مؤتمر القمة العربي مناسبة عابرة ومكررة كاعياد العرب ومواسمهم المملة خالية المعاني، لا يرجي شيئ منه سوي سخرية تفوق سابقيه. اصحاب المضيفة، في دمشق قلعة الاسود، متحمسين لرفع رايات العزة والكرامة العربية التي لم ترفع الا بقدر ما أهانت المثقف بعد زيارات الفجر. وبعضهم ذاهب الي قلعة بديلة لقلعة بغداد المنهارة. وبعضهم سيذهب لقضاء حاجة أو واجب يصعب تاجيله أو للتسول من اغنياء المؤتمر. وسيحضر من ليس لديه قوله سوي حسبي الله ونعم الوكيل. وربما تشجع احدهم وقال الصدق وتمتم ” شكر الله سعيكم، “لا ارانا الله عربا بعد اليوم” ولا عزاء للسيدات لانهن معطلات في بيوتهن تعففا وحشمة.
فمن عادة العرب الا يتحدثوا فيما هم فيه مختلفون. علاقاتهم افقيا وراسيا، محليا وعالميا، مشكوك في صدقيتها. إنهم مختلفون في كل شئ لكنهم مصممون علي انهم امة واحده. فالحقيقة آخر ما يخطر علي بال العربي لكونها مؤجلة اسلاميا الي يوم الدين مما جعله دينا عربيا بجدارة. حقائق العرب علي الارض اغتصابات متبادلة، اغتصاب المشايخ لعقول البسطاء الايمانية واغتصاب الحكام لحرية المواطنين واغتصاب نظم لنظم سياسيا وثقافيا وايديولوجيا. فياتي بوش الاب لمعالجة الحقيقة في الكويت ثم بوش الابن في العراق فيطلق أحد الاعراب عليه اسم ” المحرر ابن المحرر”. في لبنان حاليا ينتظرون المحرر ليحررهم من اخيهم العربي. فالعرب يقولون بالاخوة شرط ممارسة الاستحلال والاغتصاب. وعند الفشل يستدعي بعضهم الفرس والايرانيين لافتراع بكارة العروبة لتصل الي الاحشاء في لبنان. بينما العبث الوهابي المكبوت دينيا يمتد الي المناطق الامنة الاخري.
علي هذه الارضية تكررت مصائبنا في الشرق الاوسط. ولم يعد ممكنا التعيش مع هذه الاوضاع الا بالانكار بانها خلافات أخوه. فتسدل الستائر باصدار مواثيق الاعلام وتشتري ذمم الفضائيات وتحاصر مصادر المعلومات. فرغم كل الاجراءات العربية عرف كثيرون كيف وجهت الدعوة لمؤتمر القمة الحالي لكبير شيوخ العرب وحملها مسؤول الهلال الاحمر كرمز لسيارة اسعاف عبرت بصدق عن الحالة العربيه ربما بعد فوات الاوان. فالعالم قرر الا يقدم شيئا للعرب. مؤخرا زارت ميركل المستشارة الالمانية اسرائيل ولم تتصل باي جهة فلسطينية. آمن الالمان بالقول ” الحي افضل من الميت”. واعتذروا بدموع غزيرة عن الهولوكوست ولم يذكروا ما يجري في غزة.
يقول ريتشارد جروسمان، السياسي المعاصر لحرب السويس ” لسنوات عده ظننا نحن البريطانيين اننا نحمل مهمة حضارية لنعلم العرب اساليب الديموقراطية البريطانية”. لكن العرب يثبتوا دائما بانهم ليسوا بحاجة اليها ولا لاي شئ سوي الغذاء والكساء والامن وكل وسائل المتعة.
مأزق العرب انه لا سند لهم عالميا. العالم لا يقبل الطفيلين ولا يسمح بشئ مجاني، فالعرب لهم مطالب لكن جدارتهم بما يطالبون به موضع شك. فلا يمكن اعتبار الشعوب رعايا وتوابع لا صلاحية لهم ثم تطالب الحكومات بمصلحة السلطات ولا تعتقد أن شعوبها ثروة. حدد سايكس وبيكو للعرب مساحات جغرافية تسمي اوطانا لاول مرة في تاريخهم. ثم جاء الامريكان بكل زخمهم التكنولوجي والعلمي ليكون للعرب ثروة طائلة بدلا من نظام الجزية والجباية وتصبح المنطقة تعج بالغني. لقد لبي العالم مطالب العرب، فماذا قدم العرب سوي الفقر في الثقافة والفكر.
كان انقسامهم واضحا بين مداهنة الحلفاء او مداهنة النازية. فأمين الحسيني دعي لهتلر بالنصر من فوق منبر مسجد برلين في الحرب العالمية الثانية. بعدها تعلقت القومية العربية بالاتحاد السوفييتي متطفلين عليه منافقين له دعما لسلطانهم وليس قناعة بايديولوجيته. كان العرب بمجموعهم منقسمين بين ولهان في حب الغرب الانجلو ساكسوني او شتام له وبين مداهن للاتحاد السوفيتي ومحاربا لشيوعيته جهرا او في الخفاء. كان موت المثقفين من اليسار بابشع الوسائل تصل لعبد الناصر أثناء لقائه باصدقائه من قاده العالم الثالث وعدم الانحياز كرسالة ولاء للعالم الاول.
الحيرة التي تصيب القارئ لتاريخ العرب انهم يعملون بدون فكر واضح وفلسفة محدده إنما بعقلية المؤامرة. فهم يبدؤون بالمطالب بينما يعطلون طاقتهم الداخلية. وهو امر موروث من زمن التعول علي شعوب المنطقة منذ الفتح. لكن مشكلتهم الحقيقية هي غياب الفكر كاساس للعمل، فلا عمل دون فكر. فالعرب لم يظهروا الي واقع التاريخ الا بحجة الاسلام. أي عبر صراع العقائد وليس خلال ضمان البحث عن المستقبل. فأن يتصدر الاسلام ساحة الحوار أو الصراع تجعل لحظة التوازن بين الاطراف مستحيلة فالطرف الآخر علماني لا يضع لنصوص الاديان اعتبارا. ولا يتخذها برهانا. فلو بحثنا عن مصدر كل ما هو فكر عربي لما وجدنا سوي الجاهلية والشعر الجاهلي. أما في الاسلام فالقرآن ذاته فهو في حاجة دائمة الي التفسير كلما تغيرت الاحوال وتبدلت الامور وما اكثرها وتتابعها. بمعني انه وتفسيره الخاص به اصبح تابعا للاحداث وليس قائدا أو مشاركا فيها. فهو كسلاح يصلح دائما للحظة الماضية وليس للمستقبل. فالنص نظريا يفسر لتبرير احداثا وقعت ولا يستشرف مستقبل قادم. عمليا هو في حاجة دائمة لمن يشرح. فاعتماد الاسلام كمتحدث ومحاور او العروبة كايديولوجيا ينفي قدرتنا علي فهم ما يجري. فرغم حفظ الناس للقرآن فهو يحتاج دائما لمشايخ تبحث عنهم السلطة لاقناع ما يردده الناس حفظا. أي ان عقل المسلم دائما خارجه. لهذا تتحرك الجماهير عمياء وراء كل من يؤججها ويشحن عواطفها وحسب تفسيره هو. بعد الكارثة ياتي الصحفي المؤدلج قوميا ليشرح ان الامر مجرد نكسة!! ويسجد الشيخ حمدا لله، فيصدق الحافظون للنص المفتقدين للمعني.
جاء النص وتفسير الاوائل له ليتفق ومفاهيم جاهلية العرب، وإلا لما قبلوه. وفسروه زمن الامويين، واضافوا احاديث لتتفق وذلك العصر وتكرر الامر مع العباسيين وغيرهم. الان يقوم بالمهمة مشايخ مدعومون من القادة المختلفون في مؤتمرات القمة، فتتنوع فوضي الفتاوي وخرافات المفسرين. ويسعي بعض رجال الدين والدعاه بفقرهم العلمي الشديد لتوفيق النص مع منجزات العصر (الحقيقة العلمية ) مثلما يحاول القاده توفيق اوضاعهم مع القوي العالمية ( الحقيقة التاريخية) كل بلا جدوي. فالسياسي والديني يتحايلون، جميعهم مختلفين وفي ذيل الاحداث.
نري فوضي العروبة في القمة ونري فوضي معاني النص بين الدعاه. فكلما سارع مفسر ليتفق مع ما يستجد اسرع العلم والعالم الي الامام لتلهث السلطات ورائه بمفسرون جدد. اليست الصورة مشابهه لصورة مؤتمرات القمة؟ ولنتذكر كيف كان الاسلام راسماليا وتحول الي الاشتراكية برفع الناس درجات وبين سواسية الناس بالتقوي. وكيف كانت اللاءات ثم المبادرات … الخ. قام النص الديني دائما بتبرير سلوكيات العرب. فهل ضعف العرب كامنا في طبيعتهم التي املت عليهم اسلوبا اسلاميا تابعا؟ أم انهم طوعوه عربيا؟ وهل الاسلام كدين عربي يصلح لباقي الاعراق والحضارات؟
صدقية العرب وقدرتهم للتقدم، محل رثاء. ينظر باقي العالم اليهم ويقول ” لا هم حلفاء حقيقيون ولا هم اعداء شرفاء”. يقودهم فكر لو سلمنا به لاصبحنا متخلفين مثلهم. سرعان ما يتحولوا من النقيض الي النقيض بينما العالم لا هدف امامه سوي الامام. يري العالم معارك العرب داخليا اعلي صوتا، وقرقعة مؤتمراتهم اشد ضجيجا بتحريك المحرمات والمقدسات كآخر ورقة توت خصفوا بها علي عوراتهم حتي وصلوا الي احداث الحادي عشر من سبتمبر.
هنا يمكن فهم لماذا بدات حروب اخري كالصور الدانمركية او مواقع السب في الاسلام وتشويهه. فالاسلام ادخله العرب في الحرب مرات عده ليكون سلاحا في اليد الامريكية بالتحالف السري معها لحرب السوفييت انتهاءا بافغانستان بعد استخدامه كساتر ضبابي يمكن به تمرير نتائج حرب 1973. فالاسلام كاداه حرب بات عرضة لتهكم الاخرين، بعد انتهاء صلاحيته لصالحهم. أما بعد 11 سبتمبرفقد جعله العرب بلا قدسية، فهل يدرك العرب لماذا خرجت الرسوم الدانمركية؟ كان كسلاح وليس دينا أضر بالسوفييت والامريكان وباهل الداخل، فماذا يتوقع العرب، ومن الذي وضعه موضع الاهانة؟
كان إعاده النشر علي نطاق اوسع هذه المرة، فالعالم يري المنطقة باسرها تعج بالاسلام مع اغتصاب عربي او استباحة اسلامية، لا حريات بها، افضل عناصرها الابداعية مطروده في الخارج. نصر ابو زيد، نوال السعداوي، احمد زويل، مجدي يعقوب، أحمد صبحي منصور. ومن فضل البقاء طالته رصاصات الغدر او سكين في الرقبة كفرج فوده ونجيب محفوظ. او بالتهديد والوعيد كسيد القمني وسعيد العشماوي. فإذا كان السلاح الاخير للعرب بهذا العسف ضد اهله فهل من مردود له عند الغرب إذا ما احتضنه وأواه؟ وهل ستتصارح النظم بمشاكلها في القمة أم سيظلوا أخوه يستبيح الكبير الصغير ويطالبون باحترام الاديان وما لا يستطع معه العالم صبرا؟
elbadryk@gmail.com
* القاهرة