اثارت تصريحات الامير طلال بن عبد العزيز الاخيرة موجة لغط اعلامية في الخارج بعد ان تجاهلها الاعلام السعودي الرسمي كما كان متوقعا.
دارت التصريحات هذه حول اربعة محاور مهمة. اولا معضلة الاستئثار بالسلطة من قبل حلقة صغيرة جدا من الاخوان السعوديين واقصاء المجموعة الاخري ومنها تلك التي ينتمي اليها الامير طلال. ثانيا: تضمنت تصريحات الامير اشارة واضحة لمدي تفشي الفساد في الاسرة الحاكمة خاصة عندما تعرض الامير لفضيحة اليمامة وطالب بالتحقيق في خفاياها من قبل هيئة مستقلة. ثالثا: انتقد الامير الحكم التعسفي الذي يمارسه النظام بحق الاصلاحيين الذين طالبوا بتغييرات جذرية تخرج البلاد من دوامة العنف والاقصاء.
واخيرا صرح الامير انه بصدد انشاء حزب سياسي له برنامج اصلاحي. لسنا هنا بصدد تقييم الامير او اصلاحاته المطروحة ومدي تأهيله لطرح مثل هذه البرامج ولكننا نعتقد ان الاخير واجهة مدعومة من جناح معين داخل الاسرة الحاكمة بدأ يشعر ان الحكم قد افلت من يده وولي دون رجعة. وما هي الا فترة قصيرة حتي تتم عملية الاستئثار بالحكم بشكل واضح وصريح يؤدي الي هيمنة علي مرافق الدولة كلها وليس فقط الوزارات المهمة والحساسة كالداخلية والدفاع وامارة منطقة الرياض. ما يهمنا هنا هو دعوة الأمير للفعاليات الاصلاحية المعروفة والتي ارتبطت اسماؤها بالحركة المطالبة بالملكية الدستورية الي الانضمام تحت لوائه وهي دعوة واضحة وصريحة لامتصاص واستيعاب هذا التيار حتي يصبح جزءا من الحلقات الأميرية. وبما ان هؤلاء الاصلاحيين يتميزون بأقلامهم الجريئة وقدرتهم الفكرية المرتفعة ومؤهلاتهم العلمية القادرة علي صياغات جدية نجد دعوة الأمير تمثل محاولة لوضع هذه المؤهلات تحت تصرفه وفي سبيل حزبه الجديد الذي يعزم علي تأسيسه. وان التقت بعض الشعارات الاصلاحية المرفوعة مع شعارات الامير الا ان المشاركة السياسية تعني بالنسبة له شيئا مختلفا تماما عما يطمح له دعاة الاصلاح الدستوري. بالنسبة للامير المشاركة السياسية تعني ادخاله هو وابناءه في الحلقة السياسية المغلقة. فرغم الثروات الطائلة التي جمعها ابنه الوليد بن طلال حتي انه دخل موسوعة غينيس ولوائح فوربز من بابها العريض الا ان الامير وابنه لم يحظيا بأي منصب سياسي حتي تظل هذه المناصب محتكرة من قبل الجوقة الصغيرة وابنائها. وربما يقتنع البعض ان الثروة الاقتصادية قد تكون كافية لاشباع غريزة الظهور والاستهلاك الا انها في بعض الحالات تظل ناقصة وغير قادرة علي اشفاء الانسان من حبه للسلطة والقوة. وهذا بالفعل ما ينقص الامير وابنه. ان انخرط التيار الاصلاحي في مشروع المنافسة العائلية وصراع الاجنحة فسيفقد مصداقيته ويذوب كما ذاب شعار الاصلاحيين في الستينات. وليس من المستبعد ان ينالهم العقاب الصارم من السلطة تماما كما حدث لتلك المجموعة الوطنية التي انخرطت في مشروع الامراء الاحرار تحت عباءة الامير وقد سجن بعضهم ونفي البعض الآخر ولكن الامير قد صفح عنه الاخوة واستقبلوه في بلاطهم وغفروا ذنبه. ومن السهل علي السلطة احتواء ابنهم الضال والصفح عنه ولكن المنخرطين في المشروع من عامة الشعب حينها تشتتوا في بقاع الارض وبقوا من فئة المغضوب عليهم.
اما اعلان الامير عن رغبته في تأسيس حزب سياسي بقي دون تعليق من قبل المعنيين بالامر الذين يقيسون الاحداث بمقياس تفسيراتهم الشرعية. عادة يتصدي هؤلاء المعروفون باسم العلماء وطلبة العلم لكل ما هو سياسي خاصة وان كانت المبادرة شعبية لا تقع تحت الوصاية الاميرية. لقد اعطاه الامير فرصة تاريخية من خلال مقابلته التلفزيونية وتصريحاته لوكالات الانباء العالمية لان يفعلوا علمهم الشرعي ويصدروا فتاواهم المعروفة. فها هم امام شخصية تثير الفتنة خرجت علي ولي الامر وها هي تحرض الآخرين علي مثل هذا الخروج ليس هذا فحسب بل استعرض الامير امام شاشات التلفاز مساوئ النظام من اقصاء وتهميش وغياب للعدالة وفساد. وربما لن يطول الانتظار حتي يبدأ الامير بارسال الفاكسات والرسائل الالكترونية التي تستعرض معاصي ولاة الامر علنا وقد يؤسس اذاعة خاصة تضاف الي قنوات روتانا واخواتها ليبث حقده الدفين علي دولة التوحيد. لماذا لم يصدر هؤلاء بياناتهم المشهورة خاصة في ما يتعلق بالحزب والحزبية وكلها مصطلحات تفجر فتاوي غريبة عجيبة. نستغرب صمت هؤلاء المدعوين طلبة علم. وكبار العلماء ونحن نعرف انهم لا يستشيطون غضبا وتكفهر وجوههم وتتشنج اذانهم لمجرد سماعهم كلمة حزب. ولكن يبدو ان فتاواهم تجيز للامير مالا تجيز لغيره وتحلل للامير ما لا يحل للشعب ونخبه وناشطيه. والغريب ان الامير ربط مشروع تأسيس الحزب القديم المتجدد بموافقة ولي الأمر وليس بموافقة ما يدعي اهل العلم وطلبته. اي ان المرجعية التي تحرم وتحلل ليست مرجعية دينية كما يدعي النظام السعودي عندما يشهر سيفه علي الناشطين السياسيين في الماضي والحاضر وانما اهواء السلطة السياسية. فبينما يجيش النظام علماءه من اجل التصدي للاحزاب ومؤسسيها وللفئات الضالة وخوارجها رغم ان الكثير منهم لم يرفع السلاح علي ولي الامر وانما رفع قلما وصوتا نجده لم يطلب من علمائه ان يفتوه في تصريحات الامير العلنية التي تبدد هيبة ولي الامر ولا تتقيد باسلوب النصيحة السرية والهمسات الخفية. وهو الاسلوب الوحيد المسموح به وان خرجت النصيحة لا سمح الله الي الاعلام وتناقلتها وكالاته العالمية فهذه جريمة لا تغتفر بحق الامة وقيادتها. من الواضح ان شريحة العلماء فضلت حتي هذه اللحظة ان لا تحشر علمها الشرعي او ما يسمي كذلك في خصوصيات الاسرة من مبدأ الشيوخ ابخص وربما هي تنتظر اشارة ما لتنبش مراجعها ونصوصها المقدسة وان تفاقمت القضية ربما تجر الي اعطاء رأيها في صراع داخلي تماما كما فعلت في الستينات عندما خلعت ولي الامر حينها سعود واستبدلته بالملك فيصل بعد ان استطاع هذا الاخير ان يحصل علي فتواه المطلوبة والتي تشرعن لخلع ولي الامر بعد استكمال الشروط.
قد تكون مبادرة الامير طلال بن عبد العزيز الجديدة مدعومة من جناح في الاسرة ولكن الاهم من ذلك انها تأتي في مرحلة اتسمت بممارسة العنف تجاه شريحة كبيرة من المواطنين الذين فكروا في تأسيس جمعية سياسية ومنهم الذين تم اعتقالهم منذ شهر شباط (فبراير) تحت تهم غير مبررة متعلقة بالارهاب وتمويله رغم ان كل التقارير التي اصدرتها منظمات حقوق الانسان العربية والعالمية قد ادانت هذا الاعتقال التعسفي. يظل هؤلاء في السجون دون محاكمة. بالطبع لن يعتقل اي امير يعلن رغبته في تأسيس حزب ولن يتهم بالارهاب تماما كما يحصل للمواطنين العاديين. وربما يتم تأسيس مثل هذا الحزب في المستقبل القريب كمحاولة لقطع الطريق علي اي محاولات مستقلة بعيدة عن السلطة تماما كما حدث عندما اسست الدولة جمعية حقوق انسان وعينت رئيسها بعد ان كثر الحديث عن رغبة مجموعة معينة تأسيس جمعية حقوق انسان مستقلة. يستبعد النظام عادة مثل هذه المحاولات ويقتنص المبادرات لانه لا يقبل ولن يقبل بأي مبادرة شعبية مستقلة ليس له فيها اي شأن. قد يكون حزب الامير محاولة استباقية من قبل جناح معين داخل النظام يقطع الطريق علي اي محاولات مستقلة قد تخرج الي العلن. وهذا يلفت الانتباه الي استراتيجيتين معروفتين مارسهما النظام السعودي لصد وخنق اي عمل سياسي في الداخل والخارج. اولا الاستراتيجية المعروفة القديمة والمبنية علي البطش والقوة كالاعتقال والتصفية والفصل عن العمل والمنع من السفر وحتي سحب الجنيسة اما السياسة الثانية فهي تدور حول الاستيعاب والاحتواء اللذين يؤديان الي ذوبان التيارات الاصلاحية وتفككها وانفراطها تحت ضغط التخويف والقمع من جهة وشراء الذمم من جهة اخري. حزب الامير الجديد ربما يكون من باب الاستراتيجية الثانية الهادفة الي احتواء التيار الاصلاحي تحت عباءة النظام او طرف معين داخل النظام وقد ينخدع بعض الاصلاحيين بهذا الحزب وينخرطون في مشروعه وبذلك تتحقق اهداف النظام المتعلقة باستيعاب كل ما هو سياسي مطالب بالتغيير الجذري لهيكلية قديمة غير قادرة علي التعاطي مع التغيرات التي طرأت علي التركيبة الاجتماعية. فقط الاشهر القادمة هي القادرة علي فضح سياسة النظام العلنية وما خفي منها والتي علي اساسها نقرأ استراتيجية التصدي للتيارات الاصلاحية في السعودية وهل ستؤدي هذه الاستراتيجية الي مزيد من العنف والاعتقال ام ان سياسة الاحتواء ستكون انجح واكثر فعالية.
http://www.alquds.co.uk
http://www.madawi.info