عمر حرقوص
ثقافة التحريض على قتل قيادات 14آذار التي بدأت العام الماضي بعيد انتهاء حرب تموز، تعيد نفث سمومها بهجوم جديد من نوع مختلف هذه المرة. تحليل الدم من جديد والدعوة إلى قتل الرئيس فؤاد السنيورة والوزراء الموجودين في السرايا الحكومية وغيرهم من قادة الأكثرية يقوم بها أحد المواقع الألكترونية التي تحمل ألعاباً (Games) يمكن لأي كان الوصول إليها. الوضوح في الدعوة إلى القتل يبدأ مع اللعبة الأولى التي تعتبر أن القوى الأمنية التي تحمي السرايا “ميليشيات عسكرية”. فبعد إبادتهم يمكن الدخول إلى السرايا والبدء بتصفية الوزراء الموجودين حتى تحقيق انتصار “إلهي” جديد أو انتصار في حرب إلغاء جديدة.
الشتائم والتعابير المتعلقة بالخونة والعملاء واللصوص هي أول ما يراه الداخل إلى الموقع الألكتروني. فهناك يشهد دعوة واضحة لقتل قياديي 14آذار كافة من دون مواربة. فيما يتم تركيب صور لإهانة هؤلاء القياديين. صور عنصرية بكل أشكالها واتهامات في العديد من هذه الصور بالعلاقة مع العدو الإسرائيلي والتبعية لوزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس. فكرة اقتحام السرايا وقتل الموجودين بداخله تدور في بال عدد من المعارضين للحكومة، على ما يقول صاحب الموقع الالكتروني في إحدى المقابلات الصحافية. ويعتبر أن الكثيرين جاهروا بها علناً. تبرير الدعوة للقتل والجريمة يتم بغطاء المعارضة، فهو يرى أن اللعبة أتت لتعبّر عن رغبات الكثير من اللبنانيين.
مصمم اللعبة ببساطة لا يعترف بالحكومة كما غيره من المعارضين فهو يساوي نفسه مع وئام وهاب وكل قيادات المعارضة. وهو لا مانع لديه من قتل رجال الدولة اللبنانية وتدمير المؤسسات بقوة السلاح. ويظهر من شدة الوعي الزائد لديه أنه لم ير من الحروب اللبنانية إلا ما سمعه من “أشاوس” مخيم الاعتصام الممتد من ساحة رياض الصلح إلى ساحة الدباس.
متعة القتل وتغيير الواقع عبر الرصاص والمتفجرات واقتحام الأماكن الآمنة واعتبار الحكومة اللبنانية غير شرعية تطغى على الموقع. الاجرام يتحرك بالتزامن داخل هذه اللعبة الألكترونية. فـ”البطل” الذي يدير عمليات تحرير السرايا من الخونة والعملاء هو كبطل أفلام الأكشن الأميركية “جان كلود ان دام” أو حتى “رامبو”. يسير خلال عملية تحرير بيت… السرايا بهدوء ويطلق الرصاص على من يصادف من “خونة وعملاء” ببرودة أعصاب ليسيطر في النهاية على “وكر” تابع للسفارة الأميركية. صاحب هذا “الانتاج اللبناني العظيم” لم يتابع أفعاله “التحريرية” بعد السيطرة على السرايا وما بعد السرايا. لم يحدد لمن سيسلم أبواب الدولة اللبنانية. عله في الجزء الرابع يزود اللاعبين بنقيصته. ويخرج لنا بأسد قادم من الشرق يحمل رايات سود أو برتقالية.
أحد الامتحانات الواردة داخل الموقع تدعو الزائرين لامتحان أنفسهم بها. وذلك ليعرف الممتحن إن كان حراً أو وحشاً شريراً تابعاً لقوى 14 آذار. يسألون الزائر عن لونه المفضل وشهره وحيوانه المفضل للتدليل على قياديين من 14 آذار. وما إذا كان زار مطار بيروت الدولي أو مطار رفيق الحريري الدولي في شماتة بالشهداء. إضافة إلى سؤال عنصري عن الشخصية المفضلة للزائر وذلك عبر إهانة جديدة لعدد من قياديي الأكثرية. وفيه صور مركبة لوزراء ونواب من 14 اذار كتب عليها نعوت عنصرية. ونجمة سداسية مرسومة بعلم الكتائب اللبنانية. وبعض الجداول لاستطلاع الرأي تعبّر بالضرورة عن إجرام القائمين عليها.
ثقافة التحريض الممتدة منذ نهاية الحرب في العام الماضي تتابع بهذا الموقع التحريضي. تصريحات نواب وقيادات حرّضت على القتل، واحتلال مناطق ومنع المواطنين من استغلال أرزاقهم جاء كله مع نهاية الحرب والوصول إلى انتخابات رئاسة الجمهورية. بعضهم يسأل عن الرأي حول تقسيم البلد. يحاولون الإيحاء بأن الأكثرية هي باب التقسيم. فيما من يقطع أوصال المدينة ويبني الهاتف البديل ويسيطر على المؤسسات الحكومية ويمنع قيامة اقتصاد لبنان يحسب كمدافع عن لبنان.
الانطباع لدى عدد من قياديي 14 آذار أن الهدف من “اللعبة” هو تأكيد الارهاب السياسي والقتل. فالمطلوب هو منع انتخاب رئيس للجمهورية عبر الأكثرية. فيما أكد القانونيون ضرورة تحرك النيابة العامة التمييزية بسبب هذا الخبر وجلب القائمين على اللعبة لأنه جرم جزائي معنوي ومادي.
هذه اللعبة وهذه المواقع لا تحتاج إلى مؤسسات للقيام برسمها وتأليفها. فشخص واحد أو اثنين يستطيعان رسمها ووضعها على الشبكة خلال فترة زمنية تمتد من أسبوعين إلى شهر ونصف. وذلك حسب قدرات المصمم. ولكن هذا النوع من الأفكار يحتاج إلى حماية سياسية تبدأ بمراكز “المعلوماتية” السرية وتنتهي بمنع دخول القوى الأمنية إلى المربعات والمثلثات الأمنية والمخيمات العاصية على الدولة.
وزير الشباب والرياضة احمد فتفت اعتبر ان الموقع وما يحويه “تهديد واضح ورسالة لا تحيد عن طريقها”. واعتبر أن “الحديث عن مشهد انتهاء اللعبة بالقضاء على ساكني السرايا يعطي انطباعاً واضحاً عن الأفكار التي ترمى بين الناس لإثارتهم نحو العنف”. وشبّه هذا العمل بـ”الإرهاب السياسي الذي يؤدي دوراً في هذا الهجوم على الحكومة”. واستغرب أن يقال “إن العاملين بهذه اللعبة ليسوا طرفاً سياسياً لأن ما قدّم حتى الآن هو جزء مما قيل في الخطابات السياسية المتطرفة خلال مهاجمة الحكومة. وليس نتيجة لخطابات السياسيين كما يحاولون الإيحاء بل هو جزء من المعركة”. ورأى أن ما مرّ يعتبر “حقد يتجاوز الاختلافات والمعارك السياسية التي نعيشها دائماً في لبنان”.
النائب السابق فارس سعيد رأى ان “ترويج هذه اللعبة وإظهارها في الوقت الحالي يأتي لبناء حالة من التهويل لردع قوى14 اذار من القيام بانتخاب رئيس للجمهورية”، لافتاً الى ان هذه اللعبة “لا تؤخذ على محمل الجد بقدر ما توصف بأنها جزء من الحملة على قوى 14آذار لمنعهم من إكمال مسيرة الانتفاضة وبناء الدولة”.
المحامي فؤاد شبقلو اعتبر أن هذه اللعبة “دعوة علنية إلى القتل. وهي تحمل ترويجاً للإجرام ونشر الفوضى وإلغاء المؤسسات. إضافة إلى كونها تساهم في اضمحلال الوزارات والاعتداء والتدخل في جرائم الاعتداء على أمن الدولة والسلم الأهلي. بما في ذلك من تخريب للممتلكات العامة والحكومية وقتل المسؤولين”.
ورأى أن “الترويج لها ونشرها وتعميمها أكان لعبة أو فكرة أو اختراع أو أثر فني من شأنه إثارة البلبلة والذعر بين الناس والتحريض على قتل قيادات سياسية ووزراء ونواب من اتجاه محدد”.
وأكد شبقلو وجوب “تحرك النيابة العامة التمييزية بسبب هذا الخبر وجلب القائمين على اللعبة لأنه جرم جزائي معنوي ومادي”.
ورأى “إنها دعوة عامة علنية تحريضية لقتل المسؤولين والاشتراك والتدخل في أعمال جرمية. لا سيما نعت رئيس الوزراء بالخيانة والعمالة”. وأن ما ورد في هذه اللعبة “يشدد عزيمة المجرم ويدعوه إلى المباشرة والاشتراك في جرائم القتل”. واعتبر أن “هذا الموضوع برسم النيابة العامة التمييزية”.
لعبة الكترونية يتساوى فيها “القاتل” داخل الشاشة مع “المجرم” الذي قتل العديد من المناضلين في هذا البلد. لعبة تساهم في تجديد دم لعنة القتل التي بدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأكملت مع قياديين من انتفاضة الاستقلال ليكون آخرها النائب الشهيد وليد عيدو.
(المستقبل)