تتشارك تنظيمات الإسلام السياسي في إعلانها الوصاية على الدين، كما تتنافس في الانفراد باحتكار حقائقه والنطق باسمه. إنها تؤسس “مشروعيتها” على “خوصصة” الدين وتنصيب نفسها بمنزلة”القائم بأعمال” الله تعالى في ملكوت الدنيا ، بحيث تتولى ـ بمقتضى هذا التنصيب ـ الاعتداء على إرادة الله ومشيئته في خلقه. ومن ثم فهي تدخل من تشاء في دائرة الإيمان وتحكم بالكفر على من تبغض . وتجتهد هذه التنظيمات في تمطيط لائحة “الكفريات” التي بمقتضاها تُخرج كل من يخالفها الرأي أو يعصى على التطويع والتنميط داخل قوالبها ـ تخرجه ـ من نور الإيمان وتلقي به في غياهب الكفر والمروق. ولا ينج من هذا المصير المشئوم مثقف أو مناضل أو فنان أو عامل أو طالب. كل هؤلاء لن تفيدهم صلواتهم في كسب رضا الجماعات الإسلامية التي لا تقبل منهم توبة ولا أوبة. إن هذه التنظيمات الإسلامية التي تدعي الوصاية على الدين والرقابة على الضمائر هي أول من يخالف تعاليم الإسلام ويخرق مبادئه. وعلة ذلك أن الأهداف الحقيقية التي تحرك هذه التنظيمات لا تشمل أبدا خدمة الدين وإشاعة أخلاقه . وبقدر ما تكون البواعث السياسية هي الطاغية، بقدر ما تشتد الإساءة إلى الدين ويسوء توظيفه استجابة لتلك البواعث وخدمة لتلك الأهداف. إن هؤلاء الأوصياء، لما تغشى السياسة أبصارهم ، تتعطل بصيرتهم إن لم يفقدوها بالمرة، بحيث لا يعودوا قادرين حتى على إدراك ما تخطه أيديهم من أخطاء.
والأمر لا يتعلق فقط بالتنظيمات المتطرفة التي لا تقرأ من القرآن الكريم إلا الآيات التي لها قابلية لأن تتحول إلى وعاء للتكفير وعبوة للتفجير؛ بل يشمل كذلك الجماعات التي تحشر نفسها ضمن خانة “الاعتدال”. وهذه بعض النماذج من أخطاء “المعتدلين” التي كان بالإمكان التغاضي عنها وفق ما ينص عليه حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، لولا أن الأمر يتعلق بمن يُفترض فيهم ـ انسجاما مع دعواهم ومزاعمهم ـ الحرص الشديد على المراجعة والتدقيق في كل ما يقولون أو ينشرون . وأذكر جيدا أن هؤلاء “المعتدلين” شنوا هجوما شرسا وتهجما سافرا على الأستاذ محمد جسوس ـ بداية التسعينات من القرن الماضي ـ لا لأنه “سب” الدين أو “أنكر معلوما من الدين بالضرورة” ، بل لأنه أخطأ ـ في معرض حديثه ـ في الآية الكريمة (وكرمنا بني آدم) حين قرأها (وكرمنا بني الإنسان). جعلوا من هذا “الخطأ” مطية لاتهام الاشتراكيين والعلمانيين بجهل الدين ومحاربة تعاليمه . كانوا ولا زالوا يتصيدون أدنى خطأ يقع فيه كاتب أو صحفي يخص حديثا شريفا أو آية قرآنية، على مستوى اللفظ أو الترقيم . ومن ينسى ما فعله شيخ المتطرفين محمد الفزازي لما استشاط تكفيرا وتمريقا في وجه محاوره في برنامج الاتجاه المعاكس حينما أخطأ في ذكر آية الزمر فقرأها آية الرمز. خطا جعل منه الفزازي دليل كفر ومروق خصمه. وكذلك يفعل الإسلاميون مع من يخطئ في قراءة نص ديني. إنهم يتخذون من مثل هذه الأخطاء دليل الاتهام وقرينة الإدانة. والغاية من ذلك هي إقرار وصايتهم على الدين ومعرفتهم بتعاليمه دون باقي خلق الله. تزكية للنفس وتجسس على الناس خروقات اعتاد عليها أتباع هذه التنظيمات وهم يقرؤون نهي الله تعالى عن إتيانها في محكم تنزيله (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) وقوله (ولا تجسسوا). وليس القصد هنا تصيد أخطاء هذه التنظيمات، بقدر ما هو تنبيه لها إلى خطورة إلصاق تهم “التلاعب” بالنصوص الدينية أو “تحريفها” بالخصوم السياسيين. فمن شأن هذا الاتهام أن يندرج ضمن “شرعنة” التكفير، ومن ثم شرعنة قتل “الكفار” الذين يجهلون أبسط أمور الدين والعبادات. وبناء عليه، لن يكون الإسلاميون مصدر الفتوى فقط بل موضوعها كذلك. لأن طبيعة الأخطاء تستدعي ـ حسب هذا المنطق التكفيري ـ سحب فتوى “التلاعب” بالدين على الإسلاميين أنفسهم . وهذه نماذج من تلك الأخطاء:
1 ـ في مسألة أوقات الصلاة: نشرت جريدة التجديد في عددها ليوم 28 غشت الماضي جدولا يوضح أوقات الصلوات الخمس يهم 13 إقليما يجعل الشروق غروبا والصبح عشاء والظهر فجرا وذلك على الشكل التالي: بالنسبة لمدينة الرباط يكون أذان الصبح في الثامنة وعشرين دقيقة ليلا؛ بينما الشروق يكون في الساعة السابعة ودقيقتين مساء ، فيما العصر يحين وقته في تمام الساعة 12,34 دقيقة زوالا. أما أذان المغرب فيرفع في الخامسة وخمس وخمسين دقيقة صباحا، ليكون وقت صلاة العشاء عند طلوع الفجر، أي عند الساعة الرابعة وأربع وعشرين دقيقة. إن هذا الخطأ ـ إذا ما حاكمنا جريدة التجديد وإدارتها والجهة التي تُصدرها بالمقاييس ذاتها التي يحاكمون بها خصومهم ـ سيكون غير مقبول من الذين تطاول رئيسهم، من قبل ، على ملك البلاد محمد السادس لما دعا إلى تجريده من الصفة الدستورية “إمارة المؤمنين” التي تخول للملك مهمة الحفاظ على الدين وحمايته وضمان حرية الاعتقاد لجميع المواطنين . طبعا لم يكن الهدف هو حماية الدين ، لأن الملك لم يصدر عنه ما يمس بالعقيدة، بل الهدف هو الاستحواذ على السلطة الدينية والانفراد بها؛ ومن ثم ممارسة الوصاية الدينية على الملك والشعب معا . أي التأسيس للسلطة الكهنوتية التي لا راد لسلطتها .
2 ـ في مسألة الآيات القرآنية: تكفي الإشارة هنا إلى الأخطاء التي ارتكبها مرشد جماعة العدل والإحسان في بعض كتبه، وهو الذي يزعم تلقيه الوحي ومجالسته الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واطلاعه على اللوح المحفوظ وعلمه بالغيب ورؤية الأرواح في البرزخ. كل هذه “الكرامات” تعطل مفعولها ولم يعلم الشيخ بأخطائه إلا بعد طباعتها ونشرها. ومن تلك الأخطاء ما تعلق بنص الآية (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين) والصحيح (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) (في الاقتصاد ص 83) .
أما الأخطاء المتعلقة بالتأويل وسوء التنزيل ، فهي قضايا تملأ كتب هذه التنظيمات وأدبياتها . وبسببها كان الاعتداء على سلطان الله وعلى دينه وخلقه .
selakhal@yahoo.fr
* كاتب مغربي
الأوصياء على الدين هم العلمانيون .العلمانيون العرب .. يريدون ان يذعن الله لرغباتهم لانهم اهل الفتوى .. ويريدون منه ايضا ان يقر ويعترف ان رفضهم للتشريعات الاسلامية لا يستوجب المساءلة في الاخرة.. وعليه كذلك ان يمنع دعاة الاسلام من لبس قميص دينه والتحدث باسمه لان الوكيل الشرعي له في الدنيا هم العلمانيون حصرا ..ولانهم الوكيل الحصري لله في الارض.. فقد توجب عليهم تصحيح اخطاء الذين لبسوا قميص الاسلام .. بالنقطة والفاصلة .. وحتى طول اللحية ونصف قطرها ( بالمناسبة انا حليق اللحية ) اتساءل الا يوجد مساحة مشتركة نتفق عليها ..؟ اقصد نحن اتباع الاسلام السياسي والعلمانيون .. ازعم انه… قراءة المزيد ..