كتب الزميل الأستاذ لؤي إسماعيل مقالاً نشر على موقع النزاهة بتاريخ 15/9/2007 بعنوان”هل حكومة العطري هي المشكلة؟” وذلك في معرض رده على ما قلته وقاله الأستاذ عبدالله علي من أن حكومة العطري مع حفظ الألقاب هي حكومة تسير أعمال واستمرارها في عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات هو أمر مخالف لأحكام الدستور. تساءل فيه قائلاً : (هل بنية حكومة السيد العطري هي المشكلة والعائق أمام تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي المطلوب وتلبية احتياجات المواطنين وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، بحيث إذا حصل تغيير حكومي فإن الأمور ستتحسن على كافة الأصعدة وسينعم المواطن السوري باقتصاد مزدهر وستطوى صفحة الفساد إلى غير رجعة وستصبح سوريا بمثابة ماليزيا العرب …؟؟
فلو قرأ الزميل لؤي جيداً ما كتبناه لوجد إننا لم نأت على ذكر ذلك مطلقاً، بل إن جل ما قلناه بشان حكومة العطري هو أنها حكومة مخالفة لأحكام الدستور وهي مجرد حكومة تسيير أعمال. طبقاً للمادة 122 من الدستور التي تنص حرفياً: (“عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أوعجزه الدائم عن القيام بمهامه لأي سبب كان، يستمر مجلس الوزراء بتسيير أعمال الحكومة ريثما يسمي رئيس الجمهورية الجديد الوزارة الجديدة”).
وإن غايتنا من كل ذلك كانت ولا زالت هي في تسليط الضوء على المخالفات التي ترتكب بحق الدستور والانتهاكات التي مازال يتعرض لها الدستور منذ صدوره في العام 1973 وحتى الآن، وإن غايتنا أيضاً حشد التأييد والدعم لوقف تلك المخالفات، ورفع تلك التي الانتهاكات المرتكبة بحق الدستور سواء من قبل الأفراد أو الهيئات، وبغض النظر عن رأينا في بعض أحكامه ولاسيما المواد 3و8 و84 منه، التي تحتاج إلى تعديل أو إلغاء بما يتماشي مع روح العصر الذي نعيشه، فإن أحكام الدستور يجب أن يحترمها الجميع حكاماً ومحكومين على اعتبار أن دستور أية دولة يبقى المصدر الأساس لأي نشاط تقوم به تلك الدولة والمصدر القانوني لجميع السلطات فيها. بحسبان أن الدستور يتميز عن سائر القوانين بماله من طبيعة خاصة تضفي عليه صفة العلو وتسمه بالسيادة، لأنه كفيل الحريات وموئلها ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها. وانطلاقاً من ذلك جاءت دعوتنا للمهتمين وأستاذة وفقهاء القانون الدستوري واللجنة الدستورية في مجلس الشعب والمحكمة الدستورية العليا…الخ ، لتوضيح هذه المسألة الدستورية الهامة والحساسة.
وبعيدا عن ذلك فإني اتفق مع الأستاذ لؤي في قوله: “حكومة العطري ليست هي المشكلة أو العائق” الذي يقف أمام تحقيق احتياجات المواطن والبلد ككل، وأن رحيل هذه الحكومة “لن يجعل من سوريا ماليزيا العرب”، ولكن إذا كانت حكومة العطري ليست هي المشكلة.. فهي بالتأكيد جزء منها وجزء أساسي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا فعلت تلك الحكومة منذ تعيينها وحتى الآن؟ فبدل أن تعمل على حل مشاكل المواطنين والتخفيف من معاناتهم مع الغلاء المستمر الذي أرخى بظلاله الثقيلة على حياتهم، وبدل أن تعمل أيضاً على تلبية احتياجات البلد الضرورية، لم نسمع منها إلا التصريحات والمقابلات، التي تقول أن الوضع الاقتصادي سليم ومعافى..الخ بينما الفساد مازال ينتشر في كل ركن وزاوية في طول البلاد وعرضها مخترقاً كل الحواجز الخجولة التي تحاول وقفه بحياء. وماذا فعلت الحكومة بهؤلاء الفاسدين والمفسدين والفاسدين ناهبي قوت الشعب والمال العام ؟ وهل تجرأت على سؤال أحداً من أؤلئك الذين ظهروا فجأة بفيلاتهم وشركاتهم وقصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة وحساباتهم الفلكية المودعة في البنوك الأجنبية من أين لهم ذلك ؟ أم أن الله أنعم فأغدق عليهم بكل ذلك..بينما أنا وأنت وكثير غيرنا مازال يسعى جاهداً لتأمين لقمة العيش لأولاده..!!؟؟ أليست الحكومة وبحجة وقف تهريب المشتقات البترولية روجت بلسان رئيسها وفريقها الاقتصادي لرفع الدعم تحت شعار ما سمي” إعادة الدعم لمستحقيه” فلماذا لم تظهر هنا جرأتها في محاربة مهربي المحروقات ومن يدعمهم، وهي تعرفهم بالتأكيد ؟ ولو فعلت ذلك لكانت وفرت على الخزينة أضعاف الدعم الذي تقدمه للمواطنين.
أم أن جرأة الحكومة لاتظهر إلا في رفع الدعم عن المواطنين وقطع الماء والكهرباء عنهم؟ تلك الجرأة التي وصلت برئيس الحكومة أن يقرر حرمان عائلة من لقمة عيشها بصرف زوجة معتقل سياسي من الخدمة لمجرد أنها زوجته فقط، وأن يقرر أيضاً صرف موظف من الخدمة لمجرد أنه كتب مقالاً عن الفساد بعنوان: “عنكبوت الفساد في وزارة المالية”.
صحيح: أن العوائق والصعوبات التي تواجهها هذه الحكومة لن تختلف كثيرا عما واجهته أي حكومة سابقة”، وأزيد على ذلك أن الضغوطات والتحديات الخارجية التي تتعرض لها الحكومة الحالية هي أشد وأقوى بكثير مما تعرضت له الحكومات السابقة، ولكني أسألك هنا، متى توقفت تلك الضغوطات عن بلادنا.؟ فعلى حد علمي أنه منذ اندحار الاستعمار التركي، وجلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا لم تتوقف يوماً واحداً، بل ما زالت وستبقى بلادنا كذلك عرضة للأطماع والتهديدات الخارجية، فهل نقف مكتوفي الأيدي نبكي على الأطلال، ونجتر الماضي.!؟
فيا صاحبي.. إن تلك الضغوطات والتهديدات الخارجية مهما بلغت من القوة، يجب أن لا تمنعنا من محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أياً كانوا وفي أي موقع كان، وإن تنظيف بيتنا من الفساد والمفسدين والفاسدين وسارقي قوت الشعب والمال العام سيمكننا بلا شك من إغلاق إحدى أخطر وأهم المنافذ التي شكلت وماتزال تشكل بوابة العبور لتلك التهديدات والأطماع الخارجية إلى داخل بلادنا، ومن هنا تأتي أهمية إصلاح إلا دارة وتطويرها بشكل جذري، ولكن حتى ننجح في هذا الأمر لابد أن يتم الإصلاح الإداري بالتوازي مع الإصلاح السياسي، باعتبار أن الإصلاح السياسي والإداري يتكاملان مع بعضهما البعض، فهما وجهان لعملة واحدة لايتحقق وجه الواحد منها إلا إذا كان ملتصقاً بالآخر. بما يؤدي في النهاية إلى تفعيل الحياة السياسية على أسس قانونية منظمة تسود فيها لغة الحوار المشبعة بروح قبول الآخر، وتمكين أبناء الوطن الواحد في أن يكونوا شركاء حقيقيون في إدارة شؤونه، وقيادته عبر أطر ديمقراطية مشروعة، وفي التصدي أيضاً لمهام البناء والتنمية ومواجهة التحديات والأخطار الخارجية.
vik9op@gmail.com
دمشق