احتفلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بعيدها الفضي في منتصف إبريل 2008. وبهذه المناسبة منحتني المنظمة جائزة تقديرية كأحد مؤسسيها، وكأول أمين عام لها (1983-1987). وهذه الجائزة هي العشرين بين التي تشرفت بالحصول عليها من منظمات وطنية مصرية (جائزتين) وعربية (ثلاث جوائز)، وعالمية (خمسة عشر جائزة)، خلال السنوات العشر الأخيرة، وكلها تقديراً لدوري في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، مصرياً وعربياً ودولياً.
ولأنه تحديداً بسبب هذا الدور، وضعني نظام الرئيس حسني مبارك في غياهب سجونه ثلاث مرات، بتهم وجدتها محكمة النقض تهماً ملفقة، كما أثبتت في حكم تاريخي غير مسبوق، بتاريخ 18 مارس 2003، والذي لم تكتف فيه بتبرئة ساحتي، وساحة 27 آخرين من العاملين معي في مركز ابن خلدون، ولكنها ذهبت أكثر من ذلك إلى ما يُعتبر محاكمة للنظام، وإدانته، لتركيز السلطة في مؤسسة واحدة، وهي مؤسسة الرئاسة.
وقد تصادف أن زار مصر في نفس الأسبوع، الذي حصلت فيه على جائزة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اثنان من رؤساء الدول السابقين واللاحقين، واللذان كانا وما يزالان من أبطال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.
الأول، هو جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، والحاصل على جائزة نوبل للسلام (2002)، وصاحب الفضل في دعم مجهودات السلام في الشرق الأوسط والعالم، وأقوى المدافعين عن هذه القضية الفلسطينية في الساحة الأمريكية.
والثاني، هو فيكتور شيشنكو، الرئيس الحالي لجمهورية أوكرانيا، والذي فجّر وقاد “الثورة البرتقالية”، ذائعة الصيت، عام 2004، والتي أنهت الحكم الشمولي في بلاده، ودشنت انتقالاً مجيداً إلى نظام حكم ديمقراطي.
والتقى الرجلان بالرئيس حسني مبارك، حيث أثارا معه قضية حقوق الإنسان في مصر، وتحديداً ما يتعرض له أصحاب الرأي من ملاحقات قانونية، وتلفيقات، ومحاكمات صورية، تنتهي بوضع أصحابها أو التهديد بوضعهم خلف القضبان. وضمن ما ذكره الرئيسان الزائران، كل من أيمن نور، وإبراهيم عيسى، وسعد الدين إبراهيم، ومحاكمات الإخوان أمام محاكم عسكرية.
وللغرابة ولدهشة الرئيسين الزائرين، أن حسني مبارك ادعى “بالفم المليان”، أنني (سعد الدين إبراهيم) لست داعية للديمقراطية، ولا مدافع عن حقوق الإنسان، كل ما أقوم به من أنشطة، هو من أجل المال.
وأقول أن الرجلين أصابتهما الدهشة، لأن الرئيس المصري، بدى وكأنه يعيش في كوكب آخر، أو أن أجهزته قد ضللته تمام التضليل، أو خدّرته تمام التخدير.
وبعد مغادرتهما القاهرة، وتواصلهما معي حول لقائهما، تساءل الرئيسان كل على حده: هل الرئيس مبارك مُضلل، أم مُخدر؟
وكانت إجابتي: ربما الاثنان! أي أنه “ضحية التضليل والتخدير معاً”!. وعلق أحدهما، وقد استرعته كلمة “ضحية” .. بالسؤال، كيف يكون رئيسكم “ضحية”؟ ومن هو الجاني إذن؟ وكان أول اجتهاداتي، “أنها الأجهزة الأمنية”.. فقال أكثرهم خبرة بالموضوع، “لا تصدّق ذلك.. فالرئيس هو الذي يعين رؤساء هذه الأجهزة.. وهو المتحكم الأول والأخير في القرار النهائي..”
شكرت الرئيسين على اهتمامهما بإثارة قضية حقوق الإنسان في مصر مع الرئيس مبارك، رغم ازدحام جدولهما بالعديد من المسائل الأخرى. كما شكرتهما على الاهتمام بإبلاغنا بفحوى حديثهما الثنائي مع الرئيس المصري.
وواقع الأمر أن هذه نفس الاسطوانة المشروخة التي يرددها الرئيس مبارك، لكل الوفود الدولية والحقوقية التي تفتح معه قضيتي وقضيّتي أيمن نور وإبراهيم عيسى. بل أتذكر حديثاً طويلاً مع السيدة سوزان ثابت ـ مبارك، قرينة الرئيس، ويعود إلى ثلاثين عاماً مضت، حينما جاءت تطلب مني أن أكون مشرفاً عليها لرسالة الماجستير في علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وسألتها وقتها عن الموضوع الذي تريد إعداد الرسالة حوله. وسعدت وقتها أنها كانت مهتمة بدراسة ظاهرة الفقر، وكيفية حصاره وتقليصه من خلال التعليم والنشاط التطوعي. وسألتها عن استعداداتها للعمل التطوعي. ووجدت منها حماساً بالغاً. بل وأخبرتني عن شبكة من الجمعيات التي بادرت، هي وأخريات بإنشائها، “للتنمية المتكاملة”، ومن باب حب الاستطلاع سألتها عن رأي السيد النائب ـ أي زوجها حسني مبارك، الذي كان وما يزال. نائباً لرئيس الجمهورية ـ في عملها التطوعي. فأجابتني السيدة سوزان، بأنه لا يصدق أن هناك من يتطوع لوجه الله والوطن، أو من أجل قضية أخرى. ولكنها أضافت، ومع ذلك فهو (أي حسني) لا يمانع في عملها التطوعي، كتسلية بريئة، ربما أفضل من البوكر (الكوتشينة).
استرجعت هذا الحديث مع زوجة الرئيس، وتلميذتي السابقة لأنه يقدم تفسيراً، ولو جزئياً لاعتقاد حسني مبارك أن كل نشطاء حقوق الإنسان والديمقراطية، يفعلون ما يفعلونه من أجل المال، ومن أجل المال فقط. أي أن الرجل لا يصدق أن هناك من يتطوعون بوقتهم ومجهودهم، وربما حياتهم، من أجل قضية عامة، وليس من أجل منفعة خاصة!.
وقد زاملت رفيقين لحسني مبارك، جمعتني بهما صدفة السجن المشترك في مزرعة طرة (2000-2003)، وهما الوزير والنائب الأسبق توفيق عبده إسماعيل، والإعلامي والمنتج السينمائي جمال الليثي. وكانا زميلين لحسني مبارك في الكلية الحربية، وافترقت بهم الطرق، بعد التحاق حسني بكلية الطيران بعد التخرج من الحربية، وانضمام كل من توفيق عبده إسماعيل وجمال الليثي للتنظيم السري “للضباط الأحرار”. وسألتهما ألم يكن حسني ضمن هذا التنظيم فتبادلان نظرات الاستغراب للسؤال، وقال أحدهما، “وهل هذا معقول؟ إن حسني مبارك كان مثال الموظف الكفء، ولكنه لم يكن يحيد عن مقتضبات الحد الأدنى للوظيفة، حتى لا يخطأ أو يتورط!”. وقال الآخر: “لذلك، لم يكن حسني طياراً على المقاتلات الجوية، التي تتطلب المناورة، والكر والفر، وسرعة اتخاذ القرار، وكان طياراً على القاذفات، حيث لا يتخذ هو أي قرار أو مخاطرة، فقيادة أعلى في السلاح أو هيئة الأركان، هي التي تتخذ القرار، حول الهدف المطلوب قذفه، وحتى يتم قذفه، وبأي نوع من القذائف.. وما على طيار القاذفات إلا التنفيذ.. أي أنه لا يعدو أن يكون حمالاً (أي شيالاً) أو سائقاً، ينفذ ما يُطلب منه..”
مر أكثر من ربع قرن بين حديثي مع الزوجة (سوزان، 1978)، وزميليّ الدراسة (توفيق عبده إسماعيل وجمال الليثي 2002)، والرئيسين جيمي كارتر وفيكتور شيشنكو، واللذان اجتمعا بحسني مبارك في شهر أبريل 2008. ومن هذه الأحاديث، ومما قرأناه ولاحظناه ورصدناه عن حسني مبارك تتجمع خيوط شخصية الرجل الذي قذفت به الأقدار ليصبح رئيساً لمصر، ويستمر في حكمها كل هذه السنوات (27 عاماً)، ليصبح أطول ثالث حاكم لمصر ـ بعد رمسيس الثاني (حكم 44 عاماً)، ومحمد علي (حكم 40 عاماً).
فما هي هذه الملامح؟
1ـ موظف حكومي منضبط بامتياز.
2ـ إنسان حذر، حويط، لا يغامر، ولا يخاطر.
3ـ لم يشارك في حياته (80 عاماً) في أي نشاط تطوعي، ولم ينضم أبداً لجمعية أو لحزب سياسي.
4ـ لم يُنتخب لأي موقع، في أي عملية تنافسية، بل كان دائماً يتم تعينه بواسطة رئات أو قيادات أعلى.
5ـ لم يستقل في حياته من أي عمل أو موقع عينه فيه آخرون.
بهذه الملامح والمواصفات، لا غرابة أن يصعب على حسني مبارك استيعاب، أو فهم، أو قبول أشخاص يتطوعون، ويخاطرون، ويترشحون، ويضحون. ولذلك فهو لا يصدق أن هناك “عقلاء” يفعلون ذلك. فإذا أدعى أشخاص أنهم يفعلون ذلك، فلا بد أنهم “مُخبولين” أو “مأجورين”..
وكل أو معظم من يعينهم مبارك في مواقع أمنية عامة، هم أيضاً على شاكلته، أي “موظفين”، لم يتطوع أي منهم، أو ينتخب، أو يخاطر، أو يشارك في حزب أو عمل تطوعي عام في حياته. وحينما يرفعون تقاريرهم الأمنية عن النشطاء السياسيين أو الحقوقيين، فلا بد أن هناك “إنه”. و”الإنات” الجاهزة والمفضلة، هي أنهم إما “عملاء” ” لجهات خارجية، أو إجراء يتكسبون مما يفعلون من أجل المال، ومن أجل المال فقط. ولأنها نفس التركيبة، فإن مبارك يُصدق، ويكرر، نفس الاسطوانة المشروخة، حتى لرؤساء الدول الأخرى.
ومن الواضح أنه لا أحد من المعاونين، يُطلع مبارك على ما يتلقاه (سعد الدين إبراهيم) من تكريم في مشارق الأرض ومغاربها في اسطوانته المشروخة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله
semibrahim@gmail.com
مبارك وحقوق الإنسان في ربع قرن!؟نعم سيدنا الكاتب لا يوجد و لن يوجد من يقوم بعمل حتى ولو كان تطوعيا لا يهدف من خلفه الى شيء حتى ولو كان شيئا معنويا يتيح له السعادة. لا يوجد انسان على وجه الارض يقوم بعمل لأجل العمل ولا يهمه الهدف او ماذا سوف يعود عليه من ذلك العمل.. اوترى الانسان الذي يصلي لربه يصلي مجانا ام انه يطلب من ربه تفريج كربته وفي النهاية الدخول للجنة؟ وعلى ذلك قس.. نعم قد نتفق معك ان رأس النظام ربما يفسر عملك على انه ذو صفة دنيئة او انتهازية حماية لنظامه لاكن دع الحكم عليك للآخرين… قراءة المزيد ..
مبارك وحقوق الإنسان في ربع قرن!؟
غيب أن يكتب “مثقف كبير ” ( أنهم مخبولين) … الطفل الصغير فى المدرسة الإبتدائية يعرف أن صوابها ( أنهم مخبولون) … طارق حجي