إعلان الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي ترشّحه للانتخابات الرئاسية في إيران.. هل يعتبر مؤشرا على أن الإصلاحيين قد خفت صوتهم بعد نجاح الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد باتخابات عام 2005، وأن خاتمي بصدد إعادة الاعتبار لهذا الصوت من خلال مشاركته في الانتخابات المقررة في يونيو المقبل؟
زعيم حركة “حرية إيران” إبراهيم يزدي، الذي شغل منصب وزير خارجية إيران في أول حكومة بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، أكد قبل أيام أن أوضاع السياسيين والناشطين المحسوبين على التيار الإصلاحي تزداد سوءا يوما بعد يوم. وردّ يزدي ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، من بينها الانتخابات الرئاسية المقبلة “والتي سيعمل التيار المحافظ على الفوز فيها لاستكمال إحكام سيطرته على البرلمان والمؤسسة التنفيذية والقضائية”. وأشار يزدي إلى أن الوضع الاقتصادي في إيران، وانتخاب باراك أوباما رئيسا لأمريكا، من العوامل الأخرى التي تدفع المحافظين إلى تشديد قبضتهم على الحركة الإصلاحية ورموزها. وقال “إنهم (أي المحافظين) يكرهون هذه الحالة من عدم وضوح الأشياء أمامهم، مثل الاقتصاد المتردي، ورئيس جديد في أمريكا، وعندما يحدث هذا فإنهم يردون بمحاولة إبقاء كل شيء على ما هو عليه”، مضيفا أن السلطات الإيرانية “تحب أن تسيطر على كل شيء”.
رجل الدين البارز محسن كديور، الذي دخل السجن بسبب انتقاداته لنظرية ولاية الفقيه، يؤكد بأن ثلاثة قوى من المحافظين تحكم إيران اليوم، هم المحافظون الجدد، ممثلون في تيار علي لاريجاني رئيس البرلمان ومحمد قاليباف عمدة طهران. والمحافظون التقليديون ويمثلهم البازار. والمحافظون الراديكاليون ويمثلهم الحرس الثوري. ويقول كديور بأن مشكلة خاتمي فيما إذا انتخب رئيسا مجددا، هي أنه قد لا يكون قادرا على تأدية عمله بطريقة أفضل مما كان عليه الأمر خلال الثماني سنوات التي كان فيها رئيسا (من 1997 حتى 2005)، مؤكدا أن “المشكلة في إيران ليست مشكلة أداء الرئيس، لدينا مشكلة في الدستور الإيراني وأعتقد أن خاتمي لا يستطيع حلها”.
يؤكد كديور أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي “لا يحب الإصلاحيين، ولا يريد أن يسمح لهم بالعودة للحكم، ولديه من السلطة ما يكفي ليفعل هذا”. كما يؤكد أن مشكلة الإصلاحيين أن لديهم برامج عديدة، وليس لديهم برنامج واحد “فإذا كان لدينا برنامجا واحدا لكان بإمكاننا أن نفعل الكثير” ويضيف “الكثير من الإيرانيين لا يوافقون على التضييقات لكن ليس لديهم من القوة ما يكفي ليفعلوا ما يريدون. في المستقبل القريب لن يستطيع الاصلاحيون في إيران فعل شئ، خصوصا في ضوء الدستور والمرشد الأعلى. الأمر كان على الحال ذاته عندما كان خاتمي في السلطة، المرشد الأعلى يسيطر على 80% من السلطة، والـ20 % الباقية في يد باقي القوى”.
أما لماذا لا يحب خامنئي الإصلاحيين فيقول كديور “إن الإصلاحيين أرادوا أن يسيطروا على السلطة في إيران. قالوا إن السلطة يجب أن تكون مسؤولية. وكان هذا هو المبدأ الأول للإصلاحيين في إيران، السلطة يجب أن تكون مسؤولة أمام المواطنين. ونحتاج إلى مؤسسات تعكس هذه المسؤولية وتجيب على أسئلة الرأي العام. هذه المؤسسات يمكن أن تكون برلمانا قويا، وليس مثل مؤسسة البرلمان الحالية والتي هى بيد المرشد الأعلى (عن طريق تصفية المرشحين عبر مجلس الأوصياء). كان لدينا برلمان في زمن الشاه، لكن في ذلك الوقت مكتب الشاه كان يحدد من يجب أن يكون موجودا في ذلك البرلمان، وتدريجيا، كان ثلثا المجلس يحددان من قبل الشاه من دون أي منافسة حقيقية. وهذا الوضع قريب جدا للوضع الحالي. الإصلاحيون قالوا أيضا إن المرشد الأعلى يجب أن يكون مسؤولا أمام مجلس الخبراء. ومن حق مجلس الخبراء توجيه استفسارات إلى المرشد الأعلى، وعليه أن يجيب. المرشد الأعلى لا يخضع وحده للمساءلة، بل كل المؤسسات التي تتبع له. كذلك تحدث الإصلاحيون عن صحافة وتلفزيون حر لا يخضعان للرقابة. قلنا إنه في زمن الرسول والخلفاء الراشدين، كان بإلامكان انتقاد الخليفة. سيدنا عمر بن الخطاب قال للمسلمين: إذا اعوججت صححوني. أيضا في زمن سيدنا علي كان الناس تنتقده، ولم يذهب أحد للسجن. هذه أفكار الإصلاحيين. إذاً الإصلاحيون خطيرون بالنسبة لخامنئي”.
يعتقد الكثير من المراقبين بأن خامنئي يميل إلى المحافظين لأنهم يعززون الدور الفردي المطلق للفقيه في الحكم، ويقللون من دور الشعب ومسؤولياته أزاء ذلك. فبالنسبة إليهم “السلطة السياسية ليست من شؤون عامة الناس، ورضا العامة ليس مصدرا للشرعية السياسية”، كما يقول الباحث السعودي توفيق السيف في كتابه “حدود الديموقراطية الدينية” (دار الساقي، الطبعة الأولى، 2008). لذلك يخشى المحافظون من مفهوم “الجمهورية” بسبب “معناه التطبيقي، أي محورية دور الشعب في تفويض السلطة والمشروعية، إضافة إلى الدور التشريعي لممثلي الشعب في البرلمان”.
من جانب آخر يتبنى التيار الإصلاحي في إيران فهما للدين والحكومة يتعارض جوهريا مع الفهم السائد في النموذج الثوري المحافظ. يقول السيف إن “النموذج الإصلاحي قام في وسط اجتماعي أقرب إلى مفاهيم الحداثة وتمثلاتها في المعيشة والسياسة، ولهذا فقد نحا خطابه نحو نموذج الديموقراطية والليبرالية”. ويؤكد بأن “نموذج السلطة الذي يعرضه الإصلاحيون ينطوي على تباين كبير مع النموذج الثوري (المحافظ) في أرضيته الفلسفية، وفي المفاهيم التأسيسية للنظام السياسي والاجتماعي الذي يستهدفه”.
يخشى المحافظون في يونيو 2008 من تكرار التفويض الشعبي العارم الذي حصل عليه خاتمي عام 1997 مما قد يوظفه في ملف السياسة الخارجية الإيرانية وبالذات فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الإيرانية وما يتفرع منها من قضايا، وكذلك في حلحلة الأزمة الاقتصادية. لكن المحافظين قلقون بشكل خاص من تكرار صراع النفوذ على مؤسسات السلطة الذي سيدخلهم إليه خاتمي في حال نجاحه بالانتخابات. ورغم أن الرئيس الإيراني بصفته رئيسا تنفيذيا ولا يحدد الموجهات العامة للسياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، حيث تتركز تلك الموجهات في يدي المرشد الأعلى، فإن ذلك قد يعرقل التطورات الإيجابية المتوقعة على صعيد العلاقات مع واشنطن والتي ستؤثر في حلحلة ملفات مهمة أخرى مثل الملف النووي والموقف الإيراني بشأن مستقبل العراق وأفغانستان ولبنان والقضية الفلسطينية. فالمحافظون، ومعهم المرشد الأعلى، لا يريدون لتطورات العلاقات مع الولايات المتحدة أن تحسب لخاتمي وفريقه الإصلاحي، مما قد يرفع من شعبية الإصلاحيين، وقد يؤثر على قضايا خلافية عديدة أبرزها التباين الفلسفي بين الفريقين الإصلاحي والمحافظ حول تفسير صلاحيات مرشد الثورة في الحكم وعلاقة ذلك بمفوم “الجمهورية”.
هناك فرصة كبيرة لخاتمي لإعادة الاعتبار لصوت الإصلاحيين الذي خفت، وهذه الفرصة تعتمد على عوامل كثيرة، لعل أهمها هو الإقدام على الخطوات التغييرية بحيث لا تؤدي إلى استفزاز المرشد الأعلى. وإذا كان قد تجنب المواجهات العنيفة في الشارع في السنوات الأولى لحكمه، لكنه يجب ألا يمارس “سياسة ناعمة” تجاه خصومه المحافظين. ولابد أن تكون تحركاته الخارجية على صلة بالتغيرات الداخلية، وذلك يجب ألا يهدّد موقع ونفوذ ولي الفقيه حسبما يحدده الدستور.
لقد أكد خاتمي لمنتقديه أواخر عهده، مثما يقول الباحث الإيراني علي نوري زادة، بأنه ملتزم بالدستور وأسس الثورة، بل هو ابن الثورة والإمام الخميني. وأولئك الذين كانوا يتوقعون منه الخروج على الدستور والصدام مع المرشد الأعلى، قد أخطأوا بتبنيهم آمالا غير واقعية. إذن هل يريد خاتمي تكرار تجربته المريرة في السنوات الثماني التي تولي خلالها الرئاسة؟ ويؤكد رضا هاشمي، أحد نشطاء مكتب تعزيز الوحدة السابقين الذي لعب دورا مهما في فوز خاتمي الأول، أنه لا يمكن تحقيق الفوز هذه المرة بابتسامة عريضة ونشيد “صديقي المدرسي”. إن ميدان السياسة مليء بألغام عدة حاليا، والدخول إلى هذا الميدان يتطلب الحزم وجهاز إبطال مفعول الألغام، وليس مجرد الوعود.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي