على ضوء ما نشر في تقرير وزارة الداخلية في سوريا عن حصيلة 2007 من القتلى والجرحى والخسائر المادية، يتضح بكل بساطة إننا من (الدول المتقدمة) في عدد ضحايا حوادث السير، والمتخلفة (فوق ما نحن فيه من تخلف بكل المجالات) في كبح جماح هذا الموت المجاني على الطرقات..
وجاء في التقرير المذكور، بان الخمس سنوات الأخيرة زادت الحوادث بنسبة 30% عما كانت عليه في سنة 2001، حيث سجلت في سنة 2007 فقط 26433 حادثاً نجم عنه وفاة 2595 شخصاً وجرح 15002 شخصاً ويتبين من هذه الأرقام بأن الزيادة في عدد الآليات من كل الأنواع، لم يرافقها تحديث في شبكة الطرق وعقد المواصلات في سوريا بشكل مقبول، كونها بلد (التطوير والتحديث) بلا منازع؟؟ والتي لم تؤخذ عملياً هذه العبارة، إلا في سياق التراكم المعهود للشعارات فقط!!
فإذا أخذنا مقطعاً أفقياً لمآسي حوادث الطرق في محافظة السويداء، فسنكون أمام تراجيديا سوداء، لم تتغير ملامحها منذ سنوات؟؟ وكأن قدر أهل المحافظة، كباقي سكان القطر، في توقع دائم لمجزرة مروعة في كل يوم تشرق فيه الشمس؟؟ حتى أضحى كل راكب يسافر في أي من وسائط النقل أن يفكر ملياً بكتابة وصيته قبل قيام الرحلة!! والمحزن في كل الحوادث التي تحصل بأنها متكررة بنفس الظروف ونفس الأسباب؟؟ وككل قصص الحوادث التي تنتهي بعبارات لا تزيد إلا الحزن حزناً: القدر محتوم!! والمكتوب ما منه مهروب!! وان لله وان إليه لراجعون!!..
وقلّ أن فتش أحد من المسؤولين عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء كل هذه الحوادث، لتلافيها مستقبلا أو لمنع تكرارها إن أمكن، وخاصة في التقاطعات والعقد المرورية والتي تقبض النفس حين عبورها؟؟ وللتذكير بمواقعها فقط للإشارة إلى خطورتها!!.. عقدة تقاطع اتوتسراد دمشق – السويداء مع مفرق أم الزيتون في موقعين منها، والمؤسف في الأمر عند البدء بمعالجة التقاطعات المرورية الكثيرة في المحافظة، تناساه المسؤولين من خطة الحلول المقترحة لتخفيف حمامات الدم الكثيرة على جناباته.. ولا مجال للتذكير بعدد الحوادث عليه، وأخرها حادث مروع منذ مدة قصيرة حصد ما يقارب العشرين ضحية أكثرهم من المجندين الشباب في سيارة نقل عسكرية؟؟ وللأسف أكثر ضحايا حوادث المرور من فئة الشباب!!
ونتابع صعوداً في طريق الموت هذا؟؟ حتى تقاطع (عقدة العقد)، الاتوستراد الرئيسي مع مفرق شهبا – ومفرق شقا – والفرن الآلي – ومحطة المحروقات – وموقع الشرطة العسكرية.. وكل هذه الزحمة تسيّر بقدرة قادر وبدون أي رقيب من شرطة المرور؟؟
والمفارقة بهذه العقدة الشهيرة، بان العمل بدأ لتنفيذ جسر عليها منذ أكثر من سنتين والمدة المحددة باللوحة المكتوبة بجانب الطريق انتهت في العام الماضي والمنجز هو هيكل الجسر فقط، والسبب إن أمر المباشرة بالعمل لم يأخذه المقاول حتى الآن؟؟ لماذا؟؟ يقولون إن السبب في ذلك: بأنه لم تنجز مسألة الاستملاك للأراضي المجاورة للجسر المنشود؟؟ لنتساءل: هل أضحت قيمة الأرض تضاهي بل تزيد عن قيمة الإنسان في بلدنا؟؟ الذي إلى الآن لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل كل القيمين على المسائل التي تهم سلامته المرورية.. وكأن تسوية قضايا الاستملاك تبحث في قارة أخرى ولصعوبتها تستلزم وقتاً قد يمتد لأكثر من خمس سنوات. وكأن أمر المباشرة بإنشاء الجسر والعقدة ماهو إلا تسكين وتخدير طويل الأجل لأهل المنطقة، وهذا الحال يشمل كل التوسيعات التي يعمل بها في طريق دمشق السويداء منذ حادث مفرق لاهثة الذي حصد أكثر من خمسين شخصاً بين قتيل وجريح؟؟
ولن نتكلم عن العقد والمشاكل الأخرى في هذا الطريق كونها متشابهة.
وبالعودة إلى دراسة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة الحوادث إلى هذا الحد يعود لأمور عديدة، منها، يتمثل بدور السلطة التنفيذية وصلاحيتها كونها المنفذ لسياسات كثيرة غالباً ما تكون في غير الصالح العام وذلك تحقيقا لرغبة أفراد يحتكرون كل المناقصات والمشاريع الصغيرة والكبيرة، حتى أصبحوا نجوماً لامعة في عالم المقاولات وما فيها من خفايا يتم التستر عليها من قبل كل المعنيين في السلطة؟؟
وسبب آخر هو الازدياد الكبير الحاصل في عدد المركبات العامة والخاصة، وحاجة أجزاء كبيرة من الشبكة الطرقية للصيانة وإعادة النظر في تصاميمها بما ينسجم وقواعد السلامة الطرقية والمرورية المطبقة عالمياً.
وقد يأتي العامل البشري تالياً. سواء ما يتعلق بواجبات السائقين تجاه مركباتهم وتقيدهم بقوانين السير المحددة من جهة وبالتزام المشاة والعابرين على الطرقات من جهة أخرى، من خلال إقامة جسور معلقة أو أنفاق مرورية تسهل عبورهم.
ولا بد لنا من التطرق لمسألة مراقبة الطريق السريع من قبل شرطة المرور بالمحافظة ويتمثل من قبلها بتسيير دورية رادار متجولة، كل عملها نصب (كمائن تخفي) متنقلة للسائقين الذين لا يعرفون الطريق، وهذه الدورية اليتيمة تركت كل طريق دمشق السويداء وعقده الكثيرة، و(عََبَدَتْ) قريتي سليم وعتيل؟؟ وللمفارقة أصبحت أية إشارة من أحد السائقين الذين تباركوا بمشاهدتها إلى الآخرين، حتى يعرف تماماً وبدقة إحداثيات مكان الدورية و(الفخ المنصوب لهم)، وكأن الهدف من الدورية والرادار زيادة عدد المخالفات فقط، وليس سلامة المواطنين. وفوق هذا يدعي أفراد الدورية بأن الكاميرا معطلة عن العمل منذ أكثر من سنتين، والذي يحصل هو سجل يدوي وعيني لأرقام الآليات التي تزيد سرعتها عن المحدد داخل القرى المنكوبة بطريق دمشق السويداء وبشكل قد يكون عشوائي في كثير من الأحيان؟؟ وللعلم إن حصيلة (أسبوع واحد) من التصوير بهذا الشكل، لا يكفي إصلاح كاميرا الرادار فقط!! بل قد يشتري سيارة مرور جديدة بكل تجهيزاتها؟؟ فلماذا إذن لم يجر العمل إلى الآن على إصلاحها؟؟؟
ولابد من الإشارة إلى الحوادث الكثيرة التي تسببها الدراجات النارية وسياسة غض النظر المتبعة من قبل الشرطة تجاهها، وان نظرة سريعة للمار بجانب مرآب إدارة المرور، والنظر إلى حظيرة الدراجات المصادرة وتقدير عددها الذي يتجاوز 500 دراجة كحد أدنى، وقيمتها، وأنواعها، وموديلاتها، يتساءل المرء ببساطة طفولية: كيف دخلت هذه الدرجات المخالفة إلى القطر؟؟ ومن الذي أدخلها؟؟ ومن الذي ساعد بإدخالها؟؟ سيكتشف عندها إن سياسة الفساد المتبعة في هذا الأمر وغبره من قبل المسؤولين في السلطة جاوز حدود المنطق والمعقول إلى أن وصل في نهاية المطاف إلى حياة أولادنا ومستقبلهم وان التستر عليها آفة يتجاوز خطرها الشباب فقط بل يمتد إلى كل شرائح المجتمع؟؟
وهناك أمر بغاية الأهمية وهو تأهيل السائقين بشكل صحيح والتشدد في منح شهادات السوق بكل فئاتها، وملاحقة جادة في أية مخالفة، وان يكون هناك رادع حقيقي إزاء مرتكبي الحوادث بدءً من سحب الرخصة مؤقتاً حتى سحبها بشكل نهائي عند تكرار الحادثة، وان يتضمن قانون السير المزمع صدوره، عقوبات حقيقية تتضمن السجن لمدة تتناسب مع الجرم الذي وقع لمن تسبب بحادث قاتل، وان تبتعد الوساطات والحلول العشائرية عن حوادث القتل المرورية، وان يكون القانون الجديد حضاري بكل معنى الكلمة ليتناسب مع متطلبات العصر، إضافة إلى قانون حماية وتصنيف الطرق ومنع التعديات عليها وتحويلها إلى اتوتسرادات حديثة منارة بشكل صحيح، مع تعاون كل الوزارات (المواصلات والكهرباء والهاتف والري) في كل مراحل التخطيط للطرق خوفاً من تضارب العمل فيما بينها، وعندها لن يكون إلا التعطيل وإطالة أمد كل المشاريع الطرقية، والأمثلة كثيرة؟؟
marwanhamza@maktoob.com
شهبا – السويداء
طرقات.. للموت السريع في سورياد. هشام النشواتي كما قيل (التعليم في الدول العربية متخلف عما هو عليه في دول نامية أخرى وهو يعرقل النمو الاقتصادي كما جاء في تقرير للبنك الدولي، ذلك ما تطرقت إليه صحيفة إلباييس الإسبانية بعنوان “الدول العربية في آخر ركب التعليم بالعالم الثالث”. التقرير الذي يقع في 359 صفحة بعنوان “شوط لم يقطع بعد” حول التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرى أن إصلاح التعليم أولوية لتحقيق الانطلاق الاقتصادي وتخفيض البطالة في منطقة تحتاج إلى إيجاد مائة مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر أو الـ15 القادمة. التقرير يلتقي مع تقارير أخرى أصدرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة… قراءة المزيد ..
طرقات.. للموت السريع في سوريا
يمننا بشار بأنه فقد في لبنان 12000 عسكري في سبيل ضبط الأمن والكرامة العربية بينما يموت سنوياً ربع هذا العدد في حوادث السير ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
طرقات.. للموت السريع في سوريا
سمَّ لي، حضرة الكاتب المحترم، ولو ذرّة واحدة في هواء سوريا تنطق بغير الموت، في عصر عصابة القنل واللصوصية المتسلطنة فيها. أضحت سوريا مساحة موت مطلقة، جليداً مقزّزاً، تسمّرت فيه مصعوقة بالوباء الذي نعرف. إذاً، الطراقات السريعة وضحاياها… حين يكون الموت مات في سوريا.