*
*
الخروج عن الدولة وعليها «تقليد تاريخي»…
تشابك الأزمة السياسية اللبنانية العامة مع «عيد تحرير الأسرى»… وجه من وجوه إدارة الأزمة
يعد «حزب الله» (أي الحزب الخميني المسلح في لبنان) العدة لاستقبال أسرى لبنانيين مقاتلين أحياء، ورفات لبنانيين وفلسطينيين قتلوا في أوقات متفرقة. وفي الأثناء يتم رئيس الحكومة المكلف تشكيل حكومته بعد حل «عقدة» الوزارات التي تتولاها كتلة ميشال عون المؤلفة من تحالف كتل محلية. والقاسم المشترك بين الواقعتين، «الوطنية» والسياسية الدستورية، هو دور الحزب الخميني المسلح. فالأسرى المقاتلون في المعتقل الإسرائيلي هم مقاتلوه. ولا يشذ عن هذا سمير القنطار، الأسير الذي يعود أسره الى 1979، وقاتل في صفوف «جبهة التحرير الفلسطينية» وقتل تحت لوائها (فهو اعتقل بعد قتله امرأتين رهينتين مختبئتين)، إبان الثورة الخمينية (1979 وقبل إنشاء الحزب الخميني 1982 – 1985 رسمياً). و «جبهة» القنطار فصيل «عراقي» ترك «القيادة العامة» السورية سياسة والليبية تمويلاً، واستعمله صدام حسين في تأديب ياسر عرفات يوماً، وفي الرد على تقارب عربي – أوروبي يوماً آخر. وعندما أراد «أبو العباس»، صاحب «الجبهة»، إنقاذ أسيره خطف سفينة سياحية، «أكيلي لورو»، وقتل مناضلوه سائحاً مقعداً ومسناً اتفق أنه يهودي أميركي. ولعل هذه النبذة اختصار لنوع «التاريخ» الفلسطيني «المقاوم»، أو «الذاكرة»، اللذين ينتسب إليهما القنطار والحزب الخميني معاً. وفي الأثناء، صار الأسير خمينياً وانقلب حزب اللهياً. فمحض الحزب ثقته، وأيده، وانحاز إليه على خصومه ومناوئيه، لا سيما حين دخل في باب الخصوم والمناوئين هؤلاء وليد جنبلاط، زعيم الطائفة التي ينتسب إليها القنطار بالولادة والرابطة الأهلية.
والحزب، من ناحيته، استعاد معظم تراث مقاتلة إسرائيل، «كياناً صهيونياً» ويهوداً. فلم ينفِ من التراث العريق هذا فصيلاً فلسطينياً أو غير فلسطيني، ولا نفى مقاتلي الفصيل. فإذا كان المقاتلون هؤلاء لبنانيين، ومن غير مذهب الحزب الشيعي المسلح، ومالوا إليه ووالوه ولاء معلناً، نوه الحزب وخطباؤه وجهاز دعاوته بهم، وأعلوا شأنهم (وأغضوا عن مقاتل «المقاومة الوطنية» الشيوعي والمقيم على رأيه، على مثال أنور ياسين أو سهى بشارة، وأهملوه حين لم يتهموه).
وينشر الحزب الخميني من طريق هؤلاء لواءه على فصول أخرى سابقة من قتال إسرائيل، ويضمها الى تاريخه وسيرته، ويُعملها في سياسته وأغراضه الثابتة والظرفية. ومقايضة حرية الأسرى، فلسطينيين وأردنيين ومصريين ولبنانيين، برميم الجثث الإسرائيلية (والاستثناء الوحيد هو «الأسير» الحنان توننباوم، العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي والتاجر المستدرج)، تمرين احتفالي ورمزي وسياسي يرعاه الحزب الخميني رعاية قريبة وحارة. فتنقلب المقايضة، شأن المفاوضة على الرهائن الغربيين في آخر الثمانينات وأوائل التسعينات، اختبار قوة عظيماً وفاصلاً. ويستعمل الحزب، و «الوسطاء» الإقليميون المزعومون، في الاختيار هذا قوة «ساحقة» هي غلظة لا تلين، وخروج على أعراف الحرب واتفاقاتها. فهو يكتم حال الأسرى المفترضين، ولا يتقيد بوجوب زيارة الهيئات الدولية الإنسانية إياهم، ولا بإلزام الفحص الطبي الدوري وإعلانه.
والحق أن الحزب الخميني، شأن النظام الثوري الإيراني الذي أنشأه المرشد الأول وأنشأ بدوره الحزب العتيد، يحمل مسائل مثل الأسرى وأوقات الهدنة والديبلوماسيين على الحرب نفسها. وهي، في المبدأ، تعليق الحرب وتقييدها. وكانت واقعة احتجاز فريق إيراني خميني، «السائرون على خط الإمام»، في أشهر الانقلاب الأولى على الدولة البهلوية، موظفي السفارة الأميركية بطهران، فاتحة التقليد الحربي هذه. ويومها، عمد فريق من طلاب مزعومين، هم جزء من السلطة الجديدة، الى الاستيلاء على السفارة الأميركية، ومبانيها وأرضها المُحْصَنة (أو المتمتعة بحصانة تخرجها من أراضي الدولة الإقليمية)، والى «أسر» طاقمها والعاملين فيها، وابتزاز الدولة الأميركية من طريق التمثيل المعنوي والجسدي بهم على شاشات التلفزيون. واحتسبت السلطة الإيرانية الوليدة (يومها) انتهاك الأعراف الديبلوماسية، واستعمال الديبلوماسيين، انتصاراً تاريخياً، وثأراً عظيماً من «الاستكبار».
ولا يخرج الحزب الخميني المسلح في لبنان عن التقليد هذا. فيدرج مبادلة «إنسانية»، معظم عناصرها يقوم على رمم متحللة، في وقائع الحرب وموازين القوى. ويخرج المبادلة هذه، وعناصرها، في حلة أسطورية.
فإذا بالمبادلة استتمام لحرب صيف 2006 (وهذه أودت بمئات أضعاف عدد الأحياء «المحررين» وأنزلت في الناس والأرزاق والعمران خسائر فادحة تفوق محصلتها السياسية والمعنوية محصلتها المادية). وإذا بحرب صيف 2006، وهي واقعة جزئية في سياق معقد لم تحل عقدة واحدة من عقده بعد، حادثة ناجزة، انعقدت نتائجها ثمرات نضجت وقطفت: فعاد الشطر الشمالي من الغجر الى لبنان، وكف الطيران الحربي الإسرائيلي عن التحليق في الأجواء الإقليمية، واستعاد لبنان مياهه كلها، ورجع المنفيون اللائذون بالدولة المحتلة، وأجمع اللبنانيون على وطنية «المقاومة». ولم يحصل شيء من هذا. وهو تشبيه وتزوير صريحان مثالهما القول المكرر ان «لبنان» هو البلد العربي الوحيد الذي حرر أرضه «ما عدا مزارع شبعا وأعالي كفرشوبا» من غير مفاوضة. ومثاله الآخر القول المكرر كذلك انه البلد الوحيد الذي استعاد «كل» أسراه وجثث قتلاه. وهذا من نمط المقارنات التي تقارن ما لا قواسم مشتركة بين عناصره، فيجوز القول إنه البلد الوحيد الذي استعاد معظم أراضيه من غير سلاح جوي، ولا قتال بحري، وبمقاتلين متوسط سنهم أقل من 25 عاماً، ويلبس معظمهم «الجينز»…
والحزب الخميني المسلح يحتاج الى تعظيم قدر حركاته وسكناته من غير تمييز، وتصنيفها كلها إنجازات أسطورية خارقة. فلا يظن أحد أن تكلفة حروب الحزب وسياسته عموماً، وأحواله الأهلية والسياسية والعسكرية جزء من سياسته هذه، تكلفة باهظة، ولا تساوي نتائجها، والكوارث والنكبات المترتبة عليها، أو أن هذه الحروب، الداخلية والخارجية لا غاية تنتهي إليها أو تقصدها. فهي غاية نفسها أولاً وخيراً. ولا تتورع دعاوة الأجهزة الإيرانية، العسكرية والاستخبارية و «الدينية»، عن الجمع في تضليل واحد بين تزوير إلكتروني لصور صواريخ شهاب – 3، وتكثيرها من طريق التلاعب بها، وبين الاحتجاج بحرب صيف 2006 «دليلاً» حسياً ومادياً على «هزيمة» أميركا وإسرائيل والغرب والشرق امام القوة الإيرانية. و «الهزيمة» هذه لا تقتصر على موقعة او معركة، أو على فصل من فصول حرب، بل هي مطلقة، ولا تعلق لها بزمن أو محل أو ناس. وهي هزيمة كل يوم وساعة الى قيام الساعة.
وعلى المثال نفسه يُحمل إطلاق سراح الأسير «العميد»، على ما يلقب المقاتل اللبناني السابق تحت لواء القائد «ابو العباس»، أحد أعلام فصل فلسطيني وعربي قاتم، سياسة ونهجاً وأعمالاً. و لا شك في ان التفجع الإسرائيلي، على الأسيرين القتيلين، وعلى طيار فقد منذ نيف وعشرين عاماً، وعلى اضطرار الدولة الى ترك قاتل عادي حراً بعد إدانته والحكم فيه بسجن أسطوري هو الآخر يبلغ قروناً (خمسة وبعض القرن!) – لا شك في زيادته الطين («العربي») بلة. ودعا اختلاط الأمور وبلوغه المبلغ العظيم الذي بلغه، رئيس حزب «قومي»، عرف بإسهامه اليدوي والمحترف في ثارات وأيام أهلية وعربية «خالدة»، الى السؤال عن الجائزة التي يستحقها الأسير الخارج من السجن، في موكب لجب من الرمم والبقايا، بعد 29 عاماً، قياساً على استحقاق نلسون مانديلا جائزة نوبل، بعد 24 عاماً «فقط». فينبغي، بحسب الرئيس خَلَف الزعيم على قيادة النهضة وشهبها المدرحية الحارقة بجوار شارع الحمرا ومبانيه الزجاجية المهشمة، ينبغي ان يهدى المقاتل والفاتح العائد جائزة فوق جائزة مانديلا مرتبة. فنوبل، او غيرها، من هدايا التقدير، تحصي سنوات السجن. وأما الأعمال التي قادت الى السجن، و «مناقبيتها»، على قول حزب «الرئيس» المناضل والمقاتل، فلا يسأل «الكيان الصهيوني» عنها، على نحو ما لم يسأل النظام العنصري الجنوب افريقي عنها. وقد لا يشك الرئيس الحديدي في ان مانديلا، داعية تقديم السياسة على العنف هو ورئيس زيمبابوي أو «زعيمها»، موغابي العظيم الذكر والأثر، واحد.
والحق ان التمارين الخطابية والاحتفالية هذه لا تقتصر على الخطابة والاحتفال. فتعظيم عودة الأسير والرمم، بعد ثلاثة عقود تقريباً، وقران إطلاق السراح بالحرب المدمرة وجمعهما في باب متصل وواحد، هما جزء من سياسة داخلية وإقليمية يتولاها الحزب الخميني المسلح ويقودها. وغرض هذه السياسة الأول والثابت هو الحط من شأن الدولة، وعلاقات الدولة، وهيئاتها وسياساتها، والازدراء بها وتسخيفها، وتسويغ تجاوزها وتخطيها. فدأب العدة الأسطورية ونفخها في مآثرها المزعومة هو تعظيم «إنجازات» الخروج عن الدولة، وعليها، وتقليل شأن إدارة الدولة للمشكلات والقضايا الداخلية والخارجية. وهجاء المفاوضات، من أي صنف أو ضرب – مفاوضات ما يقوم مقام «دولة» في إيران (على خلاف اجهزة الاستخبارات والحرس الثوري و «مكاتب» نظار الأوقاف وأعيان النظام وأولادهم) مع الدول الكبرى، أو مفاوضات المراوغة التي يتوسل بها حليف وولي مضطرب الى مداراة اضطرابه المزمن – ومعارضتها المفاوضات بـ «المقاومة»، هما (الهجاء والمعارضة) دعوة عملية ملحة الى انتهاك هيئات الدولة، وتطويقها، وتجاوزها.
فالدولة، ويقصد بها هيئات السيطرة والإدارة والتحكيم والتمثيل المقيدة بقواعد عامة مشتركة ومعايير تلجم العنف والاحتكام الى موازينة المباشرة (أي جملة ما يسميه صحافيون وسطاء وسفراء «خطوطاً حمراً» سياسية ودستورية)، هذه الدولة هي عدو الصنف هذا من المنظمات والحركات الأهلية المسلحة والأمنية. ولا ريب في ان اشد ما يعرض للمنظمات والحركات هذه هو اضطرارها الى الاستيلاء على السلطة، والسيطرة عليها، وعلى أجهزة الدولة. ويلاحظ ان انقضاء اربعين عاماً على استيلاء البعث السوري على السلطة لم يفلح في جعله حزباً سياسياً يتولى حكم دولة. ويشبه هذا حال الحزب الخميني غداة نحو ثلاثين عاماً من قيام الشعب الإيراني على استبداد الشاه. ولعل إزمان حال الطوارئ المعلنة، وكثرة اجهزة الحكم الموازية، والحاجة الحيوية الى عدو فظيع خارجي وداخلي معاً ومن غير تمييز، وطلب العزلة والانكفاء، لعلها من أعراض الخروج عن الدولة وعليها.
ويجدد الخروج عن الدولة وعليها التقليد «التاريخي»، وهو يرقى اليوم الى نحو 60 عاماً من نحو الـ65 عاماً من تاريخ الدول والمجتمعات العربية غداة الحرب الثانية، الذي كان سند الحركات العسكرية والانقلابية حين قامت على الدول «الإقطاعية» والعهود «البائدة»، وحملتها المسؤولية عن «النكبة» وخسارة فلسطين، وهزيمة الجامعة العربية جماعة دول ودولة دولة. وإضافة بعض الطواقم العسكرية الحاكمة اليوم، والمتحدرة من مزاعم «الثأر» للهزيمة، وفي صدارتها الطاقم العسكري والأهلي السوري، إضافتها هزائم منكرة الى الهزيمة الأم، لم يضعف حجتها ومزاعمها، في نظرها وفي نظر شطر غير قليل من «شارع» العرب والعجم، الناطق والمتلفز. وبعض وجهاء هذه الطواقم، وهم من أولياء الحزب الخميني المسلح في لبنان والأوصياء عليه، «يقترحون» انفسهم قادة دوليين للحرب على الإرهاب، ومفاوضين حازمين مع «العدو الصهيوني»، ووسطاء في حل الأزمات «الأميركية» مثل ازمتي لبنان والعراق، وحكاماً في الأزمات الإقليمية معاً وجميعاً. وهؤلاء رعوا طوال ماض مديد لا يقل عن 30 عاماً، ويرعون اليوم بلورة جماعات أهلية وحزبية مسلحة تقارع الدولة، وتحول بينها وبين الاستقرار في هيئاتها، وتجعل من الهيئات هذه، ومن وظائفها، قشرة فارغة.
وتشابك الأزمة السياسية اللبنانية العامة، في فصلها الحكومي والوزاري اليوم بعد فصلها الرئاسي وفصلها المجلسي (النيابي) والحكومي من قبل، مع «عيد تحرير الأسرى» وشعارات العيد، وجه من وجوه إدارة الأزمة هذه. ولا يلخص التعثر المديد وحده التشابك المتعمد هذا. فبينما يقتضي الاتفاق على الحقيبة الوزارية، وعلى صفتها وتصنيفها، واحتسابها في الحصة، وصاحبها المزمع، وعلى نظيرها وضدها، الأيام والأسابيع، تُصوَّر «صفقة» تبادل الأسرى، على ما يقال من غير تستر على صفتها التجارية، في صورة العمل الملحمي الذي يقسر العدو على الإذعان و «الذل» و «الألم» و «الخجل»، على قول العدو نفسه. فتتستر الملحمة المزعومة، في الأثناء، على المفاوضات التجارية، وعلى صغارها وتفاهتها. وينسب الصَّغار والتفاهة الى من يضطلعون بالحكم والإدارة والتصريف، ويطعن في نزاهتهم وكفاءتهم من غير حاجة الى دليل، حين يختال فرسان «المقاومة» و «التحرير» في ميادين لا يرى الجمهور منها إلا نتائجها «المجيدة»، وإطلالة الأبطال الميامين، وعيون الأمهات والأخوات والأبناء وفرحهم بعودة بقايا «لحم» أولادهم «وعظامهم» الى «تراب الوطن»، على قول صاحب البشارة بالعودة هذه.
وتتوج إجراءات ومواقف مدروسة ومحسوبة حساباً دقيقاً، الازراء بالدولة وازدراءها والحط منها ومن السياسة والإدارة والمفاوضة والتمثيل النيابي. فبعد حمل نتائج الانتخابات النيابية على الوهم والغدر، والاستقالة المذهبية والعصبية من الوزارة، والحكم فيها، تعسفاً وإرهاباً أهلياً وجماهيرياً، بـ «اللاشرعية واللادستورية» (و «اللاميثاقية»، بناء على رأي متعاقد واحد)، وبعد إبطال المجلس النيابي وحله العملي بناء على رأي واحد واجتهاده وتسلطه على «المفتاح»، ومحاصرة قوى الجيش والأمن الداخلي وتخييرهما بين اداء عملهما وبين تصديعهما وجرهما الى الحرب الأهلية، وبعد شن حرب غير متكافئة على الجبهة الإسرائيلية والارتداد منها على الداخل وشقه حزبين اهليين لا يرجى وفاقهما – يعلن الحزب الخميني والمذهبي المسلح انه لا مطمع له في الوزارات والمقاعد. ويبادر الى هبة مقعدين وزاريين من ثلاثة تعود إليه بحسب قسمة الشراكة «الوطنية»، الى «حليفين» هما صنيعتان خالصتان. والرجلان لم ينتخبا في الانتخابات الأخيرة. وواحد منهما فاز حزبه بنائبين اقترع لهما جمهور الحزب الخميني المسلح. فندبُهما الى تمثيل «معارضة» لم يقترع لها الناخبون على هذه الصفة، وتزكيتهما من خارج الانتخابات والناخبين، قرينتان على ازدراء الانتخابات والناخبين، وعلى تقديم معايير غير تمثيلية على المعايير السياسية والتمثيلية. و «برنامج» المقترحَيْن هو «المقاومة»، أي الولاء للإدارة السورية – الخمينية. وحين ينيط وليد جنبلاط الوفاق الأهلي الدرزي بتولي «المير» الأرسلاني حقيبة وزارية، فهو يسلِّم بتقدم معايير الأمر الواقع على معايير السياسة الوطنية.
فالحزب المسلح لا يريد الحكم، على ما يقول بالفم الملآن. ولا يريد، ضمناً، الانتخابات، ولا المجلس النيابي، ولا المداولات والمشاورات. وهذه، شأن المفاوضات، مضيعة وقت وتشبيه. فالقوة وحدها هي الميزان والفصل. وتُجمع موارد «القوة» من حيث سنحت فرص جمعها، من داخل وخارج، رشوة وهبة، استتباعاً وتألفاً، حرفاً لمواقع السلاح عن الجبهات الإيرانية والسورية الى جبهة احتياط لبنانية لا تحتسب عليها الخسائر البشرية والمادية، أو يذعن لها فداء لهذا أو ذاك من «المعصومين». وتُعمل «القوة» من غير قيد «الخطوط الحمر»، أي قيد الدولة وهيئاتها وأعرافها وحاجات سكانها. فمزج «الأعياد» المزعومة بالسياسة الحقيقية، والتستر على هذه بتلك، تنجم عنهما نشوة وجذب لا يؤمن فعلهما في جمهور مجالس الزار المتجددة.
* كاتب لبناني.
الحياة
http://www.daralhayat.com/special/issues/07-2008/Item-20080712-17cf0e38-c0a8-10ed-0007-ae6dc2ef775a/story.html