التقارب الفرنسي-الأميركي في عهد الرئيس ساركوزي يشمل “الملف الإيراني”. ويدخل في هذا التقارب التبادل الأمني “المفتوح” بين البلدين، والضغوط الإقتصادية والسياسية المنسّقة على إيران لإجبارها على التخلّي عن برنامجها النووي. ويثير هذا التحالف الفرنسي-الأميركي مخاوف من إمكانية لجوء الإيرانيين في المستقبل إلى سلاح الإرهاب (كما فعلوا في الثمانينات) لمواجهة الحصار.
*
“جمّدوا كل الإستثمارات الجديدة في إيران”! تلك هي النصيحة التي تلقتّتها الشركات الفرنسية، وخصوصاً الشركات العاملة في مجال الطاقة، من حكومة ساركوزي حسب جريدة “لوموند” الفرنسية في عددها الصادر اليوم.
وتندرج هذه التوصية الحكومية في إطار التصلّب السياسي إزاء الجمهورية الإسلامية الذي يعتمده رئيس الدولة الجديد، نيقولا ساركوزي، بغية إرغام طهران على التخلّي عن برنامج تخصيب اليورانيوم.
ويقرّ رئيس إحدى الشركات الفرنسية الكبرى أن سفير فرنسا في طهران أبلغه، مؤخّراً، أن الوضع ليس مناسباً للعمليات التجارية. وقال أن الإيرانيين عرضوا بالمزاد، خلال شهر أغسطس، 6 مناطق إستثمار (نفط وغاز). ولكن شركة “أو أم في” OMV النمساوية كانت الوحيدة التي اهتمّت بالمزاد. وكانت “أو إم في” قد وقّعت في شهر أبريل بروتوكولاً مع شركة النفط الوطنية الإيرانية يتعلق بإمكانية الإستثمار لتطوير حقل “بارس الجنوبي”، الذي يمثّل واحداً من أكبر إحتياطات الغاز في العالم. ومنذ ذلك التاريخ، تتعرّض الشركة النمساوية لتهديدات من واشنطن التي تعمل لإقناع الشركات الغربية واليابانية بعدم الإستثمار في قطاع النفط والغاز الإيراني.
إن الضغوط الحكومية تطال شركة “توتال” الفرنسية بالدرجة الأولى. والواقع أن مشروع إستثمار وتسييل غاز بارس العملاق يمثّل واحداً من 7 “مشروعات أساسية” تعمل “توتال” لتطويرها بين 2010 و2030. هل ستنجح “توتال” في المضي قدماً بمشروعاتها الإيرانية؟ يجيب الناطق بلسان الشركة أن “تطوّر المحادثات مع شركة النفط الإيرانية لا يسمح بإطلاق هذا المشروع حالياً”. وبدلاً من الحديث عن الضغوط السياسية، تفضّل “توتال” الحديث عن إرتفاع أكلاف المشروع بالمقارنة مع التقديرات الأولية، وكذلك عن الشروط الإيرانية في ما يتعلق بتسعير الغاز. ففي مطلع 2007، قال المدير العام لـ”توتال”، كريستوف دو مارجوري، أن “أكلاف التطوير ارتفعت بنسبة تفوق الضعف، الأمر الذي يشكّل مصدر قلق حقيقي لنا”. وهذا ما يحتّم، في نظره، “إعادة النظر” في الإتفاقات التي أبرمتها “توتال” في العام 2004 مع شركائها الإيرانيين.
“نشعر أن هنالك منعطفاً سياسياً”
فمشروع بارس لاستثمار وتسييل الغاز- وهو أحد مراحل تطوير إحتياطات “بارس الجنوبي” التي ستستغرق 25 عاماً- سيكلّف 10 مليار دولار (7،2 مليار أورو). وكانت “توتال” التي تملك نسبة 30 بالمئة في المشروع قد توقّعت أن تستثمر 3 مليار دولار، إلى جانب الشركة الإيرانية وشركة “بتروناس” الماليزية و40 شركة أخرى. وهذا المشروع يهمّ شركة “غاز فرنسا” التي ترغب في المساهمة بمبلغ 300 مليون دولار في إستثمار وتسييل غاز بارس الجنوبي.
من جهتها، عمدت “توتال” إلى تأجيل قرار الإستثمار من شهر إلى شهر، بسبب قلقها من تزايد المخاطر الناجمة عن الملف النووي، وإدراكاً منها للتغيّر الحاصل في المناخ السياسي العام. ويقول رئيس شركة فرنسية أخرى كبيرة: “نشعر أن هنالك منعطفاً سياسياً”. وكانت سياسة شركات الأكثر مهادنة إزاء طهران قد سهّلت عمل “توتال”. ويُذكر أن “توتال” التي تشارك في 3 مواقع غاز طبيعي مسيّل في المنطقة (أبو ظبي وقطر واليمن) لا تملك وجوداً مؤثّراً في إيران ((0،8 بالمئة فقط من إنتاجها اليومي الذي يبلغ 2،4 مليون برميل).
ومع الإشارة إلى أن “توتال” ستتقيد بقرارات الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي، والحكومة الفرنسية، كان الرئيس السابق لـ”توتال”، تييري ديماريه، قد حذّر الغربيين، في آخر العام 2006، من إطلاق رصاصة “تصيبهم في قدمهم” إذا ما اتخذوا موقفاً متشددا ًتجاه إيران في لحظة توتّر شديد في سوق النفط. والواقع أن الوضع لم يتحسّن منذ ذلك الحين: فقد ارتفع سعر البرميل إلى 80 دولاراً.
إن إيران تمثّل ميداناً جذّاباً للإسثمار، وتتواجد شركات غربية عدة (شل، وريبسول، وبتروبراس، وبتروناس..) في مشروع بارس الجنوبي. وبالنسبة لأوروبا، التي تسعر للحدّ من إعتمادها على الغاز الروسي، فإن إيران تمثّل مصدرا ًللتموين قادراً على تلبية حاجات سوق الغاز المسيّل وحاجات أنبوب غاز “نابوكو” الذي ترغب أوروبا ببنائه. وسيقوم خط أنابيب الغاز هذا بنقل غاز آسيا الوسطى وإيران حتى النمسا.
ويلاحظ خبراء أن إنسحاب الأوروبيين من إيران سيفتح الباب أمام مصالح الشركات الروسية والصينية الكبرى (بتروتشاينا، وكنوك)، باعتبار أن الصين أكثر “مرونة” من الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني.
مع ذلك، فالقلق من إنتشار السلاح النووي يكاد يصبح أكثر أهمية من المخاوف بشأن التموين بالنفط والغاز.
بيار عقل