ما الذي يجري في اليمن؟
لا أسألكم بحثاً عن ردٍ. فالجواب يدركه كل من يتابع الشأن اليمني من بعيد أو قريب.
لكنه السؤال الذي تردد علي في الآونة الأخيرة. طُرح علي بإلحاح، وبقلق. والغريب أن من سأله كان يدرك هو الأخر الجواب، لكنه وغيره كانوا يسعون في الواقع للتأكد من إستقرائهم للواقع اليمني. يسأل “الوضع لا يبشر بالخير، اليس كذلك؟”، ثم يردف “في جلسة عمل مغلقة كان الحديث عن مخاوف من صوملة اليمن في حال لم يتم تدراك الوضع بحكمة”. يسأل وهو لا يسأل. وأنا، إبنة الوطن، يعتصرني ألم كالمغص، يقطع في أحشائي كأنه يفتها فتاً، ثم يتركها تتناثر كالهباء.
ما الذي يحدث في اليمن؟
قبل أكثر من اربعة سنوات، كتبت مقالاً بعنوان “اليمن ومفترق الطرق”، حذرت فيه من خطر تحول النظام القائم في اليمن، والذي كان حتى ذلك الحين، يكاد يحبو على طريق الديمقراطية، تحوله الى نظام شبه ديمقراطي، يشبه النموذج المصري في العمل السياسي، أي نموذج الحزب الواحد الذي يأخذ من ملامح الديمقراطية دون جوهرها. يسمح للأحزاب بالصراخ والتنافس، ثم يحسم النتيجة في النهاية لصالحه، بشكل أو بأخر.
طرحت حينها السؤال “ما الذي يعنيه بالفعل تبني النظام الديمقراطي في العمل السياسي؟ هل هو هيكل يعمل من فراغ أم ان الهدف من العملية بأسرها هو إتاحة الفرصة للمواطن للتعبير عن رأيه (وقد مارس اليمني هذا الحق بحماس في كل الإنتخابات البرلمانية التي عايشها منذ 1993)، ثم ترجمة ذلك الرأي في قوة سياسية (وهي قوة لازالت خافتة رغم تجسد ملامحها بعد ذلك في اللقاء المشترك)، ثم توفير إطار يمكن فيه محاسبة ومساءلة من يقف على هرم السلطة وما دونه (وهو الأطار المعدوم في النظام اليمني الحالي، وبالطبع في كل الأنظمة العربية).
اليوم لم يعد اليمن يقف على مفترق طريق الديمقراطية، فالخيار تم حسمه منذ ذلك الحين لصالح دولة تأخذ قليلاً من ملامح الديمقراطية، تلون وجهها بها، لكنها تخلو من روحها قلباً، و تحدد خطوطاً حمراء أساسية لمسارها السياسي، أهمها “حماية رموز السلطة”، والرئيس على رأسها بالطبع. للأسف لا يختلف اليمن في ذلك عن غيره من تلك البلدان العربية التي يحلو للخبراء تسميتها ب”شبه الليبرالية”، وهي في الواقع “تشبه” أشياءاً كثيرة، لكن الليبرالية بريئة منها.
اليمن لم يعد يقف على مفترق ذلك الطريق، فالدرب الذي يشرف على بداياته يثير الفزع، السؤال الآن أصبح “هل يصمد اليمن الواحد أم لا؟”، “هل تبق اليمن واحدة، أم تتفتت إلى أجزاء؟” ولاحظوا أني هنا لا أتحدث فقط عن محافظات شمالية وجنوبية، بل بدأت بعض الأوساط تتحدث عن محافظات “شرقية” أيضاً!!
أنا واحدة من الأشخاص الذين أعتبروا الوحدة اليمنية المنجز الوحيد الذي يستحق أن نسميه أنجازاً في تاريخ اليمن الحديث. ولازلت أؤمن بهذه الوحدة، تماماً كما أؤمن بالإنسان، أستنشقها عطراً كيوم قيامها، لكن لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه، سيصبح من الصعب على المرء الدفاع عنها، لو استمرت الأحوال في هذا المسار، سيكون من الصعب عليه أن يرفع صوتاً يصرخ بحب وحدة الوطن.
عاملان أفسدا على الناس واقع الوحدة، ولن أتحدث هنا عن حرب اليمن الأهلية وتداعياتها، ذاك حديث يستدعي بحثاً منفصلاً، بل أتحدث عن سلوك المنتصر، الذي لم يحفظ للوحدة التي دافع عنها حقها. الأول يرتبط بتجاهل المطالب المشروعة لأبناء المحافظات الجنوبية، ممن تم تسريحهم أو إحالتهم إلى التقاعد رغماً عن أنفهم، إما لأنهم حُسبوا على الطرف “الخطأ”، أو لأنهم عبروا عن أرائهم “بصراحة”، أو لأنهم ببساطة رفضوا أن ينظموا إلى “جوقة الحزب الحاكم”.
صعب عليك أن تكون “مستقلاً” اليوم، خاصة إذا كنت “مستقلاً” في المحافظات الجنوبية. والأصعب أن تتصرف كأنك أبن أو أبنة الوطن الواحد وأنت في المحافظات الجنوبية. لأن عناصر الأمن، “أمننا”، هل تذكروه؟، لا تترك لأبن وأبنة الوطن الفرصة للشعور بالإنتماء إليه. لا تسمح لهما بذلك. كلما حاولا فعل ذلك، أنقلبت عليهم تلك العناصر، تصرخ في وجوههم “من تظنون أنفسكم؟ أنتم أتباع الطرف الخاسر في الحرب!”، المنتصر أصبح يتصرف كأنه أستولى على غنيمة، أسمها الوطن، وهو مالكها. صعب أن تكون من المحافظات الجنوبية ولا تشعر بالغربة في الوطن.
العامل الثاني، يرتبط بواقع كان متواجداً دائماً من قبل، أعني عامل ضعف الدولة وتنافس القبيلة و مراكز قوى على إضعاف هيبتها. لكنه اليوم بدأ يتحول من ضعف إلى فلتان وأهتراء.اليوم لم يعد ضعفاً، أصبح تداعياً لكيان الدولة ومؤسساتها. والدليل على ذلك أنه حتى ما كان يعرف بالحدود والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، لم تعد كذلك في الوضع القائم.
أوامر الرئيس، على سبيل المثال، كانت تطبق في السابق. لا يتم تجاهلها كما يحدث اليوم. والغريب أن تلك الأوامر لا يتم تطبيقها تحديداً عندما يتعلق الأمر بشأن خاص بالمحافظات الجنوبية. كأن هناك من يسعى حثيثاً لنخر السوس في كيان الوطن. يريد أن يقلب الهيكل على رأس الجميع. هل أذكركم بالأوامر التي يصدرها الرئيس، الأمر تلو الأخر، بشأن “إيجاد حل” لمشكلة الأراضي التي تم “توزيعها” أو تم “نهبها” في المحافظات الجنوبية؟ وهو كأنه يكتب بماء. لا فرق. يكتب الأمر فيتلاشى لا نراه على أرض الواقع. يذوب ثم يتبخر لأن “قوى متنفذة” ما لا تريد ذلك. وقضية سيدة الأعمال والمستثمرة أروى الهمداني، التي حكم القضاء لصالح منحها أراضيها، معروفة للقاصي والداني. أرادت أن تستثمر في الوطن، فأنقلب عليها بعض أبناءه. والقضاء اليمني نعرفه، يقول ما يقول، لا يهم، المهم ماذا يقول من يطبق الأمر. حتى في حالتها، وهي السيدة القوية، لم تُجد أوامر الرئيس بتسليمها أراضيها. يكتب على أوراق ملفها، “نفذوا”، وكأنه يتحدث إلى الهواء، إلى نفسه. أمره يخرج من مكتبه ثم يتوه في الأزقة، كلام على ورق، وحبر من ماء، ليبقى الرئيس محاصراً، من حاشيته، في برج، تقول له إنها تحبه، ثم تبعده، عن الوطن وواقعه، ذلك الذي يتمزق، والجمع يرقب، صامت، متواطيء.
ماذا يحدث في اليمن؟
يحدث الكثير في الوطن.
…..
كأن قدر الوطن أن يكون ملعوناً مرتين،
ملعوناً بأبنائه،
وملعوناً بماضيه،
كأن قدر الوطن أن يغيب في نفوس من يحبوه،
ثم يتلاشى.
يا وطن الآحزان،
ليتنا نقدر على حبك حقَ قدرك.
elham.thomas@hispeed.ch
* كاتبة يمنية
ماالذي يحدث في اليمن؟انا مواطن يمني عشت منتصف عمري في اليمن ( عدن) والنصف الآخر خارج اليمن , ما يقارب 25 عام , لم اعرف رائحة الديمقراطية التي تسير أو تحبوا أو تسحب نفسها على بطنها , وحتى لم تحاول القفز بقدم واحد في طريق الديمقراطية, قبل الوحدة في يوم من الأيام إطلاقا , خمسين عام بدون انقطاع لم أشم رائحة الديمقراطية..! ((شميت رائحة الحنيذ -الدم الذي سوف يسفك في اليمن قريبا-عبر كلماتك , انا أيضا ادعوا اليمنيين التوقف عن سفك دماء الأبقار -البشر-أمام الوزارات وفي الساحات العامة أنها تقاليد مورثة من الإمام , لان الموضع اكبر من دلك حسب… قراءة المزيد ..
ماالذي يحدث في اليمن؟
يا بنت الأقيال,لاتهني ولا تحزني, ماحل بالسعيد دب في القريب والبعيد من ارض قحطان وعدنان,إنه أمر دبر بليل,وقنابل موقوتة,وغفلة و استكانة ,وأخذ على حين
غرة,,هذا حال من يلهو ولا يتنبه,يستهين بالصغيرة,ويأمل في الهواء,اتسع الخرق على الراقع,أصبح الحال كما قال الشاعر:
كم أداوي القلب قلت حيلتي***** كلما داويت جرحا سال جرح
لك تقديري.