حين نتكلم عن أعمال الفنان الكويتي سامي محمد (ولد 1943) فإننا نتكلم عن تجربة فنية لها خصوصيتها النابعة لا من الأفكار – أفكاره – وحدها، وإنما من الأسلوب الذي يحكم به سيطرته على هذه الأفكار التي لا تلبث أن تتحوَّل – عنده – إلى إحساس، وانفعالات نجده “ينظمها” ويعمل، عبرها، بثقافة ووعي هما عماد التشكّل الذي يعكسه عالمه الداخلي.
إلاّ أن هذا العالم لا ينطوي أو ينكفئ على نفسه، وإنما ينفتح على الخارج – يواجه المتلقي به. لذلك فإن “منحوتاته” لا تمثل وعيه المنجز وحده، وإنما، بالإضافة إليه، تحقق اكتمالها في “وعي المستقبل”.
وإذا كان الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار (1884- 1962) قال يوماً بأن ((الأشياء تولِّد فينا الصورة))، فإن هذه الأشياء التي غالباً ما تتكثّف عند الفنان إحساسات ورؤى، تستعيد الحلم (أو الكابوس) لتصنع منه عالماً تقف أمامه طويلاً، ونحدِّق فيه ملياً، (لنكتشف.. ماذا ؟) ولكن هذه الاحلام ليست صدى لماضٍ، فمنحوتاته تندرج في ما يمكن اعتباره نظاماً ذاتياً متحركاً، مما يجعل الحاضر (حاضرة الإنسان) عنده يضجّ بالأصداء.
• فعل الواقع
هناك وعي يحاول به اختراق العالم – وهذا هو عمل الفنان الحقيقي. ونحن مع الفنان سامي محمد، مع فنان يقف بين حلمه وواقعه، وبين الحياة وفكرته عن هذه الحياة. فإذا كانت الحقيقة، عنده أمراً شخصياً – كما يذهب هيغل – فإن من الممكن القول: إن هذا الفنان في ما يرمي إليه من تشخيص قائم على تجزئة مشهد الوجود – أو الموجود، مقدماً الحقيقة بوجهها الصارخ، إنعكاساً لواقع موحَّد للإنسان: الحلم/الكابوس، والرؤيا من داخله – وهنا لابد من كلام عن الإنسان عند سامي محمد، فهذا الإنسان خاضع، عنده – أو معرّض لمصادفات متباينة، وهو في أعماله النحتية (والتخطيطية) موجود لا بفعاليته، وإنما بتلقي “فعل الواقع” عليه: مجزأ، ممزّق، يعيش أزمته، ويواجه واقعاً تتمثل فيه أزمته الأخرى.
لا يجد سامي محمد في واقعه ما يريد، ولا يستطيع تحقيق ما يريد. وهناك الكثير الذي يهدّده، رؤيا ووجوداً – وهنا المفارقة في ما يكون لعمله من صياغة فنية لوجود هذا الإنسان، فهو في “عمله” هذا، “عالم” يتوسط عالمين؛ الحلم والكابوس وهو، في رؤياه، غير مستقل عنهما. إنه يمثّل البرهة الزمانية التي تقع والوجود في مستوى واحد. ومن هنا يبدأ مسار رؤيتنا له.
• الكلام والعنف أو المادة والأزميل
إذا كان أفلاطون، في زمانه، قد وضع الكلام قبالة العنف، فإن الفنان المعاصر وضع “المادة” و”الأزميل” قبالة الاثنين: الكلام والعنف، متكلماً “لغته” التي وجد فيها ما هو أكثر وقعاً، وربما تأثيراً أيضاً، محوِّلاً “الواقع” و”الحادث فيه” إلى “نتيجة” ليؤسس علائق إنسانية جديدة، وإنما ليصرخ، من أعماق جحيمه، معلناً احتجاجه على هذه “العلائق” التي تمحق الإنسان مانحاً ذاته، عبر تعبيره هذا، لا قدرة التوازي مع هذه الحالة – وفي هذا كشف عن “حرية الإنسان” كما فيه اخفاء لها.
وهي حرية لها بناءاتها، لذلك نجد الفنان، معها، واقعاً بين “التكوين” “الابداع” واضعاً الوجود الإنساني موضع “المحتجّ له” على كا مل هو ضده.
وهذا هو ما يجعل المادة، والأزميل، وعملية “الصياغة الفنية” بذاتها، عند سامي محمد، لا تعكس بقدر ما تتقمص، ولا تتمثل بقدر ما تعبر.
• الأسئلة الأولى
ربما يكون الإنسان – بما هو ذات متضجرة، أو محاطة أو محاصرة – مثار “الأسئلة الأولى” عند الفنان سامي محمد، فهو يثير أسئلته بهذا الإنسان، وعبره، كما يجعله، نفسه، “سؤالاً”، ولكن لمواجهة الوجود. أو الكشف عن ممارسات في الوجود ضد هذا الإنسان لذلك جاءت أعماله النحتية (وبعض تخطيطاته) مليئة بشحنات هائلة تحاول تجاوز أزمات الوجود، واختراق الزمن.
قد تبدو أعمال سامي محمد الفنية وكأنها “نتاج عزلة” ولكنها “عزلة” يتفجَّر فيها الداخل “داخله” لا ليجسّد الدهشة أمام هذا العالم، وإنما ليحدد “معالم الخوف” فيه، ومواجهة هذا الخوف ببناء الذات، (أو تمزقها – لا فرق!) ما دامت في واقع لا ينبت ترابه سوى الرعب.
هذه “العزلة” عند سامي محمد هي مصدر استقلاليته فناناً، إنْ بأسلوبه أو في أفكاره. وهو، بهذا، لا يريد تغيير وجه العالم بقدر ما يهمه الكشف عنه، أو إظهاره عارياً. فهو يطرح في هذا “الوجه” تأويلات متعددة لعمله، فهو ينحت استناداً إلى “تجربة” لها طبيعتها الوجودية، وانطلاقاً من موقف في الوجود ومن الوجود.
إنه يصوغ عمله الفني من ذلك الاندماج الذي يتحقق بين ما يراه “رؤية العين” وما يتشكل “إحساساً” مقدّماً بروح جديدة، تنطوي على رموز وتكشف عن مضامين اكتسبتها مخيلة الفنان، من الوجود ومن مواجهة الوجود.
• الوعي واللاوعي
هل نستطيع القول عن الفنان سامي محمد إن “اللاوعي” يمارس دوره الخلاّق في عمله؟
قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن هناك “الوعي” أيضاً، الذي يدرك “به” الرغبات المقموعة، ويقدم (به ومن خلاله) تفسيره الخاص (أو رؤيته) للعلاقة بالوجود، وذلك عبر “قراءة” هذه العلاقة في واقعها – وفي ما هو متشكّل منها ذاتياً، أو متحرك بما نستطيع اعتباره “خيالاً مادياً”.
هنا يكسر الفنان خط سير الواقع – مجسداً ذلك في ما ينجزه من “تكوين” يضع فيه إحساسه كاملاً.
ayemh@hotmail.com
باحث وكاتب كويتي
النحات سامي محمد.. عالم يتوسط عالمين
arty55
لايمكن ان يختلف اثنان على ابداع النحات سامي محمد , وانا اعتبره من اعضم النحاتيين العالميين وهو من الشخصيات التي رفعت راس الكويت عاليا وذالك من خلال اعماله الاكثر من رائعه
النحات سامي محمد.. عالم يتوسط عالمين
اطلعت على عدد كبير من أعمال الفنان المبدع سامي محمد وهو فنان حقيقي جعل الإنسان رسالة في النحت والمقالة رائعة من حيث دخول الكاتب إلى عوالم الفنان .. شكرا