أكد المفكر الكبير جمال البنا أنه أقام دعوى أمام مجلس الدولة، يطالب فيها بإعادة كتابه إلى التداول مجددا ولوقف سلطة مجمع البحوث على حرية الفكر، مشيرا إلى أنه لا يجب أن يتحول رجال الدين لمخبرين يلاحقون المكتبات. جاء هذا التأكيد بعد أيام قليلة من مصادرة كتابه: “المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد العلماء”، حيث طلب مجمع البحوث الإسلامية، وهو أعلى هيئة فقهية في الأزهر، من الجهات المختصة منع الكتاب الذي اعتبر البنا فيه أن فتحة الصدر وحدها هي الحجاب المطلوب إسلاميا ولا ضرورة دينية لارتداء المرأة الحجاب.
يذكر إن هذا القرار تسبب في منع إرسال شحنة من الكتاب إلى الكويت بعد أن تقدمت إحدى الشركات الناقلة بطلب الحصول على تصريح له، وهو تقليد قانوني يتبع في مصر بخصوص المطبوعات الدينية التي تصدر لخارج البلاد.
حوار معه
وفي السطور التالية ننشر الحوار المنشور له بجريدة المصري اليوم
*كيف تفسر مصادرة كتابك «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد العلماء» بعد مرور ٤ سنوات على تداوله في مصر؟
ـ لا بد من مرور ٤ سنوات قبل أن ينتبه الأزهر ويصادر الكتاب، وهذا يعتبر إنجازاً من جانبه، فالكتاب الأول الذي صودر لي كان بعنوان «مسئولية فشل الدولة الإسلامية»، احتاج الأزهر ١٠ سنوات ليصادره، إذ صدر عام ١٩٩٤ وتمت مصادرته عام ٢٠٠٤.
* ما الأسباب التي أدت إلى مصادرته؟
ـ مصادرة الكتاب مرفوضة لأكثر من سبب. أولا جانب شكلي، هو أن الأزهر قام بمصادرة الكتاب رغم أن مجمع البحوث الإسلامية مكلف بمراقبة الكتب التي تصدر للخارج، و بالتالي ليس من حقه مصادرة الكتاب، ولكن منع تصديره للخارج.
أما قانونيا فليس للأزهر حق قانوني أو دستوري ليصادر الكتاب، كما أن ذلك يعد فرضا للوصاية على حرية الفكر وهي أحد حقوق الإنسان الأساسية، والقرآن نفسه أقر بحرية الفكر والإيمان، ولم يعط للرسول نفسه ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلا سلطة البلاغ، حتى إن القرآن لم يرتب على الردة أي عقوبة دنيوية.
الأزهر يفعل الآن ما كانت الكنيسة الكاثوليكية تقوم به في العصور الوسطى في أوروبا من خلال مصادرة الكتب فيما عرف وقتها بـ«محاكم التفتيش»، حتى جاء مارتن لوثر كينج وقام بحركة تصحيح أنهت سلطة الكنيسة تمامًا باستثناء تعميد الأطفال وتزويج الشباب ودفن الموتى.
لذا فالأزهر يكرر تجربة تأكد فشلها، وإذا صودرت كتبي في مصر فما الذي يمنع صدورها في بيروت ثم تسريبها بعد ذلك إلى مصر.
والقضية هنا يجب أن تكون عما إذا كان الكتاب احتوى معلومات صحيحة أم خاطئة. فإن كانت خاطئة فلا يجب مصادرة الكتاب ولكن تصحيح ما جاء فيه.. ومجلس الدولة أعطى مجمع البحوث الإسلامية حق مراجعة المصحف وهذا أمر منطقي وطبيعي، إلا أن هذا الحق تقدم تدريجيا ليمتد إلي كتب الأحاديث ثم كتب الدين بصفة عامة، ليصبح سيفًا مصلتاً على حرية الفكر.
* هناك من يطالب بالتصدي لأفكارك ويصفك بتعمد إثارة البلبلة، ونشر أفكار هدامة داخل المجتمع؟
ـ كل هذه الاتهامات واجهها أصحاب دعاوى الإصلاح، والأزهر هنا يقاوم دعاوى الإصلاح التي حد ظهورها من سلطة الملوك وأوقفت الاستغلال الرأسمالي للعمال وقاومت الأوضاع القائمة وعملت علي تغييرها، ولولا دعاوي الإصلاح لما تحسنت أوضاع المجتمعات ولبقيت على حالها الذي كانت عليها منذ ١٠٠٠ عام وهو الوضع الذي يرغب الأزهر فيه.
وقد صادر الأزهر الكتاب لأنه يختلف مع فكرهم السلفي، حيث يرجع علماء الأزهر دائمًا إلى الأئمة القدماء للإجابة عن أي سؤال، فإذا استفتاه أحد في أمر ما قال له إن الإمام مالك قال كذا في هذه المسألة. كما أنهم يرجعون في تفسير القرآن إلى التراث فقط، ويرد الواحد منهم على كل من يريد الاجتهاد بالقول بأنه لا يملك الأدوات اللازمة لذلك، رغم أنني أمتلك وسائل لم يكن يحلم بها الإمام مالك.
هذا الفكر السلفي يجمد الإسلام و«يقوقع» الفكر الإسلامي وهذا خطأ كبير يقع فيه الأزهر.
* هل يعني حديثك أن الأزهر يصادر فكر من يختلف معه؟
ـ الأزهر لا يتصور وجود مذهب خامس ويغلق باب الاجتهاد، ولا يتصور رجاله وجود شخص قادر علي الوصول إلى علمهم. رجال الأزهر يؤمنون بأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وغيرهم منحرف، وهذه أكبر سوءة.
ويعالجون الاختلاف بالقانون وليس بالفكر ويقولون شطحات بدون رد علمي. فالقاضي لابد أن يدقق ولا بد أن يكون هناك استئناف لكلامهم، وعلي العكس تجدهم يعيشون في عالم مستقل فلم يتم إخطاري بموعد مناقشة الكتاب في المجمع وعلمت من الصحف بقرار المصادرة وحتى الآن لم يتم إبلاغي رسمياً.
* كيف تؤثر مصادرة الكتاب عليك؟
ـ لا يوجد مردود للمصادرة، إذا إن الكتاب الذي تتم مصادرته اليوم في مصر تتم طباعته غداً في بيروت، رغماً عن إرادتهم والكتاب الذي تتم مصادرته يأخذ شهرة ورد فعل أكبر.
* ما هي أحلامك؟
ـ أتمني أن يترك المسلمون عبادة آبائهم ويفكروا وحتى لو أخطأوا، فإن الخطأ مع التفكير أفضل من الصواب مع التقليد لأنهم لو أخطأوا لتعلموا الصح من الخطأ. فالإسلام ليس فيه رجال دين ومع التقدم الذي أصاب مناحي الحياة زادت ضرورة التخصص، فلا بد أن يتخصص البعض في الدين ولكن بلا شهادة ويكون الواحد منهم مستقلاً عن الأزهر حتي لا تتم «قولبته» فالدراسة عندنا لم تعد حرة.
* هل تريد أن توجه كلمة لأحد؟
ـ نصيحة أخيرة للأزهر أن يتخلص من هذه المهمة البغيضة التي لا يشكره عليها أحد ولا يسعد بها أحد وهي مراقبة الفكر ومصادرة الكتب، فهذه مهمة بوليسية والأزهر جامعة علمية، ثم إن تلك المهمة فاشلة في النهاية فليوفر علي نفسه ولينصرف إلي خدمة العلماء والإسلام.
وأتحدى هؤلاء العلماء أن يؤلفوا كتاباً مثل الذي صادروه, فأنا ألفت ٤٠ كتاباً في الشأن الإسلامي منذ عام ١٩٤٦ عندما كانوا أطفالاً رضعاً، ويقولون عني «هاوي».. قليلاً من الحياء يا شيوخ الأزهر.
المفكر الكبير جمال البنا بعد مصادرة كتابه:انا شخصيا ضد مصادرة أي فكر مهما كان توجهه، أما ما يخص مسألة تخصيص الحجاب بفتحة الصدر فهذا أمر يحتاج إلى مزيد من النظر والبحث، لأن الإلتزام بآية منفردة عن مجموع آي القرآن أو الإلتزام بالنص القرآني وحده بعيدا عن الحديث وعمل الصحابيات والصحابة في زمن النبوة يُعَدّ التقول على الله بلاعلم (أتقولون على الله ما لا تعلمون)… واستعجال الحكم. أما مسألة ربط الحجاب بحجر المرأة وعزلها عن المجتمع يعدّ غلوا في الدين، والدعوة إلى نزعه أو التقليل من أهميته فهو من قبيل الردّ على الغلوّ بالغلوّ. فالإسلام دين الوسطية والبساطة واليسر والمساواة والحرية…… قراءة المزيد ..
الأستاذ جمال البنا أفقه من الأزهريين جميعاً
سيظل المسلمون في تخلف حضاري ما دام هذا الأزهر ظل قائماً. إنه رمز الانحطاط والتخلف والردة الحضارية. لقد قرأت أكثر من عشرين كتاباً للمفكر المجتهد جمال البنا، وقرأت أيضاً لعدة شيوخ أزهريين بما فيهم الغزالي والقرضاوي وغيرهما، وأستطيع أن أقول بكل ثقة، عن دراية ودراسة، إنه أفقه منهم جميعاً. في كتب البنا دائماً تجد النقد والتحليل والجديد، في كتب الأزهريين لا تجد إلا النقل والحشو والتقليد.
المفكر الكبير جمال البنا بعد مصادرة كتابه:
اقترح على مفكرنا الكبير تغير العنوان واعادة طبعه وبذلك يكسب اربع سنوات اخر وهكذا دواليك.