– دكتور عبد الرزاق منذ ثلاثة أسابيع غبّ نشر السيريانيوز 30-9-2007 لمقال ذكر فيه أن مثقفا سوريا رافق صحفي أمريكي لمقابلة (أبو القعقاع)، وأنه غبّ هذا اللقاء صنف الأخير أنه إرهابي، وأصبح رأسه مطلوبا من الأمريكان، وقد أرفق نشر هذا الخبر بمن جاء يفسر إليك مقاصد هذا المقال: بوصفك مقصودا بكلمة المثقف وينبهك بتبعات ذلك من قبل جهات إرهابية.
– وفور نشر المقال قام البعض بإثارة الشائعات عمن هو المقصود بالمثقف السوري، وهاهو اليوم يصدر بيان عن الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي، يتحدث عن معارض سوري أجري حوار صحفي معه حول الارهاب والعنف ودور المغدور، وينهون بيانهم منددين بشدة ومستنكرين الأساليب القمعية القديمة والجديدة ويحملون السلطة المسؤولية كاملة عما يمكن أن يقع لأي من ناشطيها ورموزها الفكرية والثقافية، فأين أنت من مقال السيريانز وبيان إعلان دمشق!؟
– في الحقيقة أن ما جاء في السيريانيوزهو نوع من الدس الرخيص الذي يهدف إلى الاستعداء والتهديد من خلال الاشارة إلى مثقف سوري رافق الصحفي الأمريكي للقاء (أبو القعقاع)، وقد رافق ما نشر بحملة تفسيرية من قبل غلمان الأجهزة في الأوساط الثقافية بأني المقصود باشارة الحديث عن هذا المثقف السوري. وبيان اعلان دمشق عندما يتحدث عن (معارض) حاوره الصحفي بآراء حول الإرهاب والعنف ودور المغدور، هو غير صحيح أيضا.
– هل تفسر لنا؟
– بالنسبة للخبر الأول (السيريانز): حول لقاء صحيفة النيويورك تايمز، فأنا لم أكن مع الصحفي في لقاء (أبو القعقاع)، وهي ليست المرة الأولى التي يأتي فيها هذا الصحفي إلى حلب، وهو مدير مكتب الشرق الأوسط لجريدة النيويورك تايمز (نيل ماكفركوار) فقد زارني أكثر من مرة بوصفه صديقا للعرب، مثله مثل الكثيرين من الصحفيين والمثقفين الأوربيين: خاصة الأصدقاء الفرنسسين، الذين كانوا يحاوروني بشكل مضطرد كما يحاورون غيري من المثقفين في حلب، حيث لا يمر شهر دون أن يمر واحد منهم، هذا قبل أن يغلق النظام أبوابه دون العالم، ويدير ظهره متحديا…!
وغالبا أن هؤلاء الصحفيين –حيث فهمت منهم- عندما يأتون لحلب ليزوروني ويحاوروني فإنهم يزورون ويحاورون عددا من المفكرين ورجال الدين: مثل د.أبو القعقاع، ومفتي حلب السابق ورئيس الأوقاف د.صهيب الشامي، ومفتي سوريا الحالي د.أحمد حسون، والدكتور محمود عكام.
والمجموعة هذه –عادة- ما يستفتى رأيها في الوقائع والأحداث تحليليا، ولا نسأل عن وثائقية الوقائع والأحداث اخباريا، لأن هذه المجموعة تنتمي إلى حقل العلم والمعرفة، لا لحقل الصحافة والأخبار.
– وما علاقتك أنت كمفكر علماني بهذه الحلقة من كبار رجال الدين؟
– يبدون أن الصحفيين الأوربيين كانوا يتعاملون معي– كما قال بعض الأصدقاء- مداعبين- كممثل للمشيخة العلمانية.
– هل التقى أحد من هؤلاء الصحفيين معكم مجتمعين! وهل تعرف باقي المحاورين؟
– لا أبدا، لم يحدث أن التقينا جماعة. لا أعرف أحدا من السادة العلماء إلا على شاشة التلفزيون، والوحيد الذي أعرفه عن كثب هو الدكتور محمود عكام، الذي كان زميل دراسة لي في فرنسا بجامعته (السوربون- باريس3).
– يقول بيان إعلان دمشق أنك أبديت أراء حول التطرف والعنف ودور المغدور!
– لا هذا غير دقيق من قبل من صاغ الخبر. فلم يكن المغدور هو موضوع الحديث والحوار، وهو في كل الأحوال كان مشاركا في هذا الحوار مثله مثلنا نحن الثلاثة الآخرون.
– إذن من يقصد الإعلان بـ”معارض سوري”؟
– قد يكون غيري، سيما وأني لست معارضا، فأنا سبق وقلت في حوارات سابقة أني منشق، والمنشق هو المختلف مع السلطة والمعارضة!
– لكنك عضو الأمانة العامة في إعلان دمشق!
– وهذا صحيح، ولكن بصفتي الفردية، وبتوقيعي الفردي، وبيان إعلان دمشق ليس للأحزاب المعارضة فقط، وإلا كان يكفي الوجود المتكلس للتجمع الوطني الديموقراطي بوصفه ممثلا لأحزاب المعارضة…!
فالإعلان فضاء وطني ديموقراطي بلا حدود، وهو ليس له سقف سوى سقف الحرية، إذا كان يمكن للحرية أن يكون لها سقوف.
– كيف تفسر أن تكون عضوا في أمانة إعلان دمشق ومنشقا في الآن ذاته!؟
– وجودي في الاعلان يستند إلى هذا الفضاء للتعدد الصوتي الذي يتيح لك أن تغرد خارج السرب كمنشق، وإلا فإنه يستحيل أن تتعايش مع معارضين لو بحثت في المجهر عن تمايز يبرز قسمات خاصة بهم لما وجدت، أي عن تميز خطابهم السياسي والنظري– إن كان ثمة خطاب نظري لهم- عن خطاب السلطة فلا تجد، بل وفي كثير من الأحيان يبدون على يمين السلطة ديماغوجيا وشعاراتيا وشعبويا، ومتأخرين عنها من حيث درجة التخشب العقائدي وتصلب شرايين العقل الذي لا يتيح لهم حتى ما هو متاح لبعض أهالي السلطة ذاتها في أن يتحسوا عالمهم وتموقعهم فيه براغماتيا، حسيا، غرائزيا.
إنهم عاجزون بيولوجيا في امتلاك ذكاء ملاحظة أن عالمنا غادر نهائيا اصطفافات الحرب الباردة، ليس مهما نحو الأفضل أو الأسوأ، لكن المهم أنه لا يمكن لك أن تشكل جبهة حرب باردة مع إيران وباقي المستحاثات الدوغمائية (المذهبية الطائفية منها والقوماوية العضوية) ضد العالم عبر ايديولوجيا الكره المؤسسه على فهم جوهراني لذات قومية منكفئة على لعق جراح هزائمها الثأرية المتوالية!
فالتميز الوحيد الذي يملكونه تجاه السلطة هو تميز اخلاقي، أي أن بعضهم كان ضحية بينما كانت السلطة جلادا، ولا يمكن المساواة بين الاثنين أخلاقيا، أي أن الفرق في هذه الحال يبقى فرقا أخلاقيا وليس معرفيا ونظريا، وذلك لأن التكوين المعتقدوي الايديولوجي يحيل تكوينيا دون طرح الأسئلة النظرية حول الثوابت، رغم –أنه مع الأسف- هناك من تسلل إلى مواقع قيادية في هذه الأحزاب وهو لايتمتع حتى بهذا الفرق الأخلاقي، بل يتهافت بعضهم على مواقع صغيرة في كنف نار جهنم المستبد، رغم تحذيرات جدهم الكواكبي.
إن جميع هذه التيارات المشكلة للمعارضة (القوموية واليساروية)، يوجد أقران وأتراب لها فكريا وسياسيا، حزبيا وتنظيميا في (جبهة السلطة الوطنية التقدمية !). فلا أعرف لماذا لا يلتحقون برفاقهم وأخوانهم الذين لا يزالون ثابتين على العهد (الصمود والتصدي… وصولا إلى الممانعة…)، هذا الصمود القومي الذي تشكلت ذروة سؤدد بيانه الفصيح في (حفر الباطن)، الذي عادة ما نتهم نحن الديموقراطيون بأننا نحن من حفر (حفر الباطن)، لردم كل الشعارات القومية الكبرى التي يدفع الكثيرون من الأصدقاء المعارضين ضريبتها اليوم في السجون والمعتقلات!
– لا نريد أن نبتعد كثيرا عن سياق هذا الحوار، لكن لابد من السؤال: أين مظهر ذلك في سلوك بعض أطراف هذه المعارضة بشكل ملموس؟.
– يا أخي يبلغ خطاب البعض الذين يفترض أنهم حلفاء في المعارضة حد التهديد بالانسحاب من التحالف إذا صدر بيان تضامني مع المعتقلين السياسيين كالدكتور كمال لبواني الذي حكم بالسجن 12 سنة، بحجة أنه زار أمريكا وحاور مسؤولين أمريكيين علنا، رغم أنه تحدث عن ذلك علنا على الفضائيات، وكأن هذا الرجل هو أول من ذهب إلى أمريكا واكتشفها في سوريا!
أو أن يتم التعريض بوطنية قامات كبرى هي أكبر منهم ومن النظام الذي يستخدمهم بالنيابة عن وسائله الاعلامية الأمنية : قامات بمستوى رياض الترك ممثل كرامة وشرف سوريا الوطني، وذلك لأنه استجاب لدعوة السفارة الأمريكية في مناسبة عيد الاستقلال، برفقة قديس وطني تخلى عن ثروته وماله مختارا سجن الحرية على عبودية المال والسلطة وهو رياض سيف.
أو أن يدعونا ممثل السلطة المتعدد الأدوار داخل هذه التجمعات الديموقراطية للمعارضة إلى جعل قضية هرولة فريد الغادري إلى اسرائيل كأولوية للمعارضة، وذلك انحيازا نضاليا وبطوليا وقوميا لصالح هرولة السلطة المتئدة (الممانعة)، وهكذا يكون على المعارضة أن تنحاز إلى قضية (الهرولة الممانعة ) بالضد من (الهرولة الصريحة) …!
ولا نظن أن الذي وضع مصطلح (الممانعة) إلا بعثيا عروبيا فقيها عليما بدلالات اللغة العربية وأسرار معانيها: حيث المعنى القاع والمباشر للممانعة هو الذي يشير إليه القرآن الكريم في صيغة : “يتمنعن وهن الراغبات”!
أي نتمنع على اسرائيل دلعا وغنجا وصمودا وتصديا، فإذا ما أداروا ظهورهم لنا ناديناهم: أن هلموا جربونا!
وقد عبر نائب الرئيس للشؤون الخارجية المخضرم عن ذلك علنا، بأن الذي يحيل بيننا دون التفاهم والاتفاق مع اسرائيل هي أمريكا، وقد فهم أولمرت الرسالة، فأكد بأن السوريين لا يريدون لقاءانا- أو الأصح وصالنا تأسيسا على دلالة الممانعة-، إنهم يريدون وصال أمريكا بواسطتنا!
– لماذا إذا هذا التصعيد المفاجئ نحوك بعد أكثر من سنة على خطفك بالشارع بعد مقالك النقدي الشهير لحزب الله وايران في جريدة السفير!؟ هل كتبت ما يثير ردود فعل الأجهزة أم بسبب مشاركتك في حوار فكري على (قناة المستقلة)، الذي تواصل يوميا من 1-10 رمضان، هل تجاوزت سقفك المعهود؟
– لا لم أكتب خلال هذه السنة لأني كنت مشغولا بمرضي وسفري للعلاج، حيث نشرت بعض الدراسات الفكرية النظرية المنشورة سابقا في بعض المجلات باللغة الانكليزية لكي لا أنقطع عن القارئ.
واللقاء الحواري الذي شاركت به لم أتجاوز به السقف الذي أكتب في إطاره عادة، لكن أظن أن رئيس أحد فروع الأمن في حلب وصحبه، الذي خطفني وهددني بقطع اللسان فاجأه أن العملية الجراحية التي أجريتها في باريس كانت لاستئصال البروستات وليس لاستئصال اللسان!
وربما إن أكثر ما استثار سلطة الأمر الواقع المراد له ان يكون إلى لأبد، أن هذه الندوة التي دارت على مدى عشرة ايام، قد نجحت في بلوغ عنوان عريض حكم الحوار في اليومين الأخيرين، وهو ” الدولة المدنية بين المسلمين العلمانيين والمسلمين الاسلاميين!”
ورغم أنه يفترض بالجزء الأساسي من أهل السلطة، أنهم ينطوون مذهبيا على بطانة داخلية علمانية باطنية مضمرة توجب عليهم أن يرحبوا بمثل هذه النتائج، سيما وأنهم هم الذين بدأوا التأسيس لها في علاقتهم مع حزب الله وايران رغم ثيوقراطية الاثنين!؟
لكنهم- مع الأسف- فقد خذلونا وخذلوا مراهنتنا عليهم بقيادة سوريا نحو الدولة العصرية المدنية الحديثة، إذ قد أدمنوا ثقافة الفتنة وروح العصبية، ليدفعوا شابا طائفيا استجلبوه كي يؤدي دور موقظ الفتنة والتحريض بين المسلمين العلمانيين والمسلمين الاسلاميين في مدينة حلب، من خلال مقال “السيريانيوز” التحريضي!
– هل تعرف الشاب المذكور؟
– نعم، يفترض أني أعرفه، لكني مفاجأ بتحولاته واستحلاته، لقد زارني-منذ زمن طويل- بوصفه طالبا جامعيا رغم أنه أقرب إلى الكهولة- عضوا في (الحزب الشيوعي- جناح يوسف فيصل) وشكا لي أنهم طردوه من الحزب لعلاقته بالأمن، في حين يعتبر أن استهدافه من الحزب كان طائفيا، وكان يريد أن يوسطني ليتقرب من أوساط المعارضة، فدهشت كيف للمعارضة أن تقبل ما يرفضه حزب سلطوي، فإذا كان الحزب الشيوعي مثله ككل أحزاب الجبهة السلطوية (جبهة بلاضفاف) تجاه حزب البعث وفروعه الأمنية، فكيف للمعارضة أن تضم فرخا من أبناء جلاديها!
مع ذلك تعاطفت معه وقربته من أوساط المعارضة انطلاقا من نوايا طيبة تظن أنه قد يكون مظلوما. ثم ما لبثت الأحاديث تدور حول علاقاته الأمنية دون أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل حادة مباشرة ضده، انطلاقا من أن المعارضة تعتمد العلنية وليس لديها أسرار تستدعي القلق، سوى الأسباب الأخلاقية التي تحتقر الجواسيس.
وفجأة يتكشف هذا الطالب المزمن عن مفكر معتمد لدى الصحافة الالكترونية الأمنية، حيث لا تجد الأجهزة مثقفا في كل مدينة حلب سوى استجلاب شاب من الريف ممتليء بالعقد الطائفية العدائية لإطلاقها في مدينة حلب لارهاب مثقفيها والعاملين في الشأن العام، بل ويكلف أن يكون ندا من العيار الثقيل لكبارمفكري سوريا قاطبة، فيبدأ بمطاردة مقالاتي شجبا وإدانة وشتما، كما ويلاحق برهان غليون سلخا، وكان آخر مهماته الثقافية التصفوية العليا أن يبطح بفتوته الجسمانية شيخا جليلا كالدكتور صادق جلال العظم، وينزل به سخرية وتتفيها وتبئسا، وينهض منتصرا ليسأل إن كان هناك من مصاول!
ليكون مأل هذا الشاب الريفي الذي كان طيبا، هو الترفيع إلى مرتبة محرض على القتل، من خلال أوهام معلميه الغثة عن امكانية اللعب على تمزيق مدينة حلب، وتحريض أهلها على بعضهم بعضا، ولو أن في سوريا قضاء حقيقيا ومستقلا لكان الآن وراء القضبان بجريمة التحريض على القتل.
-هل أنت خائف ؟
-لقد قال لي ذات مرة قائد فلسطيني مخضرم: إنه لا يريد تشجيعي على مواصلة معركة الحرية، لأني لست بحاجة إلى التشجيع على الشجاعة، ولكنه يخاف علي من القرف والنأي بنفسي عن هذه المستنقعية والابتعاد عن نتنها، وأنا أعترف له ولك بأني بدأت أقرف فعلا…
لقاء مع المفكر. عبد الرزاق عيد
أستغرب جدا على مثل الدكتور عبد الرزاق ان يذكر عبارة ( يتمنعن و هن الراغبات ) منسوبة الى القرآن الكريم !!! انها – قطعا – لم ترد فيه و على ما أعلم فهي أيضا ليست لها صلة بالسنة النبوية الشريفة . لا شك – و الحال هكذا – أنها زلة لسان أو سقطة قلم