أصدر أول من أمس النائب العام المصري قرارا بتحويل سعد الدين إبراهيم إلى محكمة أمن الدولة العليا بتهمة التخابر والاضرار بمصالح مصر
“الشفاف”
*
تم تنصيب باراك حسين أوباما، رسمياً رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، يوم الثلاثاء، العشرين من يناير، عام 2009. وكان يوماً مشهوداً في التاريخ الأمريكي والعالمي. ولأن المُناسبة كانت فريدة، فقد تلقاها العالم كله، بما تستحقه من حفاوة واهتمام.
وطبقاً لكل مراكز وهيئات رصد واستقصاء الرأي العام، التي تابعت الحدث، فإننا عرفنا ما يلي:
1ـ أن من شاهدوا احتفال تنصيب أوباما على شاشات التليفزيون مُباشرة، أي وقت حدوثه، قد حطّم الرقم القياسي السابق، وهو جنازة الأميرة ديانا، زوجة/ أو مُطلقة الأمير تشارلز، ولي العهد البريطاني، والتي كانت قد لاقت حتفها مع عشيقها المصري محمود الفايد في حادث سيارة مُروّع، بأحد أنفاق الطرُق السريعة في باريس. ويُقال أن عدد مُشاهدي موكبها الجنائزي، قبل أربعة عشر عاماً (1997)، كان قد تجاوز نصف مليار. وفي حالة الموكب الرئاسي لأوباما وصل العدد المُباشر إلى مليار، ثم أضيف ملياران آخران خلال الاثنى عشر ساعة التالية، شاهدوا إعادة بث الموكب، في أوقات تالية حول العالم بسبب فروق التوقيت.
2ـ أما على المسرح الأمريكي الداخلي، فإن حفل تنصيب أوباما رئيساً، قد كان الأضخم والأروع في تاريخ الولايات المتحدة كله، والذي تجاوز مائتين وثلاثين عاماً. فأوباما هو الرئيس رقم 44. ولم يسبق أن شارك هذا العدد الضخم الذي تجاوز مليونين، في حفل تنصيب أي من الثلاثة وأربعين رئيساً الذين سبقوه. ورغم أن منهج تقدير حجم الجماهير في الميادين العامة، هو منهج حديث نسبياً، كان لا بد أن ينتظر “التصوير الجوي” (Aerial Photography)، وتم استخدامه أول مرة في حفل تنصيب “جون كيندي”، في 20 يناير 1961، وقُدر الجمهور وقتها بنصف مليون. وكان رقماً قياسياً في حينه. أي أن الرقم الذي سجله باراك أوباما، تجاوزه أربع مرات. وهناك بالطبع أوجه شبه عديدة بين كيندي، الرئيس رقم 35. فكل منهما ينتمي إلى أقلية عرقية ـ دينية. فقد كان كيندي كاثوليكياً أيرلندياً. وهو أول شخصية عامة بهذه الخلفية يُنتخب رئيساً. وهي لم تتكرر لكاثوليكي آخر طوال التسع وأربعين سنة التالية. وأوباما هو أول أمريكي ـ أسود ـ من أصول أفريقية مُسلمة يتم انتخابه في التاريخ الأمريكي. ووجه الشبه الثاني أن كلاهما في مُنتصف الأربعينات من العُمر. فقد كان جون كيندي، 44 عاماً، هو أصغر رئيس أمريكي إلى تاريخه. وها هو باراك أوباما، 46 عاماً، فيكون ثاني أصغر رئيس أمريكي إلى تاريخه. أما وجه الشبه الثالث، فهو أنهما ينتميان إلى الحزب الديمقراطي، الذي يجتذب أبناء الأقليات الدينية والعرقية، ولذلك يُسمى أحياناً حزب “قوس قزح” (Rainbow Party) نتيجة تعدد ألوان أعضاءه ـ من الأبيض إلى الأصفر إلى البني إلى الأسود. أما وجه الشبه الرابع، فهو أن كل منهما يدخل “البيت الأبيض”، مقر سكن وعمل الرئيس الأمريكي، وهو معه أطفالاً صغاراً. فقد كان جون وجاكلين كيندي لديهما طفلين هما كارولين وجون، دون السابعة. وها هو باراك يدخل البيت الأبيض ومعه طفليه دون السابعة، ميليه وساشاسا. ويُغيّر وجود الأطفال أجواء البيت الأبيض، حيث يُخفقون من وقاره ورسميته. والأمريكيون عموماً، هم شعب مُحب للأطفال، ويحتفي بهم كثيراً، ويُنفق عليهم بغير حساب، ويخلق لهم مُدنا خيالية للترويح عنهم، مثل “أرض ديزني” (Disneyland) في كاليفورنيا، و”عالم ديزني” (Disneyworld) في ولاية فلوريدا. وقد أصبحتا قبلتان لأطفال أمريكا والعالم. ولأن الكبار يصطحبون أطفالهم إليهما، فإنهما تكون عادة فرصة للأباء أيضاً لمُتعة لم يُخبرها مُعظمهم في طفولته. كما أن “والت ديزني” مُبتكر الفكرة قبل نصف قرن، كان هو نفسه مُبتكر أفلام الصور المُتحركة، وشخصياتها الجذّابة، وأهمها “ميكي ماوس”… كما أن شركته، بعد وفاته، استمرت وتوسعت في إنتاج الأفلام الترويحية والتعليمية للأطفال، بما في ذلك تحويل الأساطير المُحببة إلى أفلام ـ مثل سندريلا، وصاحبة الرداء الأحمر، وبيضاء الثلج والأقزام السبعة، والملك الأسد، وغيرها.
3ـ ولأن المشهد كان غير مسبوق، والجماهير غفيرة، تمتد إلى ميلين من مبنى الكونجرس، المعروف باسم “كابتول هيل” (Capital Hill) المُطل على معلم واشنطون التذكاري، الذي شُيّد على هيئة “مسلة مصرية” قديمة (ولكنها شاهقة الارتفاع)، وعبر نهر البوتومول الذي يفصل واشنطن العاصمة عن مدينة أرلنجتون بولاية فرجينيا… وهو فضاء مفتوح ، يُماثل المساحة من ميدان التحرير بالقاهرة، عبر فرع النيل الأكبر، إلى الجزيرة بكل أنديتها، ثم عبر فرع النيل الأصغر إلى ميدان الجلاء بالجيزة. فقد قال أشهر مُخرجي هوليود ستيفن سبيلبرج، أنه بكل خياله السينمائي لم يكن يستطيع إنتاج أو تنفيذ مشهد مثله (الفينشال تايمز 21/1/2009) وحينما كانت هذه الجماهير المليونية تهتف (أوباما… أوباما… أوباما) كانت حدّتها أقوى من رعد الطبيعة. وقال سبيلبرج أنه كثيراً ما كان يُحاول أن يتخيل “يوم الحشر”، كما صوّرته الكتب السماوية، وأنه الآن يراه أمامه لأول مرة في حياته. ولعل جلال وروعة وهدير الجماهير، هو الذي عاق سماع باراك أوباما لكلمات القسم الرئاسي الذي كان عليه أن يُردده خلف “جون روبرتس”، كبير قضاة المحكمة الدستورية العُليا، فطلب منه أن يُعيد كلمات اليمين.
وقد صمد المليونا إنسان لعدة ساعات في تلك الساحة الكُبرى، في برد قارص، وصلت الحرارة فيه إلى عدة درجات تحت الصفر. ويبدو أن مشاعر الفرح والبهجة بالحديث، والزحام، أنست الناس قرص البرد. وحتى بعد أن انتهت مراسم حلف اليمين وخطاب الرئيس الجديد، لم يُفارق الجماهير الساحة إلا بعد أن رأوا الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وقرينته لورا يصعدان سلم الطائرة التي استقلاها، عائدين بها إلى بلده بولايته الأصلية تكساس. وكان مشهد طائرة الرئيس السابق بوش وهي تجلو، تاركة واشنطن، ويلوّح الرئيس اللاحق أوباما، وهو يلوّح له متودّعاً، هو تكثيف لجوهر النظام السياسي الأمريكي، الذي أصبح يعمل كالساعة السويسرية، بدقة وسلاسة. فكل طفل أمريكي وكل إنسان في العالم يهتم بالشأن الأمريكي، يعرف أنه في يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر، كل أربع سنوات، سيُنتخب رئيس أمريكي جديد، وأن هذا الرئيس سيحلف اليمين، ويتسلم مقاليد السُلطة من سلفه، بما في ذلك الملف السري لإطلاق الصواريخ وقاذفات الأسلحة النووية. وهكذا تُجدد أمريكا نفسها، وتُصحح أخطائها، وتُكفّر عن خطاياها دورياً. فحتى إذا خدع مُرشح هنا أو هناك أغلبية الشعب الأمريكي، فإن أقصى تداعيات هذه الخديعة ستنتهي في مُدة أقصاها ثماني سنوات، وليس ثمان وعشرين عاماً!
أما ما أكده أوباما في خطابه الرئاسي فهو ما يلي:
1ـ داخلياً: العودة للقيم والمُثل التي بنى عليها الآباء المؤسسون النظام السياسي الأمريكي، وأهمها حكومة من الشعب، وإلى الشعب، وبالشعب. واقتصاد حُر يعتمد على آليات السوق، ولكن في ظل رقابة حكومية صارمة، وضرائب عادلة، تضع حداً للجشع والأنانية.
2ـ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، لابد أن تبدأ بالأمريكيين أنفسهم، قبل أن يعظوا للآخرين. ومن هنا تجريم الحبس التحفظي إلا بأوامر القضاء، والمنع البات للتعذيب تحت أي مُسمى، ولأي سبب. ولأثبات أنه يعني ما يقول، ترجم أوباما كل ذلك بأوامر رئاسية، ومنها تصفية مُعسكر الاعتقال في قاعدة “جوانتنامو” الأمريكية (المُستأجرة من كوبا).
3ـ لم يُغازل أوباما مشاعر الجماهير، وإنما صارحها بما يواجه بلاده من تحديات ومُشكلات هائلة. وصارحهم بأن القوة وحدها لا تستطيع حمايتهم، كما أن قوة أمريكا الهائلة لا ينبغي أن تكون رُخصة تجعلهم يفعلون ما يحلو لهم.
وبهذا يضع الرئيس جديداً حدوداً وقيوداً على استخدام القوة العسكرية الأمريكية. فإذا صدق، فإنه بذلك ينهي اختياراياً غطرسة القوة، التي وصلت أبشع صورها مع الرئيس بوش.
4ـ وخاطب أوباما العالم الإسلامي: لا بد أن تقوم أمريكا بدورها من أجل إشاعة السلام في العالم، وسنسعى إلى المُضي إلى الأمام مع العالم الإسلامي بأسلوب من الاحترام المتبادل والمصالح المُشتركة.
5ـ حتى بالنسبة للطُغاة في العالم، وجّه أوباما رسالة واضحة يُعطيهم فيها فرصة للإصلاح، حيث قال أنهم لو رفعوا القيود وأرخوا قبضتهم على شعوبهم فإنه ومع بلاده ستمد إليهم يديها لبدء صفحة جديدة.
فهل استمع الطُغاة في بلادنا لهذه الرسالة الواضحة؟ أم أنهم لا يعتقدون أنهم طُغاة؟ أو أنهم لا يأبهون بأيد أوباما المُستعد لمدّها إليهم. أظن أن طُغاة بلادنا العربية هم المقصودون، أكثر من أي منطقة أخرى في العالم بهذه الرسالة، فعساهم يسمعون.
semibrahim@gmail.com
من سفر المنفى