أصبح الشعب السعودي في ظل الثورة المعلوماتية والإعلامية مادة حاضرة ومثيرة في الوسائل الإعلامية، لا سيما بعد الانفتاح الإعلامي عقب حرب الخليج الثانية/تحرير الكويت، وتعزز بشكل أكبر بعد حادثة 11 سبتمبر والكشف عن مشاركة 15 شابا سعوديا في الحادثة الشهيرة، وقيام أصحاب التوجهات الدينية المتطرفة بأعمال إرهابية دموية وتخريبية داخل السعودية، مما أدى إلى ملاحقة ومراجعة وضع المؤسسات الدينية والمنتمين إليها في العالم وإغلاق عدد كبير من تلك المؤسسات، ومنع جمع التبرعات الخيرية، ومراقبة المساجد، وإخضاع عدد من الأئمة إلى دورات مناصحة وتوعية، ورصد حراك المؤسسات الدينية في الداخل، ومنها هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أصبحت تحت الرصد والنقد، بالإضافة إلى إثارة موضوع ملف حقوق الإنسان، وملف تنمية الروح الوطنية بين أفراد الشعب عبر الحوار الوطني، وملف منع النساء من قيادة السيارات، وعمل المرأة في المواقع العامة، وملف تسليط الضوء على بعض التقصير والاستغلال في الإدارات الحكومية، وعدد من الملفات التي كانت في درج المسكوت عنه!
وبلا شك هناك العديد من الملفات والقضايا التي تخص الشأن الوطني لا تزال في درج المسكوت عنه مغلق بالشمع الأحمر، ممنوع لغاية اليوم التطرق إليها أو تناولها في الإعلام!
ومن أهم الملفات المسكوت عنها في السعودية، وتم إخراجها من الدرج المظلم إلى صفحات الإعلام وتم تناولها بالانتقاد، المؤسسة الدينية ومنها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحمل أسماء أخرى: الحسبة، والشرطة الدينية.
تلك المؤسسة التي شغلت الشعب السعودي والمقيمين والعالم، واختلف المجتمع حول دورها وصلاحياتها، بين مؤيد يدعمها بلا حدود وإنها أصفى من اللبن في النزاهة والطهارة والعفة، ولها دور في محاربة الرذيلة والفساد، والقبض على من يتجاوز الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وهناك مؤيد لها بتحفظ عبر تحديد دورها، وتأهيل أعضائها علميا وعمليا وأخلاقيا، وان يتوقف عملها على الكلمة الطيبة والمناصحة والبعد عن العمل البوليسي والشدة.
وبين معارض لها بأنها مؤسسة متطرفة متشددة تمارس العنف والفوضى والاعتداء على حقوق الإنسان الشخصية والدينية والوطنية، وتحارب الانفتاح والتطور والحرية والفن والثقافة، ولها تجاوزات سلبية وفادحة وقاتلة.. باسم الدين، وأنها تشوه الدين وسمعة الوطن، ولا بد من إغلاقها.
بلا شك إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤسسة تتمتع بنفوذ كبير، والدليل على ذلك أنها استطاعت برغم الحملات الداخلية والخارجية ضدها، والمطالبة بتحديد دورها، وسحب الصلاحيات الكبيرة من سلطتها ـ بعد الأعمال الإرهابية والقبض على عدد كبير من أصحاب التوجهات الدينية ـ أن تصمد وتكون رقما في جميع الظروف والحراك الداخلي، وان تنهض بقوة وتحصل على الدعم الحكومي الكبير… حيث أكد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز “انه ليس هناك أي تفكير في التغيير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القائم في المملكة، والهيئة قائمة ما دام الإسلام قائما في هذه الأرض.”
يأتي هذا الكلام بعدما تعرض الوطن للخطر من الفئة الضالة، وتصاعدت حدة الخلاف والانزعاج والتذمر من قبل المواطنين الذين تقدموا بشكاوي عديدة على أعضاء الهيئة، والمطالبة بإلغائها أو الحد من صلاحياتها أو تغييرها، وزاد الضغط على الهيئة بتدخل الإعلام المحلي الذي شن حملة كبيرة عبر تسليط الأضواء على الأخطاء والتجاوزات لأعضاء الهيئة التي تجاوزت الحدود وأحرجت الحكومة، ونشرت الرعب والخوف بين أبناء المجتمع؛ وفتحت باب الجدل الواسع بين المواطنين حول دور وصلاحيات الهيئة … لاسيما بعد الكشف عن سقوط عدد من القتلى بصور بشعة، كالتسبب في وفاة عدد من المواطنين في مراكز الهيئة، وخلال المطاردات والملاحقة، والتعرض لحوادث قاتلة والموت حرقا كما حدث في حادث تبوك، والاعتداء والقبض على سيدات كبيرات في السن تجاوزون 50 عاما لمجرد الاعتراض على طريقة الحجاب، والقبض على بعض الأزواج “الزوج والزوجة” نتيجة الاشتباه!
وقد وقع بين رجال الحسبة الهيئة وأبناء المجتمع اصطدامات ومشاجرات، وتعرض رجال الحسبة “الهيئة” للاعتداء بالضرب واستخدام السلاح الأبيض وإطلاق الرصاص… كما حدث لموظف الهيئة الزهراني بمدينة الثقبة.
البعض يتساءل لماذا هذه الحملة الكبيرة على الهيئة “الحسبة” ورجالها، أليس ما تقوم به الهيئة أمرا شرعيا وركنا أساسيا في الدولة الإسلامية في ضبط السلوكيات الاجتماعية؟ ألا يعتبر عدد الحالات التي يتم ضبطها، وإلقاء القبض على المعتدين والفاسدين، خير شاهد على أهمية وفعالية دورها؟
فيما البعض يستشكل على الهيئة بأنها ساهمت في تنامي العداء وشن الحملة القوية ضدها بسبب سلوكيات أفرادها، وضعف مستواهم وتأهيلهم، وأحادية الفكر والتشدد لديهم، وارتكابهم أخطاء فادحة قاتلة والتمادي في الفوضى والتجاوزات، وعدم الإلمام والتفهم برأي المسائل الدينية المختلف عليها بين المسلمين مثل جواز فتح الوجه، وقضايا حقوق الانسان والحريات، وعدم الأخذ بالتنوع للمدارس الدينية والفكرية في السعودية ـ وخارجها ـ التي تحتضن أهم المقدسات الإسلامية التي يتوجه إليها جميع المسلمين من أنحاء العالم ومن جميع المدارس الدينية.
لماذا تنشغل الهيئة بملاحقة صغار القوم والبسطاء، وتتدخل في القضايا الخلافية بين المذاهب، والقضايا الشخصية والثقافية والفكرية. وأين الهيئة التي تحمل راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. عن القضايا المهمة والكبيرة في الوطن التي تحتاج إلى تطبيق مصداق وحقيقة مفهوم رسالتها، على الجميع وبالذات في القضايا المسكوت عنها؟
هل باستطاعة الهيئة “الشرطة الدينية” التي خرجت من درج ملفات المسكوت عنه.. أن تساهم بالإفراج والكشف والتحقيق في ملفات القضايا الكبيرة المسكوت عنها لغاية اليوم، .. لاسيما إن الهيئة تحمل راية تصحيح الأخطاء والسلبيات والتجاوزات والاعتداءات، وتمثل مبدأ ومصداق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!؟
والسؤال الذي يطرح نفسه في النهاية هل استطاعت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ التي تأسست عام 1940 في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، وتتمتع بدعم مادي وقانوني من قبل الحكومة، ولديها صلاحيات كبيرة ـ فرض العدالة والأمن والامان ونشر الفضيلة، وكسب ثقة و محبة المواطنين؛ أم العكس فمع سحب ملف الهيئة من درج المسكوت عنه، والسماح بانتقادها، صب المجتمع جل غضبه واستيائه عليها، وعبر عن عدم رضاه بدور أعضاء الهيئة مطالبا إلغائها، وتحويل الأعمال التي تقوم بها “في المجال الرقابي والبوليسي” إلى الشرطة الأمنية “شرطة الآداب” فقط بعد تأهيلها بشكل ممتاز؟
alislman2@gmail.com
* كاتب سعودي
الهيئة.. والمسكوت عنه في السعودية!
🙁
🙂
‘
عزيزي
كررت كثيرا كلمة (السكوت عن المسكوت عنه)
هلا بينته ؟