة وقسراً، رغم أن جيوش محمد علي كانت موفدة من خليفة المسلمين الحاكم الشرعي لهم، ورغم هذه الصبغة الإسلامية التي تشرع مهاجمة محمد علي للحجاز، فإن اهل الحجاز رفضوا تقديم فروض الطاعة والولاء للخليفة العثماني الذي هو الزعيم الروحي لكل المسلمين، ولكن قسراً، ولأن شعب الحجاز شعب يحب الحرية كأي شعب آخر ولا يقبل أن يحكمه أحد من خارج بلاده، فقد قاوم جيوش الخليفة التي أرسلها له من مصر.
ترى لوسألنا شعب السعودية هل يقبل بعودة الخلافة العثمانية التركية لتحكم بما أنزل الله فيهم؟ فهل سيقبل الوهابيون وأئمتهم؟ وهل سيقبل خادم الحرمين أن يكون خادماً لثالث؟ تركي، أو لآوردوغان الذى لا يعرف حتى لغة القرآن؟
***
نعم إن الحقبة الإستعمارية قد استغلت بلادنا بلا شك لصالح اقتصادها، لكن كان هناك مقابل لهذا الاستغلال، ففيهم وعنهم عرفنا الحضارة والعلم والتكنولوجيا، لقد كانت الفائدة متبادلة، أخذوا خيرات مقابل علم وحضارة وفن وكشوف لثرواتنا التى ماكنا نعلم عنها شيئا طوال عصور الخلافة، بينما الخلافة التركية التي عاشت أربعة قرون كانت تأخذ فقط ولم تعط أبداً إلا الذل والخضوع والاستعباد وعدم الأمان والجهل والتخلف تخلفاً مقيتاً.
وبعد كل هذا الأخذ والرد لم يطرح بعد السؤال: هل الخلافة أصل من أصول الدين الإسلامي يجب أن يكفر تاركه؟ إنهم بإصرارهم على استدعاء الخلافة طوال الوقت، زرعوا في الوعي المسلم شيئاً لم يكن أصلاً من أصول الدين حتى تصور مسلمواليوم ذلك، بتسليم ناتج عن كثرة الترديد وليس ناتج البحث والفحص المنصف المحايد.
لوكانت الخلافة أصلاً من أصول الإسلام، أو كانت من الإسلام في شئ، لما تغاضى عن بيانها القرآن أو الرسول (ص) ، فرسول الله ما جاء إلا ليبين للناس ما هو الإسلام، ما هو منه، وما هو ليس منه، ولوكانت الدولة والحكومة وطريقة الحكم ضمن اهتمام القرآن، ما وقع خلاف المهاجرين والأنصار ثم خلاف المهاجرين الهاشميين وغيرهم من قريش، أقرأ معي رواية الدكتور حسين فوزي النجار في كتابه الإسلام والسياسة، ويحكي: “بدت لبعض الفرق الإسلامية أن الخلافة حق لآل البيت وحدهم لا تتخطاهم إلي غيرهم، وظهر هذا الإتجاه غداة وفاة النبي (ص)، فقيل أن علي ابن أبي طالب رأى هذا الأمر له دون غيره. ولما ذهب إليه عمرويطلب إليه وإلى بني هاشم أن يبايعوا أبا بكر كما بايع الناس، أبى وأبى من معه أن يجيبوا دعوة عمر، وقال علي: لا أبايعكم وأنا أحق بهذا الأمر منكم وأنتم أو لى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليه بالقرابة من النبي (ص)، وتأخذونه منا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أو لى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم؟ فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة. فإذا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أو لى برسول اله (ص) حياً وميتاً فانصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون ومن الثابت أن فرقاً إسلامية نشأت بعد ذلك وتشيعت لعلي وأن اختلفت على من يكون من عقبة أو لى بالإمامة بين المسلمين. أ. هـ”.
إن الخلافة وطريقة الحكم لوكانت أصلاً من أصول الدين لما وقع الخلاف بين الأنصار والمهاجرين، ثم بين قريش وبني هاشم، أنظر لعلي يقول: “ونحن أو لى برسول الله حياً وميتاً “، الحديث هنا عن ميراث للأسرة، فيكون علي أحق بهذا الإرث من أبي بكر بصفته ابن العم فهوالأقرب و بحسبانة ميراث قاطمة زوجتة وابنة صاحب التركة الوحيدة .
لوكانت الحكومة والدولة من الدين في شئ لكانت حقاً لكل مسلم لا ميراثاً لأبناء العمومة أو لقريش وغيرها، ولا يكون من حق أحد أن يستحوذها لنفسه وهي حق مشروع للأمة, إن كانت من الدين وهي ليست كذلك. لوكانت من الدين لبين القرآن شروطها وأحكامها وسلطاتها، فكتاب الله لم يترك صغيرة ولا كبيرة تتعلق بالدين إلا بينها وفصلها تفصيلاً واضحاً غير ملتبس. ولأن الدولة والخلافة لم تكن من الدين ولا من شريعته بإعتبارهما شأن دنيا لا شأن دين وشأن سياسة لا شأن فقه، فقد قامت الصراعات الدموية عندما تم استخدام الدين انتهازياً في الصراع على الدنيا ورئاستها وهوما انتهى يصحابة النبي إلى الفتنة الكبرى، لكن معاوية بحنكته وضع حداً لهذا الاستخدام للدين في السياسة، وأقام حكماً ملكياً واضحاً وراثياً عندما طلب البيعة وله ولابنه يزيد دفعة واحدة، وفصل بين السياسة والدين بقيامه بأمر الحكم وتركه إمامة الصلاة لأهل الدين. وأسماها معاوية خلافة عندما أعلن شاعره للناس في مدينة النبي قائلاً: “الخلافة لهذا وأشار لمعاوية، فإن هلك فلهذا وأشار ليزيد، فمن أبى فلهذا وأشار إلى سيفه”.
تيمناً بالدين أسماها خلافة وشرعها له الفقهاء دون الارتكان إلى نص ديني واضح بهذا الشأن. وما حصوله على البيعة بهذا الشكل إلا استهانة بشأن الدين فهولم يكن بحاجة إليها، ولم يبايعه علي وأشياعه، ومع ذلك حاز البيعة بالسيف والغلبة ، فأين الدين هنا؟ أم أن كل هؤلاء الصحابة قد مرقوا من دينهم وكفروا ؟ لقد أقام معاوية الخلافة دون مباركة دينية ودون الإرتكان إلى نص ديني واضح في القرآن ولا في السنة. وأنشأ خلافة عجيبة الشأن هي ملكية وراثية واضحة تسميها كتبنا التراثية الملك العضود، ورغم ذلك فإن العابثين بديننا اليوم متدثرين بالإسلام، يسمونها خلافة بالفم المليان ويصورونها للعوام كأصل من أصول الدين ويبكون عليها بكاء ثراً يثير الشفقة والسخرية معا.
ومن جانب آخر فإن الإسلام ليس ضعيفاً كما يصورونه حتى نبحث له عن خليفة يحميه وشعب يدافع عنه، لأن أضعف الشعوب والذي يحتاج للحماية هي الشعوب الإسلامية، فهو كمن يوكل للجهلاء والمرضى والضعفاء حماية الإسلام دين رب العالمين وخير المرسلين. إننا أمة جاهلة عاجزة عن حماية نفسها، فكيف لها أن تحمي أشرف الأديان؟ والبادي في حركة الواقع أن رب الإسلام هو من يحمي إسلامه حتى تمكن من البقاء بل والتنامي حتى الآن، وهوفي وسط بحر متلاطم من التخلف والجهل والأساطير. بينما يريد المتأسلمون للمسلمين وإسلامهم حرباً عالمية ضد كل العالم لا تبقي ولا تذر من أجل إقامة الأمبراطورية الإسلامية مرة أخرى.
كل ما قلناه حتى الآن شأن، وإنكار نجاح الإخوان وفرقهم ودعوتهم لدولة خلافة إسلامية في بلاد المسلمين شأناً أخر، فوجود الجماعات الإسلامية ثابت في الشارع الإسلامي وموجود وهوالوحيد المتواجد، والغريب أن يكون ذلك بفضل ما تملكه الدولة وهوسلاح هائل وعظيم يتمثل في وزارتي التعليم والإعلام الموجه، حتى لم يعد معروضاً في سوق الفكرة على المواطن سوى الإسلام ، وهنا المصيبة الكارثية، التي قد تجعل أصحاب الإسلام السياسى يغامرون أحياناً فتبدوأنيابهم الكواسر، وهوالشأن الذي لا يصح التعامل معه بتهاون أو بخفة.
أقول لكم أين تكمن الكارثة، فما نراه في الشارع هو رأس جبل الثلج الطافى، أما الجبل فهوقناعة المسلمين أن إمبراطورية الخلافة وإن سقطت، فإن مقومات وجودها لم تسقط بل هي تنمووتترعرع.
الإخوان يطلبون دولة الخلافة، والدولة لها مكونات هي الأرض والمجتمع (الشعب) والجيش والحدود، ومعظم مكونات دولة الخلافة موجودة فعلاً على الأرض، الأرض موجودة هي هي لم تتغير فالجغرافيا لا تتغير، لها وزارة خارجية تحت التدريب فهناك أبوحمزة المصري وأبوقتادة وسفية لندن هاني السباعي سفراء لدولة الخلافة، ولها وزارة حرب في طور شديد التطور، وزارة تضم أسود الإسلام الذين هدموا أبراج نيويورك وأنهكوا أكبر جيش في العالم في العراق، ووزارة الإعلام لهم دون أن يجرؤ رمش على أن يطرف بشأن هذا الوجود الكثيف لدولة الخلافة الخفية في إعلام دولة مدنية. وشعبها ومجتمعها الآتى يتم سلخه كل يوم من جسد المجتمع المصري، في الكتاتيب والمساجد والجامعات ومن أمام التلفزيونات، وقد أثبتت وزارة دفاع الخلافة حضورها في بلادنا بأداء طلبة الأزهرلعرضهم العسكري الإرهابي الذي أرهب مصر جميعاً، كل ما تم سحبه من دولة الخلافة هو الاعتراف بها والحدود التي لواستعادتها فستصبح دولة قائمة، بل أن أيديولوجيا الخلافة ومنجزاتها قد عادت بقوة، وأهمها العبودية للخلافة التي أصبحت موجودة دون إعلان رسمي، فنحن لا نستطيع أن نتكلم أو نسلك كالإنسان الحرفي بلاد الغرب. وزير ثقافة مصر قال رأياً قى الحجاب فوقف ضده أعضاء مجتمع الخلافة القادم وقفة مضرية.
الكارثة ستحدث بناء على استشعارهم كل هذا بأيديهم فيغامروا كما غامروا في 11 سبتمبر 2001 ولكن المغامرة هذة المرة ستكون ببلادنا، بنا، لأننا نحلم بالمقلوب، نحن نحلم بالخلف لا بالأمام، وأحلامنا مستحيلة التحقيق، وكلنا نعرف ذلك، ومع ذلك ينخرط بعضنا في مجتمع الخلافة مع يقينه بالضعف والخوار والتخلف، وأنه لم يحقق أهدافه يوماً، والواقع والأحداث اليومية تنبئه بذلك في شكل لطمات فاضحة فادحة في حق كرامته.
النتيجة أن يشعر هؤلاء بالإحباط نتيجة العجز عن تحقيق الأمل فيذهبون يناهضون الدولة المعاصرة الغربية المتفوقة، بمجرد الحلم والوهم، فتسيل الدماء ونحقق نحن معظم الخسائر، بينما ناهضتها من قبل تجمعات عالمية مثل الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الشيوعية كلها، وكانت دولاً عظمى فانتهى أمرها مفككة كما قد حدث وتعلمون.
ببساطة هل لوكان نظام الخلافة موجوداً، وبالفرض أن مكانه قد أصبح السعودية بعد إزالة الملكية وآل سعود، هل تستطيع أن تستولى السعودية على الكويت لضمها للخلافة؟ فهل سيسمح عالم اليوم بذلك؟ إنه لم يسمح لحزب الله الذي هو (تقاوى خلافة). أو لو أعلن صدام حسين نفسه خليفة بعد ضم الكويت مباشرة، وهوما كان كفيلاً بمبايعته من كل الشعوب الإسلامية، ترى هل كان المجتمع العالمي سيسكت؟ أو هل ستسكت حكومات بقية الدول الإسلامية وترضى أن يضم صدام الكويت إلى خلافته؟ أو بفرض أن الأسرة السعودية أعلنت إنهاء الملكية وتعيين نفسها للخلافة، فهل ستكون قادرة على استعادة بلاد فارس إلى راية المصحف والسيفين؟
إن الحلم بالمستحيل هو هدف يتم تكريسه طوال الوقت لأنه الحلم المقموع القادر على الإحباط والإحساس بالمذلة والهوان، وهوالسبيل إلى تحول الشباب إلى الإرهاب كرد على واقع لا يوافق تطلعاتهم.
خلاصة موقف الإسلام الكلاسيكى الشرعى المعتمد عند كل فرقاء الفرق، من مفهوم الوطن والمواطنة، بقلم الإمام بن عثيمين فى تفسير رياض الصالحين:
“قال النبى: إن من فاتل بنية صادقة لإعلاء كلمة اللة وتثبيت راية الدين الإسلامى فهو فى سبيل اللة ولصاحبة الجنة . لذلك يكون القتال من أجل القومية العربية قتال جاهلى من قتل فية ليس شهيدا وفقد الدنيا وخسر الآخرة ـ كما أن القتال من أجل الوطن ليس فية فرق بين مؤمن وكافر لأن الكافر يقاتل بدورة من أجل وطنة، فالمسلم يقتل من أجل وطنة لأن وطنة مسلم ، أما مجرد الوطنية فإتها نية باطلة لاتفيد الإسلام شيئا ولافرق فى ذلك بين وطن المسلم مسقط رأسة والوطن البعيد عنة طالما أنi إسلامى”.
الوطن والمواطنة عند الإسلاميين (3 إلى 4)
elqemany@yahoo.com