تخوض المملكة العربية السعودية مواجهة شرسة ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية التي لم يتوقف خطرها عند استهداف أمن المواطنين وأرواحهم، بل ركز أساسا على مفاصل الدولة ودعائم النظام (الأجهزة الأمنية، المنشآت البترولية). وإذا كانت السلطات السعودية حديثة العهد بالحرب على الإرهاب الذي فاجأها يوم 12 مايو 2003، فإنها استطاعت أن تجمع أمرها وتتدارك ارتباكها ؛ مما مكنها من استرداد زمام المبادرة وفرض أجندتها على “الجماعات الضالة” التي ضاقت بها الربوع واشتد عليها الطوق والخناق. وما الضربة الاستباقية التي وجهتها الأجهزة الأمنية يوم27/4/2007 للخلايا الإرهابية إلا دليل فاعلية ويقظة مكنتا من إحباط أكبر مخطط إرهابي كان يستهدف البلاد،حيث تم ضبط 7 خلايا إرهابية يبلغ عدد أفرادها 172 إرهابيا من السعودية وخارجها، كانوا يخططون لشن هجمات على منشآت نفطية وقواعد عسكرية واستهداف شخصيات عامة. ويُسجل للسلطات السعودية حرصها على جعل مواجهة الإرهاب معركة الدولة والمجتمع بكل فئاته.
1 ـ على مستوى الدولة: تم الإقرار رسميا بكون الإرهاب صناعة سعودية ساهمت فيه المؤسسات الرسمية والأهلية. ففي الحوار الذي أجرته قناة “العربية” مع الأمير السعودي خالد الفيصل، أمير منطقة عسير حينئذ، ليلة 14 يوليوز 2004، أقر أن السعودية كانت ضحية الإرهاب منذ أحداث الحرم المكي سنة 1979 بقيادة جهيمان العتيبي. إلا أنها ـ السلطات السعودية ـ تصدت للجناة وأغفلت الفكر التكفيري. وكان هذا خطأ جسيما لم يتردد الأمير خالد الفيصل في الإعلان عنه بقوله (ارتكبنا خطأ أننا قضينا على الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الجريمة ـ جريمة جهيمان ـ ولكن تغاضينا عن الفكر الذي كان وراء تلك الجريمة وتركناه ينتشر في هذه البلاد وكأنه لم يكن موجودا. وهذا خطأ كبير). إن هذا الفكر التكفيري المتطرف الذي يحرض على القتل والتفجير، تغلغل في بنيات المجتمع ومؤسساته الإعلامية والتعليمية، لدرجة أن الشباب السعودي غدا ضحيته الأولى ووقوده الأساسي.
وبسبب هذا التوجه العام الذي تحكّم في السياسة التعليمية، أصبح خريجو كليات الشريعة يشكلون نسبة 80 في المائة من مجموع حملة الشهادات الجامعية. إن هذا المسار التعليمي الذي نهجته السعودية لخصه روبير بايير في كتابه “ذهب أسود وبيت أبيض” كالتالي (إن الشباب السعودي يُكَوَّن من أجل إدماجه في عالم لن يوجد إلا إذا نجح الجهاديون الوهابيون وحلفاؤهم الإخوان المسلمون في العودة بالبلاد إلى بعض القرون الخوالي. فبينما العالم يسير نحو الانفتاح أكثر فأكثر، لا يتمكن السعوديون من حل شفرات الأحداث إلا من خلال كوة ضوء ضيقة، في حال لم تقفل هذه الكوة كليا).
لقد واجهت السلطات العليا في السعودية هذه الحقائق ولم تنكرها أو تتجاهلها. مما جعلها تقرر مواجهتها بالجدية والحزم اللذين أصر عليهما ولي العهد آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز في الكلمة التي ألقاها حين استقباله ممثلي الناشرين، حيث جاء فيها(آمل منكم وأؤكد لكم أنه كل ما يجيكم أي حديث من أي شخص تشوفو فيه أي انحراف عن الدين أو الغلو في الدين أو التهجم على الدين أو التهجم على العقيدة، أنكم اتوقفوا ليه وتبعثوا لي شخصيا المقال مع اسم الشخص، لأن هذا واجبكم الديني وواجبكم الوطني. وإرشاد أبنائكم، أبناء المملكة العربية السعودية، هذه أمانة في أعناقكم). ومن ثم لم يترك الملك أمام رجال الإعلام وعموم المواطنين أي خيار سوى مواجهة الإرهابيين (السكات في هذا الوقت جريمة. لأن هذا شيء ما ينسكت عليه، واللي يسكت عليه ثقوا أنه بيشاركهم أو يميل إليهم. ومن مال إلى هذه الفئة الشاذة المجرمة أنه مجرم) . ووعيا من السلطات السعودية بالدور المركزي الذي تلعبه المساجد في إنتاج وترويج الفكر التكفيري /الانتحاري، فقد اتخذت سلسلة من الإجراءات والتدابير بهدف رصد الأنشطة التي تحتضنها المساجد ومراقبة مضامين خطب الجمعة التي تلقى من على منابرها. ومن بين الإجراءات:
أ ـ نصب كاميرات داخل المساجد وتشكيل لجان توجيه وتقييم في كل منطقة ومحافظة في السعودية تحت مسمى “اللجنة الاستشارية للخطباء والأئمة”، تقوم بجمع التقارير عن الأئمة والخطباء لتقييم خطبهم، وتستدعيهم لمناقشتهم في حالة تسجيل أي ملاحظة. كما أن هناك لجانا لتقييم الأئمة والخطباء ميدانياً تسمى “فرق التقييم الميداني” حيث تقوم فرقة من تلك الفرق مكونة من شخصين أو ثلاثة أشخاص من طلبة العلم المتميزين بزيارة الإمام أو الخطيب كل أسبوع أو أسبوعين في كل حي من الأحياء.
ب ـ إبعاد الآلاف من الأئمة والخطباء المحرضين علي الكراهية والعنف عن منابر التوجيه والخطابة.
ج ـ إبعاد من يحمل أفكاراً متطرفة إلى وظائف أخري غير تعليمية، أو إحالته إلي التقاعد.
وبقدر ما تمكنت السعودية من أن تجعل من مواجهة الإرهاب قضية وطنية مركزية، استطاعت أن تخفف عنها الضغوط الدولية عبر الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته فعلا على مدى أربعة أيام ـ من 5 إلى 8 فبراير 2005. إذ كانت تلك هي المرأة الأولى التي تستضيف فيها دولة عربية مؤتمرا من هذا النوع وبهذا الحجم من المشاركين (60 دولة و 250 خبيرا).
قد يبدو أمر مواجهة الإرهاب وبنياته الفكرية والاجتماعية والإعلامية هينا، لكنه شديد الصعوبة على دولة مثل السعودية التي يدين مجتمعها بالطاعة للفقهاء والتبعية للتيارات المحافظة. هذه الأخيرة تزداد شراسة كلما رغبت الدولة في الانفتاح وسعت إليه. وفي هذا الإطار أصدرت 156 شخصية سعودية تنتمي إلى التيار المحافظ،بيانا ” إلى العموم من أبناء الأمة”، مباشرة بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الثاني في السعودية، تحذر فيه ـ البيان ـ من تغيير المناهج الدراسية، وخاصة المواد الدينية. ولم يتردد الموقعون على البيان في اتهام المطالبين بتغيير المناهج بأن (ولاءهم وهواهم مع أهل الكفر والشرك والضلال خشية على أنفسهم ومصالحهم من تسلط الكفار). لهذا تبقى الجهود التي يبذلها الملك عبد الله بن عبد العزيز بهدف خلخلة البنيات المحافظة وحملها على قبول التغيير، جهودا هامة في أهدافها وأساليبها التي تمثل بحق الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل. وللحديث بقية.
selakhal@yahoo.fr
* كاتب وجامعي مغربي
السعودية والمقاربة الشمولية لمواجهة الإرهاب
( أصبح خريجو كليات الشريعة يشكلون نسبة 80 في المائة من مجموع حملة الشهادات الجامعية.
نصب كاميرات داخل المساجد )
المقالة في المبدأ فيها الكثير من الحقائق ولكن المعلومتين أعلاه خاطئتان تماما ..
والتحليل فيه تسطيح يعجب منه المطلع على الشأن السعودي