عندما بشّر السيد عبد الحليم خدام، من خلال مقابلة معه ، قبل أكثر من عام ونصف العام بأن نظام بشار سيسقط قبل انتهاء صلاحية جواز سفره (أي جواز خدام) وصلت تلك البشرى لآذان كل السوريين إلا أن صداها جمعته آذان كل منهم على حدة وترجمته وفقاً لفهمها للسياسة وقراءتها للواقع في سوريا. فقد سخر، على سبيل المثال، وكرد فعل على ذلك التصريح، الكثير من السوريين المهتمين بالقول إن صلاحية جواز سفر السيد خدام تبدو مفتوحة النهاية وربما سرمدية إذا كان السيد خدام متأكد من أن سقوط الحكم الذي كان هو حتى قبل أشهر من ذلك الكلام أحد أسوأ أقطابه سيحصل قبل انتهاء صلاحية جواز سفره. وأما سجين سياسي سابق ويساري فقد حملت تنهيدته الكثير من مشاعر الأسى والحزن، إذ عجز كلامه عن إخراج ما في صدره من هموم واكتفى بالتذكير بأن ما يبني عليه السيد خدام آماله هو قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق المرحوم رفيق الحريري وما قد تأتي به التحقيقات والمحكمة من نتائج ولكنه نسي أو تناسى الأولويات السياسية الدولية أو أنه ما زال يحن إلى الماضي…! وفي كل الأحوال، ما قد يحصل فيما لو كان بحوزة لجنة التحقيق بقضية اغتيال الحريري ما هو كاف لإدانة النظام السوري وأراد المجتمع الدولي محاسبة النظام السوري عن جريمة الاغتيال المذكورة، فإن أبعد ما قد يحصل سيكون فرض العقوبات الاقتصادية على “سوريا” والتي لن تؤذي إلا الشعب المسكين المفقر والمجوع. وذلك يعيد إلى الذاكرة سنوات الحصار الاقتصادي على سوريا في الفترة ما بين 1986 و 1992 التي عضّت الشعب السوري وحده وفرزت بنفس الوقت شرائح من النظام والمقربين إليهم استفادوا من تهريب المواد المحظورة (بما فيها الأدوية) وباعوها للشعب السوري بأغلى الأسعار. ومن بين المستفيدين من ذلك الحصار كانت عائلة السيد خدام نفسه حين سخر أفرادها شركة الطيران العربية السورية لذلك الغرض. وتباينت التعليقات الأخرى على تصريح السيد خدام بين متسائل عما إذا كان سقوط النظام السوري سيبشر لمحاكمة كل الفاسدين لتشمل حتى من يحاول التنصل من تاريخه في السوء والفساد مع النظام كالسيد خدام وأولاده، وبين من يتساءل عما إذا كان السيد خدام يريد أن يأكل الحلاوة بعقولنا حين يريد طرح نفسه كمعارض للنظام الذي كان هو أشد المحافظين عليه وهو من حارب رواد ربيع دمشق وضحاياه لا تزال في السجون (بمن فيهم البروفيسور عارف دليلة)، وآخر يريد اكتشاف المزيد من صفات السيد خدام بالقول: ليس مهماً لي معرفة ردود أفعال السوريين على خدام (فذلك ليس إلا تحصيل حاصل) وإنما المهم هو كيف يواجه السيد خدام نفسه عندما يقول ذلك!؟ أيوهم نفسه أم أن هناك من أوهمه بما يقول أم …ماذا!؟ لقد وضع السيد خدام عصابة على عينيه كي لا يرى الواقع، وكذلك مسخ الماضي والحاضر حين أراد طرح نفسه كمعارض، متناسياً أن للمعارضة أسسها وشروطها والتي تكون أكثر صرامة على من كان أحد أبرز رموز السلطة لمدة نافت على عقود ثلاثة ونصف. وفقط عندما نفقد بوصلتنا السياسية وعقولنا، بل وعندما نريد أن نتنكر لنضالات السوريين ولتضحياتهم وعطاءاتهم، نعطي نفس صفة المعارضة والالتزام التي يحملها الأستاذ أنور البني أو الدكتور كمال اللبواني أو الأستاذ ميشيل كيلو وغيرهم… للسيد خدام.
في كل الأحوال، الشعب السوري، بحسه وبخبرته، يعرف أن النظام السوري ليس قائماً فقط على عدة أشخاص أو بضعة رموز (كما يكرر البعض بأنهم، بالتسمية، بشار وماهر وآصف، و..و…..) بل هو توليف سلطوي يشترك المؤدلج كما الجلاد للحفاظ عليه. ودور السيد خدام التاريخي في حفظ النظام الذي يتكلم ضده، لا داعي للتذكير أكثر، أنه كان أشد فقاعة من أن تخفيه عدة مقابلات تليفزيونية يتكلم فيها عن سلطة “بشار” وعن فساد آل الحكم. بتعبير آخر، لا يمتلك السيد خدام وسيلة لإقناع السوريين أن خدام المتكلم من داخل أحد القصور الباريسية هو غير خدام الذي كان في السلطة؛ أن خدام الذي قال للمعارض الوطني الأستاذ رياض سيف أن مطالب المعارضة في الديمقراطية والحريات هي السير الهادئ نحو “الانقلاب” هو نفس من يريد أن يتكلم باسم المعارضة عن الحرية والديمقراطية؛ أن خدام الذي قال لمجموعة منظمة حقوق إنسان بسخرية سيدخل السجين الذين يطالبون به موسوعة جينيس عندما يكمل الربع قرن داخل السجن؛ أن خدام الذي قال وبفمه ولسانه بمقابلته الأولى الشهيرة من شاشة العربية أنه يريد أن “يحمي” “بشار” ونصح بشار بأن يجلب “رستم غزالة ويقطع رقبته” هو نفس من يريد الخروج على نهج بشار؛ أن خدام الذي يلعب وأولاده بالملايين هو نفس الذي يتكلم عن شريحة ناكشي القمامة؛ أن خدام الذي يسخر بنفس المقابلة (آنفة الذكر) حتى من أسماء البشر حين يهزأ من اسم الميت أحمد أبو عدس بقوله “أبو حمّص” أن موقفه من “الإنسان”، بشكل عام، قد تغير….!
مجموعة وحيدة أرادت تصديق السيد خدام وهي جماعة الإخوان المسلمين برئاسة السيد علي صدر الدين البيانوني فتحالفت معه في ما يسمى بـ”جبهة الخلاص”. لم تدخر الصحافة والإعلام جهداً في المزاح والتنكيت على هذا التحالف حين وصفوه بسخرية، أو حين صوروا تمايل الجزء الأعلى من هامتي السيد خدام والبيانوني نحو بعض ورأسيهما تقتربان والابتسامة (الاصطناعية) على فميهما، مع تعليق طريف أن كل منهما يقترب مما يريد. فالسيد خدام يريد التوبة والغفارة ويتوخاها من الشيخ البيانوني، وأما الأخير فباقترابه من خدام فإنه يشم رائحة السلطة التي يتوق إليها….إلخ. ولكن موضوع اقترابهما من بعض في الواقع كان لأسباب أبعد من ذلك، بعضها نترفع عن ذكره ، وبعضها الآخر لا نريد تكراره أكثر، وواحد منها لا بأس بتذكير أنفسنا به هنا وهو اعتقاد كل من الطرفين أنه سيغنم (أو سيجني شيئاً) بالتحالف مع الآخر، وهكذا اعتقاد يعيد إلينا واحداً مما علمتنا إياه أمثالنا الشعبية عن المجلخ (أو المسن) الذي ضحك من النحلة التي غطت عليه لتجني فقال مستغرباً كيف لها أن تحاول أن تأكل منه وهو من يأكل من الحديد والمعادن الصلبة!؟ فجماعة الإخوان أرادت أن تنهل من معرفة السيد خدام حول السلطة وكيفية الوصول إليها. وأما السيد خدام ـ الذي لم ير من بين العلمانيين واليساريين واحداً يصدقه، ناهيك عن أن يلتف وراءه ـ فأراد تجميع الأشخاص حوله بأخذ ما يمكن أخذه من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين.
إلى أي حدّ أفلحوا أم لا في الوصول إلى ما أرادوه يبقى السؤال الآخر. وأما الأهم فهو أين تقف “جبهة الخلاص” قبل وأثناء وبعد مؤتمرها في برلين خلال منتصف أيلول الجاري من العمل المعارض ومن العمل السياسي ومن الشعب فهو ما يجب التفكير به.
وإذ لن ندقق في كل كلمة قيلت في “المؤتمر المذكور” أو ما خرج عنه ولن نتكلم بقضايا تفصيلية ولن نبين أي مشروع وأي أجندة يخدم نفس ذلك التجمع وأين يصب، فإننا نود أن نجلب عينات مما عرف من خارج “المؤتمر” إضافة لما تناقلته ألسن الحضور عنه. ومشكلتنا مع ذلك لا تكمن فقط في كيفية البدء؟ أو أين نبدأ؟ بل أيضاً: وهل هناك نقطة يجب إعطاؤها الأولوية على الأخرى لتبيان هزالة ذلك المؤتمر والرياء المحيق به!؟ وربما سنكتفي بذلك هنا! فقد أراد منظمو المؤتمر تسميته مؤتمر المعارضة السورية في حين أن المجريات بينت “كم من معارض!” قد حضر؛ وإذا كان المنظمون قد أرادوا تسميته مؤتمر السوريين فإن ذلك بقي رغبة لا تنفعها حتى المعجزات الإلهية كي تتجسد واقعاً، فعدد الحضور لا يتناسب مع عدد أبناء الشعب السوري الذي يزيد على العشرين مليون في داخل سوريا وربما أكثر من ربع هذا العدد من الملايين في الخارج. حيث أكدت أطراف حضرت ذلك اللقاء أن العدد الكلي لم يصل إلى المائة في اليوم الأول (بالرغم من زعم المنظمين أن عدد الحضور كان 140 شخصية) ومن ثم تناقص في اليوم الثاني. فهل هذا مؤتمر السوريين أو مؤتمر المعارضة السورية بالرغم من الدعاية والإعلام والعزائم والدعوات التي ملأت الدنيا والرجاء للناس كي يحضروا المؤتمر!؟ ثم أو ليست مهزلة أن يخرج بالتناوب مرة ص. ع. وأخرى غ. ال. خارج القاعة ليعود بعد قليل بحركات هزلية قائلا أن بعض السوريين أرادوا الحضور فمنعوهم!؟ أوليس ذلك بالمهزلة الحقيقية!؟ أولا يبتغوا إعطاء صورة مخادعة أنهم منعوا السوريين من الحضور فقط ليغطوا إحدى الفضائح المتمثلة بعجزهم عن تأمين مائة شخص من بين ملايين السوريين!؟ يلهثون وراء البشر للحضور ويقولون أنهم طردوا من حضر إلى الباب!؟ فليذكروا لبقية السوريين أسماء من طردوهم …. وما دمنا في طور الكلام عن فضيحة الحضور لا نستطيع إلا أن نتساءل أيضاً عن المهزلة الكامنة في توجيه الشكر للحكومة الألمانية لاستضافتها المؤتمر (كما نشر موقع أخبار الشرق ووزع موقع سوريا الحرة ذلك) في حين أنه لم يكن هناك ألماني واحداً بين الحضور!!!! من الذي استضافهم؟ فليقولوا بالأسماء من منَ الحكومة الألمانية رعاهم أو رعى مؤتمرهم!؟ هل يعني أن يحجز المرء في أوتيل في أي بلد أوربي أن حكومة البلد الواقع به الفندق يستضيف نزيل الفندق كسياسي!؟ لا نعرف بأية مقاييس (ماعدا المقاييس الخلاصية) يحصل ذلك! ونبقى مع الحضور، ولا نبغي الكلام عن شخوص الكثير منهم إذا ليس ذلك هدفنا ولكننا نريد أن نتساءل عمن يمثلون من شرائح وفئات ومكونات الشعب السوري السياسية، الاجتماعية القومية الإثنية (كما أرادوا القول)! هل يتجرأ أحد أو آخر على أن يقول أنه يمثل العرب، الأكراد، القوميين، إلخ هناك؟ بالطبع لا، فالعرب كما الأكراد سارعوا إلى إعلان مواقفهم. والملاحظة العامة حول التمثيل لهذا الطيف و ذاك هي أن التهريج يكرر نفسه منذ سنوات. ففريد الغادري أراد مرة ـ وربه أدرى لماذا! ـ تبيان أن له امتداداً بين القوى السورية ومختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي السوري، فتفاهم مع حفنة من الأكراد على خلق أكثر من اسم منظمة أو حزب أو تجمع إلخ ليقول إن تلك المنظمات منضوية تحت لواء تحالفه “الديمقراطي” وبدأ يبحث عن دين ذلك الشخص وعن مدينة أو عمل الآخر ليوظف ذلك في ألاعيبه.. بل أراد أن يثبت أن له امتدادات عربية وعالمية. فمرة قال إن العشائر العربية تلتف خلفه وبدأت تحركها من اليمن حيث عقد أعضاء الحزب في اليمن مؤتمرهم. وأخرى زار قطر مع حفنة (ممن أرادوا تغيير الجو) وقال إن أعضاء حزب الإصلاح والتحالف عقدوا مؤتمرهم في قطر. وثالثة ذهب إلى مصر مع صحفية أحد المواقع الالكترونية (ب. م.) وقال إنه عقد مؤتمراً لحزب الإصلاح في القاهرة. مرة أخرى نقول أن التهريج يكرر نفسه حين نرى في الفترة التي سبقت الإعداد للمؤتمر الخلاصي “العتيد”، حيث تكررت هذه الظاهرة بخلق أحزاب العضو الواحد وأحزاب العضوين والأربعة أعضاء بما فيهم زوجة رئيس الحزب…! فسمعنا بأحزاب وبشخصيات وأحزاب لا نعرف عنها إلا اسمها المفبرك خلاصياً. من تهريج فريد الغادري مؤخراً فبركة بوسترات لصور له زعم أن “الجماهير” رفعتها في ثلاث مدن سورية وأن الأمن استنفر. ونفس الشيء فعلته جبهة الخلاص وأعوانها عندما بدأت بالتخريف أن المنشورات توزع في داخل سوريا من قبل جماهيرهم وأن الأمن في سوريا مستنفر بسبب لقاء فندق الخمس نجوم البرليني الذي يجمع “أقطاب المعارضة” وأن النظام السوري يفاوض معارضين سوريين على العودة إلى سوريا شريطة أن يقاطعوا مؤتمر جبهة الخلاص. من المهازل الأخرى المتعلقة بذلك اللقاء هو العقلية التي يتحلى بها السيد خدام والعالقة معه منذ أيام معلمه حافظ وبشار. إذا قال ابن السيد خدام لأحد الأشخاص المدعوين للحضور أن الوالد “أي السيد عبد الحليم” سيعينه عضواً قيادياً في “الأمانة العامة” لجبهة الخلاص فيما لو انضم إليهم.. لكن ذلك الشخص رفض. أولا يحكي ذلك الكثير عن “ديمقراطية خدام” حين نعلم أنه يعرف سلفاً من سيكون عضو قيادي في الأمانة العامة لجبهة الخلاص حتى قبل انعقاد المؤتمر!؟ ومرة أخرى هل خدام السلطة يختلف بتركيبه السياسي عن خدام الذي يتوق إليها؟ في كل الأحوال، كانت انفعالات أحد الحضور الإسلاميين (ف.خ. ال.) بمكانها حين قال عن الترتيب المسبق والذي لا يختلف عن ترتيبات نظام الأسد في التعيينات. وعن المستوى السياسي للجلسات لا بد من تفكيه القارئ بالكلام عن الغرض الذي تذاكى به أحد الحضور بالطلب إلى المستقلين الحضور أنه يعرض عليهم أن “يبقوا مستقلين” ويشكلوا “حزب المستقلين” وينضووا تحت لواء الجبهة!!!! أوليس ذلك الطلب أكبر المهازل إذا يدل على تدني الوعي والسوية السياسية لدى قائله الذي لايدرك أن مجرد التحزب تحت أي اسم كان يفقد الشخص استقلاليته!
تكلموا عن التمويل بالتكتم على مصدره الذي رفضوا أن يعترفوا بأكثر من أنه أتى من مصدر “ممول عربي”. من هو هذا الممول العربي الديمقراطي النزيه؟ وتكلم السيد خدام عن نجاح أولاده كرجال أعمال….!! أليس ذلك باستهتار بعقول الجميعّ لماذا فقط أولا المسؤولين هم رجال الأعمال الناجحين!؟
نستطيع الكلام الكثير عن مهازل “الخلاص” و”جبهة الخلاص” ولكننا لن نسترسل أكثر، ودافعنا في الكلام هنا هو ـ كما من قبل ـ هو طرح الأسئلة التي تحتاج لأجوبة: أما آن الوقت لوقف المهازل والقول إننا هنا!؟ أوليس حرياً بنا أن نتوقف عن الخجل ونبين أن حربنا ممتدة وعلى عدة جبهات منها تلك مع السلطة الطاغية وأخرى لا بد منها مع مدعي المعارضة؟ ألم يحن الوقت لوقف الزعبرات والمزعبرين عند حدهم وتحجيمهم فنحن أمامنا قضية شعب يعاني من سلطة قمعية استغلالية وهم أمامهم قضية الأكل والشرب والنوم في فنادق الخمس نجوم؟ أما آن الأوان لعنقاء المعارضة السورية الحقيقية أن تحيا من جديد!؟
saidabugannam@yahoo.com
* كاتب سوري – برلين
الخلاص في برلين او حطين؟!ايه ياعرب يا امة ضحكت من جهلها الأمم، بالأمس جلاد النظام واليوم نصب نفسه المخلص… حقيقة اشياء لا تحدث الا في دنيا العرب البائسة…كم نحن شعوب بائسة بالفعل ، العالم من حولنا تغير و تطور نحو الأفضل ونحن انظمة و معارضات مكانك سر او للخلف در… ليس من المستبعد ان يخرج علينا ناعق آخر من النظام و مؤيدوه او المعارض للأنظمة و المعارضات الأخرى و يلصق التهم الجزاف بتمويل مؤتمر برلين على جهات لها خلاف سطحي مع النظام او المعارضات . و ليس مستبعد ان تقوم اسرائيل بشراء بعض الذمم في سبيل خلط الأوراق و اظهار… قراءة المزيد ..