دمشق (رويترز) – تلتقط سمر المحمد كتابا قديما لتولستوي مليئا بالملاحظات المكتوبة على هوامشه من على “بسطة” للكتب المستعملة في شارع الحلبوني في وسط دمشق والذي يمثل بأرصفته التي تعج بالكتب المستعملة المصدر الاساسي للثقافة في المدينة.
وتجول سمر مرة او اثنتين كل شهر على باعة الكتب المستعملة باحثة عن كتب بعينها او ملقية نظرة على ما قد يثير اهتمامها بين كتب متنوعة مستعملة في الفلسفة والاقتصاد وكتب يسارية للزعيم البلشفي لينين والزعيم الفيتنامي هو تشي منه وغيرهم وهي كتب تعود الي العهد السوفيتي الى جانب كتب ليبرالية انجليزية وعربية وفرنسية كلها معا تجمعها قماشة مبسوطة على الارض وخشبة صممها البائع خصيصا لهذا الغرض.
وقالت “انهم ملوك الكتاب في هذه البلاد. أتجه اليهم حيث اجد الكتب التي تهمني بسهولة اكثر من المكتبات وان لم اجدها فان سألت عليها سيأتون لي بها مباشرة.”
وقالت سمر التي وقفت تبحث عن كتاب نادر لطه حسين “امر في هذا الشارع كل فترة لارى ان كان هناك كتب جديدة يمكنني ان اشتريها وان كانت كتب مستعملة لكنها تبقى جديدة بالنسبة لي.”
كتب قديمة تاكلت اطراف اوراقها الصفراء المملوءة بكلمات عن الحب والحرب والسياسة والفلسفة والاقتصاد وغيرها افترشت الرصيف المحاذي للتكية السليمانية وسط دمشق لتشكل مصدرا جديدا قديما لثقافة شباب دمشق.
ويقف ابو عامر يوميا منذ الصباح الباكر امام كتبه القديمة التي يصفها باتقان على سور التكية منتظرا الباحثين عن كتب رخيصة أو نادرة لكنها الافضل على حد وصفه.
وقال ابو عامر الذي رفض ذكر اسمه خوفا من الشرطة “أي نوع او شكل من الكتب يمكنك ان تجدها لدي. اننا الافضل لاننا لسنا كالمكتبات التي اصبح اصحابها لا يبيعون سوى كتب التقنية والدين. لدينا كل شيء وبأسعار وجودة عالية بالنسبة لبضاعة مستعملة.”
وقال ابو عامر الذي يبيع الكتب على نفس الرصيف منذ ما يزيد عن 15 عاما “الكتب في الغالب اصبحت تعامل بالكمية وبالشكل. لم يعد هناك سوى فئة محددة من المثقفين الذين يعرفون ماذا نعرض على هذا الرصيف وما قيمته الحقيقية ولهذا يأتون الينا.”
ويجادل ابو عامر فتاة أتته لتشتري رواية الجريمة والعقاب بجزأيها التي لم تجدها في المكتبات المجاورة بطبعتها القديمة كما انها كانت تبحث عن سعر افضل ليبيعها الجزئين في النهاية بثلاثة دولارات.
وعرفت ارصفة الشارع الممتد من اسفل مركز تجمع حافلات النقل الداخلي وصولا الى محطة الحجاز الاثرية منذ سنوات كمركز اساسي للكتب المستعملة والنادرة كما للكتب الرخيصة حيث يجد المثقفون متسعا لالقاء نظرة اثناء تسكعهم في الطريق على الجديد في تشكيلة كبيرة من الكتب المنتشرة على ارصفة احد اكثر شوارع دمشق اكتظاظا.
وقال شحادة الاحمد احد بائعي كتب الرصيف “قد لا يكون كشارع المتنبي في بغداد حيث يتجمع باعة الكتب على ارصفة ذلك الطريق لكننا تجمعنا حيث يمر اغلب قرائنا.”
واضاف الاحمد قائلا “أكثر الكتب رواجا لدينا هي الروايات نبيعها لموظفين وشباب يحاولون ان ينموا ثقافتهم وبعض المثقفين القدامى فالثقافة اصبحت موضة قديمة وقلة هم من يهتمون بها لذلك اصبح الكتاب يباع ويشترى بهذه الطريقة…….اليس حراما ان يوضع الكتاب على الرصيف…”
وقال الاحمد “انها ايام عصيبة على الكتب فالناس فقيرة ومن كان على استعداد لدفع 500 ليرة في كتاب اصبح يريده بنصف القيمة وهذا ما نفعله.”
وتسأل الاحمد عن أي كتاب ليبدأ مباشرة بالبحث في ذاكرته ويسرد لك تاريخه وتاريخ كاتبه وسعره القديم وكم من الوقت يلزمه لاحضاره لك وبكم.
وتستفيد بسطات الكتب من امكانية بيعها باسعار اقل من المكتبات التي يتوجب عليها دفع رسوم واجور للمكان والكهرباء خلافا لحالة بائعي الطريق مما دفع ببعض بائعي الكتب الجديدة حتى الى افتراش الارض بكتبهم محاولين التواصل مع فئة القراء ضعيفة الميزانية التي تقصد الارصفة لشراء حاجتها.
وتجد في بسطة مفيد زيد التي يضعها منذ عدة اعوام في احد الشوارع الفارهة في دمشق كتبا جديدة ومن افضل الانواع. وقال زيد “من كل قطر اغنية.. أرخص واكثر تنوعا واقرب الى الناس هذه هي بسطتي الصغيرة التي أضعها كل يوم منذ الصباح حتى اخر الليل لاسهل القراءة على الناس.”
وقال زيد “على الثقافة التنازل احيانا عن بعض من مظاهرها الفارهة لتتمكن من الوصول الى الناس.. الروايات هي الاكثر بيعا.”
من ماهر سمعان