طهران ـ لندن: «الشرق الأوسط»
أشار محللون ومراقبون أمس إلى أن الرد السريع الذي وجهه المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، تضمن رسالة تقول انه الوحيد صاحب القرار في مسألة التقارب مع الولايات المتحدة المحورية، قبل ثلاثة أشهر على الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإيرانية. ومن النادر جدا أن يبادر المرشد الأعلى إلى الرد بهذه السرعة، حيث عادة ما يأخذ وقتا طويلا قبل أن يرد على أي مبادرة. وقال خامنئي ردا على رسالة أوباما «تغيروا وسيتغير موقفنا»، في كلمة ألقاها أول من أمس، بعد يومين على عرض الرئيس الأميركي باراك أوباما، مضيفا «إننا نتصرف بشكل منطقي وليس بشكل عاطفي. ونتخذ قراراتنا بعد حسابات دقيقة». وقال المحلل برويز اسماعيلي المقرب من المحافظين لوكالة الصحافة الفرنسية «أراد أن يقول للعالم اجمع انه هو من يتخذ القرارات الكبرى. وهذا ما يؤكده صمت الرئيس محمود أحمدي نجاد والخارجية».
أما المحلل ما شاء الله شمس الواعظين فاعتبر ان أوباما فعل حسنا بالتوجه إلى أعلى مستويات السلطة في إيران، لا إلى الرئيس أحمدي نجاد. وقال المحلل سعيد ليلاز لوكالة الصحافة الفرنسية «إنني على ثقة بان أحمدي نجاد كان يرغب في الرد بنفسه على أوباما لان ذلك قد يرفع من فرص إعادة انتخابه، لكن المرشد الأعلى أراد أن يقول انه هو صاحب السلطة».
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران)، قد تتحول مسألة استئناف العلاقات بين واشنطن وطهران قضية محورية لان أغلبية الايرانيين يؤيدونها، بحسب المحللين، حتى ولو ان الكثير منهم يعتبرون ان المحافظين وحدهم يتمتعون بحرية تطبيقها.
وحتى الآن يقتصر السباق الرئاسي على الوزير المعتدل مير حسين موسوي والإصلاحي مهدي كروبي بعد انسحاب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، فيما لم يعلن أحمدي نجاد عن ترشحه رسميا مع ان احد المقربين إليه أكد الأمر. واضاف ليلاز «مهما كان الظن بأحمدي نجاد، فان الرجل قام بالكثير لتطبيع هذه المسألة. فالمحافظون لن يسمحوا أبدا لرئيس إصلاحي ان يستفيد من تقارب كهذا مع الولايات المتحدة»، معتبرا ان ذلك سيفيد مرشحا أكثر اعتدالا من أحمدي نجاد حتى لو كان ينتمي إلى معسكر المحافظين.
ورأى شمس الواعظين ان المحافظين الذين يشملون المرشد الاعلى يملكون قدرة اكبر على هذا التقارب، ما يعزز فرصهم في الانتخابات الرئاسية. واضاف ان «الثقة في خامنئي ازدادت لانه يستطيع ان يقول ان سياسة مقاومة الولايات المتحدة التي انتهجها أتت بالنفع، ما يمنحه شرعية اكبر. لذلك يسمح لنفسه ان يقول ان على الولايات المتحدة ان تقبل ايران كما هي، أي ببرنامجها النووي، وبرنامجها الباليستي، وبنفوذها في المنطقة». واعتبر الجميع ان رد خامنئي كان معتدلا. وعلق شمس الواعظين «الجزء القاسي كان محصلة السياسة الأميركية في العقود المنصرمة لكن الجزء الأهم مغزى يتمثل في الجملة الصغيرة التي اكد فيها انه في حال غيرت الولايات المتحدة سياستها فان إيران ستتغير أيضا». غير ان المحللين رأوا ان الطريق ستكون طويلة كما أقر أوباما. وختم شمس الواعظين بالقول «تبدو إيران والولايات المتحدة كحبيبين شابين بدآ يتبادلان الكراهية. والكراهية قد تتحول الى حب جديد. اللامبالاة هي التي تقتل.. سيستغرق الأمر وقتا»، كي يجدا نمطا لعلاقاتهما. ويعتقد محللون أن سعي الرئيس الأميركي لإحداث تقارب مع ايران سببه الاستراتيجية الاميركية الجديدة في أفغانستان حيث يمكن ان تلعب طهران دورا ايجابيا. وقال كريم سادجابور من معهد كارنيغي لتشجيع السلام الدولي انه «لم يعد أمام القادة الإيرانيين خيار غير المشاركة في المؤتمر الدولي حول أفغانستان بعد المبادرة غير المسبوقة لأوباما الذي تحدث اليهم مباشرة وعرض عليهم تجاوز ثلاثين سنة من النزاع. واضاف هذا الخبير في الشؤون الإيرانية لوكالة الصحافة الفرنسية «إذا رفضوا فسيكون من الواضح انهم ليسوا جادين في العمل على إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان». وتقيم طهران علاقات وثيقة مع جارتها أفغانستان وخصوصا مع الأفغان الشيعة. وتواجه إيران عواقب الزراعات الهائلة للأفيون التي تغذي سوقها للمخدرات. وكانت الولايات المتحدة وإيران اللتان لا تقيمان علاقات دبلوماسية منذ نحو ثلاثين سنة، قد سبق ان تعاونتا بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وقطع هذا التعاون في 2003 عندما صنف الرئيس جورج بوش ايران بين «دول محور الشر».
وبعد حرب مستمرة منذ سبع سنوات في أفغانستان بدون أي آفاق للسلام، تأمل الإدارة الأميركية الجديدة في تحريك هذا التعاون لكنها ما زالت حتى الآن غامضة بشأن توقعاتها من ايران. وقال كريم سادجابور انه قد يطلب من ايران فتح مجالها الجوي والبري لنقل البضائع الى أفغانستان. وأضاف «باختصار سيتعاونون مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لإعادة إعمار أفغانستان»، مشيرا خصوصا الى مرفأ شبهر الايراني على المحيط الهندي في مكان غير بعيد عن الحدود الباكستانية. وذكر الخبير نفسه بان الايرانيين سمحوا «سرا» للحلف باستخدام مجالهم الجوي في بداية الهجوم على طالبان.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن مهتمة على ما يبدو بالحصول على طريق استراتيجية في الاراضي الايرانية سبق ان استخدمها بعض حلفاء ايران. فقد أنشأت الهند طريقا بين مدينة ديلارام الأفغانية ومدينة زارنج على الحدود الإيرانية الأفغانية لنقل مساعداتها إلى أفغانستان عبر إيران مما جنبها المرور عبر باكستان عدوتها اللدودة. وأوضح هذا المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية ان ايران اشارت مؤخرا الى ان «بعض دول الحلف الاطلسي يمكنها استخدام هذا الطريق».