بعد 40 عاما من العطاء الفني العظيم مات “لوجيانو بافاروتي” قبل أيام في مدينته الصغيرة، مودينا،حيث دفن فيها. حزنت على موته فقد كان عملاقا في فنه كريما في ماله ونادرا في شخصية المحبوبة.
أمتع هذا الفنان الكثيرين بفنه الراقي وكان له الفضل في جعل الأوبرا فنا أكثر شيوعا. وقد أدمنت على سماع صوته طوال العشرين عاما الماضية، عندما بدأ نجمه بالصعود عالميا في منتصف الثمانينات، وحضرت عدد من حفلاته مع بدأ العد التنازلي لقوة أداءه مع منتصف تسعينات القرن الماضي.
اهتمت وسائل إعلام الدنيا بحدث وفاة هذا الفنان الكبير، وكان واضحا عدم اكتراث بلداننا البائسة بموته، فليس لمثل فنون الأوبرا مكان في عقولنا أو أفئدتنا!! وفاته ذكرتني بقصتي مع “لا سكالا”، والتي تعود لأعوام مضت.
من المعروف إن قمة الفخر والإنجاز لأي مغن أوبرا هو في الغناء بدار أوبرا “لا سكالا”، والتي تقع في قلب مدينة ميلانو الإيطالية. تعتبر هذه الدار الأكثر شهرة وتميزا في العالم، وفخر إيطاليا كلها، وهذه نقطة مهمة في قصتنا!!.
بنت الإمبراطور النمساوية “ماريا تيريزا” الدار قبل 230 عاما، وقام بتصميمها المعماري “جوسيب بيرماريني”. ما يميزها هو موقعها الفريد في وسط ميلانو وقربها من كاتدرائية “الدومو” الشهيرة، وساحاتها الواسعة. وبالرغم من كثرة مرتادي تلك المنطقة من الإيطاليين والمصطافين، إلا أن ما لفت نظرنا وقتها هو قلة مطاعم المنطقة ومحدودية نوعية أطعمتها، لهذا، فكرت ومجموعة من رجال الأعمال، وفي نفس سنة احتفال إيطاليا والعالم بمرور 200 سنة على إنشاء “لاسكالا”، باستثمار مطعم الأوبرا، والمهمل والغير مستغل بطريقة صحيحة، لحسابنا.
مكثت في ميلانو 14 يوما وقتها قمت خلال ذلك بدراسة المشروع من كافة نواحيه مع ممثلي الدار ومحامي الطرفين ومناقشة شروط التأجير ونوعية الديكور والمواد المستخدمة، ولم نترك شاردة أو واردة دون التطرق لها. ومن ثم تقرر عقد اجتماع حاسم للاتفاق على صيغة العقد، وتم ذلك بحضور المحامين، وقبل أن نضع توقيعنا الأولي على العقد، طرح أحد المحامين تساؤلا يتعلق بمدى استعدادنا للتقيد بقائمة طعام المطعم، التاريخية والقديمة!! وهذا موضوع لم يسبق أن تطرقنا له لعلمنا، عن جهل أو سذاجة، بأن من حق من يستأجر المطعم اختيار قائمة الطعام التي تحقق مصلحته!! وهنا أعاد ذات الشخص طرح السؤال بصيغة أخرى بعد أن لاحظ ترددي في الإجابة. شرحت له بأن فكرة استغلال المطعم جاءت من حقيقة أن المنطقة الكبيرة المحيطة بساحات كاتدرائية الدومو والأوبرا تفتقر لمطاعم الخدمة السريعة، بالرغم من كثافة مرتادي المنطقة طوال ساعات الليل والنهار. ونرغب بالتالي في تحويل مطعم أوبرا لاسكالا العريق والذي يحمل بصمات ورائحة تاريخ إيطاليا وأوربا الفني والسياسي خلال المائتي عاما الماضية، لبيع الحمص والمتبل والتبولة….والشوارما!! ما أن سمع محامي الدار ذلك حتى أغلق دفتره وجمع أوراقه وقام ليسلم علينا مودعا وهو يقول إن رمز حضارة إيطاليا الفني ليس للبيع!!
tasamou7@yahoo.com
* كاتب كويتي