في بداية خمسينات القرن الماضي بدأت حرب باردة بين عملاقين كانا يسودان العالم فم جانب كان الاتحاد السوفيتي ومعه منظومة أوربا الشرقية التي شيدها بد الانتصار على الفاشية الألمانية وفي الجانب الآخر كانت الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها أوربا الغربية أو الديمقراطية الغربية ضد أنظمة الحزب الواحد والزعيم الواحد. كلا المعسكرين كانا يملكان إمكانيات هائلة ودعامة اقتصادية كبيرة لكن المعسكر الغبي استطاع من إنهاء الاتحاد السوفيتي وتفكيك منظومة أوربا الشرقية بالضربة القاضية في نهاية ثمانيات القرن الماضي.
واليوم تحاول بعض الدول من إيجاد محور جديد يعيد إلى العالم مواجهات الحرب الباردة التي انتهت وأراحت البشرية منها.
في حديث الرئيس محمود احمدي نجاد الأخير لشركة إعلام أمريكية محاولة منه اجتذاب الرئيس الأميركي الجديد الذي أمضى فقط مائة يوم في الرئاسة واجتازها بنجاح وحقق خلالها رضا شعبيا كبيرا في الولايات المتحدة وحتى في أنحاء العالم، وفق نتائج العديد من الاستطلاعات٬ قال الرئيس نجاد إن المتغيرات الأخيرة دفعته لإعادة تقديم حزمة الموضوعات التفاوضية دون أن يبين كنهها. وفي الطرف الثاني في نظامه أعلن احمد خاتمي في خطبة صلاة الجمعة إلى عدم حصول تغيير في سياسة اوباما، على رغم مرور مئة يوم على تسلمه مهماته. وقال:” إن اوباما يتبع نهج الرئيس السابق جورج بوش حول إيران، ويقول إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة. الشعب الإيراني٬ رمى كل هذه الخيارات في مزبلة التاريخ”. مما دفع وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون على التصريح :”اعتقد ان ذلك برهان على مدى صعوبة التعامل مع هذه الحكومة، فهم لا يبالون حتى بحقوق الإنسان”.
وقبل أن يضع النظام الإيراني ملفاته العالقة مع جيرانه من الدول العربية على طاولة مفاوضات سلمية من اجل امن المنطقة او إغلاق الملفات العالقة مع المجتمع الدولي ٬ الوليات المتحدة والاتحاد الأوربي حول برنامجه النووي يحال من خلق محور بينه وبين نظامين متعبين في أمريكا اللاتينية ٬ نظام الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في فنزويلا والنظام الكوبي المترنح أصلا. إن اندفاع نظم طهران في اتجاه أمريكا اللاتينية ليس حبا في مساعدة شعوبها في الأزمة الاقتصادية الحالية التي ضربت أيضا المواطن الإيراني٬ وإنما لان كلا النظامين يعاديان الولايات المتحدة. فبعد التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الدول التي تساعد الإرهاب بالخصوص إلى دعم إيران لفيلق القدس وحدة النخبة في جهاز الحرس الثوري الإيراني ولحركة حماس وحزب الله وللمتطرفين في العراق ولطالبان في أفغانستان ٬ ندد وزيرا خارجية إيران منوشهر متكي وكوبا برونو رودريغيز، ووصفا السياسة الأميركية بالعنصرية. وايد ذلك وزير الخارجية الفنزويلية نيكولاس مادورو العضو الثالث في مثلث دعاة الحرب الباردة – الساخنة الجديدة. في كاراكاس، قال وزير في كراكاس، قال وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار خلال لقائه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز،:” ان طهران عازمة على الاستفادة من إمكاناتها لتعزيز القدرات الدفاعية لفنزويلا، في إطار مذكرة التفاهم للتعاون الدفاعي بين البلدين التي وقعها نجار مع نظيره الفنزويلي رامون كاريزالس.
وليس معروفا كيف تستطيع إيران مساعدة فنزويلا عسكريا في حالة تعرض الأخيرة إلى هجوم ما؟ ولكن من اجل الاندفاع في سياسة إشعال فتيل حرب وكراهية في أمريكا اللاتينية يخطط الرئيس نجاد إلى زيارة أمريكا اللاتينية خلال الشهر الجاري لإظهار متانة علاقة نظام طهران مع الأنظمة المعادية للغرب ولولايات المتحدة تحديدا. إن تلك الزيارة مؤشر سيئ لنقل خبرة طهران في التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى وإشعال حروب متعددة على أراضي الغير وكذلك دعم التطرف ومعاداة العالم اجمع.
هناك شك كبير بأن يقوم الرئيس الإيراني بإلقاء خطب تختلف في جوهرها عن كلمته في منتدى مناهضة العنصرية في جنيف التي قال عنها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون: “إني آسف لاستغلال هذا المنبر من قبل الرئيس الإيراني بهدف توجيه الاتهام والتسبب بالانقسام وحتى الاستفزاز”. وتابع :”من المؤسف تماما ألا تلقى دعوتي إلى احمدي نجاد للتطلع نحو مستقبل موحد آذانا صاغية لديه”. ورأى في كلام احمدي نجاد تعارضا مع أهداف هذا المؤتمر. واحتجاجا على ذلك ترك القاعة أربعين وفدا. وقالت شبكة بي بي سي الإخبارية أن كلمة أحمدي نجاد تعتبر كارثة بالنسبة للعلاقات العامة في الأمم المتحدة.. فالأمم المتحدة كانت تتطلع إلى أن يكون المؤتمر نموذجاً رائعاً لتكاتف الدول، بين الأقوياء والدول الضعيفة، بين الأثرياء والفقراء وضد الظلم والجور، ولكن ما شوهد هناك لم يكن إلاّ الثغرة والخلافات والنزاع والنكسة والغضب.. فلذلك يعتبر الأمر كارثة عظيمة في العلاقات الدولية للأمم المتحدة حيث كان بان كي مون يراهن في مستقبله على هذا الأمر وكان يريد التضامن فلم يفلح في ذلك.
ان من المثير للسخرية والاشمئزاز أن يتحدث رئيس النظام الإيراني عن التميز العنصري وهو الذي يمارس التمييز المذهبي والجنسي ضد الشعب الإيراني بكل قومياته.
ان احمدي نجاد رئيس نظام ادين 55 مرة من قبل مؤسسات الأمم المتحدة لممارسته التعذيب المنظم والعقوبات القاسية. نظامً يمارس تمييزا شديدا واكثر مناهضة للإنسانية ضد المرأة وضد الأقليات المذهبية فضلا عن فرضه أكثر تمييز ضد الأقليات الأثينية والقومية. إن النساء محرومات ليس فقط من حقوقهن الأساسية بل تم إعدام آلاف من النساء حتي الآن لمعارضتهن للنظام وتتعرض عدد كبير من النساء يوميا للاعتقال والتعذيب في المشهد العام والسجن بحجج واهية مثل سوء التحجب. ان نظام الملالي سجل رقما قياسيا مقارنة بعدد سكان إيران٬ حيث تم إعدام 120 ألف سجين سياسي خلال ثلاثة عقود وفي كل عام في السنوات الأخيرة تم شنق حوالي 400 شخص امام العالم باستخدام الرافعات.
ralamir@hotmail.com