بعد الحيوانات التي كثر استعمالها لوصف الآخرين في الخطاب العوني نصل الان إلى مرحلة يستعمل فيها الحركات التحقيرية في شتم اخصامه الفعليين والرمزيين الأحياء والأموات بلا تفريق. آخر اكتشافاته أن الرئيس اللبناني يعين بناء على تجشوء السلطة الأجنبية النافذة. وفي تصريح له امس قال حرفيا “لنراجع قليلا تاريخ هذه الرئاسة في لبنان: الرئاسة الأولى التي حصلت أيام الحلفاء، كان الصراع انكليزيا- فرنسيا، وكان ميزان القوى لصالح الانكليز فربح الشيخ بشارة الخوري وسقط اميل اده. ومنذ ذلك الوقت، كانت السلطة الأجنبية النافذة “تتجشأ” فيظهر اسم الرئيس ويذهبون إلى مجلس النواب وينتخبونه. هكذا صارت على مدى الأيام حتى وصلنا إلى هذا الاستحقاق، كل من كان مسؤولا عن لبنان و”يتجشأ” اسم رئيس كان النواب جميعهم يتقيدون به”.
طبعا في هذا الكلام هناك عدة عناصر تحقيرية للرئاسة ولكن ايضا للبنانيين والمؤسسات التي باشروا بها استقلالهم وأطّرت لشؤونهم العامة إلى هذا الحد او ذاك منذ ذلك الحين. ففي هذا القول انكار اولا لاي صفة وطنية وتمثيلية للرئيس يتزامن مع انكار أي نسبة من التمثيلية للنواب الذين يتقيدون وفق الجنرال بكل اسم تتجشأ به السلطة الأجنبية النافذة. وللدلالة على هذا الحكم العوني التحقيري الشامل على الاستقلال ومؤسساته، يقدم الجنرال نجاح الرئيس بشارة الخوري كمثال اول ليستطرد إلى جملة من اتوا بعده من الرؤساء الذين تجشأتهم، وفق ما يقول، السلطة الأجنبية النافذة وصادق على انتخابهم نواب يبصمون على خيار هذه القوة.
ليس هنالك من يقول أن القوى الكبرى والاقليمية لم ولن تتدخل في لبنان او في غيره من بلدان المنطقة خاصة في عالم يزيد عولمة وفي منطقة ذات اهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة وشهدت وتشهد صراعات كبرى ومعقدة. ولكن هذا التدخل خارج لحظات السيطرة العسكرية والامنية المباشرة على لبنان لم يكن يتم إلا على قاعدة تقاطعات بين تجمعات سياسية واهلية لبنانية وبين هذه القوى في لحظة معينة. وعلى العكس، فاللوم السائد الموجه إلى سياسيي لبنان وتجمعاته الاهلية هو بالضبط ما يقال عن انهما ساذجان بسبب اعتقادهما انه يمكنهما استخدام هذه التقاطعات في اتجاه واحد لمصلحتهما دون مصلحة هذه القوى. وهذا اللوم مرادف للوم الشائع للبنانيين بسبب ما ينسب اليهم من اعتقاد انهم مركز الكون. الامر الذي ينجم عنه استسهال عقد الصفقات الرابحة في مطالعها والخاسرة غالبا في خواتيمها وتغيير التحالفات. وإذا كان من لوم جوهري في هذا السلوك فهو ذلك المتصل باستسهال القفز فوق الأحكام الدستورية والقانونية وفوق المؤسسات.
ولذلك فالادعاء أن كل المؤسسات بما فيها الرئاسة والمجلس النيابي ليست إلا تعبيرا اوتوماتيكيا عن رغبة القوة الأجنبية النافذة ليس فيه شيء من النزاهة ولا من التاريخية. إذ ليس من التاريخية والنزاهة في شيء تجاهل أن بشارة الخوري كان ضمن تحالف عابر للطوائف يتمتع بقاعدة شعبية ونيابية حقيقية ولديه وجهة نظر في خريطة الطريق المؤدية إلى الاستقلال وفي طبيعة السلطة الاستقلالية وفي حدود العلاقة التي يجب أن تكون مع سلطة الانتداب السابقة ومع دول وشعوب المنطقة وقضاياها. ومن الطبيعي أن تكون التقديرات متفاوتة حول الرجل وأثره وعصره ولكن اعتباره مجرد تجشوء للقوة الإنجليزية التي كانت نافذة آنذاك هو اعتداء على التاريخ. ولعل الأخطر انه اعتداء آني ومباشر على مفهوم وتاريخ الدولة في لبنان وألا لما كان الجنرال يضع في نفس السلة كل رؤساء لبنان منذ الاستقلال وحتى اليوم.
نفهم أن يكون الجنرال حاقدا على وضع لا يمكنه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية التي يعتبرها لأسباب لا يقره معظم اللبنانيين عليها حقا طبيعيا له. ونفهم أن يكون حاقدا على الأكثرية النيابية التي لا تريده رئيسا. لكننا لا نفهم هذا الحقد على المؤسسات وعلى الرؤساء اللبنانيين كافة بدون تمييز وعلى مؤسسة رئاسة الجمهورية. ولنا أن نتساءل استطرادا عن تقييمه لمؤسسة الجيش التي بنيت في عهود رؤساء تجشأتهم القوة الأجنبية النافذة كما يقول. أم انه يطبق عليها معايير لا علاقة لها إلا بالأسطورة التي يجرب ترويجها عما ينسبه إلى نفسه في قيادتها؟ كما لنا أن نتساءل عن تقييمه لدور النظام السوري الذي يعتبر نفسه اليوم أقوى من إي وقت مضى. الهذا السبب يدافع الجنرال مثلا عن علاقة حسنة بهذا النظام الذي لم يبخل عليه بالمدائح في الفترة الأخيرة ? وفي أي خانة يضع ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية الذي يحظى بدعم دمشق وحلفائها؟
ابعد من حقد عابر يشكل هذا التصريح بوحا لا شك فيه بانقلابية وخلاصية وعظامية مضمرة. والأخطر ربما أن هذه الخاصيات العونية تلتقي في حلف معلن مع اكبر قوة أهلية وحزبية مسلحة في لبنان أي حزب الله الذي هو بدوره حركة خلاصية مذهبية راديكالية ليست اقل من الجنرال عون امتهانا للدستور وللبرلمان وللمؤسسات وللتاريخ. وفي كل ذلك رائحة من شعبوية تلامس حد الشموليات.
عندما يعتبر الجنرال عون أن كل الرؤساء تجشأتهم السلطة الأجنبية النافذة
بائع الوطنية العروبية الفارغة ايها المدعون بالقومية العربية او غيرها كهتلر لم يكن من ورائكم سوى الشر والتدمير والتخلف المتعمد
عندما يعتبر الجنرال عون أن كل الرؤساء تجشأتهم السلطة الأجنبية النافذة
عندما تجشأ صدام حسين عام 1988 اصبح عون مشروع رئيس الا ان التجشأ كان اقوى من عون فطار عون الى فرنسا من شدة تجشأ صدام