(في تقليد رديء لرواية جورج أورويل: 1948، صورة “الأخ الأطول” تتلصّص على لقاء وزير داخلية سوريا، بسام عبد المجيد، مع وزير داخلية لبنان، زياد بارود، الذي تمّ “استدعاؤه” إلى دمشق مباشرة بعد عرض “فيلم فتح الإسلام”)
*
من جديد تعود إلى واجهة الأخبار حكاية جماعة فتح الإسـلام مع ماعرضه التلفزيون السوري الرسمي من فيلمٍ سمّاه اعترافات عناصر من هذه المجموعة عن سيارة تفجّرت أمام أحد أكبر المراكز الأمنية (فرع فلسطين) في دمشق. جاء الفيلم أو العرض على غير عادة الأجهزة الأمنية والرسمية في إصرارها على عدم تسريب أية معلومة للناس تتعلق بهكذا قضايا حتى لو كان ضحاياها مدنيين برآء، وشاهدُنا أقلّه هذه الحادثة تحديداً وماجاء بعدها في جريمة المشيرفة وجريمة الغارة الأمريكية على مزرعة البوكمال، مما يعني أن للفيلم المعروض غرضاً رغم فبركة واضحة في الرواية وخللٍ فاضح في الحكاية، وفيه رسـالة صادقة أو كاذبة يراد لها أن تصل إلى عناوين معينة تعني من فبرك وصوّر ودبلج ومنتَج وعرض وحلّل ونظّر لأنهم الأعلم بما يفعلون، ولاتعني بالتأكيد عموم الناس الذين لم يصدقوا المسرحية من البداية حتى النهاية. ولفهم القصة والحكاية نرجع إلى البداية.
أشار الكثير من اللبنانيين وفي مقدمتهم قوى 14 آذار وتيار المستقبل ضمناً من العام 2007 ومعركتهم جيشاً وشعباً مشتعلة في مخيم نهر البارد إلى أن مجموعة فتح الإسلام صناعة سورية بامتياز. ودفع النظام السوري في حينها لرد هذه الفرية أن جماعة فتح الإسلام صناعة فلسطينية فتحاوية انتفاضية أي من صنع فتح الانتفاضة ونَبْت منها وأن لاعلاقة له بذلك. وتأكيداً على براءة ذمته المعروفة أَدخلَ السيد/ أبوخالد العملة ظلمات السجون السورية في حينها جزاءً وفاقاً على أفعالٍ وترتيبات أمضاها مسؤول فتح الانتفاضة دون علم الأجهزة الأمنية حسب زعمهم، والتي أنشئت أول ماأنشئت من منظمة فتح التي نُفِضت أو انتفضت بفضل الأشقاء السوريين وجهدهم، وأصبحت فتوحاتٍ بسعيهم. وللتذكير أيضاً فإن المعارضة اللبنانية الشيعية على لسان السيد حسن نصر الله اعتبرت في حينها أن مواجهة هذه الجماعة ودخول المخيم خط أحمر، هدّدت وتوعدت وحذّرت من تجاوزه، ولكن تصريح حليفها الجنرال عون بأن هذه الجماعة إرهابية وعلى الجيش استئصالها صبّ ببارد مائه على تصريح السيد حسن نصر الله، وكبح جماح كلامه في هذا الأمر وأصبح في خبر كان.
وللتوضيح نذكّر أن شـاكر العبسي المؤسس لجماعة فتح الإسلام محكوم بالإعدام غيابياً لدى محكمة أمن الدولة الأردنية لإدانته في الاشتراك في اغتيال الدبلوماسي الأميركي لورنس فولي في عمان في خريف العام 2002 ، وهي نفس القضية التي حكم فيها بالإعدام على أبومصعب الزرقاوي القاعدي أيضاً. هرب إلى سورية وقُبض عليه فيها في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، لتستضيفه المخابرات السورية في زنازينها وسجونها بتهمة الانتماء لجماعة إسلامية محظورة، نفاها هو نفسه فيما بعد مدعياً أن تهمته كانت محاولة تنفيذ عملية في الجولان، وحُكِم فيها بتهمة حيازة السلاح ونقله الى فلسطين، ولكنه أُخرج من قيعان السجن في حزيران/ يونيو 2005 بقدرة قادر على غير عادة المخابرات السورية مع ضيوفهم أي بعد سنتين ونصف من سجنه وبعد شهرين من خروج القوات السورية من لبنان رغم كبير فعلته عند الجهات الأمنية التي تصغر أمامها كثيراً كثيراً كلمات قالها ميشيل كيلو ومن قبله عارف دليلة وأنور البني وغيرهم كثير من المعارضين أدخلتهم السجون السورية. سُفّر العبسي إلى لبنان عقب خروجه، وليظهر مجدداً هناك كأحد المسؤولين القياديين في فتح الانتفاضة في العديد من مواقعها. ثم وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 أعلن العبسي مع قرابة مئتين من عناصره خروجه على فتح الانتفاضة ومن ثم سيطرته على مواقعها ولكن باسم فتح الإسلام التي انتقلت انتهاءً إلى مخيم نهر البارد، وظهرت المجموعة المنشقة وكأنها خروج عن فتح الانتفاضة أو نَبْت إسلامي منها يؤكد رفضاً ومواجهةً لعصر (الأمركة) وسياسته، وأسلمة لها وليست ناراً للفتنه أوقدتها شياطين وأبالسة لتخريب لبنان وتدميره على رؤوس أهله. ولم تمض عشرة أيام (8 كانول الأول/ ديسمبر) حتى أعلنت السلطات السورية عن اعتقالها لأبي خالد العملة لأسباب ذكرناها سابقاً. وفي 13 شباط/ فبراير 2007 أي بعد شهرين تقريباً من إشهار فتح الإسلام تمّ تفجير حافلتي ركاب في منطقة عين علق. وفي 12 آذار/مارس 2007، أعلنت السلطات اللبنانية عن اتهام فتح الإسلام ووقوفها خلف التفجير وأن الاستخبارات السورية هي من يرعى هذا التنظيم. أعقب ذلك قيام بعض عناصر التنظيم باعتداءات على قوى الأمن اللبناني واحتجازهم ومصادرة أسلحتهم، وقيامهم بعمليات سطو مسلح مما دفع بالسلطات الأمنية اللبنانية إلى إجراء مداهمات لأماكن مشتبهة لوجود عناصر هذا التنظيم، والذي ردّ بدوره ضد الجيش اللبناني باعتداءات وحشية أوقعت الكثير من الضحايا، مما أشعل المواجهة بعد قرابة مئة يوم من تفجيرات عين علق في محيط مخيم نهر البارد ابتداءً وداخله انتهاءً، وكانت معارك طاحنة خاضها الجيش مع منظمة لم يمض على إعلان تأسيسها وتشكيلها ستة أشهر بعد، أظهرت فيها بأساً شديداً وامتلاكاً لكميات هائلةٍ مخيفةٍ ومريعة من أسلحة وذخائر وصواريخ لم يُسمع عن مصدرها ولاطريق وصولها، مكّنتها بقيادة شاكر بني عبس من مواجهة جيش بحاله وإن كان ضعيفاً قرابة مئة يوم أو يزيد، قاتلوا فيها بشراسة، وسجلوا خلالها صموداً مشهوداً ومقاومة عنيدة وضعوا فيها لبنان على صفيح ساخن، وشغلوا قلوب أحبائه في وقتٍ أثلجوا فيه قلوب قوم آخرين ممن رسموا وخططوا وموّلوا وموّنوا وهدّدوا وسلّحوا وعلّقوا عليهم آمالاً في تخريب وتدمير لبنان على أهله وناسه، وأوصلوا أنفسهم عالمَ الأموات بعد أقل من مئة وثمانين يوماً على تاريخ التأسيس، وبعد أقل من عامين على إخراج المحارب العبْسي من سجنه السوري.
صحيح أن إقامة جماعة الفتح وناسها الفاتحين في المخيم المنكوب كانت فتحاً لأبواب القتل بالمئات من الضحايا، والدمار لآلاف البيوت والعمارات، ومثلهم تشريداً لعشرات الآلاف من سكان المخيم، ولكنها فيما انتهت إليه بما هو معروف للناس من هزيمة للفاتحين وفرح لعموم اللبنانين أو هكذا خيّل إلينا، فطويت صفحتها، وانطلقت أعراس وأفراح جوّالة ابتهاجاً بانتصار الدولة على مستضعِفيها، وانتصار الجيش على الخارجين عن نفوذه وسلطانه.
ولكن هل احتفل اللبنانييون بنهاية معركة لم تنته حقيقة، واحتفوا مبكراً بنصرٍ لن يتركهم الآخرون يهنون فيه، وهم وراهم وراهم ولو طال عليهم الزمان..!!؟
من الممكن القول أن اللبنانيين استطاعوا بانتهاء معارك نهر البارد مع شاكر بني عبس وجماعته إطفاء نيرانٍ كثيرة أوقدها الآخرون على أرضهم إلا أن هنالك نيراناً أشد وفتناً مظلمة أكثر تنتظرهم جاهزة وحاضرة من دون انتهاء عند من يعملون لإيقادها من الذين أكدوا مراراً وتكراراً أن المساس بهم يعني الدمار والفوضى وشيوع الإرهاب والأرض المحروقة، وإشعال المنطقة من بحر قزوين حتى المتوسط. ومن ثم لئن استطاعت الدولة اللبنانية في معركتها مع جماعة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد طي تلك الصفحة، فإن هناك من المتربصين من أعدّ وحضّر لفتح صفحات تاليات إحداها الفيلم الجديد الذي عرضه التلفزيون السوري منذ أيام عن عودة المارد المختفي وإظهاره وجماعته من جديد إيذاناً ببدء الجزء التالي من مسلسلٍ رديء اسمه جماعة فتح الإسلام في ضيافة حكام الشام.
( وللحديث بقية).
يتبع حلقة 2
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري
جماعة فتح الإسلام في ضيافة حكام الشام (1/2)
ان المفكر والفيلسوف محمد اقبال ذكر عن صناعة الانسان للاصنام البشرية والحجرية والنفسية التي تدمر البشرية منها عبادة القبور وعرق اهل البيت والمهدي المنتظر والطواغيت والقنابل النووية والعادات والتقاليد المخالفة للشرع والمنطق فقال: تبدل في كل حال مناة … شاب بنو الدهر وهي فتاة