حادثة اغتيال زعيمة المعارضة الباكستانية السيدة بي نظير بوتو، كانت فرصة للمئات من الصحفيين و كتاب الأعمدة العرب لممارسة هواية التخمين و توزيع الاتهامات البلهاء يمينا و يسارا و الخوض في موضوع لا يملكون أدنى نواصي الدراية به، خاصة و أنهم اغلبهم ما برحوا يجارون صحفهم في الاستخفاف بأحد ابسط الأمور و أسهلها و نعني بها الكتابة الصحيحة للاسم الأول للراحلة التي ظلت الصحافة العربية تكتبها بأشكال مختلفة فمرة “بنازير” ومرة “بينظير” و مرة “بناظير” دون أن تكلف هذه الصحف نفسها السؤال و الاستفسار من اصغر دارس للغة الأردية أو الفارسية. فرغم وجود المعنية بالأمر على الساحة السياسية أكثر من ثلاث عقود من الزمن فان الصحافة العربية لم تستطع حسم طريقة كتابة الاسم الأول للراحلة، بمعنى أنها لم تستوعب أن الطريقة الصحيحة لكتابة الاسم هي كما يظهر في عنوان هذا المقال، لأن كلمة بي ببساطة أداة تنفي ما بعدها في اللغتين الفارسية و الاوردية، فلو وضعت مثلا قبل كلمة “هوش” التي تعني العقل في الفارسية لأصبح المعنى المراد هو أن فلانا من الناس لا عقل له أي انه مجنون. وقياسا على ذلك فان استخدام أداة النفي بي قبل كلمة نظير التي تحمل نفس معناها في العربية أي الشبيه و الصنو و إن كانت تكتب و تلفظ بطريقة مختلفة، القصد منه هو وصف حاملتها بالسيدة التي لا شبيه أو صنو لها
وبطبيعة الحال فبعض من كتب عن حادثة الاغتيال اختار لمقالته أو عموده العنوان نفسه المبين هنا، لكن فقط ليشير بأصابع الاتهامات دون دليل إلى هذه الجهة أو تلك كمتسبب أو مستفيد من حادثة تصفية السيدة بوتو، فإلى جانب المخابرات الباكستانية و نظام الرئيس برويز مشرف و تنظيم القاعدة، و المخابرات الأمريكية وجهوا أصابع الاتهام في كل صوب بما في ذلك المخابرات الإسرائيلية التي بحسبهم “تخلصت من هذه المرأة المسلمة الشجاعة” لأنها رفضت الاعتراف بإسرائيل. (هكذا!)
و الحقيقة البسيطة التي يدركها كل من عرف السيدة بوتو أو تعامل معها، أنها قتلت نفسها بنفسها. كيف؟ بعنادها الشديد و تشبثها برأيها معطوفا على قراءتها غير الدقيقة للإحداث، و هي صفات ربما ورثتها من والدها الراحل ذو الفقار علي بوتو- بحسب ما تجسد في موقفه من نتائج آخر انتخابات رئاسية في باكستان قبيل انسلاخ الجناح الشرقي عنها في عام 1971 – هي التي تسببت في وضع حد لحياتها بتلك الصورة المأساوية التي تذكر أيضا بالرحيل المأساوي لشقيقها مرتضى بوتو الذي قضى قتيلا في شوارع كراتشي الموحشة في عام 1996 ، رغم تحذير الكثيرين له وقتذاك من مغامرة النزول إلى تلك الشوارع المضطربة و تفرعاتها المسكونة بالعصابات و قطاع الطرق و القتلة و أعداء آل بوتو. لكن مرتضى، كما شقيقته بي نظير تجاهل كل تلك التحذيرات ووقائع الأرض، ليعول فقط على قراءته الخاصة، فوقع ضحية لعناده و حماسه لأداء ادوار البطولة في ظل أوضاع خطيرة و ظروف لا تعترف بالمغامرين
قابلت الراحلة بوتو مرتين فقط، كلتاهما و هي بعيدة عن السلطة أي يوم كانت تعيش في منفاها اللندني. و في كلتا المرتين كان عراب اللقاء هو المثقف و الأكاديمي الباكستاني المعروف، و احد ابرز مستشاريها ووزير إعلامها ذات مرة السيد مشاهد حسين. اللقاء الأول كان هادئا و كان غرضي منه الاستفسار منها شخصيا عن معلومات كانت متضاربة وقتذاك عن استعانة إحدى الدول الخليجية بقوات برية باكستانية لحمايتها من تداعيات مفترضة للحرب العراقية – الإيرانية. أما اللقاء الثاني فقد كان عاصفا لأنه جاء بعد محاضرة عن شخصية والدها ” ذو الفقار علي بوتو” كنت قد ألقيتها و نشرت على الشبكة العنكبوتية، و ضمنتها رأيا صريحا مفاده أنها شخصية حافلة بكل أنواع التناقضات الفكرية و الاجتماعية. وقد حاول عراب اللقاء أن يلطف الأجواء بالإشارة إلى أني لا احمل أي ضغينة تجاه أسرة بوتو و إلا لما عنونت بحثي بعبارة : ذو الفقار علي بوتو : فخر باكستان و آسيا”، و من جهتي حاولت أيضا أن أشير إلى أن كل ما ذكرته يستند إلى مذكرات والدها التي ساعدت هي شخصيا على تهريبها من السجن قبيل إعدام والدها بفترة قصيرة، ثم تولت هي أيضا نشرها من نيودلهي في كتاب حمل عنوان” لو تم اغتيالي”، IF I WAS ASSASINATED، غير أن عناد السيدة بوتو و تشبثها برأيها و عدم الالتفات إلى رأي اقرب مستشاريها، حال دون استمرار اللقاء ليذهب كل منا في طريق، و اخرج أنا بانطباع عام هو أن مقتل أي سياسي هو العناد و الغرور الذي لا يمنح فسحة ولو صغيرة للرأي الآخر، خاصة إذا تلازم ذلك مع أمر آخر لا يقل خطورة هو الاعتداد المبالغ بالذات. و هذه صفة أخرى تميز بها آل بوتو، بمعنى أن مشاهد الجماهير الصاخبة الرافعة للقبضات و الأعلام في الهواء، كانت تبعث فيهم الخيلاء و تؤجج فيهم فكرة انه طالما وراءهم كل هذه الحشود فهم في أمان و يستطيعون تحقيق النصر على خصومهم بسهولة، دونما التفاف إلى حقائق أخرى و منها أن الجماهير تنفض بنفس سرعة تجمهرها، و غير معنية دائما بممارسة ادوار البطولة.
إن رحيل السيدة بوتو، هو لا شك خسارة لباكستان و للقوى الليبرالية و العلمانية في هذا البلد المنحدر بسرعة صاروخية نحو الوقوع في أحضان قوى التطرف و التشدد و الغلو الهمجية، لكنه ليس بالصورة التي وصفها بعض الكتاب العرب ممن وجدوا في رحيلها نهاية المطاف، كما أن عودتها إلى بلادها بالطريقة التي تمت لم تكن عملا بطوليا مثلما قال البعض الآخر من المحللين العرب، بل كانت عملا انتحاريا لا يقدم عليه إلا أصحاب القراءة المبتسرة للأوضاع. ففي سنوات قيادتها لهذا البلد المأزوم كان بامكانها أن تفعل الكثير لكنها انجرفت إلى ما انجرف إليه قبلها كل أسلافها من الساسة المدنيين، فخرجت من السلطة سريعا دون أن تحقق إنجازا سوى دخولها التاريخ كأول إمرة مسلمة تقود بلدا مسلما، علما بأن هذا الأمر هو الآخر لم يمر دون تداعيات ضارة على علاقات باكستان بأقرب حليفاتها العربيات و هي المملكة العربية السعودية. إذ فجر الحدث ثاني سؤ تفاهم في تاريخ العلاقات السعودية – الباكستانية، كنتيجة لإصدار مفتي السعودية وقتذاك الشيخ عبدالعزيز بن باز فتوى حرم بموجبها صعود النساء إلى قمة هرم السلطة في البلاد الإسلامية، الأمر الذي عقد في حينه مسألة زيارتها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة مثلما اعتاد زعماء باكستان فعله بعيد توليهم السلطة. أما الأزمة الأولى في تاريخ علاقات البلدين فقد كانت في الخمسينات يوم أن شنت الصحافة الباكستانية هجوما لاذعا على الرياض و اتهمتها بالابتعاد عن أهداب الإسلام، بسبب استقبالها لرئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو في ذروة أزمة السويس عام 1956 و ما كتبته الصحافة السعودية عن الضيف “الهندوسي” من مديح و إطراء و ألقاب مثل رسول السلام.
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
elmadani@ batelco.com.bh
من قتل بي نظير بوتو؟مقابر الحضارات! خالص جلبي في القرن الثامن قبل الميلاد كانت أثينا تنمو بجانب إسبرطة، فامتدت عبر البحار إلى مستعمرات في صقلية وإيطاليا، ونمت فيها الثقافة والفن بجانب التجارة. أما إسبرطة فلم تتغير ونما شعبها على الحرب والقتال؛ فكان الطفل يؤخذ من أمه وعمره سبع سنوات، فينام على القصب ولا يغير ثوبه في السنة سوى مرة واحدة، أما الأطفال الضعاف فيرمون في كهوف في الجبال ليموتوا في أفواه الضباع، ولم يشتغلوا بالأرض واحتقروا المال، وكانت نساؤهم تقاتل مثل الرجال. وفي ممر “ترمبولاي” أوقف ثلاثمائة منهم جيشا فارسياً، من مئة ألف أو يزيدون، مدة ثلاثة أيام حتى مات… قراءة المزيد ..
من قتل بي نظير بوتو؟باكستان وجذور التوتر خالص جلبي بشرّ الفيلسوف محمد إقبال بولادة باكستان، قبل أن تولد على كرسي جسداً، كما حصل مع سليمان. ونفذها محمد علي جناح عام 1947م، وولدت طرحاً بعملية قيصرية، كلفت عشرات الملايين من أرواح الناس، ونمت، وشهدت توترات كان آخرها نزف دماء “بوتو” في 27 ديسمبر 2007م نسفاً. واكتمل التوتر بقنبلة نووية مثل عِجل السامري، فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار، أفلا يرون أنه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، اتخذوه وكانوا ظالمين. ظهر ذلك على شكل نكتة لم يضحك لها أحد، حين هجم الجيش الأميركي على أفغانستان؛ فقالت باكستان إننا على سلاحنا النووي… قراءة المزيد ..