“احلموا بكركوك مثلما يحلم العرب بأندلس”، هذه المقولة (أعتقد) قالها طارق عزيز وزير الخارجية العراق السابق. قالها عزيز للأكراد أثناء مفاوضات الأكراد مع نظام البعث في العراق في بداية التسعينيات، ومن المعروف أن سبب قبول الأكراد إجراء مفاوضات مع النظام يعود الى رغبتهم في أن تكون التسوية بينهم وبين النظام داخلية المنشأ، تفضيلاً على خيار الدعم الخارجي. والحق أن معنى كلام عزيز واضح – في ذاك الوقت- حيث أراد عزيز ان يقول للأكراد بان كركوك سوف تبقى حلماً بالنسبة للأكراد، ويجب عدم إضاعة الوقت في البحث عن أوراق كركوك “المحروقة” . بيد ان الجانب الكردي اعتبر ان كلام عزيز نوع من الهراء السياسي، ولعل السبب يعود إلى أن صدام (ونظامه) كانوا خارجين للتو من الكويت مهزومين، وكان نظامه يعيش حالة من الضعف، لا تقاس -في بداية التسعينيات القرن المنصرم.
بقي إصرار الاكراد على المطالبة كركوك ساري المفعول إلى يومنا هذا. وما ان خرج الأكراد من مفعول إلحاح الراحل الملا مصطفى البرازاني بتنفيذ بنود اتفاقية آذار بضم مدينة كركوك الى الإدارة الذاتية – في بداية السبعينيات القرن المنصرم بين الأكراد والنظام العراقي- والذي ظن الملا البرازاني ان طبقة النظام الحاكم في طريقها الى السقوط بسبب انقلاب صدام غير المباشر على قريبه، حتى اقتنع الأكراد ثانية (في بداية التسعينيات)، أي بعد عشرين عاما، بان غريزة البقاء في السلطة ما زالت قائمة وان صدام سيضحي بكركوك مقابل وقوف الأكراد في زاوية محايدة من صراع صدام مع المجتمع الدولي، الذي ما انفك يطالبه بكشف حجم ونوع سلاحه المتطور.
لكن في كلتا الجولتين خسر الأكراد. في الجولة الأولى، اعتبر الملا الراحل ان كركوك “قلب كردستان” ولا يمكن التخلي عن هذه المدينة، مثلما الإنسان لا يستطيع التخلي عن قلبه. وفي الجولة الثانية رفض الأكراد التخلي عن المطالبة بكركوك تماما مثلما يرفض العرب الكف عن المطالبة بـ” القدس”. كما ان صدام من جهته خسر المعركة مع الأكراد وصار الصراع بينه وبين الأكراد حول عقدة كركوك سببا لقبول صدام عقد صفقة مع شاه إيران-أواسط السبعينيات- على ان يتخلى صدام عن شط العرب مقابل ان يوقف الشاه دعمه للأكراد. وبسبب كركوك وعدم وجود النضج السياسي في ذهنية الطبقة السياسية في ذلك الوقت، خسر العراق جزءاً من أراضيه ليصبح فيما بعد سببا لحروب مدمية ومدمرة بين إيران والعراق دامت (9) أعوام، وخسر الأكراد احد أهم أعمدة عمارتهم السياسية مصطفى الملا البرازاني. حيث توفى نتيجة الصدمة التي لاقاها من الشاه والاميركان، حيث وقع مريضا حتى وفاته في نهاية السبعينات، تماما كما حصل مع صدام حسين في بداية التسعينيات حيث لو وافق صدام على مطالب الأكراد من كركوك ونشر الديمقراطية وفتح صفحة جديدة مع الداخل والخارج لتغّيرت الأوضاع كثيرا وربما ما كانت تصل الأمور مع صدام إلى ما وصلت إليه في السنتين الأخيرتين، حيث عناده ورفضه للتعايش مع الأوضاع الجديدة، ورفض الواقع الجديد، كان سببا رئيسا في شن الأمريكان حربا ومن ثم احتلال العراق وإعدام صدام حسين!
بيد ان الأوضاع تغيرت جزئيا على مستوى الخطاب السياسي بين طرفي المعادلة بعد الحرب الأمريكية على العراق.
الأكراد من جهتهم:
1- أحدثوا تعديلات في خطابهم السياسي تجاه كركوك. ففي حين كانوا يرون ان كركوك عاصمة كردستان العراق فالآن يرون اربيل عاصمة الإقليم ، ووافق البرلمان الكردي ان يتخلى عن كركوك كعاصمة لإقليم كردستان.
2- نسج الأكراد خطابا منسجما مع الذات والآخر (العربي)، حيث قالوا ان كركوك إحدى المحافظات العراقية بهوية كردستانية وهي تمثل العراق الأساسي وان مجمل المكونات فيها محكومة بالعيش المشترك، ولا يمكن لأي قومية ان تكون سيدا في كركوك مقابل تهميش مكون آخر.
3- صرح الاكراد أكثر من مرة بان نفط كركوك هو نفط كل العراقيين، وانهم (أي الأكراد) لا يطالبون بكركوك كون المدينة غنية بالنفط، إنما يصرّون على مطالبتها لأنها جزء لا يتجزأ من جغرافية إقليم كردستان .
4- يفهم الأكراد انه من علامات وشروط العراق الجديد، زوال منطق التعريب والتبعيث الذي كان سائداً، وان يعاد الحق الى أصحابه.
5- يرى الأكراد ان من حق المهجّرين الأكراد ان يعودوا الى مناطق سكناهم وان تستعاد ممتلكاتهم العقارية، وان يعاد العرب غير الأصليين الى مناطقهم الأصلية مع دفع تعويض لكل عائلة، لكنهم لم يشترطوا ان تعاد تلك العائلات العربية بشكل قسري وإجباري إنما بترك الأبواب مفتوحة لها للاختيار ما بين كركوك ومناطقها الأساسية.
6- وافق الأكراد على تقاسم السلطة المحلية مع المكونات الأخرى في كركوك. والآن، يمكن ملاحظة العرب والتركمان والمسيحيين في قمم الإدارات في كركوك وتتواجد كل المكونات في مجلس محافظة كركوك ولجانه.
7- توزع سلطة إقليم كردستان المعونات على كل المكونات دون تفرقة وتمييز. وبإمكان المتابع ان يلاحظ انه يتواجد العرب والتركمان والمسيحيون في كل منظمة وفي كل الأجهزة الإعلامية الكردية.
8- والاهم، ان الأكراد أصروا على الالتزام بالدستور العراقي، وحتى الآن لا يطالبون بشيء من خارج الأطر الدستورية والقانونية. ففي حين كان الأكراد يرفضون أي كلام بخصوص هوية كركوك، وافق الأكراد على تأجيل تنفيذ المادة ( 140 ) لمدة ستة اشهر و تنص هذه المادة على تطبيع الأوضاع بين المكونات الكركوكية، وإجراء الإحصاء السكاني ثم إجراء استفتاء بين المكونات على ان يكون البت بمصير تلك المدينة بيد مكوناتها ومعبرا عن إرادتها لا ان تقره حكومة إقليم كردستان او الحكومة المركزية في بغداد.
أما العرب او بقية القوى العراقية:
1- فوافق العرب ان يتم النقاش حول كركوك سواء في مؤتمر لندن او اربيل –قبل سقوط النظام – وتجرأ الفرقاء في تخصص مادة في الدستور العراقي بشأن كركوك وتوابعها. في الدستور الانتقالي (58) وفي الدستور الدائم(140)على خلاف النظام السابق.
2- تتواجد الآن أطراف عراقية لا ترى ضم كركوك الى إقليم كردستان بمثابة “جريمة” وهي ترى ان الحل الأفضل لصوغ عراق جديد يكمن في ضم كركوك الى الإقليم الكردي حيث قرار ضم كركوك سيحافظ على وحدة العراق ويمكنه من التلاحم الداخلي على عكس التصور الذي مفاده ان ضم كركوك معناه خطوة رئيسية في إعلان استقلال الأكراد.
3- بعض الأطراف العراقية مقتنعة بان المطالبة بتنفيذ بنود الدستور والتعامل الجدي معه هو حق لكل عراقي دون تمييز، وان تأخير تنفيذ المادة (140) يساهم في توسيع الهوة في العلاقة العربية الكردية، تاليا يضع العراق على سكة أخرى على غير ما نراه اليوم حيث الحوار والتفاهمات بين المكونات العراقية.
مآخذ الأكراد ومخاوفهم:
أ- صحيح ان هناك مادة دستورية(140) بخصوص حل مسألة كركوك إلا ان الأكراد يعرفون أن اغلب الفرقاء العراقيين يفتقرون إلى الإرادة السياسية في البحث عن حل تلك المسألة.
ب- دعم الحكومة المركزية للجنة تطبيع الأوضاع في كركوك تشوبه الضبابية والكثير من الالتباس، الأمر الذي يثير مخاوف الأكراد ويضعف ثقة الأكراد بالحكومة المركزية، حتى وان كان احد أقطابها من الأكراد. والحق ان استهتار الحكومة بالدستور أمر يثير الاستغراب، خصوصا ان تنفيذ الدستور هو جزء أساسي من وظيفة الحكومات. فعدم تنفيذ بنوده والعمل على ضوء ثقافتها، يعني ان الحكومة لا تعمل في الحفاظ على سيادة الدولة والحفاظ على النسيج الاجتماعي والسياسي.
ت- حتى الآن الكثير من الأطراف العراقية تنظر الى الموضوع كما لو أنه خاص بالأكراد دون غيرهم، بيد ان الموضوع يخص كل العراقيين.
ث- لسوء حظ الأكراد عدم وجود فريق جدي يخول ذاته بالتحاور مع الأكراد للوصول الى صيغة ترضي جميع الأطراف.
ج- هناك مآخذ على الأكراد بأنهم يريدون ضم كركوك دون الرجوع الى تطلعات المكونات الأخرى، لكن الغريب (وحتى الآن) عدم تقديم أي طرف عراقي مشروعا للحل، الأمر الذي يزيد من العقد في العراق.
ح- عدا عن العراقيين فانه ومن الغرابة ان الخطاب الأمريكي والأمم المتحدة بشأن كركوك مبهم وغير مفهوم، ولا يعرف الأكراد(بالضبط) ما هو رأي هذين الطرفين بشأن هذه المسألة.
تصعيد الموقف وخيبات…
يمكن القول ان هناك ثلاثة عوامل تسببت بتوتير الأوضاع وتصعيدها في كركوك:
الأول: خيبة أمل الأكراد من التقرير(المقترح) الذي قدمه ديمتسورا(المبعوث الأممي) بشأن المناطق المتنازع عليها في العراق، حيث كان يشوبه السطحية وعدم الجدية تجاه وضع المكونات الكركوكية وباقي المناطق المتنازع عليها. و ديمتسورا يعرف جيدا أن مجمل مقترحاته لا تحل الموضوع بقدر ما تؤزّمه على نحو أكثر عمقاً، وهذا يشي بان تقاريره القادمة سوف لن تكون أحسن حالا من تقريره الأول. ولعل رؤية ديمتسورا مضافا إليها موقفه بشأن الانتخابات في كركوك، الذي نوه فيه بإيجاد التوافق قبل إجراء الانتخابات، يثير مخاوف الأكراد ويخيب آمالهم من جديد، خصوصا وان للأكراد تجربة مرّة مع المنظمة الأممية.
الثاني: القرار الذي اتخذه مجلس النواب العراقي، والذي وصفته غالبية القوى العراقية بأنه غير دستوري، والذي ترافق بانسحاب كتل أساسية من جلسة البرلمان، عدا عن شكل التصويت وحجم الحضور اللذان لم يكونا منسجمين مع وضع معقد كوضع انتخابات المجالس المحلية، الأمر الذي دفع الأكراد الى إعادة حساباتهم وفهموا بان السياسة الموضوعية لا تشكل دوماً حلاً أمام تواجد السياسة المتزمتة والتي ترفض الواقع والآخر معاً.
الثالث: منع على الأكراد ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية في التظاهر، الأمر الذي أثار مخاوفهم ونبههم بان بعض الفرقاء العراقيين لا يرفضون بعض بنود الدستور فحسب، وإنما يمارسون في حقهم سياسة الإقصاء الكلي، واعتبر الأكراد ان ما جرى في كركوك كان مؤامرة فظيعة لها امتدادات ليست محلية فحسب وإنما إقليمية ودولية.
هناك اعتقاد في الذهنية السياسية الكردية بأن هناك عاملان يحولان دون استتباب الاستقرار في العلاقة الكردية مع المكونات العراقية الأخرى، أولهما: السلطة التركية ليست بعيدة عن كل ما يحصل في كركوك من زعزعة الوضع الأمني وفق سيناريو مرسوم للاستيلاء على كركوك، وذلك لبسط سيطرتها على هذه المدينة وإجبار القيادات الكردية على المثول الكامل أمام إرادة أنقرة.
ثانيهما: تركة النظام السابق (الأيديولوجية والثقافية) تحول دون حدوث التفاهم بين الأكراد والعرب حول كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها.
ويرى الباحثون الأكراد ان الوثائق والدلائل التاريخية والاستكشافات الأثرية تثبت بوضوح ان مدينة كركوك كردستانية. واتى في كتاب (تاريخ العراق السياسي-حسن ظاظا ) بان الدلائل التاريخية تؤكد،بأن مدينة كركوك الحالية هي كانت “اربخا أو ارنا” وذلك منذ عام 2216-2210 قبل الميلاد.
وكذلك يعيد المؤرخون تاريخ قلعة كركوك الأثرية إلى خمسة آلاف سنة قبل الآن. ولعل أعمال التنقيب في هذه المدينة العريقة تاريخياً وأطرافها الكردية تثبت بأنها “موطن كردي القديم” بقرائن حقيقية دافعة ان هذه المدينة وقلعتها كانت عاصمة “الكوتيين” وهذا يعني بحسب ذاك الكتاب بان المدينة كردية كون “الكوتيين” أجداد الأكراد القدامى.
بدا أن الذهنية السياسية تلك والرموز الجغرافية وأوراق التاريخ غير كافية لتغيير الذهنية المجتمعية في العراق. ولعل المجزرة الأخيرة في كركوك تلخيص لحجم الشعور المجتمعي المحمّل بالعنصرية والشوفينية وبضيق الأفق! والتساؤل الكبير الذي يطرح نفسه (هنا): ترى ما الذي ينتظره العراق من المستقبل؟ الى متى سيبقى العراقيون أسرى تركات الماضي وتداعياتها الانتقامية؟ الم يأت الوقت ليجلس العراقيون على طاولة مستديرة ويعيدوا الحق الى أصحابه؟
سؤال برسم القوى العراقية…….!!
faruqmistefa@hotmail.com
*كاتب سياسي كردي سوري
بعد التطوّرات: هل تنضم كركوك الى إقليم كردستان؟هل من المعقول انّ الكاتب لم يقرأ عن تاريخ المنطقة؟ أم انه يستغلّ جهل الآخرين من غير المتخصصين بتاريخ الكرد ليخدعهم ؟ وهذه ليست من شيم المثقف يا أخ فاروق. أنّ التاريخ يؤكد أنّ منطقة شمال العراق بكاملها منطقة مسيحية وكانت اغلب قراها وسكانها من المسيحيين الآراميين. وقد هبط الأكراد من شمال المنطقة اليها وتكاثروا وأستمرت هجراتهم فقاموا بأبادة المجموعات المسيحية أهل البلاد الأصليين تاريخيا. وحين شكلت الدولة العثمانية فرقتي الحميدية والمجيدية من اكراد المنطقة لأستخدامهم (كمرتزقة في لغة عصرنا) راحوا يبيدون القرى ويقسرونهم على الأسلام أو الذبح. وكانوا يتلقفون قوافل الأرمن الهاربة… قراءة المزيد ..
بعد التطوّرات: هل تنضم كركوك الى إقليم كردستان؟ففاروق حجي مصطفى كاتب سياسي متحيّز. ومن المؤسف أنّ الروح القومية الكردية تتفجر نشوة وشوفينية بالغة في هذه المرحلة من غير أن تأخذ درسا من المقبور صدام و قومية البعث العربية. أنّ العراق صار الرجل المريض في عصرنا ، كلّ قوة سياسية محلّية واقليمية تريد أن تقتطع منه شقفة مستغلين ضعف القوة المركزية. وهم ينسون أنّ الحرب العراقية الأيرانية سببها الضغط الكردي على العراق والذي أضطرّ الطاغية المقبور أن يوقع على معاهدة الجزائر مع الشاه ليتفرغ لحرب الكرد الأهلية. وهكذا فعل . وحين انتهى من تصفية التمرد العسكري العنفي الكردي راح يصلح ما… قراءة المزيد ..
بعد التطوّرات: هل تنضم كركوك الى إقليم كردستان؟فرنسي الجنسية يشرف على لجنة طرد عرب كركوك تتوالى الاخبار عن استمرار تهجير العوائل العراقية العربية عن بيوتها في محافظة كركوك. ويشرف على هذه الجريمة المضادة للانسانية والمواطنية والتي تذكر بما تقوم اسرائيل في فلسطين، لجنة برلمانية يقال عنها انها مشتراة من قبل القيادات القومية العنصرية الكردية. ويرأس هذه اللجنة السيد (رائد فهمي ) الشيوعي القادم من باريس والذي يدعي الاممية وحقوق الانسان والديمقراطية! لنسأل السيد رائد السؤال الضميري التالي: ـ انت نفسك تحمل الجنسية الفرنسية، ولقد حصلت عليها بعد بضعة سنوات من اقامتك في فرنسا، ويحق لك ان تصوت وحتى ان ترشح… قراءة المزيد ..