الآمال المعلّقة على اضطلاع دول الشرق الأوسط بمعالجة مشكلاتها تذوي وتتبدد قبل انعقادها
يرصد عدد من السياسيين والمراقبين، بعضهم يتمتع بصلاحيات تقريرية، هبوب «نسمة أمل» على الشرق الأوسط (أو الأدنى)، على قول برنادر كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي. وربما كان الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أول الراصدين والآملين. فهو ذهب، بعد ان تلا رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها بنود اتفاق الدوحة، الى ان الاتفاق قرينة على فاعلية السياسة العربية المشتركة إذا هي حزمت أمرها وتولته. وجمع الرئيس السوري، بشار الأسد، في أول يوم من زيارته الهند، اتفاق الدوحة نفسه والمفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة في اسطنبول في باب واحد. وتوقع ان يعودا على المنطقة بنتائج ايجابية، قال الرئيس الرئيس السوري انه يرتقبها ويعمل في سبيلها. ولم يلبث وزير الخارجية الإسباني ان ثنى على الرأي هذا. ولم يقصره على المسألتين اللتين تشتركان في دور سورية فيهما. فهو تفاءل بالتهدئة الإسرائيلية – الفلسطينية (الحماسية) قدر تفاؤله بالتهدئة اللبنانية – اللبنانية المفترضة، شأن زميله الفرنسي.
والباعث على التفاؤل المقتصد والممسك هذا هو تصدي دول المشرق نفسها، أو بعضها، الى المفاوضة على الحلول، وصوغها، ومراقبة تنفيذها. وينوه تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي باضطلاع تركيا وقطر ومصر بشطر راجح من الوساطات التي أدت إلى المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة، واتفاق الدوحة، وتهدئة القتال بغزة («الحياة، في 21 حزيران/ يونيو). و «يفسر» التقرير تحمل الدول الثلاث المسؤولية عن البحث عن حلول لبعض القضايا المتفجرة قصور إدارة الرئيس الأميركي عن التخطيط لسياسة تتفادى انفجار الأزمات، وخوف بعض الدول (وفيها الثلاث) من «انهيار إقليمي شامل… على المدى البعيد».
ويخرج الرأيان، السوري والأميركي، عن تشخيص الآراء الأوروبية لدواعي التفاؤل. فالرأي السوري المأذون لا يعزو استبشاره خيراً بمستقبل المنطقة الى تحمل دولها مسؤولية التصدي لمشكلاتها. وهو يقصر دواعي الاستبشار على السياسة السورية وحدها، وعلى ما يتصل بها اتصالاً مباشراً، أي لبنان وإسرائيل. وكان الرئيس السوري توقع ان يحذو لبنان حذو بلده، ويفاوض الدولة العبرية حال دخول مفاوضاته هو المرحلة التالية، المباشرة. ولكنه، من وجه آخر، علق المراحل اللاحقة من المفاوضة، وهذه مرجأة الى أوائل 2009 (على ما توقع ايهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي)، على الوساطة الأميركية وضماناتها. وأما الرأي الأميركي، وهو صدر عن مركز أبحاث واستشارات وليس عن منصب قرار، فاستبعد لبنان من دائرة الموضوعات الأميركية – السورية المشتركة، وحمل الإدارة على التمسك بالمحكمة الدولية واستقلال لبنان عن التدخل السوري من غير تراخ ولا مساومة. وعلى هذا، فالرئيس السوري يدعو الولايات المتحدة الى الانخراط في مفاوضات دول المنطقة، بينما تمتدح أوروبا ابتعادها. ويمثل الرئيس السوري على بشائر الخير المنتظرة بالقضية اللبنانية، وبدوره في «معالجتها»، حين يتعمد المركز إخراج لبنان وقضيته ومعالجتها من دائرة المساومة والمفاوضة الأميركيتين السوريتين.
والإجماع الأوروبي والأميركي و(بعض) العربي على مديح قيام دول إقليمية بالوساطة في معالجة بعض عقدها، وإغفال الرئيس السوري هذا الوجه من السعي السياسي والديبلوماسي (الى تركه جانباً «التهدئة» الفلسطينية – الإسرائيلية ودور مصر وربما قطر في مناقشتها) وتوقعه أو طلبه الانخراط الدولي في السعي هذا، قرينة مزدوجة على خلاف عميق ومزمن بين اهل السياسات الإقليمية. فليس في مستطاع السياسة السورية التسليم برد النزاعات الإقليمية والأهلية الى أسباب إقليمية وأهلية داخلية «تبرئ» السياسات الدولية، وأولها الأميركية، من دورها من النزاعات هذه، ومن مسؤولياتها الجسيمة والحاسمة عنها. وحمل النزاعات على أسباب إقليمية وأهلية داخلية يخالف التشخيص السوري والعروبي الموروث، على قدر ونحو ما يخالف التشخيص الإيراني و «الإسلامي».
فهو يؤدي حتماً الى تحميل السياسة العربية و «القومية» السورية شطراً من المسؤولية عن النزاعات هذه، وعن إدارتها وتعقيدها وتعليقها واستثمار عوائدها في مسائل بعيدة من بؤرتها المفترضة، أولاً. وهو يضعف مشروعية السياسة السورية «القومية»، واستمدادها مشروعيتها هذه من مناهضتها «الامبريالية» الغربية، وتصديها لقيادة المناهضة هذه وتوحيد صفوفها تحت لواء قومي عروبي أو لواء محور إقليمي عروبي – «إسلامي» إيراني، ثانياً. ويلزم التشخيص الإقليمي والأهلي الداخلي القوى الفاعلة في الدائرتين هاتين بالسعي في حلول نهائية أو مستقرة للمشكلات الكبيرة والثقيلة التي تضرب بلدان المنطقة ودولها ومجتمعاتها، ثالثاً. والوجوه الثلاثة المتقدمة تهون شأن المشكلات الإقليمية، رابعاً، وتنزلها عن مكانتها «الوجودية» والأخلاقية التي تسوغ الشقاق الأهلي، ووباء العنف، والفتن التي تعصف في معظم البلدان والمجتمعات العربية – الإسلامية وبها.
ولعل اتفاق الدوحة مرآة النهج هذا وجوانبه المختلفة والمتصلة. فهو نقل المعالجة، أي التسكين والتعليق الموقتين، من جامعة الدول العربية، وأمينها العام «المصري» والخاوي الوفاض (من المال والسلاح) إلا من التكليف المعنوي، الى لجنة وزارية سباعية على رأسها قطر و«رأساها». وهو توج سياقاً من وقائع اغتصاب سلطة، وموازين قوة، انتهكت كلها قواعد العلاقات السياسية والمدنية التي ترعاها الهيئات والتشريعات والأعراف الوطنية. وأدخل الاتفاق الحلول المقترحة، والمفترضة ملزمة من غير إلزام ولا جزاء، في السياسات الإقليمية المتقاطعة و «مزاريبها» ومهاربها المضمرة والكثيرة (فلم يلبث الرئيس الفرنسي ان جزى الإسهام السوري في «الحل» وصلاً ووفداً ودعوة. وفي الأثناء كان صاحب «السهم» السوري ينتظر دعوته الى بعض بلدان الخليج الكبيرة جزاء إسهامه. فلما لم يدع انفجرت اشتباكات دامية في البقاع الأوسط، ثم في طرابلس، في 22- 23 حزيران الجاري).
ولم تتعهد الدول الضامنة، الاتفاق عهوداً واضحة. وعلى مثال السكوت عن العهود الإقليمية، سُكت عن العهود «الداخلية». فالسلاح (وأهله) لم ينفك عاملاً سياسياً استراتيجياً، ولم يقيده قيد إجرائي ملزم واحد. ولم يتول رعاة الاتفاق وضامنوه مراقبته. وأغفلت بنود الاتفاق المعلنة تناول «الوصلات» (أو المفاصل) الوطنية اللبنانية والعربية – الإقليمية. فبقيت العوامل هذه، أي اصحابها، في حل من المسؤولية عن أفعالهم. وعزل الاتفاق القضايا اللبنانية المتفجرة عن التزامات لبنانية وعربيــة وإقليمية سابقة ومستمرة تتصل بقوات الأمم المتحدة وبالحدود اللبنانية – الإسرائيلية والحدود اللبنانية – السورية، والجماعات الأهلية المسلحة. فالبنــد الوحيد الملزم والواضح، أي انتخاب قائد الجيش رئيساً، استجاب حاجة سورية ملحة الى الخروج من الحجر العربي والدولي من غير تسليم (سوري) بإجراءٍ واحد يحصن قيام اللبنانيين بإدارة شؤونهم أو احتكــــامــــهم الى قــــوانينهم وأعرافهم.
فلم يلبث اهل السلاح، وهم جماعات تأتمر بأوامر إقليمية وتشاطر القوى الإقليمية معاييرها وأفكارها ولا يدعوها داع ملح الى استعجال معالجة وحل وطنيين (على خلاف خصومهم غير المجردين من التأثيرات الإقليمية والدولية)، أن استعادوا سيرتهم من التلويح باستعماله، ثم في إعماله هنا وهناك، وحمل الإعمال على نهج مشروع و «سياسي» عادي. فلم تطو إدانةُ التوسل بالسلاح الى حسم الخلافات السياسية الداخلية، وهي إدانة حيية، نهجَ الإعمال هذا. ولا أضعفت سنده ومسوغه الإقليميين. فعادت الجماعات السياسية المسلحة الى جمع تهويلها الداخلي، وتعطيلها عمل الهيئات والمؤسسات، وتصفية حسابات إقليمية وداخل الكتل الحاكمة الإقليمية نفسها (فمهاجمة أحد ألسنة الحزب المذهبي المسلح مؤتمر مكة لحوار الأديان يقصد بها هاشمي رفسنجاني، منافس احمدي نجاد، على قدر قصد الدولة المضيفة ودورها المفترض في حماية الحكومة اللبنانية)، معاً. وتتضافر الأعمال العسكرية والمواقف السياسية، والمقالات الخطابية، على السعي في بعث طاقم إدارة، ونهج إدارة، من النمط السوري الإقليمي الذي أدى الى تمديد ولاية اميل لحود، واغتيال رفيق الحريري، وحرب صيف 2006، وتآكل الدولة اللبنانية.
صدى الإقليم
وهذا ليس وليد أبنية سياسية داخلية، تنسب من غير مزاح الى «الطائفية» السنية والدرزية. فالأبنية السياسية «اللبنانية» القائمة هي صنيع سياسة سورية إقليمية متعمدة أرادت قطع الروابط بين الدولة، وإدارتها وطاقمها، وبين شعب الدولة وجماعاتها ومجتمعها، أو بين الدولة وبين مرجعها أو ميزانها الوطني والداخلي. ورمى قطع الروابط، أو الرابطة الأساس بين الدولة وبين الشعب، الى إناطة السلطة بالقوة «القومية» المسلحة وأصحابها وأنصارها ومريديها وعمالها.
والقول، اليوم، ان «المقاومة» («الإسلامية»، أي الشيعية المحلية والوصيين عليها) هي صاحبة الكلمة الفصل في تعيين قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والديبلوماسية والتربوية، ولا كلمة لغيرها، معناه ان الحزب الشيعي المسلح هو خلف الجهاز السوري ووصايته على حكم لبنان واللبنانيين. وتثبيت الخلافة، على الصورة التي يفهمها الجهاز السوري ومعه الجهاز الإيراني، لا تقيده أعراف ولا أصول دستورية وسياسية وطنية. والدولة الوطنية كلها والحال هذه، غلالة رقيقة لا يفترض فيها ستر عيب أو «فضيلة». فلا غضاضة في ارتكاب الجهاز الأمني الذي ينوي الحزب الشيعي المسلح تعيينه، ومهد لتعيينه من طريق حق نقض باشــره على أوجه كثيرة، ما ارتكبه الجنرالات الأربعة الموقوفون، وأدى الى ما أدى إليه من هشاشة أمنية وقانونية (على أضعف تقدير). فإذا اشترط على الجهازين الأمني والسعكري حماية ظهر «المقاومة»، ولم يشترط عليهما حماية أمن المواطنين، وحقوقهم المدنية والوطنية، تحولت الحماية الأولى انتهاكاً فاضحاً للثانية.
وليس الانتهاك الفاضح توقعاً معلقاً، ولا استنتاجاً أو استدلالاً على آت في طي الغيب. فهو واقعة يومية ومشهودة، والواقعة المشهودة والمقيمة تترتب على حال أغفل اتفاق الدوحة تناولها ومعالجتها، فوق إغفال الطائف، وهي الحط بالدولة اللبنانية الى مسرح احتياطي ملحق بجبهة حرب «عربية» – اسرائيلية، من غير عرب سوى السوريين ومصالحهم القطرية، أو «إسلامية» – اسرائيلية، من غير مسلمين ما خلا الإيرانيين ومصالح نظامهم المتسلط. ولا يفترض في مسرح احتياطي، أو جبهة طوارئ عسكرية وأمنية خالصة، ان تتمتع بدولة، وبسياسة مدنية ووطنية مستقلة. فدولة مثل هذه عدوان وقح على المسرح والجبهة، وعلى قيادتهما المشتركة. ودأب القيادة «المشروع» تصديع الدولة وشعبها، على ما تصنع. وقد يبدو حمل تبعة الدولة والشعب اللبنانيين، وحمايتهما من قيادة الجبهة والمسرح الاحتياطيين، مهمتين ثقيلتين وعسيرتين. وهما كذلك من غير شك. ولكن الزعم ان للصفة العربية المشتركة معنى سياسياً ما بعد، إذا لم تتولّ «وساطة» عربية حماية الدولة اللبنانية، واللبنانيين، من الحط بها (وبمواطنيها) الى «مسْلحة»، مبالغة عظيمة.
* كاتب لبناني.
الحياة
http://www.daralhayat.com/special/
issues/06-2008/Article-20080624-baa8a995-c0a8-10ed
-0007-ae6d41da1a06/story.html
انتهاك الاتفاقات ليس استدلالاً بل وقائع يومية مشهودة
نتمنى من العالم الحر والامم المتحدة بشكل خاص معاقبة وبيد من حديد كل من يساند العنف والمليشيات الطائفية او من يدربها او يغذيها بالمال لانها سرطانات وفيروسات قذرة ومجرمة ونقول للنظام الايراني كفى بث الطائفية والعرقية النتنة باسم ال البيت والعنف بين الامة الاسلامية والعالم