ستحسم الدورة الثانية من الإنتخابات الإيرانية وزن “الباسداران” في البرلمان المقبل.
وقد عزّز الجيش الإيديولوجي للجمهورية الإسلامية سلطته السياسية والإقتصادية منذ إنتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، إلى درجة أن “قدامى الثورة” باتوا لاعباً لا سبيل إلى تجاهله قبل أي تغيير في إيران.
التقارير التالية كتبها الصحفي الفرنسي “جورج مالبرونو” (الرهينة السابق في العراق) من طهران في جريدة “الفيغارو” الفرنسية.
**
الباسداران: حكّام إيران الجدد
الصورة صفراْء. فهي تعود إلى سنة نشوب الثورة الإسلامية في 1979. ويظهر فيها “مقدّم كناني” وحفنة من “الباسداران” يحيطون ببطلهم، آية الله الخميني. وبعد 30 سنة، فإن عضو “الباسداران” السابق ما يزال ملتحياً، ولكنه يستقبل الصحفي في مكتبه بشمال طهران بصفته “رجل أعمال”. ويقول هذا المهندس، الذي تخصّص في بريطانيا بعد تسريحه أن “الباسداران” هم الذين أعادوا بناء البلاد بعد الحرب مع العراق، تلك الحرب التي أضفت عليهم الشرعية. ومن الطبيعي، إذاً، أن يكون نفوذهم كبيراً”. إن “مقدّم كناني”، وعمره 52 سنة، وهو مؤسّس حركة للدفاع عن البيئة، يمثّل هذا الفئة من حرّاس الثورة، أي المحامين والمدرّسين وأصحاب الشركات الذين تحوّلوا إلى عسكريين لإداء الواجب في وجه العدو. ويعلّق (اللبناني)”أنيس نقاّس”، الذي تحوّل هو الآخر إلى رجل أعمال أن “هذه الصفة المزدوجة تعطيهم إنفتاحاً أكبر من الملات، الذين يمثّلون العمود الفقري الآخر للنظام”. وفي العام الماضي، وقّعت شركة الهندسة التي يملكها “مقدّم كناني” عقداً مع شركة فرنسية يقع مركزها في “فيترول” لبناء خط قطار سريع بين طهران و”مشهد”، التي تقع على مسافة 700 كيلومتر شرق العاصمة. ولكن، تمّ إلغاء العقد في العام الحالي.
عزّز “الباسداران” مواقعهم في الإقتصاد منذ إنتخاب أحمدي نجاد. إن إمبراطورية الأعمال التي يملكها “الباسداران”، وإسمها “خاتم الأنبياء” تشمل بنوكاً ومشروعات سياحية وشركات هاتف محمول، ولديها حالياً أكثر من 250 ورشة صناعية، وهذا عدا 1220 مشروعاً أنجزت تنفيذها منذ العام 1990. ولكن اقتحام شركات “الباسداران”، المعفية من الضرائب، لقطاعي النفط والغاز الإستراتيجيين يثير إنتقادات حادة. ويزعم خصوم أحمدي نجاد أنه منح أصدقائه في وزارة النفط عقدي توريد بقيمة 4 مليار دولار. بدون إستدراج عطاءات. وذلك على غرار عقد بناء قسم من “مترو طهران”، وتبلغ قيمته 2،4 مليار دولار، الذي أعطي لـ”الباسداران” بدون إستدراج عطاءات.
ولكن الأهم قد يكون الجانب غير المرئي: 60 مرفأ سرّي يديرها “الحرس”. ومطار غير مفتوح للجمهور، في غرب طهران، تمرّ عبره البضائع “الحسّاسة”. وهذا إلى جانب تجارة الخمور التي تحقّق أرباحاً كبيرة إنطلاقاً من مرفأ “بندر عبّاس”، حيث يقوم “الباسداران” ببيع “كونتينر” كل يوم. ويقول رجل أعمال غربي: “حينما وصلت إلى إيران في 1991، قام أحد المنافسين باستيراد 300 آلة “أشعة إكس” بصورة مفاجئة، ولكن تبيّن لي أن الباسداران هم الذين استوردوها عبر شركة وهمية”. والفارق، الآن، هو أن “الباسداران” باتوا غير مضطرّين لاستخدام شركات وهمية. وبعد تهميشهم في عهد محمد خاتمي، يثأر الباسداران” لأنفسهم في ظل أحمدي نجاد. ويحذّر أحد المقرّبين من خاتمي من أنهم “أخذوا السلطة، وهم يشكلون خطراً على مستقبل البلاد”.
قذائف بالستية وبرنامج نووي سرّي
إن نصف الوزراء هم من قدامى “الباسداران”، أو من قدامى أجهزة الإستخبارات. وكذلك 80 نائباً في البرلمان، من أصل 290. ومن بغداد إلى بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بنيويورك، فإن حصة الباسداران” تبلغ 12 سفارة. ولكن أثمن ما يملكه الباسداران” هو السيطرة العملياتية التي يمارسونها على برنامج قذائف “شهاب” البالستية، القادرة على الوصول إلى إسرائيل، وعلى البرنامج النووي العسكري، الذي يشكّل أساس النزاع مع الغرب.
ويقول ديبلوماسي في طهران: “الذرة تشكل أحد محاور الصراع على السلطة بين مختلف الأجنحة الإيرانية. وبسيطرتهم على الذرة، فإن “الباسداران” يعدّلون توازن القوى لصالحهم إزاء الملات، الذين يستندون إلى ولاية الفقيه“- هذا المبدأ الذي يشكّل أحد أركان النظام الإيراني، والذي يفترض أن الديني يعلو على الدنيوي.
لا بدّ أن الخميني، الذين كان قد أوصاهم عشية موته بعدم التعاطي بالسياسة، يتقّلب في قبره! ولكن، إذا كان”الباسداران” قد وصلوا إلى قمة السلطة، فإن حافزهم هو الدفاع عن هدف واحد: مقاومة أي تقّدم ديمقراطي يعرّض الجمهورية الإسلامية للخطر. وكان “الباسداران” قد خرجوا مرّتين عن تحفّظهم في عهد خاتمي، ووجّهوا تحذيرات شديدة اللهجة. فأثناء الإضطرابات الطلابية في العام 1999، أصدر 24 من قادة “الباسداران” بياناً حذّروا فيه من أنه “لم يعد يسعهم أن يتحمّلوا” مزيداً من القلاقل. وفي 8 مايو 2004، بعد ساعات من الإفتتاح الرسمي لمطار الإمام الخميني في طهران، قامت وحدة من “الباسداران” بإقفال هذا المطار بذريعة “تهديد أمن” البلاد الذي يتمثّل في تكليف شركة تركية (بالشراكة مع مؤسسة إيرانية) بإدارة المطار. والواقع أن الحرس كانوا يخشون أن يفقدوا سيطرتهم على عمليات التهريب. وفي هاتين الحالتين، لم تتحرّك أية جهة للإحتجاج على سلوك “الباسداران”.
“حساب خاطئ”
لكن الخروج من الظلّ في عهد أحمدي نجاد عرّض مؤسّسة “الباسداران” للعقوبات الدولية. وسواء في “مترو طهران” أو في قطاع النفط، لم يعد بوسع “الباسداران” إنجاز المشروعات التي فازوا بعقودها بدون الإعتمادات الخارجية التي باتوا محرومين منها. وعلى سبيل المثال، اضطر بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي، في العام الماضي، للإنسحاب من مشروع تطوير حقل غاز “بارس” العملاق، الذي رسا عطاؤه على “الباسداران”. وتزعم الولايات المتحدة، التي وضعتهم على قائمة المنظمات الإرهابية، أن “التعامل التجاري معهم هو من نوع التعامل مع إرهابيين”. ويردّ المحلّل الإيراني، “أمير طاهري”، بأن ذلك يمثّل “حساباً خاطئاً” من جانب الأميركيين، ويوصي باعتماد سياسة أكثر إنتقائية. وهو يزعم أن بعضهم له الفضل في تراجع علل إجتماعية مثل الفساد. وبدلاً من النظر إليهم كمشروع “إنقلاب عسكري”، فإن بعض المحللين يعتبرونهم الوحيدين القادرين على تحقيق أي “إنفتاح” في النظام السياسي. ويقول المحلل الفرنسي “برناد أوركاد” (Bernard Hourcade) أنه “بفضل ماضيهم العسكري، فإن أشخاصاً مثل محافظ طهران، محمد قاليباف، قادرون على تطبيع العلاقات مع الغرب. وعلى النقيض من خاتمي، فإنهم يملكون وسائط تنفيذ سياستهم البراغماتية”. أي أنهم حرس لثورة تتّجه إلى التغيير.
**
**
“قدامى الثورة” منقمسون إزاء أحمدي نجاد
يندّد المسؤولون الأكثر واقعية في “الباسداران” بالإستفزازات التي يقوم بها رئيسهم، ولا يتّخذون موقفاً مناوئاً لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
مع أن أحداً في طهران لا يعتقد بإمكانية حدوث ضربات أميركية أو إسرائيلية للمنشآت النووية، فسيتمّ نشر 600 وحدة خاصة من “الباسداران” في أنحاء البلاد. ورغم الإنتقادات التي تطال إمتيازاتهم- راتب الجنرال “الباسداران” يوازي ضعف راتب الجنرال في الجيش النظامي-، فالتهديدات التي تتعرّض لها البلاد تجعل منهم حصناً لا غنى عنها لأمن إيران.
وهذا سبب التغييرات التي طرأت في الصيف الماضي، حينما اندمج “الباسداران” مع ميليشيا “الباسيدج”، التي كان ينتمي إليها أحمدي نجاد. إن هدف عملية الإندماج هو تحول قوة “الباسيدج”، وتضمّ 90 ألف شاباً، مكلّفين بأعمال الشرطة الإجتماعية، إلى قوة عسكرية محترفة ومتأهبة لمواجهة هجوم خارجي. ويقول مراقب أجنبي: “في حال وقوع هجوم، فإن كل كتيبة من “الباسيدج” تعرف وحدة “الباسداران” التي ينبغي لها الإلتحاق بها”.
وبعد 6 سنوات من الخدمة، اضطرّ قائد “الباسداران”، “رحيم صفوي”، لمغادرة منصبه لصالح “محمد علي جعفري”. ويؤكّد صحفي إيراني أن السبب هو أن “مرشد الثورة لم يحمل قادراً على تحمّل النزاعات بين أحمدي نجاد وصفوي في حين تتعرّض البلاد لتهديد بهجوم أميركي”.
حالات فرار إلى الخارج وحوادث غامضة
هل يبدي “الباسداران” كلهم إستعداداً للقتال دفاعاً عن “الإستفزازي” أحمدي نجاد؟ ذلك ليس مؤكّداً. فبعضهم، مثل الجنرال “علي أصغري”، فرّ إلى الولايات المتحدة. واختار سواه الإنتقال إلى “دبي”، حيث يمارسون الأعمال التجارية. وما تزال عدد من حوادث سقوط “هليكوبترات “الباسداران” بدون تفسير حتى الآن! ويقول الباحث الفرنسي “برنارد أوركاد” أن “تنوّع “الباسداران” يعبّر عن تنوّع المجتمع الإيراني، ويتراوح بين الليبراليين المعجبين بالغرب والمتطرّفين الإسلاميين”. وميدانياً، تتمتّع وحدات “الباسداران” باستقلالية كبيرة. على سبيل المثال، عملية أسر 15 بحّاراً بريطانياً في العام الماضي كانت بأوامر صادرة عن قائد وحدة باسداران في الخليج.
ويقول أحد المقرّبين من قائد “الباسداران” الأسبق “محسن رضائي” أن كتلتين تتصارعان في قيادة الحرس: “الجنرالات الذين حاربوا ضد العراق، والذين يتمتعون بشرعية تاريخية، مثل محافظ طهران، محمد قاليباف، وقاسم سليماني (رئيس “قوة القدس”)، ومحسن رضائي، ورحيم صفوي، وكذلك وزير الدفاع الأسبق “علي شمخاني“، يحتقرون أحمدي نجاد. ويضاف إليهم جنرالات أقل أهمية ولكن أكثر تعاطياً للسياسة مثل وزير التوجيه الإسلامي “محمد صفّار”، ومسؤول جريدة “كيهان” المحافظة، “حسين شريعتمداري”، ووزير الدفاع “مصطفى نجّار”، وشقيق الرئيس “داوود أحمدي نجاد”، ووزير الطاقة “برويز فتّاح“.
وتضم الكتلة الثانية أصدقاء أحمدي نجاد. ويقول أحد العارفين أن هذه الكتلة “تسمح له باستخدام إسم “الباسداران” للحصول على دعم رجال الدين، الذين يتخوّفون على مستقبل النظام”. ولكن الخلافات عميقة في صفوف “قدامى الثورة”. ويقول “مقدّم كناني” أن “قاليباف وأصدقاءه ليسوا ضد التفاوض مع الولايات المتحدة”. ويضيف أن الباسداران “الواقعيين” يسعون إلى “علاقة سلمية مع بقية العالم”. وحول الملفّ النووي، “فإنهم يوصون باعتماد موقف وسيط بين الإستعداد للتفاوض الذي ينادي به الإصلاحيون والنيّة السيئة التي يعبّر عنها أحمدي نجاد”.
**
الباسداران بالأرقام: 500 ألف رجل، وقوات نخبة تضم 120 ألف رجلاً
تأسّست قوة “الباسداران” مباشرة بعد ثورة 1979، وهي تضم 500 ألف عنصراً، بينهم فوج نخبة من 120 ألف رجل، وتشتمل على مجنّدين ومتطوعين يخضعون جمياً لأوامر الحكومة والمرشد الأعلى. ويتألف هذا الجيش العقائدي من قوة عسكرية تقليدية تضم 3 فرق (برّ، بحر، جو) وقرع خاصة للعمليات السياسية داخل البلاد وخارجها. وهذا الفرع الخاص هو “قوة القدس” التي تساند “حزب الله” في لبنان، و”حماس”، وشيعة العراق.
يدير الجنرال “قاسم سليماني” “قوة القدس”، التي تتّهمها الولايات المتحدة بتوفير الأسلحة للإرهابيين في أنحاء العالم. وحسب الخبير العسكري “أوبير بريتش (Hubert Britsch)، فإن “امتلاك الباسداران لحوالي 1000 قارب مسلّح بينها بضع مئات من قوارب الهجوم السريعة يعطيهم وسائط مناسبة لممارسة أعمال ثأرية محدودة ضد المصالح الأميركية في الخليج وللقيام بعمليات حرب عصابات في مضيق هرمز”.كما يضم “الباسداران” قوة مضادة لأعمال الشغب قادرة على قمع المظاهرات في حال تردّد الشرطة في القيام بهذه المهمة، ولديهم جهاز إستخبارات خاصّاً بهم، وهذا عدا أنهم يؤمّنون حماية الكثير من الشخصيات العامة.
بيار عقل
الباسداران: حكّام إيران الجددجهاز المخابرات -خالص جلبي ليس من جهاز يرتعب منه الناس مثل المخابرات والمباحث، وليس من جهاز حيوي مقدس للحياة مثل جهاز المخابرات، فلو لا جهاز المخابرات ما نام الناس ولا تزوجوا ولا بنوا الحضارة. وكما جعل الله لنا أيدي نبطش بها وأرجل انمشي بها وأعينا نبصر بها وآذانا نسمع بها فإن للدولة آذانا وأيدا وسيقانا وأذرعا، ووظيفة الدولة الأولى هي توفير الأمن للأفراد؛ وذراعها في ذلك المزدوج هو الجيش والمخابرات. ويشبهها في ذلك الجسم البشري، فهي في الجسم الجهاز الحسي والحركي، ومركز الحس فص الدماغ الصدغي، ومركز الحركة الفص الجداري، وفي النخاع القرون الأمامية للحركة، والخلفية لحبال… قراءة المزيد ..