ابشري يا بيروت، الفجر يطل عليك من حيث لا تتوقعين. فجر قومي اسلاموي من نوع لا سابق له. فجر سيجدد الحلم العربي بعودة التاريخ الى ايام المعتصم، الذي لم يتحمل صراخ امرأة ظلمها الروم. قريبا عندما يصرخ لبناني أو فلسطيني وامعتصماه، سيرى جيوش القوميين الأسلامويين بقيادة “عبد الناصر الجديد” تهرع لساحات الوغى، ضاربة بحد السيف والكاتيوشا جند اسرائيل والأمريكان ومن لف لفهم. ابشري يا بيروت، اختاروك قاعدة للانطلاقة الجديدة.
سينطلق جند المعتصم من الخيام التي دمرت اقتصاد لبنان، ومن تحت عباءة المنتصر الإلهي الذي قبر شرعية لبنان وحولها الى ساحة صراع لأولياء ألأمر في قم.
لا… ليس نهاية للتسيب وطعن شرعية لبنان. القضية أعظم من مصير رقعة جغرافية من الأرض، ومن مصير بضعة ملايين حسابهم النسبي في امتداد البحر العروبي والاسلاموي يقارب من الصفر. القضية أخطر من مستقبل شعب لبنان، وكأن مسيرة العرب الظافرة تحت قيادة “عبد الناصر الجديد” ستتوقف امام عملاء الأمريكان في بيروت.
ابشروا يا بني عدنان وقحطان، أبشر ايها الباز مؤلف الكتاب العلمي الإعجازي المذهل الذي اعاد للعلم واقعيته حين اثبت قطعا في كتابة العبقري “الصقر المنقض على من ادعى كروية الأرض”، ان الأرض مبسطة وممتدة وأن ما يدعيه العلماء منذ عصر غاليليو وصولا الى عصر اقتحام السماء والسياحة في الفضاء بأنها كروية، هو ضرب من الإلحاد والجنون، مصير مروجيه أشد أقسام جهنم توهجا واشتعالا.
حقا ابشري يا بيروت، التي اختار “المنتحر احتراقا في حرية المنفى”، المغادر لوطنه قسرا، ان يصلك لينصب خيمة أخرى في سلسلة خيام مآسيك، في مهمة غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث. مهمة تعيدنا الى عصر يتجاوز حتى جمال عبد الناصر.. بل والى عصر المعتصم الذي لا يتحمل ان تظلم امرأة عربية، خاصة اذا كانت فلسطينية أو لبنانية.. وربما الى عصر صدام حسين الذي بات عويل فاقديه أكثر احمرارا من دم الشعب العراقي المسفوك فوق أرض العراق، بذنب لا يغتفر.. ذنب انتمائهم للشعب العراقي والوطن العراقي، وحلمهم بعراق دمقراطي حر متطور.
ابشري يا بيروت، أصبح الخلاص قاب قوسين أو أدنى.. وقد يكون القادم اليك بغروره الشخصي، تتويجا من نوع فكري للانتصار الألهي، لا تربكوني عن علاقة الفكر بالغيبيات، لست أدري كيف تنشأ هذه العلاقة، فأنا لست مفكرا، ولست مغادرا للوطن قسرا، بل باقيا في وطني قسرا عن مضطهدي.
ما أدريه ان النصر الإلهي ترك لبنان ثكلى ومدمرة، تنتظر المليارات الموعودة.. وتكتفي قسرا باطلالات تلفزيونية، من الذين لا يملكون غير البضائع السياسية الفاسدة والتي فات موعد تسويقها.
حقا لا اريد أن أشد أعصابك يا بيروت، التي عشقتها دون أن تطأ قدمي أرضها التي أنطقت الصوت الملائكي الفيروزي في التغني بخصبها وسموها وتميزها وامتداد رقعتها الى السماء. وبعد فيروز لم تعد بيروت بحاجة الى تسويق. ربما لهذا السبب يختارها المغرضون أيضا لنصب خيامهم ومآربهم، لعلها تحسن صورتهم البشعة.
زعيم غادر الوطن قسرا، يحترق (حرا) في المنفى، ونحن، المساكين الذين لا نملك ما نغادر به الوطن “قسرا”، اخترنا، قسرا عن كارهينا… البقاء في الوطن مثل ناطور فيروز الذي بقي يحمي البيت والكرم. متخندقون في جليلنا، مزروعون في كرملنا. متجذرون في المثلث والنقب، ونؤمن انه لا بديل عن البقاء في الوطن، وان الرحيل، قسرا أو خيارا.. هو هروب بائس وانتحار.
الذي استفزني ليس ان يختار شخص الانتحار احتراقا في المنفى، انما الظن ان اختيار المنفى بات مزرعة لاطلاق الأفكار المدمرة تحت أغلفة فكرية وتنظيرية قومجية، وغيبية دينية مذهلة في أخطارها ومآربها.
قبل أشهر كتب لي زميل صحفي أتواصل معه عبر الانترنت يتساءل كيف أفسر موقف الدكتور عزمي بشارة، القومجي البعثي السوري، عندما يصبح موقفه شبيها بموقف حماس من الصراع الفلسطيني الفلسطيني، والفلسطيني الاسرائيلي أيضا؟ اجبته ان علاقاته مع سوريا تفسر المخفي وغير المكشوف من زيفه القومي، وأن رؤيتي ان عصر القومية بالمفاهيم “العزموية – البعثية” هو نفس الفاشية في المفاهيم السياسية الأوروبية (والعالمية) الحديثة. واني لا استطع النظر للنظام السوري، الذي يعتبره المفكر عزمي بشارة قمة النظم العربية الوطنية ونموذجا يجب الدفاع عنه، حتى ضد المثقفين والمناضلين الدمقراطيين والمفكرين السوريين في المهجر قسرا أو في سجون النظام قسرا أيضا.. الا كنظام استبدادي فاسد، نظام طائفي عائلي مغلق، مملكة من ملوك الطوائف، أعاد سوريا الى الوراء اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا وحضاريا.
ولم أفهم يومها ان عزمي وراءه مهمة أكبر من مجرد مغادرة الوطن قسرا.
اليوم تتضح هذه المهمة. وقد كشف لي أحد أعضاء حزبه، ربما من حيت لا يدري، أو لم يستوعب خطورة ما يتحدث به، ان عزمي سيستقر في بيروت، ليبدأ بتشكيل حركة عربية جديدة، ربما بدعم المنتصر الإلهي وقم ودمشق، تقوم على الدمج بين القوميين من جهة والاسلامويين على اشكالهم المتعددة والمختلفة، وأن الفكرة العبقرية التي تراوده، وأنا لا أشك بذكائه الشخصي.. اقامة حركة، التسمية غير مهمة، ليست قومية وليست اسلاموية ، تنظم القوميين من أمثاله، على اعتبار انه “ماركة قومية مسجلة” وغير قابلة للاستعمال بدون أذنه الخطي المسبق. مع اسلامويين من تيارات مختلفة، ويبدو ان حزب الله هو الإشراقة التي تمد عزمي بتفاصيل مشروعه، الذي آمل ان لا يزيده اشراقا لدرجة منافسة الشيخ حسن نصرالله قوميا واسلاميا أيضا. خاصة بعد اختياره بيروت لانطلاق مشروعه، اذ يكفي لبنان وبيروت حسن واحد.
المستهجن انه لم يختر دمشق، عاصمة أبرز أنظمة ملوك الطوائف قوميا.. لينطلق منها بمشروعة العروبي الإسلاموي. هل ضاقت به الحال في قصور امراء قطر؟ وهل سدت ابواب عمان امام مشاريعه؟ وهل ينقص بيروت عباقرة طوائف جدد؟
من الواضح انه يتوهم بقدراته على بعث عربي جديد يوحد بين الوطنيين والاسلامويين، وهو ما يرتسم من اطلالاته التلفزيونية في الأشهر الأخيرة منذ صار، قسرا.. نجما في الجزيرة. أي ان مشروعة لثقيلي الفهم.. هو الدمج الفكري والسياسي بين عزمي بشارة وما يمثله من مشروع قومي عربي من جهة، ومؤلف “الصقر المنقض على من ادعي كروية الأرض” وما يمثله من فكر عربي غيبي من الجهة الخرى. هكذا يحقق العرب انجازات تعيد شعورهم بصلابة الأرض تحت أقدامهم، مما يمكنهم من هزيمة كل أعدائهم الذين بات من الصعب احصاؤهم وتحديد هوياتهم.
ربما يكون صاحبنا بارعا في خلق الصياغات، وبارعا في تعبئة الناس الطيبين، وتاجرا مملحا في تسويق ما لا يسوق، وساحرا متمرسا في شد انظارهم وادهاشهم.. ولكن السحر غالبا ما ينقلب على الساحر.
وكلمة لا بد منها لعلها تنفع، او تكون شهادة للمستقبل: كم يحسن صاحبنا بحق نفسه، وبحق شعوبنا المنكوبة بأنظمتها، والحالمة بالتغيير.. بأن يلزم الصمت، ويمتنع عن تنفيذ لعبة خطرة على تطور الشعوب العربية وتنامي وعيها. أن أفضل مشروع يلتصق به صاحبنا هو الصمت.. وكم هي ملائمة شواطئ قطر وشمسها وفيلات امرائها لمثل هذا الصمت المدوي. ولكن صاحبنا ليس صاحب القرار، أو ليس قراره لوحده.
لا أعرف متى يبدأ العرض.. ولكني أعرف انه الانتحار الفكري الجديد والأخير للمنتحر المناوب !!
nabiloudeh@gmail.com
كاتب، ناقد واعلامي- الناصرة*