يلاحظ أن تحليلات وتوقعات المعنيين بالشأن السوري في السنوات الأخيرة لم تبتعد عن محاولة قراءة حال حكام البلد وفقاً للمناخ السياسي الدولي في جزئه المتعلق بالمنطقة وتمظهره على موقع النظام السوري عربياً ودولياً، خاصة وأن ما يستجد في المنطقة (في النقاط الساخنة دوماً والقابلة للتسخين في أية لحظة: لبنان، غزة، العراق، إيران ـ والترابط والتداخل فيما بينها) يضع النظام السوري غالباً في محور الحدث، أو الأقرب منه. وتكثر في هذا الوقت، اجتهادات المتكهنين بوضع حكام دمشق انطلاقا مما يجري على الساحة العربية، الإقليمية و”المتوسطية” بصفته ترجمة لتوجهات عالمية، لكن الضبابية المترافقة لما يجري من حيث تركيز اللاعبين العالميين مرة على بقعة من المنطقة ثم مرة أخرى تجاهلها تزيد مما يبدو وكأنه مجموعة ألغاز تشجع البعض لإطلاق العنان لمخيلاتهم في تفسيرها وتأويلها؛ فالتصعيد على هذه الساحة أو تلك ومن ثم تبريدها (وذلك مرتبط دائماً بأولويات واعتبارات ومصالح اللاعبين الكبار) يزيدان من غموض المشهد (1) نظراً لأن الأحداث المحمّلة بالتناقضات لم تكن بتفسير الكثير من المهتمين بالشأن السوري خارج واحد من اتجاهين متعاكسين فمرة يقال إن ما حصل هو خسارة نظام الأسد لورقة أخرى من أوراقه أو ليس إلا مسماراً جديداً يُدق في نعشه وأخرى يقال إن ذلك ليس إلا رحرحة أو اكتساب أوراق وانتصار جديد لنظام الأسد. ويستمر المشهد بتكرار وتعداد (إما) خسائر و(إما) أرباح النظام السوري، ناهيك عن انتظار المحكمة الدولية بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، إلى أمد غير معروف.
بموازاة ترقب وانتظار غودو، ليحرك ساكناً في الساحة السورية، تبرز بشكل مستمر مراهنات على قلاقل في سوريا ضمن العائلة الحاكمة وصهرهم وتوابعهم وحواشيهم وتنسج القصص لتدعم هذه المراهنات. لا غرابة، بالطبع، في تفكير وأحلام يقظة من ينتظرون تصدعات ضمن العائلة الحاكمة لأن الشخوص التي تدفع بهذه الإشاعات وتبني عليها لم تعرف يوماً إلا مبدأ قرصنة الحكم والتسلط به من قبل مجموعة محددة وأن أي تغيير لابد أن يكون من داخل المجموعة نفسها كإنقلاب أو ما شابه، أي أن النماذج التي تبني آمالاً على الرغبة بوجود خلافات ضمن “آل الحكم” لم تر مرة الشعب السوري ودوره ولاهي تؤمن بالشعب ولابقدرته ولم تكن بتاريخها إلا قامعة للشعب وناهبته وشريكة في ذبحه قبل أن تعلن نفسها معارضة لشريكها السابق في الفساد والتسلط والقمع بشار الأسد.
بكلام موجز، تبقى تخمينات العديد من المثقفين والمعارضين السوريين منحصرة في شكل صورة النظام الحاكم في سوريا عربياً وعالمياً وكذلك بتمني البعض أن يرتب أحد أباطرة الحكم علاقات مع هذه القوة العالمية أو تلك وينقلب على شركائه الآخرين. وفي كلتا الحالتين هناك نسيان أو تناس لمن يفترض أن يكون الفاعل الأول، والفاصل، أي الشعب السوري؛ وهناك تجاهل لحقيقة أن أحداً لن يقوم بما هو محض مصلحة للشعب السوري إلا السوريين أنفسهم ولن يضع أحد قضيتنا (التخلص من الاستبداد وإرساء لنظام يقوم على الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة في أولوياته) أو يميزها إكراماً لنا، وما لم نفعل ذلك بأنفسنا ونثبت أننا جديرون بعيش مختلف فإن أحداً لن يقوم بعملنا نيابة عنا إن لم يكن هناك فاتورة ما لتسديدها ـ وهذا ليس بمقدورنا…، وكذلك وفقاً لمصالحه. بتعبير آخر، وبصرف النظر عن ضرورة المتابعة الدقيقة لتطورات علاقات العالم بنظام الأسد والاستثمار بذلك بما يخدم مصالح الشعب السوري دون التفريط بالقضايا الوطنية ـ بتعريف الشعب السوري نفسه، وليس حكامه ـ ودون الانزلاق إلى المشي في الطريق المؤدي إلى متاهات مدمرة، فإن هذا الشكل من العمل السياسي يتعثر تفسيره إلا من واقع عقم من ينطقون به ويعولون عليه ممن يسعون للتغيير الديمقراطي في سوريا حين لايدركون أن ما يحصل يضعنا كملايين السوريين خارج الحدث (وفي أحسن الأحول على هامشه، بدلاً من مركزه) بوصفنا ضعفاء لاثقل حقيقي لنا وسط ما يجري ويخص بلدنا، وحين لا يعون أن من يعيش على السطح يهتز لحركة ما في القاع.
لابد لمتفحّص المشهد، والواقع، السوري من أن يميّز عدة حقائق (وهي ليست جديدة) في طليعتها أن الفئة التي تخوض في الشأن السوري قليلة العدد وليست من الجيل الشاب، بل من متوسطي وكبار السن (ما عدا بعض الاستثناءات إذ هناك بعض من أبناء هؤلاء يقدمون ما باستطاعتهم). إن غياب الشباب عن قضايا البلد ليس بالأمر العادي خاصة وأنهم يشكلون النسبة الأكبر بين السوريين وهم من يستطيعون العمل الحثيث على التغيير. في تقييم ظاهرة اللامبالاة لدى الجيل الشاب لا ينجح أحدنا برد هذه المسألة إلى أكثر من الكلام عن الخوف من قمع السلطة وأجهزتها، ومزيداً من الحرمان والتعاسة والبؤس ليس فقط لمن يتجرأ على خرق ما جعله النظام سائداً في تفكير وحركة الفرد والمجتمع بل أيضاً ويمتد لعائلته ولكل من يمت له بصلة. بالرغم من أهمية السبب المذكور إلا أن ما يرغم الشعب السوري بشبابه وشيّابه، الذي لم يكن تاريخياً إلا معطاء وعاشقاً للحرية، على الابتعاد عن معالجة قضاياه هو أعمق من مجرد الخوف من النظام. إن انعدام الثقة بجدوى عمل من يتنطح متكلماً عن التغيير في سوريا هو السبب الآخر لابتعاد السوريين عن السير خلف هؤلاء، بل ويبتعد الشعب السوري عن المعارضة بقدر ابتعاده عن النظام الحاكم. وكذلك فإن خيبة أمل الشعب السوري جرّاء معظم ما قامت به “المعارضة” خلال العقود الماضية عامة والسنوات الأخيرة خاصة، والتي اتسمت خطواتها بالتخبط (مبهم الأسباب) مرة والتعامي المقصود عن قراءة الواقع مرة أخرى وثالثة محاولة إقسار الرؤى الضيقة على مسرح “سوري” أعرض وأعمق وأعقد بكثير من أن يتقبلها، ورابعة…وخامسة…وسادسة إلخ، تدفع إلى الخوف والاعتقاد أن من يتكلم عن التغيير ليس أهلاً لحمل مسؤولية وطنية وإنسانية كبرى كهذه. نتيجة لذلك، وإلى جانب مشاهدة ومعايشة السوريين لمعاناة الأعداد الكبيرة من العراقيين الفارين من عراق ما بعد صدام حسين، فإن الخوف يعتمر الجميع من المجهول وما قد يأتي به من اقتتال طائفي ومن تقسيم للبلد، ومن رؤية عراق آخر… إنه الخوف الناجم عن صعوبة التكهن بالقادم، والخوف من استبدال نظام تسلطي، قمعي، استبدادي، لاوطني وناهب لثروات البلد بالوجه الآخر له من حيث القمع وخنق الحريات وعدم الاعتراف بالآخر تحت ذريعة (غيبية)، تمنح البعض اعتباطياً حق التسلط بفضل الأيديولوجيا الدينية، أو أخرى بدوافع هشة البنيان بمقاييس عالم اليوم. ويجب الإقرار أن هذه المخاوف، في الحقيقة، ليست بدون أرضية إذ لا نظام الأسد، بممارساته، عمل على إرساء وتثبيت “الهوية الوطنية السورية” التي تعلو فوق كل الانتماءات الضيقة ـ بل على العكس تماماً ـ ولا الغالبية ممن تنطحوا للعمل في المعارضة فعلوا شيئاً ليثبتوا أنهم يتصرفون وبحس عالي المسؤولية تجاه قضايا عموم السوريين الوطنية بدلا من اعتماد ردود الأفعال وانتهاج العمل بعقلية الاقصاء والتخوين، ولا الذي مرّت به سوريا من عنف مسلح في نهاية سبعينات القرن العشرين وبداية ثمانيناته من اقتتال ما بين الإخوان المسلمين ونظام الأسد وقتل الأبرياء يمكن أن ينسى ليبعد شبح الخوف.
ومع ذلك، من الخطأ تفسير خوف الكثير من السوريين بأنه انعدام للرغبة في التغيير، بل هو القلق بسبب غياب الكتلة السورية القادرة على التأثير في توجيه دفة الأحداث بمسؤولية وطنية وبوعي لا يسمح بأن تفلت زمام الأمور من يدها لتسير في فوضى من الصعب معرفة أين تؤدي. إن الشعب السوري لا يتمسك بحكم آل الأسد وشركائهم، ولو أتيح المجال للغالبية العظمى من السوريين لتعبر عن رأيها بحرية لقالت موقفها منهم ولأعربت عن أمانيها برؤية هؤلاء الحكام في محاكم العدل (وهناك من يتمنى رؤيتهم معلقين على المشانق)، وتلك الرغبات والأماني ليست حصراً لمن يعيش في حماه وحلب وجسر الشغور بل متأصلة في قلوب أهالي قرى اللاذقية، وفي قلوب عدد غير قليل من سكان جبلة والقرداحة وما يجاورها من قرى. ومن يعرف مدى تذمر أهالي هذه المناطق الأخيرة ـ وقد دفعهم الفقر والقمع إلى المساومة بأغلى ما يمتلكون بالمعايير والقيم الشرقية ـ لا يصعب عليه أن يدرك أن هؤلاء (العلويون) ليسوا حماة النظام بل ينتظرون اندحاره، ولكن التهديد الذي ينطلق هنا وهناك يجعلهم يصمتون خوفاً من الأسوأ، خاصة وأن لغة التهديد والوعيد لاتجد من يلجمها بل على العكس فقد حصل أن أخذ هذا المعارض أوذاك الخطاب الغوغائي (الطائفي، الإقصائي، الانتقامي) من ركام الأوساخ الاجتماعية السياسية ليتفاعل معها ومن ثم يعيدها بشكل أقذر مما كانت عليه.
لعل، بين أعقد ما يحول دون نمو حركة وطنية قادرة على التأثير الفاعل، مشكلة هيمنة الذهنية التي ترى، وبدون مبرر، أن الاستبداد والقمع مرده الخلفية الطائفية لرأس النظام، وعلى هذا الأساس ـ الخاطئ ـ تتطور كل مفاهيم العمل السياسي للفئات المعارضة التي تتحرك بهذا الدافع فهناك من يندب “اختلال التمثيل الطائفي” في الحكم، وآخر متباك لأن رئاسة السلطة ذهبت إلى طائفة يكفرونها إلخ…ولهذه المشكلة أيضاً امتدادات و تشعبات منها الميل، أو بالأحرى الجنوح، تلقائياً نحو تصنيف من هم “في صلب النظام” ومن هم “أرجل كراسي” به، وقد انعكس ذلك في تعدد مكاييل المعارضة وفي أكثر من مناسبة. وإذ نشدد أننا نعتبر هذه النظرة ليست بغير المتوقعة عندما تأتي من فئة محددة، لا يمكننا إلا التذكير أننا نعجز عن فهم من ينضوون تحت تأثير أوهام كهذه ممن كان لهم تاريخ يساري ـ إن صح التعبيرـ مسترشدين بها عوضاً عن ماركسيتهم ولينينيتهم، منتقلين من الفهم العريض لما يحرك المجتمعات إلى التمسك بديماغوجية ضيقة النظر، ومتخلين عن التحليل الطبقي إلى تحليل آخر! ولا بد هنا من الإشارة إلى نقطة جوهرية وهي أن نظام الأسد يعتاش، وبأكثر من شكل ليس آخرها الأمني، على الخطاب آنف الذكر لتلك الفئة من المعارضة التي تقيم الدنيا وتقعدها به، ولو شعر بناة وحماة نظام الأسد مرة أن المعارضة غيرت لغتها وغاب عنها هذا الخطاب وانتفى بشكل جدي لقرؤوا حينها أن المعارضة استعادت عافيتها وأنها أصبحت تهددهم بالخطر.
يخطئ من يقحم علوية حافظ الأسد ووريثه بما جرى ويجري في سورية من استبداد وظلم وخنق للحريات وهو أيضاً يعيق عمل الشعب السوري الوطني على التحرر من الاحتلال الداخلي، ومن يرى أن النظام الحاكم يقوم فقط على شخص واحد أو عائلة واحدة فقط، فإنه يتعامى عن رؤية الواقع، وكذلك يبتعد عن الحقيقة من يرى أن شخصاً بمفرده (وعائلته) هو المسؤول عما يجري في سوريا، فعندما يسجن شاب من هذا الحي أو ذاك بدمشق أو حلب أو غيرهما فلأن هناك في حيّه من وشى وقدم به “تقريراَ” ولأن هناك من أخذ بالتقرير وشجع عليه وآخر اعتقل هذا الشاب وآخر جلده وفايز النوري حاكمه…إلخ. فالنظام الحاكم في دمشق يعتمد في استمراره على الأدوات القمعية وكذلك أجهزة الدولة الأيديولوجية وكل من شارك ويشارك في هذا النظام بدور ما تقع عليه مسؤولية ما يجري (بدرجات مختلفة طبعاً)، ولنتذكر أن الناس رأت أن الجلاد عبد الحميد السراج (في عهد عبد الناصر) كان أرحم قياساً بالجلاد الآخر عدنان دباغ في عهد حافظ الأسد، ولنتذكر أن من ألهب جلود شباب قرى اللاذقية بالجلد وكسر عظامهم كان حسين بطاح إبن حلب (وليس من مكان آخر) ليثبت ولاءه لنظام الأسد ودفاعه عنه. في الواقع، لاتكاد تخلو ذاكرة، أو تجربة، أي منا من الأمثلة التي كان بها المؤذي والمزعج المباشر شخص ما إما يريد أن يثبت ولاءه للنظام أو أن يتنفذ أو يمارس بلطجة من نوع أو آخر في ظل غياب الدستور وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان في سوريا ، فكم من مارق حمل صورة الديكتاتور أو وريثه بشار وارتكب الأعمال الإجرامية بحق هذا أو ذاك من السوريين. خلاصة القول هي أنه من الخطأ حصر النظام السوري بمجموعة صغيرة وأنه من الخطر اعتبار الانتماء الديني لرمز النظام (إن كان له دين في الأساس!) هو مصدر إجرامه بحق الشعب السوري. من جانب آخر، ستخسر المعارضة المزيد وستفشل أكثر فيما لو اختلفت على تعريف النظام السوري وتحديد تركيبته وهيكلته وأدواره لتبني استراتيجياتها (وتحالفاتها، وعملها المعارض) على هذا الأساس. ويتعامى عن الحقيقة من لا يدرك أنّ من يحكم في دمشق هم مجموعة فاسدة، ناهبة للشعب، قمعية، مجرمة، لاوطنية شريكة لرأس المال العالمي ووسيطة له (ولامتداداته الخليجية) في بيع سوريا، لادين لها إلا التسلط ولاقومية لها إلا النهب. وبالمقابل، مرة أخرى نكرر أن من يجد مبررات اعتباطية لهذا الشريك لآل الأسد و ذاك فإنما يعطل نشوء ونمو حركة وطنية في سوريا، لا بد من أن نتذكر أن من يرتضي بدور ما له طابع قمعي في نظام الأسد (ولا نقصد الموظف البسيط في مؤسسات الدولة السورية) فإنما هو عدو الشعب، وأن من وضع توقيعه على اقتحام حماه لقتل الآلاف من سكانها ليس مغلوباً على أمره وإنما هو شريك في المجزرة بكل المقاييس القانونية في العالم، وأن من يقول للصحافة ويكرر(مصطفى طلاس لدير شبيغل بتاريخ 21 شباط 2004) أنه كان يوقع أوامر الإعدام للسوريين بما معدله اليومي مائة وخمسون أمراً في الثمانينات ليس بريئاً وليس معتوهاً عندما يتابع متحدياً أكثر بقوله: “استخدمنا السلاح لسيطرتنا على السلطة وحافظنا عليها، ولن نتخلى عن السلطة إلا بالسلاح” وإنما هو من “صلب النظام” (كما كرر طلاس نفسه في مقابلة لاحقة أجرتها معه مراسلة أحد المواقع الإلكترونية وعميلة المخابرات السورية لتستوضح منه أيهما الأدق فيما كتبه أحد المعارضين لجعل كلمات طلاس لدير شبيغل أكثر من دليل على قائلها وموقعه من النظام السوري وما علق به أحد المواقع الإسلامية من أن طلاس مسكين ومغلوب على أمره وليس له أي دور في النظام وأن مقابلته لدير شبيغل ـ بالرغم ما بها من اعترافات وتحديات ـ فُسّرت خطأً!). بمختصر الكلام، إن الفرز والتصنيف والتبرئة الكيفية لبعض مجرمي النظام ليست مبررة ولا تبشر إلا بمزيد من تشتت العمل الوطني.
من بين الأسباب التي خلخلت عمل المعارضة وكرست عدم ثقة الشارع السوري بها كان موقف البعض من الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. في الوقت الذي نظر به معظم السوريون، ومعظم الجماهير في المشرق العربي ومغربه، بإعجاب إلى المجموعة اللبنانية (حزب الله) التي جعلت إسرائيل غير قادرة على إعلان نصرها (وتلك هي المرة الأولى في تاريخ حروب العرب وإسرائيل) جاءت آراء وتعليقات ومواقف كثير من المعارضين السوريين منسجمة مع موقف النظام السعودي المغاير لرؤية العرب والذي لايخدم المصالح العربية عموماً. وتطور هذا التوجه شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح كلام البعض في المعارضة السورية ليس إلا صدى للآراء السعودية ولــ “علمائها” الأصوليين ومواقفهم من القضايا العربية عموماً والهجوم على حزب الله باعتباره على حد تعبيرهم من “الرافضة” وأنه”الأداة الإيرانية” في المنطقة. وأصبحت المعارضة تتكلم عن الأجندة الإيرانية وعن المشاريع الفارسية وذهب أحد عتاة جبهة الخلاص وإعلان دمشق إلى التلفظ بأن “بني صهيون” أقرب له من “بني صفيون”. لا بد من التوضيح أننا لن نختلف مع من يقول أن لإيران أجندة إقليمية و لسنا من أصدقاء نظام الملالي في إيران ونعرف أن النظام الإيراني قمعي ولن ندافع عن نظام ندرك مدى تعفنه ولكننا بنفس الوقت نعرف أن النظام السعودي له أجندة لا تقل بشاعة عن الإيرانية وكذلك فالنظام الوهابي السعودي ليس أقل خطراً على مدنية وعلى حضارة بلاد الشام وشرق المتوسط الممتدة لآلاف السنين، والأهم من هذا وذاك أن النظام السعودي ليس ربيباً للديمقراطية كي نتباكى من أجل وضع سوريا في “المحيط” السعودي.
يضاف عاملاً آخر إلى ما يعيق قيام حركة وطنية فاعلة في سوريا وهو الخوف من تهيئة المناخ المناسب للمساس بجغرافية البلد وتوزع سكانها الديموغرافي عبر ما يطرح وما يثار من قبل بعض السوريين الأكراد، ونتيجة لذلك فقد غيّر العديد من السوريين من تعاطيهم مع المشكلة الكردية في سوريا إلى التعامل الحذر معها نظراً لأن مطالب بعض من الأكراد السوريين خرجت عن أطر السعي لنيل الحقوق الثقافية المشروعة، وحقوق المواطنة أسوة بما ينشده بقية السوريين. في الواقع، وكما يلمس الجميع دون الحاجة إلى العبقرية للتبصر السياسي فإن هذا الأمر لن يقود على المدى القريب إلا إلى المزيد من القمع إذ لا أذن عالمية صاغية لــ،ولا تعاطف إقليمي مع، ولا بنيان ذاتي قوي لــ، من يغالي في الصراخ في هذه الفترة بخصوص المسألة الكردية. فمن منطلق الوطنية والحرص على التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا أن يوحد الجميع كلمتهم من أجل هدف أكبر وبدون تفاصيل لا تخدم إلا عرقلة العمل الوطني في هذه المرحلة.
من الأخطاء التي وقعت بها المعارضة في السنوات السابقة هي تكرارها لخطاب النظام بما يخص مسألة الداخل والخارج في الشأن السوري، فمخابرات نظام الأسد تريد أن يكون كل من ينطق بحرف يخص سوريا بمتناول قبضتها ولهذا تحاول تخوين وتشويه من يعيش بعيداً ويتمتع بحرية الكلام في الدول التي يعيش، مرغماً، بها، أما الغريب فهو لجوء بعض من معارضة الداخل لنفس الأسلوب.. ونتذكر هنا أن جاء بعض المعارضين السوريين من الداخل وأرادوا تخويننا، في منافينا التي لم نخترها وإنما أرغمنا عليها، إن تكلمنا بالشأن السوري، وما يثير الحزن أن من بين هؤلاء أكثر من شخص أودعوا في سجون الأسد عند عودتهم إلى سوريا وهم لم يخرجوا عن الخطوط، والأفق ولم يغيروا من المقاييس، التي رسمها حكام دمشق للجميع، وما لانعرفه هو إن كان رأيهم لا يزال على ما كان عليه بعد تلك التجارب المريرة لهم! بكل الأحوال، كل ما نتمناه بهذا الخصوص هو أن يدرك الجميع أننا نعيش بالهم السوري ونحن بعيدون بإحساس لايقل عما لديهم، ونتمنى ألا يفقدوا بوصلتهم السياسية ويدركوا أن التنسيق والتكامل ما بين الداخل والخارج هو الأساس وأن عمل كل منا يجب أن يكون متمماً ومكملاً لعمل الآخر وفقاً لما هو متاح لكل منا، خاصة وأن من يعيش في الداخل معرض لخطر الاعتقال، وبالتالي الشلل، في أي لحظة، وبدون سبب.
وإن كان ضعف المعارضة يثير الحزن فإن المشهد السوري بشكل عام هو الأكثر إيلاماً بكل المقاييس، إذ هناك عصابة مارقة قوامها وامتداداتها اقتصادية كشركة شام القابضة (المكونة من شركاء كثر لرامي مخلوف)، عصابة تتحكم بالبلد وتتوارثه وتتوارثنا معه وتجفف ثرواته وتعمل شريكة ووسيطة لرأس المال العالمي وللمافيات العالمية، تزج من ينتقد عملها اللاوطني في السجون، وتوزع شهادات وطنية على مافياتها، حاكمت الناس بتهمة محاولة تخريب الاقتصاد الاشتراكي وهي المخرب الأكبر للبلد واقتصاده، تحاكم الناس بتهم إضعاف الشعور القومي وهي التي قتلت روح الانتماء للوطن،و حتى للإنسانية، لدى من قدرت عليه؛ عصابة استباحت كل شيء ووصلت استخفافها بالشعب السوري درجة أن تغلق متاحف الشعب من أجل إقامة أفراح آل الأخرس وهل هناك استهانة أكبر بالشعب السوري حين يغلقون “قصر العظم” بدمشق لفترة طويلة لإقامة عرس شقيق السيدة أسماء الأخرس!؟ إنها العصابة التي تخلت نهائياً عن لواء اسكندرون السليب وتتباحث وتلتقي مع الإسرائيليين وتقدم التنازلات وتعلن استعداها لتحويل أراضي الجولان لحدائق للإسرائيليين وإن حصل وتفوه أحد من السوريين أو كتب عن الحرية أو الديمقراطية فإنه يخون بتهمة العمالة لأمريكا وإسرائيل ومحاولة النيل من عزيمة الأمة…
عدد محدود جداً منا من لايزال يتكلم عن مجزرة حماة ومجزرة تدمر وهذا لأننا، بعكس الأجيال الأصغر سناً منا، عانينا من آثارها، وأما الشباب فيكبرون في سوريا وهم بعيدون عن الشأن الوطني ويتعلمون التاريخ الذي يعلمهم إياه نظام الأسد. وإذ لايزال بيننا من ينتظر المحكمة الدولية ويتكلم عن عزلة نظام الأسد فإن بشار الأسد، وللأسف هذا واقع، يسترق معظم الأضواء في قمة المتوسط بباريس. نتحدث عن هذه الحقيقة لنذكّر من جديد أن قضية الشعب السوري لا تعني شيئاً إلا للسوريين أنفسهم، ولن يدافع عنها أحد ما دمنا لانعرف كيف نتمسك بها ونعرضها وندافع عنها بقوة وما دام النظام السوري ورمزه مستعد للانحناء (وبأي وضع يطلب منه) فقط ليستمر وما دمنا غير قادرين على التأثير في الشارع السوري…وحيال هكذا واقع لابد للسوريين من تحديد مواقع الخطأ وتداركها وبشعور عال بالمسؤولية. وبسبب الفشل المستمر للمعارضة لابد من التأسيس لأشكال أخرى من العمل بقيادات جديدة وبهيكلة جديدة والعمل بصيغ أخرى وبأسس أخرى وإلا انتهت المعارضة السورية. والأهم هو الاعتماد على الشعب السوري والسعي لإعداد حركة شعبية بأهداف واضحة وبقادة مسؤولين وواعين ومدركين لحساسية الموقف وليس ممن لهم ماض دموي في السلطة أو المعارضة الدموية، حركة ترمي إلى التغيير الوطني الديمقراطي بدون الاعتماد على الخارج، عربياً رجعياً أو عالمياً وبالاعتماد على تحشيد إمكانيات الشعب واستغلال الواقع المر الذي يعيش فيه من فقر وإذلال.
saidabugannam@yahoo.com
كاتب سوري
نظام الاسد والقدرة على البقاء لقد اثبت النظام السوري وحتى الان قدرته على البقاء شئنا ام ابينا ..وتنبع هذه القدرة اولا من ضعف معارضيه .. وثانيا من ولاء الاجهزة الامنية والعسكرية شبه الكامل له …وثالثا مقدرة هذه الاجهزة على الاحاطة بكل مفاصل الحركة البشرية داخل سورية ورابعا افتقار سورية لحركة معارضة وطنية تتبنى حاجات عامة الشعب .. لان الموجود حاليا حركات تطلب من الشعب ان يتبنى حاجاتها … ولعل افضل مثال استشهد به هو الطرح المميز الذي نزل به حزب العدالة والتنمية التركي الى الشعب وحاز على اكبر قبول شعبي وقد كان الشعار ( كل شيئ من اجل تركيا )… قراءة المزيد ..
في انتظار المنقذ تُضيَّع قضايا الشعب السوري
المقال محاولة لقراءة الواقع دون حلول. اما بالنسبة لحزب الله الطائفي المليشي فعلى الكاتب قراءة تاريخه وتاريخ المليشيا الصفوية وخاصة د. عي شريعتي عندما تحدث عنهم بانهم يستخدمون عرق ال البيت لسيطرة الفرس على العرب وايضا كيف وصل اليهودي مصطفى كمال اتاتورك الى الحكم لاننا نحن العرب نعشق القوة فنمجد المليشيات الطائفية المسلحة ولا نريد استخدام اسلوب غاندي في التغيير الى الديمقراطية واحترام الانسان